| تقريب القران الى الذهان | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:18 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 7
| ((وَ)) إذ أتمّ سبحانه نعمته عليكم فـ ((اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ)) اذكروا ((مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ ))، أي عهده الذي عاهدكم به من الإيمان والسمع والطاعة فقد أخذ سبحانه ميثاق الأمم على يد الأنبياء ((إِذْ قُلْتُمْ )) بعد ما آمنتم ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )) فعليكم حسب المعاهدة السمع والطاعة وعلى الله الإسعاد في الدنيا والآخرة والله سبحانه فَعَلَ ما عليه فعليكم أن تفعلوا ما عليكم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) فلا تخالفوا أوامره ونواهيه ((إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) في الظلال قال : وذات الصدور أي صاحبة الصدور الملازمة لها اللاصقة بها وهي كناية عن النيّات المقيمة والأسرار الدفينة والمشاعر التي لها صفة الملازمة للقلوب والإستقرار في الصدور وهي على خفائها هناك مكشوفة لعلم الله والله بها عليم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 8 | ثم يرجع السياق إلى لزوم الجادة وعدم الإعتداء -كما سبق- في قوله (ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم) كما تجد مثل ذلك كثيراً في القرآن الحكيم حيث يلطّف الجو بذِكر الصلاة ونحوها ثم يرجع إلى المطلب السابق بعدما لطّف الجو وربطه بالطابع الإلهي العام وأخرج الكلام عن كونه مملّاً ثم إنّ ما يأتي هو من الميثاق الذي واثَقَ الله عياده به ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ ))، أي كثيري القيام لأمر الله سبحانه ورضاه ((شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل في كل أمر من الأمور ((وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ ))، أي لا يحملنّكم ((شَنَآنُ قَوْمٍ ))، أي عدائهم لكم ((عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ )) في الحُكم عليهم والسيرة بينهم، فإنّ الإنسان إذا عادى شخصاً لا يعدل بالنسبة إليه -غالباً- إنتقاماً وشفاءاً لما في صدره من الضغينة عليه ولذا كان من أُسُس الإسلام قول الحق في الرضا والغضب ((اعْدِلُواْ هُوَ ))، أي العدل ((أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )) وليس المفهوم أنّ الجَور قريب إلى التقوى فإنّ التفضيل في مثل المقام ينسلخ عن معناه اللغوي ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) باجتناب نواهيه والإتيان بأوامره ((إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم على أعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 9 | ((وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ )) بالله ورُسله وما جائوا به ((وَعَمِلُواْ )) الأعمال ((الصَّالِحَاتِ )) وذلك يلازم ترك السيئات ((لَهُم مَّغْفِرَةٌ )) لذنوبهم ((وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)) وجملة (لهم مغفرة) في موضوع نصب مفعولاً لوعد ولعل سر الإتيان بالجملة إفادة أنّ المطلب مقطوع به فإنّ الجملة الإسمية تفيد اليقين .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 10 | ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ )) فلم يؤمنوا إيماناً صحيحاً ((وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا )) ببراهيننا وأدلّتنا التي أقمناها على التوحيد وسائر الأصول ((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) الذين يصاحبون النار ويخلدون فيها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 11 | ثم ذَكَّرَ المؤمنين بنعمة من نعمه سبحانه وأنه كيف وفّى لهم بميثاقه حيث أنقذهم من كيد أعدائهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ ))، أي قَصَدَ وأرادَ ((قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ )) والمراد ببسط اليد إيذائهم وقتلهم واستئصالهم، قال القمي : يعني أهل مكة من قبل فتحها، فكفّ أيديهم بالصلح يوم الحديبية، وقيل أن المراد بذلك العموم، أي مَن أرادَ السوء بالمسلمين، وقيل المراد بالقوم خصوص بني النظير حيث أرادوا قتل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأُخبر بذلك فنُجّي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كيدهم، وقيل غير ذلك ((فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ))، أي منعهم عن الفتك بكم بل نصركم عليهم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) بامتثال أوامره واجتناب زواجره ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) يكلون إليه سبحانه أمورهم ويجعلونه نصيراً وظهيراً لهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 12 | لو كانت الآية السابقة حول بني النظير -وهم من اليهود- لكان الإرتباط بين الآيتين واضحاً إذ بيّن سبحانه هنا أنهم خانوا الأنبياء من قبل ما تفضّل الله عليهم بكل خير ونعمة فكيف لا يريدون خيانة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويحتمل أن يكون الإرتباط منجهة الميثاق فيريد سبحانه أن يذكّر المسلمين حتى لا يكونوا كاليهود الذين خانوا ونقضوا الميثاق بعد أخذه منهم إذ قد سبق قوله (وميثاقه الذي واثَقَكُم به) ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ)) العهد الأكيد الذي أخذه الله منهم على لسان أنبيائه ((وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا )) من النقب وهو الكشف، فكان النقيب -وهو كفيل القوم- ينقب عن أسرارهم ويكشف ضمائرهم ليسير بهم نحو الخير والصلاح في المجتمع، أي أمرنا موسى بأن يبعث من الأسباط الإثني عشر إثنى عشر رجلاً كالضلائع يتحسّبون ويأتون بني إسرائيل بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين فاختار من كل سبط رجلاً يكون لهم نقيباً، أي أميناً كفيلاً، فرجعوا يهنون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم وعُظم خَلقهم إلا رجلين منهم بن يوقنا يوشح بن نوى ((وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ))، أي قال لبني إسرائيل وكونه معهم بمعنى أنه يؤيدهم وينصرهم ويهديهم ((لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ )) يامعشر بني إسرائيل ((وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ))، اي أعطيتموها ((وَآمَنتُم بِرُسُلِي )) الذين يأتون من بعد موسى (عليه السلام) ولذا أخّرَ الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ((وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ))، اي عظّمتموهم أو نصرتموهم ((وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ))، أي أنفقتم في سبيله فإنه كالقرض الذي يُعطى ثم يُؤخذ والمراد بكونه حسناً أن لا يكون فيه مَنّ ولا إيذاء ولا دواعي غير الله سبحانه ((لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ ))، أي أُذهبنّ، ومعنى التكفير التغطية، أي أُغطّي بالغفران ((سَيِّئَاتِكُمْ)) التي صدرت منكم وهو جواب (لئن أقمتُم) ((وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت قصورها وبساتينها ((فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد أخذ الميثاق ((مِنكُمْ )) يابني إسرائيل ((فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))، أي أخطأ وسط الطريق فإنّ (سواء) كل شيء وسطه .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:19 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 13
| ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ))، أي بسبب نقض اليهود ميثاقهم الذي كان بين وبينهم حيث أنهم تركوا الصلاة ورفضوا الزكاة وكذّبوا بالرُسُل وقتلوهم ((لَعنَّاهُمْ ))، أي طردناهم عن ساحة القُرب وقطعنا رحمتنا منهم حيث جعلنا بعضهم قردة وخنازير وجعلناهم مشرّدين مطرودين دائماً لا تقوم لهم قائمة ((وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً )) يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق وتميل نحو الظلم والكفر وجعله سبحانه قلوبهم قاسية بمعنى تركه اللُطف بهم حتى ردئت ملكتهم كمن يعصي إستاذه في أوامره قيترك تدريسه وتهذيب أخلاقه حتى يصبح جاهلاً ذا أخلاق سيئة ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ )) جمع كلمة ((عَن مَّوَاضِعِهِ )) وتحريفهم الَلِم على قسمين بمحو بعض التوراة وإثبات غيره مكانه وقسم بتأويله على غير المعنى المقصود منه ((وَنَسُواْ حَظًّا ))، أي قسماً ((مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ))، أي من الأحكام التي ذكرناهم في التوراة بتلك الأحكام فإنه قد فُقَدَ بعض التوراة مما لا يعلّمونه الأمة، أو المراد من النسيان أ،ه صار كالمعنى عندهم من جرّاء عدم العمل، فإنّ النسيان يُطلق على ما أهمله الإنسان، يُقال : نسيني، أي أهملني، قال سبحانه (نسوا الله فنَسِيَهُم) ((وَلاَ تَزَالُ )) يارسول الله ((تَطَّلِعُ )) باستمرار ((عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ))، أي طائفة خائنة أو نفس خائنة إذا قالوا قولاً خالفوه وإذا عاهدوا عهداً نقضوه -كما أراد بنو النظير الغدر به والخيانة بعد الميثاق ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ)) أما الإستثناء من الجميع أو من الجملة الأخيرة، فإنّ (قليلاً منهم) ليسوا كذلك كعبد الله بن سلام أو إنّ قليلاً منهم لا يخون ((فَاعْفُ عَنْهُمْ ))، أي عن هؤلاء ((وَاصْفَحْ ))، أي تجاوز فإنّك لستَ منتقِماً وإنّ ذلك ليس من شأنك ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) فإنّ العفو والصفح إحسان والإحسان محبوب حتى بالنسبة إلى المجرم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 14 | هذا كان شأن اليهود أما النصارى فليسوا أحسن حالاً من اليهود من بعض الجهات ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى )) قولاً باللفظ لا إعتقاد بالقلب كما تقول : فلان يقول أني مسلم، تريد بذلك أنه ليس بمسلم حقيقة بل مسلم قولاً ((أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ )) من إقامة الصلاة وإيتاء لزكاة والإيمان بالرُسُل واتّباع أوامر الله ((فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ )) كما نسي اليهود ذلك من ذي قَبل ((فَأَغْرَيْنَا )) التسليط والتحريش والتحريض ((بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) فإنهم إنقسموا إلى أقسام وأخَذَ بعضهم يعادي بعضاً عداءاً لا مثيل له حتى إنّ عداء بعضهم لبعض بَلَغَ إلى حيث لم يبلغ عدائهم لليهود والمسلمين والوثنيين وقد شهد التاريخ قديماً مذابح من فرق النصارى ومعادات الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس فعلاً لا يحتاج إلى برهان وهذا أحد معاجز القرآن الحكيم كإخباره عن ذلّة اليهود وأنه ضُربت عليهم الذلّة والمسكنة، وهنا سؤال أنه كيف يكون إلى يوم القيامة وفي زمان المهدي (عليه السلام) يُسلم الكل وجهه إلى الله ثم أنّ يوم القيامة إنما يكون بعد موت الناس عشرات السنوات ؟ والجواب : أنّ هذا معناه بقاء العداوة ما بقوا يعتبر عن إستمرار الشيء إلى الأخير بمثل هذا التعبير ((وَسَوْفَ )) في يوم القيامة ((يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ ))، أي يُخبرهم سبحانه ((بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)) ويقف التعبير إلى هذا الحد ليرسم صورة من التهديد كما تقول للمجرم غداً أُنبّئك بما عملتَ اليوم، تريد بذلك تهديده بالعقاب القاسي .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 15 | ثم خاطب سبحانه أهل الكتاب بصورة عامة يهديهم سواء السبيل ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) أيها اليهود والنصارى -ولعلّ المجوس أيضاً داخل في الخطاب- ((قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا )) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ )) من أحكام الله سبحانه التي عارضت مصالحهم فأخفوه عن الناس إبقاءً على كيانهم وإنحرافهم ((وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )) من ما إستوجبوه من العقاب أو يعفو عن بعض الأحكام التي أوجبت عليهم عقوبة كما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أُحلّت لهم) فالفرصة سانحة الآن لتتداركوا ما فات منكم ((قَدْ جَاءكُم )) ياأهل الكتاب ((مِّنَ اللّهِ نُورٌ )) هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكما إنّ النور الخارجي يهتدي به إلى الأمور المحسوسة في الظلمة كذلك النور المعنوي يهتدي به إلى دروب الحياة في ظلمات الأهواء والجهل ((وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)) هو القرآن فإنه واضح لا لبس فيه ولا غموض .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 16 | ((يَهْدِي بِهِ ))، أي بكل واحد من النور والكتاب كما قال سبحانه (وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه)، أي كلّ واحد منهما ((اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ ))، أي من اتّبع رضوان الله -أي رضاه- بقبول القرآن ونبوّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((سُبُلَ السَّلاَمِ ))، أي طرق السلامة في كل شيء السلامة في الدين والسلامة في الآخرة للفرد وللمجتمع ((وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )) فإنّ الحياة ظلمات لا يدري الإنسان كيف يسير في دروبها وبالقرآن والنبي يهتدي إلى الحق ويُنير طريقه ((بِإِذْنِهِ )) بإذن الله ولُطفه ((وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) يوصلهم إلى سعادة الدنيا والآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 17 | إنه يهدي إلى الصراط المستقيم في العقيدة لا الإعتقاد بأنّ المسيح هو الله أو الإعتقاد بأنّ لله أبناء ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )) فإنه سواءً جعلوه إلهاً واحداً أو شريكاً له كفروا إذ إنكار الله سبحانه والتشريك معه كلاهما كفر ((قُلْ )) يارسول الله في إبطال قولهم ((فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ))، أي من يقدر على أن يدفع أمراً من أوامر الله وإرادة من إراداته ((إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا )) إنّ المسيحيون معترفون بذلك وأنه بإمكان الله أن يهلك كل أولئك فكيف يجتمع هذا الإعتراف مع الإعتقاد بإلوهيّة المسيح أنّ الإله لا يمكن لأحد مخالفة أمره التكويني فكيف يتمكن أحد إهلاكه ؟ ((وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا )) فكيف يمكن له شريك أنّ كلّ شيء يُتصوّر فهو مُلك لله وهل يمكن أن يكون إله مملوك ؟ ((يَخْلُقُ مَا يَشَاء )) إن شاء خلق من دون ذكر ولا أنثى كآدم وحواء (عليهما السلام) وإن شاء خلق من ذكر وأنثى كسائر الناس وإن شاء خلق من أنثى دون ذكر كالمسيح (عليه السلام) فليس في خلقه دلالة على ألوهيّته كما زعمت النصارى ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ليست قدرته منحصرة في شيء أو أشياء خاصة حتى إذا كان خلق بمعنى ذلك الشكل دلّ على أنه ليس من خلقه .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:20 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 18
| ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ )) فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا حذّرهم بنقمات الله وعذابه قالوا : نحن أبنائه، والإبن الحبيب لا يخاف من نقمة الأب الودود ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء المفترين ((فَلِمَ يُعَذِّبُكُم )) الله ((بِذُنُوبِكُم )) ؟ حيث تعترفون بما حكى القرآن عنهم (وقالوا لن تمسّنا النار إلا أياماً معدودة) فإن كُنتم أبناءاً أحباءاً لم يكن معنى للعذاب ولعلّ المراد من المستقبل الماضي، أي لِمَ عذّبكم سابقاً بذنوبكم حيث جعل القِردة والخنازير وأشباه ذلك ((بَلْ أَنتُم )) أيها اليهود والنصارى ((بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ )) تعالى إن أحسنتم جوزيتم وإن أسئتم جوزيتم كما يُجازي غيركم من الناس ((يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء )) من العاصين ((وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء )) منهم أنه لا بنوّة ولا عواطف خاصة بين الله وبينكم ((وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) فليس شيء من نفس الله حتى لا يملكه سبحانه -كما تدّعون أنتم من كونكم أبنائه- ((وَمَا بَيْنَهُمَا )) من سائر المخلوقات والمراد بالسماء هنا الكواكب وما يُرى في ناحيتها -كما هو المنصرف- حتى يتصوّر ما بينهما لا جهة العلو ((وَإِلَيْهِ )) سبحانه ((الْمَصِيرُ)) المرجع والمآل فليس هناك غيره يملك شيئاً أو يرجع إليه في أمر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 19 | ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا )) محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يُبَيِّنُ لَكُمْ)) الأصول والفروع ((عَلَى )) حين ((فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ))، أي إنقطاع منهم فلم يكن قُرب بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبي وقد كُنتم في جهالة وضلالة والآن جاء المعلّم المنقذ الهادي ولعلّ سر الفترة تبيّن الأمر وبوضوح أنّ الدنيا لا تستقيم إلا بهدى السماء فإنه لما إنقطع الوحي في الفترة ساد العالم خراب وفوضى لا مثيل لها، وليكون تجربة عملية، وإنما جاء الرسول لئلا تحتجّوا و((أَن تَقُولُواْ )) يوم القيامة ((مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ )) حتى نهتدي ونصلح ((فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ)) لمن آمن واتقى بالجنة ((وَنَذِيرٌ )) لمن كفر أو عصى بالنار ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) يقدر على أن يُرسل الرسول فليس لشخص أن يقول : كيف يكون هذا رسولا ؟ .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 20 | ويرجع السياق إلى قصة بني إسرائيل الذين ينقضون كل المعاهدات والمواثيق وأنهم لم يفوا بموسى نبيّهم المعترف به فكيف يفون بغيره ممن لا يعترفون به عناداً وحسداً ((وَ)) اذكر ((إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ )) فقابلوها بالإطاعة واتباع الأحكام ((إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء )) فقد كان سبعون نبيّاً في عهد موسى (عليه السلام) ولعل سر كثرة الأنبياء في تلك الأزمنة كون البشر في مثل حالة الأطفال الذين يحتاجون إلى متعدّد من المربّين بخلاف عهدي عيسى (عليه السلام) والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان كمل نضج البشر أكثر فأكثر كالكبار الذين لا يحتاجون إلا إلى مرشد واع، وهنا نكتة لابد من ذكرها وهي أنّ الإنهزامية الغربية التي غزت نفوس المسلمين جعلهم يفكرون حول الأنبياء والأمم كما فكّر دارون وتلاميذه القائلون بالتطوّر مع العلم أنّ القرآن والسنّة يكذبون ذلك وأنّ أول بشر على وجه الأرض كان نبيّاً أوتي من جميع أولاده وزوجته الذين بُعث إليهم نبيّاً وهكذا تسلسلت الأمم كلما إبتعدوا عن النبي توحّشوا وكلما إقتربوا إليه إرتقوا مدارج الإنسانية وبنو إسرائيل كانوا أمة بعيدة عن الإنسانية والفضيلة -بأنفسهم- لا إنّ قبلهم كانوا أكثر توحشاً كما يقول "المتطورون" ويتصورون كذباً واختلافاً وتقليداً : إنسان الغاب وقبله القرد ومن حُسن الحظ أنّ علماء الغرب نقدوا رأي دارون وأقاموا أدلة على بطلانه لكن المنهزمون عندنا بعدهم في هزيمتهم النكراء يلعقون قصاع دارون ((وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا)) فقد كان فيهم الملوك والساسة والقادة ((وَآتَاكُم ))، أي أعطاكم ((مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ)) من إنزال المن والسلوى والتفضيل على سائر الأمم الذين في زمانهم بجعلهم من نسل الأنبياء ولبث الأنبياء منهم وجعلهم ملوكاً وإغراق أعدائهم إلى غيرها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 21 | ((يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ)) وهي أرض الشام التي قُدّست وطُهّرت من الشرك وبوركت بكثرة الأشجار والأنهار وطيب الهواء وكثرت فيها الأنبياء وقد كانوا في مصر عبيداً وها هم نجو من أعدائهم ويريد الله بهم أن يدخلوا الشام ليكونوا فيها سادة وملوكا ((الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) فيها السيادة والسعادة ((وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ ))، أي لا ترجعوا عن الأرض التي أُمرتم بدخولها ((فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)) سعادة الدنيا وثواب الآخرة بسبب عدم مكان مريح لكم في الدنيا وعدم سماع أمر الله الموجب لحرمانكم من الثواب في الآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 22 | ((قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا )) في الأرض المقدّسة ((قَوْمًا جَبَّارِينَ )) شديدي البأس والبطش ((وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا ))، أي الأرض المقدّسة ((حَتَّىَ يَخْرُجُواْ ))، أي يخرج الجبّارون ((مِنْهَا )) هم بأنفسهم بدون تعب أو نصب أو قتال ((فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)) فيها، قال في المجمع (بتلخيص) : قال المفسّرون لمّا عبر موسى وبنو إسرائيل البحر وهلك فرعون أمَرَهم سبحانه بدخول الأرض المقدّسة فلما نزلوا على نهر الأردن خافوا من الدخول فبعث موسى من كلّ سبط رجلاً وهم الذين ذكرهم الله في قوله وبعثنا منهم إثني عشر نقيباً فعاينوا من عظم شأنهم وقوّتهم شيئاً عجيباً فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى (عليه السلام) بذلك فأمَرَهم أن يكتموا ذلك فوفى إثنان منهم يوشع بن نون وكالب بن يوقنا وعصى العشرة وأخبروا بذلك وفشا الخبر في الناس فقالوا : إن دخلنا عليهم تكون نسائنا وأهالينا غنيمة لهم، وهمّوا بالإنصراف إلى مصر وهمّوا بيوشع وكالب أن يرجموهما بالحجارة فاغتاظ لذلك موسى وقال : إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فأوحى الله إليهم أنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة وإنما يخرج منهم من لم يعصِ الله في ذلك، فبقوا في التيه أربعين سنة في ستة عشر فرسخاً وهم ستمائة ألف مقاتل لا تتخرق ثيابهم وتثبت معهم وينزل عليهم المن والسلوى ومات النقباء غير يوشع وكالب ومات أكثرهم ونشأ ذريتهم فخرجوا إلى حرب أريما وفتحوها .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:20 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 23
| ((قَالَ رَجُلاَنِ )) هما يوشع وكالب ((مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ )) الله تعالى فيتّبعون أوامره وزواجره ((أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا )) بالدين والعقل ((ادْخُلُواْ )) يابني إسرائيل ((عَلَيْهِمُ ))، أي على هؤلاء الجبّارين ((الْبَابَ ))، أي باب المدينة ((فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ )) إلى الباب ((فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ )) فقد كان أخبرهم موسى (عليه السلام) بالنصر ((وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ )) في نصرة الله لكم على الجبّارين ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) إيماناً حقاً فإنّ من توكّل على الله كفاه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 24 | ((قَالُواْ ))، أي بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) ((يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا ))، أي لن ندخل المدينة ((أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا ))، أي ما دام الجبارون في المدينة فقد خافوا منهم ولم يثقوا بوعد الله النصر لهم ((فَاذْهَبْ )) ياموسى ((أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا )) الجبارين ولعلّ مرادهم ليس ما ينافي نزاهة الله عن التجسيم بل قصدوا أن يدفعهم الرب، كما قال سبحانه (ولكن الله رمى) وقال (وجاء ربك)، ولذا لم ينكر موسى (عليهم السلام) مقالتهم، أو قصدوا التجسيم وأنكر موسى لكن القرآن لم يحكِ ذلك لأنه ليس بصدد بيان الواقعية بكل مزاياها ((إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)) ننتظر تطهير المدينة من الجبارين حتى ندخلها أما أن نحارب الجبارين فلا طاقة لنا بذلك ولا نقدم عليها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 25 | ((قَالَ )) موسى (عليه السلام معتذراً لله عن مخالفة قومه مخاطباً لله سبحانه ((رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي )) هارون فإنّ نفسي هي التي تطيع أوامرك وكذلك أخي هو الذي يطيعني ويسمعني إذا أمرته بشيء أما هؤلاء فليسوا كذلك أما يوشع (عليه السلام) ومن كان على شاكلته فلعلهم لم يكونوا حاضرين إذ ذاك عند هذا الحوار ((فَافْرُقْ ))، أي أفصِل اللهم ((بَيْنَنَا )) أنا والأخ ((وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)) الذين لا يطيعون الأوامر والمراد بالفرق عدم إجراء حكم واحد عليهم في الدنيا والآخرة فإنهما (عليهما السلام) قد باينا قومهما بالإطاعة حين عصى أولئك .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 26 | ((قَالَ )) الله تعالى لموسى (عليه السلام) وإذ عصوني ولم يؤمنوا بوعدي ((فَإِنَّهَا ))، أي الأرض المقدّسة ((مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ )) دخولها، أي نمنعهم عنها ((أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ )) من تاه إذا ضلّ ولم تهتدِ الطريق إلى مقصده ((فِي الأَرْضِ )) فإنهم كانوا يمشون إلى الليل فإذا أرادوا في اليوم الثاني السفر رأوا أنفسهم في مكانهم السابق ((فَلاَ تَأْسَ ))، أي لا تحزن ((عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)) وإنهم كيف تاهوا أربعين سنة ووقعوا في هذه الصعوبة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 27 | إنّ حال اليهود في نقض العهد وارتكاب الفواحش بلا مبرر حال إبني آدم (عليه السلام) هابيل وقابيل فإنّ الله أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية وإسم الله الأعظم إلى هابيل وكان قابيل أكبر فبلغ قابيل فغضب فقال أنا أولى بالكرامة والوصية فأمرهما أن يقرّبا قرباناً بوحي من الله إليه ففعلا فتُقبّل قربان هابيل حيث أخلص وقدّم خير ما له ولم يُتقبّل قربان قابيل حيث أساء النيّة وقدّم شر ما له، ولما رأى قابيل أنّ قربانه لم يُقبل حسد وعمد إلى هابيل ووضع رأسه بين حجرين فشدخه فمات ولم يدرِ ماذا يصنع بجثته فجاء غرابان فقتل أحدهما الآخر ودفن جثته فتعلّم قابيل فدفن جثة هابيل ((وَاتْلُ ))، أي إقرأ ((عَلَيْهِمْ ))، أي على اليهود ((نَبَأَ ))، أي خبر ((ابْنَيْ آدَمَ )) هابيل الصالح وقابيل الطالح ((بِالْحَقِّ ))، أي تلاوة بالحق والصدق فليس فيه كذب وهين ((إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا )) القربان هو ما يقصد به التقرّب إلى الله تعالى ((فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا)) وهو هابيل (( وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ )) وهو قابيل، قالوا : وكانت علامة القبول أن تأتي نار من السماء فتأكل ما تُقبّل فأكلت النار قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل ((قَالَ)) قابيل الذي لم يُتقبّل قربانه لهابيل (عليه السلام) ((لَأقْتُلَنَّكَ)) حسداً وعناداً ((قَالَ )) هابيل (عليه السلام) : وما ذنبي ؟ ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) ولعل هذا كان تنبيهاً له لأن يتّقي الله حتى يحبوه بكرامته ولم يكن تبجّحاً قطعاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 28 | ثم قال هابيل (عليه السلام) لقابيل ((لَئِن بَسَطتَ ))، أي مددت ((إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ))، أي تريد قتلي ((مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ ))، أي ماد ((يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ )) فإنّ من يريد قتل إنسان ظلماً لا يجوز للمظلوم إلا المدافعة لا قتل الظالم إلا إذا توقّف الدفاع عليه، أو المراد : إن أردتَ قتلي ظلماً فإنّي لستُ أريد قتلك كذلك ((إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)) في أن أقتل أحداً ظلماً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 29 | ((إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ ))، أي ترجع أنت ياقابيل ((بِإِثْمِي ))، أي إثم قتلي ((وَإِثْمِكَ ))، أي وِزرك الذي عليك من غير جهة القتل ومعنى الإرادة هنا مجازي لأنه مقابل إرادة الفاعل فإنّ الإنسان إذا أراد شيئاً يقول : أردتُ ، وإذا لم يرد أن يفعله وأراد غيره فعله يقول : أردتُ أن يفعله غيري، فالتعبير بالإرادة هنا للمقابلة نحو قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) فقولنا : أريد أن تُذنب يُراد به : إني لا أذنب بل أنت تحمل الذنب، لا إنه إرادة حقيقة من المتكلم لذنب المخاطب فلا يُقال : كيف يصح أن يريد هابيل (عليه السلام) أن يأثم قابيل ((فَتَكُونَ )) أنت ياقابيل ((مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )) الملازمين لها ((وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 30 | ((فَطَوَّعَتْ ))، أي شجّعت ((لَهُ ))، أي لقابيل ((نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ )) هابيل ((فَقَتَلَهُ )) قالوا قتله غيلة ((فَأَصْبَحَ )) قابيل ((مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا الدنيا والآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 31 | وحينما قتله لم يدرِ كيف يصنع بجثته لأنه لم ير من قبل ذلك ميتاً ((فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ ))، أي يتطلب ويفتّش ويثير التراب ليدفن الغراب الآخر الذي قتله إذ جاء غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فدفنه ((لِيُرِيَهُ ))، أي يُري الغراب قابيل ((كَيْفَ يُوَارِي ))، أي يستر ((سَوْءةَ ))، أي جثة ((أَخِيهِ )) وإنما سمي البدن "سوئة" لأنه سائه بدنه المقتول ((قَالَ )) قابيل لما رأى فعل الغراب ((يَا وَيْلَتَا ))، أي ياويلي، والويل بمعنى الهلاك، أي ياهلاكي احضر فهذا أوانك، نحو ياعجباً ((أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ )) في العلم بكيفية الخلاص من جثة أخي ((فَأُوَارِيَ ))، أي أستر بالتراب ((سَوْءةَ أَخِي )) ثم دفنه ((فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)) على قتله، ولم يكن ندم توبة وإنما ندم فعل فلا يُقال : كيف يعاقَب وقد تاب ؟ ، قال إبن عباس : لما قتل قابيل هابيل أشاكَ الشجر وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمّر الماء واغبرّت الأرض فقال آدم : قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول : تغيّرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبرّ قبيح تغيّر كلّ ذي لون وطعم وقلّ بشاشة الوجه الصبيح |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:20 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 32
| ولما حكى سبحانه قصة إبني آدم وأظهر بشاعة الجريمة ذكر جملة من الحدود على الجرائم وإبتدء بالقتل للتناسب فقال تعالى ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ )) أجل في اللغة بمعنى الجناية، يُقال : أجَلَ عليهم شراً أي جنى، أي من إبتداء تلك الجناية فـ (من) إبتدائية وذلك إشارة إلى قتل قابيل هابيل، أي من وقت تلك الجناية قررنا الحكم الآتي وهو : إنّ (مَن قَتَلَ نفساً) الآية، وبعض المفسرين يفسر (أجَل) بالمعنى المتعارف فالمعنى : من أجل الإعتداء الذي لا موجب له ولا مبرر على المسلمين الوارعين الذين لا يريدون شراً ولا مدافعة ((كَتَبْنَا ))، أي فرضنا ((عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ )) وليس الحكم خاصاً بهم وإنما أتى بذكرهم لأنهم مورد البحث والكلام وأنهم الذين عاكسوا أحكام الله وقتلوا أنبيائه ((أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا ))، أي إنساناً قتلاً ظلماً ((بِغَيْرِ نَفْسٍ ))، أي لا بمقابل نفص حتى يخرج قتل القاتل فرداً من الموضوع للحكم ((أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ))، أي لم يكن المقتول مُفسِداً حتى يستحق بذلك أن يُقتل ((فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) إنه باعتدائه على حياة بلا مبرر كان كمن إعتدى على الحياة كلها ((وَمَنْ أَحْيَاهَا )) لا إحياءاً من العدم بل إحياءاً بمعنى التحفظ على حياتها وإنجائها من الهلاك ((فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) حيث إنّ تحفّظه على حياة يكون كتحفّظ على الحياة كلها إنّ الحياة كلّ سارٍ في كلّ حي، فالتعدّي على فرد تعدّي على الكل كما إنّ التحفظ على فرد تحفّظ على الكل ((وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ))، أي أتت إلى بني إسرائيل -الذين يدور الكلام حولهم- ((رُسُلُنَا )) أنبيائهم ((بِالبَيِّنَاتِ ))، أي الأدلة الواضحة الدالة على صدق نبوّتهم ((ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ))، أي من بني إسرائيل ((بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد مجيء الرُسُل إليهم ((فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))، اي يجاوزون الحد فقد كانوا يستحلّون المحارم ويسفكون الدماء .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 33 | وبمناسبة قتل النفس بغير حق ذَكَرَ سبحانه حُكم من يسعى في الأرض فساداً، وقد ورد في شأن نزول هذه الآية أنّ قوماً من بني ضبّة قَدِموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضى فبعثهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة من كان في الإبل وساقوا الإبل، فبعث إليهم علياً (عليه السلام) فأسرهم فنزلت هذه الآية فاختار رسول الله القطع فقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، وفي بعض الروايات أنها نزلت في قُطّاع الطرق ولا منافات بين الأمرين ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ ))، أي يحاربون أوليائه فإن! محاربة المتعلّقين بشخص هو محاربة ذلك الشخص كقوله تعالى (يؤذون الله ورسوله) ((وَرَسُولَهُ ))، أي يحاربون رسوله وهذا أيضاً كذلك فإنّ محاربة أولياء الرسول محاربة للرسول ((وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )) بالإفساد وشهر السلاح للإخافة، ولا يخفى أنه لو لم نقل بعموم الآية لكلّ من صدق عليه هذا الموضوع كان اللازم أن يحمل على قُطّاع الطرق لما ورد به الروايات وكأنه إعتبر محاربة الناس وإخافتهم محاربة لله والرسول ((أَن يُقَتَّلُواْ )) تقتيلا وإنما عدّى بالتفعيل لأنّ المراد منه قتل كلهم وباب التفعيل بدل على التكثير كما قال تعالى (وغلّقت الأبواب)، أي غلّقت كل باب ((أَوْ يُصَلَّبُواْ )) بالمشنقة و(أو) هنا للتخيير كما ورد عن الصادق (عليه السلام) والإختيار إلى الإمام في ذلك ((أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ )) فتُقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فيكون قطع كل واحدة خلاف الجهة التي يقع فيها قطع الواحدة الأخرى ((أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ))، أي من بلد إلى بلد حتى يتوب ويرجع وقوله سبحانه (إنما) معناه أنّ جزائه ذلك فحسب لا جزاء له سواه ((ذَلِكَ )) الذي ذُكر أنه يفعل بهم ((لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ))، أي عقوبة وفضيحة ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) في النار .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 34 | ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ )) فإنّ التوبة قبل الوقوع في يد حاكم الشرع تُقبل أما لو وقع ثم تاب فإنه لا تُقبل توبته بالنسبة إلى درء الحد بل يجري عليه الحد ((فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ )) يغفر ذنبهم ((رَّحِيمٌ)) لا يعاقبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 35 | ثم يتوجه القرآن الحكيم إلى تربية الوجدان إلى جنب تربية الخارجين عن طاعته بالسيف والعقاب ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ )) بإتيان أوامره واجتناب زواجره ((وَابْتَغُواْ ))، أي أطلبوا ((إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ )) السبب الذي يقرّبكم إليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة ((وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ )) الخارجين ع طاعته ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي رجاء أن تفلحوا فإنّ الرجاء قائم في الفوز والفلاح ما دمتم تتّقون وتجاهدون .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 36 | ولا تكونوا كالذين كفروا الذين لم يتّقوا ولم يجاهدوا ولا طلبوا رضاه سبحانه والوسيلة إليه ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا )) من المال والجاه ((وَمِثْلَهُ مَعَهُ )) بأن كان لهم ضعف ما في الأرض وهذا من باب المثل وإلا فالمراد كلّ شيء فإنّ اللفظ قد يأتي للكثرة لا للتحديد نحو (إن تستغفر لهم سبعين مرة) ((لِيَفْتَدُواْ بِهِ )) بما في الأرض ومثله بمعنى أن يجعلوه فداءاً لهم وبدلا ((مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) حتى ينجو كما إعتاد الفداء والخلاص في الدنيا ((مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ )) الفداء ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم وموجع .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 37 | ((يُرِيدُونَ ))، أي يريد الذين كفروا ويتمنّوا ((أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا )) حيث أنّ عذابهم دائم لا إنقطاع له ولا مدة ((وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)) دائم ثابت لا يزول .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 38 | وهنا يرجع السياق إلى بيان الحدود التي إفتتحت بقصة إبني آدم ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )) ذَكَرَ سبحانه كلّاً على حدة حتى لا يظن أنّ الحُكم لا يشتمل السارقة وقدّم السارق لأنه الغالب، وفي آية الزنا قدّم الزانية لامتهان بعض النساء للزنا ((فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا )) أربع أصابع من اليد اليمنى واليد تُطلق على مجموع العضو وإلى المرفق وإلى الزند وعلى الأصابع فقط ولم يقل يداهما لما استحسن في العربية من أنه متى إجتمع تثنيتان مضافة أحديهما إلى الأخرى حيء بالأول بلفظ الجمع كقوله سبحانه (فقد صَغَت قلوبكما) ولعلّ الأصل أنّ الجوارح في الإنسان أكثر من واحد فتكون في إنسانيين جمعاً والفاء أتى في الخبر دلالة على الترتّب والمجازات وللقطع شروط مذكورة في الفقه ((جَزَاء بِمَا كَسَبَا )) من السرقة ((نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ))، أي عقوبة على ما فعلاه ((وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) يأخذ بعزّته ويحكم بذلك بحكمته |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:21 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 39
| ((فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ )) بأن ندم عن السرقة ((وَأَصْلَحَ )) صار صالحاً ((فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ )) ويغفر ذنبه ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) يغفر لمن تاب ويرحم عباده العصاة إذا ندموا وأقلعوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 40 | إنّ ما ذُكر من عقاب الله وغفرانه مقتضى سلطته المطلقة ((أَلَمْ تَعْلَمْ )) أيها الإنسان ((أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) له التصرّف في الجميع كما يشاء ((يُعَذِّبُ مَن يَشَاء )) ممن إستحقّ العقاب ((وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء )) حسب حكمته البالغة ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يعجزه شيء .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 41 | وفي سياق بيان الحدود وذِكر مساوئ اليهود يتعرّض القرآن الحكيم إلى قصة زنا وقعت في اليهود وراجعوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حكمه فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) ما ملخصه : أنّ إمرأة شريفة من خيبر زنت وقد كان حكم زنا المحصّن في التوراة الرجم لكنهم راجعوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رجاء أن يخفّف بذلك فأفتاهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرجم وذَكَرَ أنه حكم التورات أيضاً، لكن جماعة من علمائهم أنكروا ذلك فجعل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) "إبن صوريا" أعلمهم حَكَماً فاعترف هو أنّ الحكم في التوراة هو الرجم وأنهم حرّفوا التوراة فوضعوا مكانه أن يُجلد أربعين جلدة ثم يُسوّد وجهه ويُطاف على الحمار مقلوباً تشهيراً به !، وفي بعض التفاسير أنه كان بني نضير وقريضة معاهدة في باب القتل على خلاف حكم التوراة فقد كان حكم التوراة القتل للقاتل ولكن كانت معاهدة بين القبيلتين أنه إن قتل قريضة من النضير قُتل القاتل وإن قتل نضير من قريضة أثخذت الديّة فأراد بنو قريضة المراجعة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحكم ليحكم لهم بحكم التوراة وقال "إبن أُبَي" المنافق الصديق لهم إنّ حكم محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما ترضون -يريد خلاف حُكم التوراة- فارضوا به وإلا فلا تقبلوه .
أقول : ومن المحتمل كون الآية إشارة إلى القصتين وعلى أيّ حال فالله سبحانه يُسلّي الرسول في مخالفة المنافقين واليهود له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ))، أي لا يوجب حُزنك وغمّك ((الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ))، أي يُسرعون للدخول فيه فالقيام على خلافك وعدم قبول حكمك ((مِنَ )) المنافقين ((الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ )) جمه فوه بمعنى الفم، أي إنّ إيمانهم لفظي وبمجرد الشهاديتن لا عن قلب وعقيدة وهو إبن أُبَي كما تقدّم ((وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ )) بل بقيت على كفرها وضلالها ((وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ ))، أي اليهود والمراد بمسارعة اليهود في الكفر تركهم لأحكام التوراة وتمسّكهم بأحكام على خلاف ما أنزل الله فإنه كفر في مرتبة اليهودية وإن كان اليهود كفاراً من أصلهم وبمقتضى بقائهم على اليهودية ((سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ))، أي هؤلاء اليهود -أو مع المنافقين- مبالغون في سماع الكذب وقبول ما تفتريه أحبارهم وشياطينهم ((سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ )) يارسول الله أنهم خاضعون بقول غيرك ممن لم يأتوك لتحكيمك في قصة الزنا أو في قصة القتل -كما تقول- ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ )) جمع كلمة، أي كلام الله تعالى ((مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ))، أي من بعد أن وضعه الله سبحانه في مواضعه كما حرّفوا حُكم زنا المحصن الذي هو الرجم إلى الجلد وكما حرّفوا حُكم القتل قصاصاً إلى الديّة ((يَقُولُونَ ))، أي يقول المنافقين واليهود بعضهم لبعض ((إِنْ أُوتِيتُمْ))، أي أعطاكم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((هَذَا )) وهو الجَلد في الزنا والديّة في القتل ((فَخُذُوهُ )) واقبلوه ((وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ )) هذا الحكم بل حكمه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما في التوراة من رجم الزاني وقتل القاتل ((فَاحْذَرُواْ )) عن قبول قوله، ثم توجّه الخطاب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تسلية له عن نفاق المنافقين وتحريف اليهود قال سبحانه ((وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ ))ن أي إمتحانه فقد أراد الله سبحانه إختبار اليهود والمنافقين في هذه القضية ليتبيّن عنادهم وغيّهم وأنهم لا يرجعون إلى حكم الله ويظهر كذبهم في قولهم أنهم متدينون ((فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ))، أي لن تستطيع يارسول الله أن تدفع عنه من أمر الله شيئاً بل إرادته نافذة وحُكمه ماضٍ ((أُوْلَئِكَ )) المنافقون واليهود ((الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ )) من الكفر فلم يلطف بهم اللطف الخاص -كما يلطفه على سائر المؤمنين- حتى يتطهّر قلوبهم من أدران الكفر إنّ الله سبحانه بيّن لهم الدلائل ونصب لهم الحُجج لكنهم أبوا من الرضوخ ولذا قطع الله تعالى لطفه عنهم ((لَهُمْ ))، أي للمنافقين واليهود ((فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)) وفضيحة وذلة أما المنافقون فلظهور نفاقهم عند المؤمنين مما يوجب التنفّر عنهم وأما اليهود فبضرب الذلّة عليهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار واليهود معلوم الحال هناك .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 42 | ((سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ )) تكرير لتصوير واقعهم البشع فإنّ الإنسان إذا أراد أن يؤكّد شيئاً قاله أكثر من مرة حتى يقع في نفس السامع موقع القبول ((أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )) جمع أكّال مبالغة أكل، أي كثيروا الأكل للرشوة وسائر أقسام الحرام ((فَإِن جَآؤُوكَ )) يارسول الله ليجعلوك حَكَماً فيما بينهم في قصة الزنا والقتل ((فَاحْكُم بَيْنَهُم )) بحًكم الله سبحانه ((أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ )) وقد جاز الإعراض لأنهم كانوا يعلمون بالحًكم حيث كان مثبوتاً في التوراة فلم يكن الإعراض يسبّب سحق حُكم الله سبحانه وجهالة المجتمع به ((وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ )) فلم تحكم بينهم ((فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا )) إذ النفع والضرر بيد الله سبحانه لا بيد غيره ((وَإِنْ حَكَمْتَ )) يارسول الله أنِ ((فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل الذي هو إجراء حُكم الله من رجم الزاني المحصن وقتل القاتل فرداً ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))، أي العادلين الذين يعدلون في حكمهم |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:22 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 43
| إنّ أمر هؤلاء اليهود عجيب فإنهم لا يعترفون بك رسولاً ومع ذلك يحكّمونك في قضيتهم وذلك ليس إلا لأنهم يريدون فراراً من حُكم التوراة إلى حُكم يطابق أهوائهم ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ ))، أي يجعلونك حكماً يارسول الله ((وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ ))، أي والحال أنّ لديهم التوراة التي يعترفون بها كتاباً ((فِيهَا حُكْمُ اللّهِ )) بالنسبة إلى الزنا والقتل ((ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ )) التحكيم، أو من بعد حُكمك فلا يقبلون حُكمك أيضاً ((وَمَا أُوْلَئِكَ )) اليهود والمنافقون الذين حكّموك ثم تولّوا ((بِالْمُؤْمِنِينَ)) بالتوراة أو بحمكم وإنما يُظهرون الإيمان كذباً واختلافاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 44 | ثم بيّن سبحانه أنّ التوراة التي أعرض عن حكمها في قصة الزنا والقتل كتاب سماوي يجب العمل به ومن المعلوم أن ليس المراد بذلك التوراة المحرّفة التي بأيدي اليهود اليوم فقد كان قسم من التوراة محفوظاً عن التحريف إلى زمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان القسم الآخر قد حُرّف قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما أنّ المعلوم أنّ المراد كون التوراة في وقتها هدى ونور أما إذا جاء أهدى منها وأكثر نوراً ونسخ قسماً من أحكامها لم يُعمل بالمنسوخ منها وذلك كما لو قلنا أنّ القرآن هدى ونور يُراد المجموع من حيث المجموع لا أنه يُعمل به بالنسبة إلى الآيات المنسوخة حُكمها -على تقدير تسليم النسخ في القرآن- ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى )) يهتدي به الناس إلى سُبُل الحق ((وَنُورٌ )) ينير دروب الحياة المظلمة -ولعل العطف لبيان- ((يَحْكُمُ بِهَا ))، أي التوراة ((النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ)) لله وأذعنوا بحكمه ومن جملة أولئك الأنبياء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي حكم على طبقها في قصة الزاني والقاتل ((لِلَّذِينَ هَادُواْ ))، أي إنّ الحكم إنما كان للذين هادوا أما غيرهم من النصارى والمسلمين فإنما يُحكم بينهم حسب معتقدهم وقد ثبت في الشريعة جواز الحكم لكل أهل كتاب بكتابهم قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : "والله لو ثُنيت لي الوسادة لحكمتُ بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم" ، كما ثبت قولهم (عليهم السلام) : "إلزموهم بما إلتزموا به" ، ولكن من المعلوم أنه ليس كلّ الأحكام كذلك بل من الأحكام ما لا يجوز أن يحكم بها والقاعدة الكلية أنه كلما أجاز الإسلام أن يحكم به الحاكم على طبق دياناتهم جاز ذلك وكلما لم يجز كان اللازم الرجوع إلى حكم الإسلام ((وَ)) يحكم بالتوراة ((الرَّبَّانِيُّونَ )) وهم المتدينون، فإنّ (ربّاني) منسوب إلى رب على غير القياس ((وَالأَحْبَارُ )) جمع حبر بالكسر والفتح وهو العالم، أي أنّ الأنبياء والأتقياء والعلماء يحكمون بالتوراة وإنما يحكم هؤلاء بالتوراة ((بِـ)) سبب ((مَا اسْتُحْفِظُواْ ))، أي إستودعوا ((مِن كِتَابِ اللّهِ ))، أي حيث أنّ الله سبحانه جعلهم حافظين للكتاب وإئتمنهم عليه يحكمون بموجبه ((وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ))، أي أنّ النبيّين والربّانيين والأحبار كانوا شهداء على أنّ ما في الكتاب حق صدق والحاصل أنّ هؤلاء يحكمون بالتوراة لأنه وديعة عندهم وهم يسهدون بصدقه وحيث بيّن سبحانه أنّ التوراة يحكم بها أولئك الصفوة وأنهم محل وديعة والشهداء على صحته بيّن أنّ مقتضى ذلك أن يكون الإنسان المتّصف بهذه الصفات شجاعاً في إظهار أحكامه فلا يخون ولا يكتم ولا يخشى الناس ((فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ )) في إظهار أحكام التوراة ومنها مسئلة رجم الزاني وقتل القاتل ((وَاخْشَوْنِ)) في ترك أمري وتحريف حكمي فإنّ النفع والضرر بيدي ((وَلاَ تَشْتَرُواْ بِـ)) مقابل ((آيَاتِي )) وأحكامي ((ثَمَنًا قَلِيلاً )) حيث أنكم إذا كتمتم الأحكام لأجل الرشوة والرئاسة كان كمن يعطي السلعة ليأخذ المال وكل شيء من المال والرئاسة في مقابل حُكم الله ثمن قليل لأنه يزول وينتقل وتبقى تبعة التحريف والكتملن والحكم بخلاف ما أنزل الله ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )) لعل وجه الإتيان بالنفي دون أن يقول : ومن حَكَمَ بغير ما أنزل الله ، ليشمل الحاكم بالخلاف والساكت الكاتم فإنّ من يعلم حُكم الله ويسكت ويكتم يكون مصداقاً لـ (مَن لم يحكم بما أنزل الله) ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) ومن المعلوم أنّ عدم الحكم كفر عملي لا كفر إعتقادي إلا إذا رجع إلى الجحود لأصل من أصول الدين وإنكار ضروري من ضروريات الإسلام ويسمى كافراً لأنه ستر الحق فإنّ الكفر لغة بمعنى الستر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 45 | ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ))، أي على بني إسرائيل ((فِيهَا ))، أي في التوراة ((أَنَّ النَّفْسَ )) تُقتل ((بِـ)) مقابل ((النَّفْسِ )) فإذا قَتَلَ الإنسان شخصاً عمداً قُتل القاتل في قبال ذاك، ولعلّ هذه الآية تؤيد كون الآيات السابقة كانت بشأن قصة بني النضير وبني قريضة -كما تقدّم- ((وَالْعَيْنَ )) مفقوئة ((بِالْعَيْنِ )) أو معمية بها ((وَالأَنفَ )) مجدوعة ((بِالأَنفِ )) أما ذهاب الشم فلعله خلاف الظاهر وإن كان الحكم كذلك إذا أمكن ((وَالأُذُنَ )) مصلومة ((بِالأُذُنِ )) وفي ذهاب السمع ما تقدّم ((وَالسِّنَّ )) مقلوعة ((بِالسِّنِّ )) ولذلك كله شرائط مذكورة في كتب الفقه ((وَالْجُرُوحَ )) فيها ((قِصَاصٌ )) فمن جَرَحَ إنساناً جُرِح كما جَرَح ويدخل فيه الشفّة والذكر والبيضتان واليدان والرجلان وسائر أقسام الجروح والقصاص مشتق من قص بمعنى إتّباع الأثر كأنّ المجروح يتّبع أثر الجارح فيجرحه ((فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ ))، أي بالقصاص بأن عفى عنه وأسقطه وتنازل عن حقه ((فَهُوَ ))، أي التصدّق ((كَفَّارَةٌ ))، أي حط عن الذنوب ((لَّهُ ))، أي للمتصدّق المجروح، قال الصادق (عليه السلام) : "يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما عفى من جِراح أو غيره" ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ )) تقدّم الكلام فيه ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) الظلم هو ظلم النفس وظلم الغير، وقد إختلف التعبير هنا عن الآية السابقة (الكافرون) والآية التالية (الفاسقون) لإفادة أنّ مَن لم يحكم بما أنزل الله يتّصف بصفات ثلاث : أنه قد ستر حُكم الله وكتمه فهو كافر إذ الكافر بمعنى الساتر كما قال سبحانه (يُعجب الكفار) أي الزارع فالزارع كافر لأنه يستر الحبة تحت الأرض، وأنه قد ظلم نفسه لأنه عصى الله سبحانه في كتمان حُكمه وظَلَمَ المترافعين والمجتمع لأنّ حُكم الله هو الحق وسواه إنحراف وزيغ فهو ظالم، وأنه قد خرج بحُكمه ذاك أو سكرته عن الحق عن الجادة المستقيمة فهو فاسق إذ الفسق بمعنى الخروج والمروق .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:22 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 46
| ولما ذَكَرَ سبحانه اليهود إتجه الكلام إلى ذِكر النصارى مبيّناً أنّ الأنبياء من سلسلة واحدة وإنّ كتبهم كلها هدى ونور وأنّ بعضها يصدّق بعضاً ((وَقَفَّيْنَا )) من التقفية أصله القفو بمعنى إتّباع الأثَر يُقال قفّيته بكذا أي إتّبعته به ((عَلَى آثَارِهِم ))، أي آثار الأنبياء حيث قال سبحانه (يحكم بها النبيّون) ((بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ))، أي إتّبعنا على آثار النبيّين عيسى بن مريم فقد بعثناه رسولاً من بعدهم ((مُصَدِّقًا ))، أي في حال كون المسيح (عليه السلام) يصدّق ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ))، أي ما تقدّمه ((مِنَ التَّوْرَاةِ )) بيان ما ويُقال للسابق الزماني بين يديه تشبيهاً بالسابق المكاني الذي هو بين يدي الإسنان، أي في قباله ((وَآتَيْنَاهُ ))، أي أعطينا عيسى (عليه السلام) ((الإِنجِيلَ ))، أي أنزلنا عليه ((فِيهِ هُدًى وَنُورٌ )) تقدّم معنى ذلك ((وَمُصَدِّقًا ))، أي في حال كون الإنجيل مصدّقاً ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ )) فقد كان عيسى (عليه السلام) يصدّق التوراة وكتابه إنجيل يصدّها أيضاً ((وَهُدًى ))، أي أنّ الإنجيل كتاب هداية وإرشاد ((وَمَوْعِظَةً ))، أي واعظاً ((لِّلْمُتَّقِينَ)) الذين يتّقون الآثام، فهو يحذّرهم عن العقاب ويرشدهم ويحرّضهم إلى الثواب، وقد كرّر التصديق والهداية تأكيداً وتركيزاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 47 | ((وَلْيَحْكُمْ ))، أي يجب أن يحكم ((أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ )) من الأحكام والدلالات التي منها التبشير بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووجوب إتّباعه ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))، أي الديانات كلها من عند الله وأنّ الأنبياء كلهم سفراءاً له وحده وأنّ الكتب كلها مُنزّلة من عند الله فمن الضروري أن يحكم الأنبياء بالكتب المنزلة ويتّبع الأنبياء، والكتب أما ما حُرّف منها فليس من الله كما أنّ ما نُسخ منها فاللازم تركه لاتّباع الناسخ عوضه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 48 | ولما أتمّ الكلام حول التوراة والإنجيل -وهما الكتابان المتداولان في أيدي الناس- ذَكَرَ سبحانه القرآن الحكيم ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ )) يارسول الله ((الْكِتَابَ ))، أي القرآن الحكيم ((بِالْحَقِّ)) كتاباً بالحق لأنه ليس فيه باطل، أو إنزالاً بالحق حيث كان المنزِل والمنزَل عليه لهما ذلك، فالمنزِل إله يحقّ له التنزيل والتشريع، والمنزَل إليه رسول يحقّ له الأخذ والقبول ((مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ )) اللام للجنس، أي أنّ القرآن يصدّق ما سبقه من كتب الأنبياء ((وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ))، أي أنّ القرآن مهيمن على الكتاب المتقدّم، ومعنى الهيمنة السيطرة فإنّ القرآن الحكيم كشاهد مسيطر يدل على مواقع الخطأ والصواب من الكتب السابقة كلّما حرّفوه دلّ عليه وكلّما زادوا أو نقصوا منهما أشار إليه وذلك لأنّ القرآن يبيّن كلّيات العقائد وأصول العبادة والمعاملة والأخلاق وفي الكتب السابقة مواقع كثيرة قد زاغت عن الحق بأيادي أثيمة يدلّ عليها القرآن ويشير إليها ((فَاحْكُم )) يارسول الله ((بَيْنَهُم ))، أي بين أهل الكتب السالفة أو بين اليهود ((بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )) من الأحكام ومنها في رجم زنا المُحصن وقتل القاتل ((وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ))، أي ما يشتهون من خلاف حُكم الله، فقد أحبّوا أن يحكم الرسول بخلاف الحق فيُفتي بجلد المُحصن الزاني وديّة القاتل ((عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ))، أي لا تزغ عما جاءك فإنّ معنى إتّباع أهوائهم : الزيغ عن الحق، وكثيراً ما يُشَرّب فعل معنى فعل فيتعدّى الفعل الأول بما يتعدّى به الفعل الثاني، كما ذكره المغني، ولما كان المقام يوهم إتحاد الديانات من جميع الحيثيات حيث أنّ الآيات السابقة أفادت تصديق كل نبي وكتاب لما سبقه فأيّة حاجة إذاً لإيمان اليهود والنصارى بالنبي والقرآن تعرّض السياق إلى إختلاف الشرائع والمناهج في الخصوصيات والمزايا وإن إتّحدت الجميع في الأصول والجوهر ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ ))، أي لكل أمة منكم أيها اليهود والنصارى والمسلمون جعلنا ((شِرْعَةً ))، أي طريقة ((وَمِنْهَاجًا )) الشِرعة أول الطريق، والمنهاج الطريق المستقيم الذي يلزمه الإنسان في حياته ليسير عليه، وكان وجه تقديم (جعلنا) على (منكم) أنّ المقام مقام الجعل لا مقام ذِكر الأمم، وقد تقرّر في علم البلاغة أنّ المقدّم من الألفاظ هو الذي سيق له الكلام، يُقال : زيد جاء، إذا كان المقام مقام ذِكر زيد وأعماله، ويُقال : جاء زيد، إذا كان المقام ذكر الجائين ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ )) أيها الأمم الثلاث ((أُمَّةً وَاحِدَةً)) بأن لا ينزل عليكم إلا كتاباً واحداً ولا يرسل إلا رسولاً واحداً ((وَلَكِن )) جعلكم على شرائع مختلفة ((لِّيَبْلُوَكُمْ ))، أي يمتحنكم ((فِي مَآ آتَاكُم ))، أي فيما فرضه عليكم وأعطاكم وشرع لكم حتى يتبيّن من يقبل الرسول اللاحق ومن لا يقبل ومن يعمل بأوامره تماماً ومن لا يعمل ((فَاسْتَبِقُوا )) أيتها الأمم ((الخَيْرَاتِ ))، أي يبادر بعضكم بعضاً في تحصيل الخيرات والعمل بما أمر الله ((إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ )) ومصيركم ((جَمِيعًا )) أيتها الأمم، وإنما سمّي مرجعاً تشبيهاً للمعقول بالمحسوس، وإلا فلا مكان لله سبحانه حتى يكون مبدءاً ومرجعاً ((فَيُنَبِّئُكُم ))، أي يخبركم ((بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) من أمور دينكم، وفي الإجمال ما لا يخفى من التهويل كما يقول الملك لرعيته : أعلّمك بما صنعت ثم يجازيكم حسب أعمالكم وعقائدكم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 49 | ثم كرّر سبحانه وجوب الحكم بين اليهود بما أنزل الله وقد كرّر ذلك لأنهم حكّموهو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قصتين : قصة الزنا وقصة القتل ((وَأَنِ احْكُم )) عطف على قوله في الآية السابقة (فاحكم) أو عطف على (الكتاب)، أي أنزلنا إليك الكتاب وأنزلنا إليك أن أُحكم ((بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ )) وما يشتهون من خلاف حُكم الله ((وَاحْذَرْهُمْ )) يارسول الله، أي إحذر اليهود ((أَن يَفْتِنُوكَ ))، أي يضلّوك ((عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ )) بأن تُفتي بغير ما أنزل الله، فقد ورد أنّ اليهود عرضوا على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يؤمنوا له إذا تصالح منهم على التسامح في أحكام خاصة منها حُكم الرجم في الزاني المُحصن، وهذا التحذير للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس معناه أنه كان يعمل على الخلاف وإنما هو لبيان الحكم، كما يخاطب بقوله تعالى (أقِم الصلاة) ونحوه ((فَإِن تَوَلَّوْاْ ))، أي أعرضوا عن الحق ولم يقبلوا قولك وحكمك ((فَاعْلَمْ )) يارسول الله ((أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ )) فإنّ التمرّد على الله ورسوله يوجب نكال الله سبحانه، فإنّ تمردهم عن حكمك موجب لأن يسخط الله عليهم فيأخذهم ببعض ما سلف من ذنوبهم، أو إنّ نفس التمرد نكال سبّبه بعض ذنوبهم السابقة، روي أنّ رجلاً قال للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنّي حُرمتُ صلاة الليل ، قال الإمام : "قيّدتكَ ذنوبك" ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ))، أي الخارجون عن طاعة الله، وهذا تسلية للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يغتم لعدم نفوذ حكمه .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:23 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 50
| ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ )) إستفهام إنكاري، أي هل يبغى هؤلاء اليهود حُكم الجاهلية والمراد بها جاهلية البشر التي لا يرجع حكمهم فيها إلى قانون ثابت بل تحكم الأهواء والقبليات والعصبيات وما أشبه فكل من يبتغي حكماً غير حكم الله فإنه يبتغي حكم الجاهلية حتى إذا كان الحاكم أكثرية برلمانية ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا ))، أي ليس هناك حُكم أحسن من حكم الله ((لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) بالله واليوم الآخر، فإنهم يعلمون أنّ حُكم الله أحسن الأحكام لأنه خالٍ عن جميع الإنحرافات التي تصيب حُكم البشر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 51 | وبعدما بيّن سبحانه إنحراف اليهود وضلالهم ذَكَرَ سبحانه هنا عدم جواز إتخاذهم أو النصارى أولياء في سبب النزول أنه لما كانت وقعة أُحُد إشتدّ الأمر على طائفة من الناس فقال رجل من المسلمين : أنا ألحق أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أماناً، وقال آخر : أنا ألحق بفلان النصراني فآخذ منه أماناً فنزلت الآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء)) فلا تصادقوهم مصادقة الولي لوليّه والحميم لحميمه ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) فإنّ بعضهم ينصر بعضاً ويعينه عليكم ، وقد ظهر إنطباق كلامه سبحانه على الخارج طيلة أربعة عشر قرناً فإنّ اليهود والنصارى لم يزالا ينصر أحدهما الآخر على المسلمين على ما بينهما من العداء والبغضاء ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ))، أي يصادقهم وينتصر بهم ويجعلهم أولياء له من المسلمين ((فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) كافر عملاً، من أهل النار، خطر على المسلمين ، وقد شاهدنا ذلك في هذا القرن الأخير حيث أنّ المسلمين الذين تولّوا الكفار كانوا من أخطر الناس على الملسمين، وكانوا في زمرة الكفار ينصرونهم وينتصرون بهم ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بعدما علموا وعرفوا فإنه سبحانه لا يلطف بهم ألطافه الخفيّة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 52 | وبعد هذا القرار الجازم الذي دلّ عليه منطق التاريخ السابق على الإسلام حيث أنّ كل موالٍ لابد وأن يكون هواه مع موالاته لا مع مجتمعه والذي نُهي عنه صريحاً ((فَتَرَى )) يارسول الله ((الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ))، أي شك ونفاق، وقد قال إبن عناس : أنّ المراد بذلك عبد الله إبن أُبَيْ ، أنّ عبادة بن الصامت الخزرجي أتى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يارسول الله إنّ لي أولياء من اليهود كثيراً عددهم قوية أنفسهم شديدة شوكتهم وأنا أبرء إلى الله ورسوله من ولايتهم ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله بن أُبَيْ : لكن لا أبرء من ولاية اليهود لأني أخاف الدوائر ولابد لي منهم، ثم أنه شبّه النفاق بالمرض لأنّ كليهما موجب لانحراف الإنسان، فالمرض يوجب إنحراف مزاجه، والنفاق يوجب إنحراف سلوكه المبعوث من إنحراف روحه ((يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ))، أي في تولّي أهل الكتاب واتخاذهم أولياء، ولعلّ الإتيان بلفظة (يسارعون) لإفادة أنهم يتولونهم بغير ما ظهر من علائم الإحتياج فإنهم يحتاطون باتخاذهم أولياء لئلا يأتي يوم يحتاجون إليهم وذلك أسوأ حالاً ممن يواليهم إذا ظهرت علامة هزيمة في المسلمين ((يَقُولُونَ ))، أي قائلين لتبرير موقفهم ((نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ))، أي دوران الفلك الموجب لتعلية الكفار على المسلمين فإنّا نتّخذهم من الآن أولياء لنكون في أمان إذا دارت الدائرة ((فَعَسَى اللّهُ ))، أي لعلّ الله ((أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ )) للمسلمين بأن يفتحوا بلاد الكفار ويكون الغلب لهم على الكفار ((أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ )) غير الفتح من إعزاز المسلمين وتكثير عددهم وجلاء الكفار ((فَيُصْبِحُواْ ))، أي يصبح هؤلاء المنافقون الذين والوا الكفار خوف عزّة الكفار ودوران الدائرة على المسلمين ((عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ )) من موالاة اليهود تمنّي الغلبة لهم، ولعلّ ذِكر (أسرّوا) مع أنهم أعلنوا من ولائهم خوف الدائرة لإفادة أنهم كانوا أسرّوا أشياء كثيرة في أنفسهم كما هو شأن النفاق والمنافق ((نَادِمِينَ)) وليس ندمهم من جهة الحق بل من جهة أنهم خسروا الطرفين المسلمين لأنهم عرفوا نفاقهم والكفار لأنهم هُزموا ورُدّوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 53 | ((وَ)) إذ قسم الله الفتح للمؤمنين أو أتاهم بأمر من عنده ((يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ )) إيماناً صادقاً يقولون متعجبين عن نفاق المنافقين واجترائهم على الله بالأيمان الكاذبة ((أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ ))، أي هل هؤلاء المنافقون الذين إنكشفت حقائقهم هم الذين حلفوا بالله ((جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ))، أي جهدوا جهد أيمانهم، بمعنى حلفوا بأغلظ الأيمان ((إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ))، أي مع المؤمنين في صدق الإيمان والمناصرة، كيف حلفوا بتلك الأيمان المغلظة، وقد ظهر نفاقهم خلال المعركة الحاسمة الموجبة لترجيح كفة المسلمين، فإنّ النفاق لا يظهر جيداً إلا في المعارك والمجازف، وهناك حيث عرف المسلمون حقيقتهم تعجّبوا من إيمانهم المزيّف وأيمانهم الغليظة الكاذبة التي بها أرادوا دعم أيمانهم وإدخال أنفسهم في زمرة المؤمنين ((حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) جملة مستأنفة، أي إنّ المنافقين ضاعت أعمالهم الإيمانية بسبب النفاق أو أنهم ضاعت مساعيهم في مصانعة الطرفين بسبب إنهزام الكفار فلا ظهر لهم وكشف باطنهم على المسلمين فيتجنّبون عنهم ((فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ)) دنيا وآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 54 | ثم بعدما بيّن مضرّة النفاق توجّه السياق إلى المؤمنين مبيّناً لهم أنهم إن إرتدّوا فلا يظنوا أنّ ذلك يضر دين الله سبحانه فقد وكّل الله بدينه -في كل دور- أناساً يقومون بشرائط الإيمان، فالمرتد إنما يضر نفسه لا أنه يضر دين الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ)) إرتداداً إلى الكفر أو إلى النفاق، فإنّ إنقلاب الباطن عن الإسلام هو نوع من الإرتداد أيضاً ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) فهو ذو صلة بهم وهم ذووا صلة به سبحانه، ولعلّ الإتيان بكلمة (سوف) لئلا يظنون أنّ في تأخير الأمر إنقطاعاً وإنفصاماً للإيمان، بل قد يتأخر مجيء الصلحاء بعد إرتداد قسم من الناس عن الإيمان ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )) أذلّة من الذِل بكسر الذال ضد الصعوبة، وقد يكون من الذُل بضم الذال ضد العزّة ((أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ))، أي يكونون ليّنين على المؤمنين غلاظ شداد على الكافرين، وإنما كان ذلك مدحاً لأنّ اللين مع الكافر موجب لبقاء الكفر، بخلاف إظهار الشدة الذي يوجب جمع الكفر على نفسه وإنكماشه وعدم تعدّيه إلى المؤمنين الضعاف كما قال سبحانه في آية أخرى (أشداء على الكفار رُحماء بينهم) ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) لإعلاء كلمته ((وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ )) فإنّ الجهاد يلازم لوم اللائمين من المؤمنين ومن الكافرين، أما الثاني فواضح وأما الأول فلأنّ الآراء غالباً تختلف وذلك بسبب لوم بعضهم لبعض كما هو المشاهد المحسوس، وكثير من الناس يمنعهم عن الجهاد والإقدام لوم اللائمين لا صعوبة الجهاد، وقد نزلت هذه الآية في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه الأكرمين وإن كانت عامة وإن كانت عامة بحسب اللفظ كما هو شأن آيات القرآن غالباً، ولعلّ وجه قوله (يأتي) مع أنّ الإمام (عليه السلام) كان حاضراً وقت النزول إعتبار الوصف، أي قوله (يجاهدون)، تقول : سوف آتي بشخص يفعل كذا، تريدان الفعل (سوف) لا أنّ الشخص (سوف) ((ذَلِكَ )) المذكور في أوصاف القوم من محبة الله لهم ومحبتهم لله ولينهم للمؤمنين وصعوبتهم على الكافرين وجهادهم بدون خوف اللوم ((فَضْلُ اللّهِ )) حيث تفضّل عليهم بهذه الصفات وهداهم إلى الحق ((يُؤْتِيهِ ))، أي يُعطي هذا الفضل ((مَن يَشَاء )) ممن كان قابلاً وأهلاً ((وَاللّهُ وَاسِعٌ )) فضله فلا يخاف نفاده إن أعطى أحداً ((عَلِيمٌ)) بموضع فضله وجوده .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:23 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 55
| ولما ذكر سبحانه أنه لا يجوز أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء بيّن ولي المؤمنين وإنّ اللازم أن يتّخذوا الله ورسوله ومن نصبه وليّاً، وقد أجمع المفسّرون بأنّ هذه الآية نزلت في علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد يُقال أنّ الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام) ليسوا بمشمولين للآية، والآية حاصرة حيث قالت (إنما) والجواب من وجهين : الأول : إنّ الآية حصرت الأمر في وقت النزول وكانت ولايتهم (عليهم السلام) بعد ذلك، والثاني : وهو الأصح أنّ ولاية الأئمة من ولاية علي (عليه السلام) كما لو قال : والي بلدكم فلان، فإنّ من عيّنه الوالي للأمور كان إمتداداً لولاية فلان ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ )) إنّ له الولاية المطلقة والسلطنة الكاملة من جميع الجهات عليكم ((وَرَسُولُهُ )) محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) المتّصفون بكونهم ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ))، أي الصدقة ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) وقد روت العامة والخاصة أنّ هذه الآية نزلت في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لما تصدّق بخاتمه وهو في الركوع، وفي بعض الأخبار أنه كان تصدّق قبل ذلك أيضاً في صلاة أخرى بحملة قيمتها ألف دينار أرسلها النجاشي إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأهداها إلى علي (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 56 | ثم ذكر سبحانه أنّ في تولّي هؤلاء النجاح والغلبة فمن ظنّ أنّ في تولّي غيرهم النجاح فقد إشتبه ودلّ التاريخ أنه كلما إلتزم المسلمون بهؤلاء نجحوا وتقدّموا وكلما تولّوا غيرهم خسروا وتأخّروا ((وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ))، أي يتّخذه سبحانه وليّاً يأتمر بأوامره وينتهي عن زواجره ((وَرَسُولَهُ)) يقتدي به في أعماله وأقواله ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) علي والأئمة (عليهم السلام) -حسب النزول- أو كل مؤمن حسب العموم في مقابل إتخاذ الكفار أولياء ((فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ )) جنده وجماعته ((هُمُ الْغَالِبُونَ)) على من سواهم من الأحزاب والجنود، وفي قطع قوله (فإنّ حزب الله) عن الجملة السابقة، إذ لم يقل فإنهم الغالبون، إفادة أنّ المتولّي يُعد من حزب الله وجماعته، فليس الأمر من ناحية العبد فقط، بل من ناحية الله أيضاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 57 | قد نُهي المسلمون عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ثم الآن يأتي السياق لينهي عن إتخاذ أي كافر أو كتابي -ولو لم يكن يهودياً أو نصرانياً- وليّاً، وقد ورد في سبب النزول أنّ زيد بن التابوت وسويد بن الحرث قد أظهر الإسلام ثم كان رجال من المسلمين يوادّونها فنزلت هذه الآية، ولو كان الأمر كذلك، فالمراد بمن ذُكر في الآية أعم من المنافق ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ))، أي مسخرة وملعبة، وذلك بأن أظهروا الإسلام باللسان وأبطنوا الكفر بالجنان، أو المراد جعله سخرية ولعب يستهزؤون به ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أنزل عليهم الكتاب ((مِن قَبْلِكُمْ )) وهم أهل الأديان السابقة على الإسلام ((وَ)) من ((الْكُفَّارَ )) المراد بهم الأعم من المنافقين -كما سبق- ولا يخفى أنّ الكفار أعم من أهل الكتاب لكن إذا ذُكروا في كلام كان المراد بالكفار غيرهم ((أَوْلِيَاء )) تقولونهم كاتخاذ المؤمنين لله ورسوله أولياء ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) فلا تخالفوه ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) به وبما أمر به .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 58 | ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ )) أيها المؤمنون ((إِلَى الصَّلاَةِ ))، أي دعوتم إليها ((اتَّخَذُوهَا ))، أي إتّخذوا الصلاة ((هُزُوًا وَلَعِبًا )) مهزلة وملعبة فيتضاحكون ويتغامزون منها -كما هي عادة منافقي اليوم أيضاً- ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ))، أي ذلك الإستهزاء بالصلاة بسبب أنّ الكفار ((قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ)) منافع الصلاة وأنها موجبة للنجاة من النار .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 59 | وجاء قوم من اليهود يسألون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمن يؤمن به من الرسل فقال : "أؤمن بالله وما أُنزل إلى غبراهيم وإسماعيل وإسحاق -إلى أن ذَكَرَ- عيسى (عليه السلام)" فلما سمعوا ذلم منه جحدوا نبوّته وقالوا : ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم، فنزلت ((قُلْ )) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأهل الكتاب ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا ))، أي تسخطون علينا ((إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه كفر - كإيمانكم- ((وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا )) يعني القرآن الحكيم ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ )) على جميع الأنبياء ((وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ)) فإنّ فسقكم، أي خروجكم عن دين الله هو الذي سبّب النقمة علينا، وهذا كقولهم : هل تنقم منّي إلا أنّي عفيف وأنك فاجر، أو إلا أني كريم وأنت بخيل، فهو من باب الإزدواج يُحسن في الكلام لتعميم المقابلة فهو عطف على قوله (أن آمنّا) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 60 | ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء المستهزئين ((هَلْ أُنَبِّئُكُم ))، أي أُخبركم ((بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ ))، أي إن كان إيماننا شراً عندكم فأنا أخبركم بشَرٍّ من ذلك ((مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ ))، أي جزاءاً من عنده سبحانه، وسمّي (مثوبة) إستهزاءاً منهم، وإنما سمّي ما عند المؤمنين شراً -وإن لم يكن ما للمؤمنين إلا الخير- للمقابلة في الكلام ((مَن لَّعَنَهُ اللّهُ ))، أي طرده عن رحمته، فلعنة الله لكم من شر إيماننا نحن ((وَغَضِبَ عَلَيْهِ )) بسبب عصيانه وتمرده عن الحق ((وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ)) جمع قرد، كما قال سبحانه (قُلنا لهم كونوا قِرَدةً خاسئين) ((وَالْخَنَازِيرَ )) بأن مسخهم على صور هذين الحيوانين النجسين ((وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )) عطف على قوله (لعنة الله) والطاغوت هو العِجل الذي عبدوه ((أُوْلَئِكَ )) اليهود الذين هذه صفاتهم ((شَرٌّ مَّكَاناً ))، أي إنّ مكانهم في سَقَر الذي هو شرٌّ من مكان المؤمنين الذين نقموا منهم، وقد ذكرنا أنّ من قبيل هذا الكلام من باب المشاكلة اللفظية، وإلا فليس في مكان المؤمنين شراً ((وَأَضَلُّ ))، أي أكثر ضلالاً ((عَن سَوَاء السَّبِيلِ))، أي وسط الطريق .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:24 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 61
| وحيث إبتدء الكلام بعرض المنافق وأهل الكتاب في صف واحد، ذَكَرَ سبحانه صفة من صفات المنافقين وأنهم كيف لا يؤثّر فيهم الوعظ والإرشاد ((وَإِذَا جَآؤُوكُمْ ))، أي جائكم المنافقون ((قَالُوَاْ آمَنَّا )) إيماناً كإيمانكم ((وَ)) لكنهم في دعواهم ذلك كاذبون إذ ((قَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ))، أي بالكفر، كان الكفر مادة يحملونها معهم، فهم قد دخلوا بهذه المادة حينما دخلوا في المجلس، ثم خرجوا بهذه المادة كما دخلوا، لم تؤثّر فيهم الموعظة والبلاغ، حيث كانت قلوبهم إلى إخوانهم الكافرين لا معكم حتى تؤثّر فيهم الموعظة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ )) منكم ((بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ))، أي يُخفون من الكفر والنفاق .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 62 | ثم أنّ هؤلاء الكفار يجمعون مع كفرهم صفات أخرى ذميمة هي من مستلزمات الإنحراف أشار إليها بقوله تعالى ((وَتَرَى )) يارسول الله ((كَثِيرًا مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء الكفار وهم الرؤساء وذووا الجاه والمنصب ((يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) فيُسابق بعضهم بعضاً في فعل الإثم والتعدّي على الناس أنهم حيث لم يؤمنوا بالله وكانت ديانتهم -المزعومة- صورية يكون فكرهم إصطياد أكثر كمية من المال والجاه ولذا يتسابق بعضهم بعضاً في ذلك، إنّ الإثم لا أهمية له في نظرهم إذ لم يعمر قلوبهم الإيمان والتعدّي من شأن من يريد تعمير دنياه ((وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)) كلّ مال حرام من رشوة وربا وأكل أموال اليتامى وأكل أموال الناس بالباطل ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فإنّ أعمالهم توجب خِزي الدنيا والآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 63 | وهنا يتوجه السياق إلى العلماء والمتدينون منهم كيف يسكتون على هذه المنكرات البشعة التي ظهرت في اليهود، وما شأنهم إذا سكتوا عن كل تلكم الجرائم ((لَوْلاَ )) كلمة تحضيض بمعنى هلّا، أي : لماذا لا ((يَنْهَاهُمُ ))، أي ينهي هؤلاء الكثير الذين يسارعون في الإثم والعدوان ((الرَّبَّانِيُّونَ )) جمع ربّاني وهو منسوب إلى الرب على غير القياس، أي الإلهيّون الذين يتورّعون من خوف الله سبحانه ((وَالأَحْبَارُ )) جمع حبر بالكسر والفتح وهو العالم ((عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ )) وهو ما يقوله الإنسان بغير حق من كذب وغيبة ونميمة وتحريف وغيرها ((وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ )) من الربا والرشوة وغيرها، والسُحت هو أشدّ أنواع الحرام ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ ))، أي كان هؤلاء الربّانيّون والأحبار ((يَصْنَعُونَ)) فإنّ سكوتهم عن الباطل ومجاملتهم لأهله نوع من الصنع .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 64 | ثم بيّن مثل سبحانه لقولهم (الإثم) مثلاً بقوله ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ )) لا يُنفق رزقاً ولا يُعطي شيئاً كأنهم قالوا ذلك تبريراً لموقفهم البخلي، فإنّ الله لو كان لا يُنفق فأجدر بهم أن لا يُنفقوا، وقيل أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ اليهود كانوا من أكثر الناس مالاً وسِعة، فلما جاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكذّبوه ضيّق الله عليهم فقال أحد اليهود وهو "فخاض" أنّ يد الله مغلولة فردّ الله عليهم ((غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ )) دعاء عليهم بأن تُغلّ أيديهم عن الخير، أو إخبار عنهم بأنّ اليهود بُخلاء لُئماء، أي أنهم غُلّت أيديهم لا الله سبحانه ((وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ )) لعنهم الله وطردهم عن رحمته بسبب هذه المقالة ((بَلْ يَدَاهُ ))، أي يدا الله سبحانه ((مَبْسُوطَتَانِ )) كناية عن جوده وإعطائه، وإنما جاء بذِكر اليد وذَكَر (يداه) لإفادة تمام معنى الجود ((يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء )) فليس في تضييقه على اليهود دليل على أنه مغلول اليد بل إنما يُنفق سبحانه كيف يشاء حسب الحكمة والمصلحة، ثم ذَكَرَ سبحانه أنّ نزول القرآن وفضحهم يزيد كثيراً من اليهود إنحرافاً ((وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ))، أي كثيراً من اليهود -وإنما لم يذكر كلهم لأنّ بعضهم لا يعنيه الأمر وبعضهم يسبّب القرآن هدايتهم- ((مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) (ما) فاعل (يزيدنّ) و(كثيراً) مفعول مقدّم، أي أنّ طغيانهم وكفرهم يزداد بسبب القرآن، أما أنّ كفرهم يزداد فلأنه كلما أنكروا آية وحُكماً إزدادوا كفراً وستراً للحق، وأما أنّ طغيانهم يزداد فلأنهم يقاومون الدعوة أكثر فأكثر كلما رأوا تقدّمها أكثر ((وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ))، أي بين اليهود ((الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) فإنّ طبيعتهم المتخمّرة بحب الذات وبالإعتقاد بأنهم شعب الله المختار وبُخلهم في الأمور المادية لابد وأن توجد بينهم العداوة والحزازة -ماداموا يهوداً يعتقدون بهذه الإعتقادات السخيفة- فإنّ أسباب النزاع في العالم يدور على المنصب والمادة -غالباً- وهذان كامنان في كل يهودي، وقد دلّ التاريخ على صدق ذلك فاليهود دائماً متحاربون متباغضون حتى في (فلسطين) اليوم تقوم الأحزاب اليهودية والمنظمات بأبشع أنواع العداوة والبغضاء فيما بينها -أنظر كتاب (كُتب في إسرائيل)-، وقد مرّ سابقاً تفسير (إلى يوم القيامة) وأنه كناية عن بقاء الحكم ما دام اليهود موجودين ((كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ))، أي كلما أرادوا محاربة المسلمين هزمهم الله ونصر المسلمين عليهم، وقد دلّ التاريخ على ذلك، فقد غلب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على يهود قريضة ونضير وخيبر وفدك وغيرها مع كثرة عددها وعُددها، وبعد ذلك لم يتمكن اليهود من محاربة المسلمين حتى في يومهم هذا في فلسطين إنما يسندون إلى (حبلٍ من الناس) ثم ما هي إلا فترة حتى تراها إنقشعت إنقشاع الضباب ((وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )) فهم مفسِدون دائماً حيث يريدون العلو على الناس وجمع أموالهم، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يتهيّأ لهم إلا بالإفساد -أنظر كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)- ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))، أي يكرههم، إذ ملازمة بين عدم حبّه وكراهته، فإنّ كلّ مُصلح محبوب وكل مُفسِد مكروه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 65 | ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ )) إيماناً بما أنزل الله وتقوى من معاصي الله ((لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ))، أي سترنا سيئاتهم الماضية لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله ((وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ))، أي التي فيها أنواع النِعَم والكرامة .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:24 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 66
| ((وَلَوْ أَنَّهُمْ ))، أي أهل الكتاب ((أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ))، أي عملوا بما فيها بدون تحريف وزيادة ونقيصة ((وَ)) أقاموا ((مَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ))، أي القرآن، وكونه مُنزَلاً إليهم باعتبار نزول بين أوساطهم وفي زمانهم ((لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ ))، أي السماء، فإنه سبحانه يُنزِل السماء مدراراً لمن آمن واتّقى ((وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم )) باعطاء الأرض خيرها وبركتها، كما قال سبحانه (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ((مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ))، أي من هؤلاء الكتاب جماعة معتدلون في العمل لا غلو عندهم ولا تقصير، كما نجد أنّ كلّ أمة بعضهم معتدلون وبعضهم متطرفون، أو المراد بهم الذين آمنوا بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإطلاق (منهم) على أولئك باعتبار الماضي (( وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ))، أي أنّ أكثرهم متطرفون يعملون الأعمال السيئة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 67 | ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ )) هذه الآية نزلت بمناسبة إستخلاف الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علياً خليفة من بعده -كما أجمع عليه المفسرون- وقد كان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخشى المنافقين من ذلك فبيّن سبحانه عظم الأمر بقوله ((وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ))، أي لم تبلّغ خلافة علي (عليه السلام) ((فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )) حتى أنّ كل الرسالة رهن هذا التبليغ، وذلك واضح إذ عدم الإستخلاف معناه ذهاب جميع الأتعاب سُدى، وقد أمّنه الله سبحانه مما كان يخشى منه فقال ((وَاللّهُ يَعْصِمُكَ ))، أي يحفظك ((مِنَ النَّاسِ )) فلا يتمكنون من الفتنة والإنقلاب والإيذاء مما كان يخشاه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحين ذاك وعند منصرف الرسول من حُجّة الوداع في وسط الصحراء أمَرَ بنصب منبر له وخطب خطبة طويلة بليغة، ثم أخذ بكف علي (عليه السلام) وقال : "مَن كُنتُ مولاه فهذا علي مولاه اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله ..(إلخ)" وأنشد حسّان : يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخُمٍّ وأسمِع بالرسول مناديا (الأبيات)
((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) الذين يكفرون ببلاغك، ومعنى (لا يهديهم) أنه لا يلطف بهم اللُطف الزائد بعدما أعرضوا عن الحق عناداً واستكءاراً، ولعلّ الإرتباط بين الآية وطرفيها أنه كما أنّ الناس مأمورون بالقبول الرسول مأمور بالبلاغ، مع تلطيف جو الكلام، بتغيير الإسلوب في وسط المطلب، تفنّناً في البلاغ وتنشيطاً للأذهان كما تقدّم في آيات أُخر متشابهة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 68 | ((قُلْ )) يارسول الله لأهل الكتاب ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ )) من الدين الصحيح الذي إرتضاه الله لعباده ((حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )) بالعمل بما فيها بدون تحريف أو تحوير ((وَ)) تقيموا ((مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ )) يعني القرآن، وقد سبق وجه قوله (أنزل إليكم) وأنه لجهة نزول القرآن في أوساطهم ((وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) فعوض أن يهتدوا بالقرآن يزيدهم طغياناً حيث كلما رأوا القرآن تصمّموا على مقابلته وكفروا بكل ما ينزل منه، ولا يخفى أنّ نسبة الزيادة إلى القرآن مجاز وإلا فهوى نفسهم هو الذي يزيدهم كفراً ((فَلاَ تَأْسَ ))، أي فلا تحزن يارسول الله ((عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) الذين كفروا بعدما علموا الحق وأعرضوا عن الهدى بعد أن رأوه وعرفوه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 69 | وحيث تقدّم أنّ الله لا يهدي القوم الكافرين مما كان يوهم أنّ الكفار غير قابلين للهداية، ذَكَرَ سبحانه أنهم إن آمنوا -الملازم لإمكان الإيمان منهم- كان لهم ما لغيرهم من المؤمنين من الأجر والمثوبة ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ )) إيماناً ظاهراً بالشهادتين ((وَالَّذِينَ هَادُواْ ))، أي اليهود ((وَالصَّابِؤُونَ )) وهم قسم من المسيحيّين أو غيرهم -كما تقدّم في سورة البقرة- ورفع (الصابئون) مع أنه عطف على المنصوب بـ (إنّ) للإلفات إلى أنّ الصابئ الذي لا يُرجى فيه خير إن آمن قُبِل فكيف بغيره، فهو معطوف على محل إسم (إن) حيث كان مبتدءاً قبل دخول الناسخ ((وَالنَّصَارَى )) ليس إعتبار بأساميهم وصبغتهم العامة في النجاة والثواب بل ((مَنْ آمَنَ)) منهم ((بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) إيماناً حقيقياً من القلب لا يشوبه شرك ونحوه ((وعَمِلَ صَالِحًا ))، أي عمل عملاً صالحاً ((فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) لا في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فلأنّ الخوف الحقيقي والحزن الواقعي هو الذي لا يُرجى دفعه وتداركه، بينما خوف هؤلاء وحزنهم ليس كذلك فإنّ خوف المؤمن ليس كخوف الكافر وكذلك بالنسبة إلى الحزن .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 70 | إنّ اليهود لم يكن لهم إيمان صادق من يومهم الأول، فكيف تأسَ عليهم يارسول الله إن لم يؤمنوا بك فـ ((لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ )) عهدهم الأكيد حول الإيمان بالله وأنبيائه وإتّباع أوامره ((وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً )) يهدوهم إلى الحق لكنهم نقضوا وخالفوا الأوامر وتجرّأوا على أبشع جريمة فـ ((كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ )) ولا تميل إلى ما جاء به بأن لم يكن يوافق مرادهم ((فَرِيقًا )) من الرُسُل ((كَذَّبُواْ )) كالمسيح (عليه السلام) حيث نسبوهم إلى الكذب وأنهم ليسوا من قِبَل الله سبحانه ((وَفَرِيقًا )) من الرسول ((يَقْتُلُونَ)) كزكريا (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 71 | ((وَحَسِبُواْ ))، أي ظنّ هؤلاء اليهود الذين كذّبوا الأنبياء وقتلوهم ((أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ))، أي لا يسبّب قتل الأنبياء وتكذيبهم فتنة كما هو شأن كل من يُقدم على جُرم كبير أنه يظن أنّ الأوضاع تبقى على ما يشتهي منتهى الأمر صدّ عن بعض شهواته يُزال ويُمحى عن الوجود مع أنّ الأمر بالعكس، فإنّ بقاء الإجتماع سليماً عن الأخطار والآفات إنما هو بانتهاج تعاليم الأنبياء' فإذا أُزيح النبي عن القيادة والتوجيه إما بقتله أو تكذيبه فإنه يحلّ بالمجتمع أشد الكوارث وتقع أعظم الفتن ((فَعَمُواْ وَصَمُّواْ )) عن مناهج الرُشد بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم فإنّ الإنسان يبصر طريقه ويسمع الحق الذي ينفعه ما دام هناك نور يُضيء ومرشد يدعوا، أما إذا أزال النور وأزاح المرشد فإنه يعمى عن طريقه حتى يقع في المهلك، ويصم عن الحق حتى تحل به الكوارث ((ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ )) بإرسال أنبياء آخرين، والمراد التوبة على هذا الجنس لا خصوص من قتل منهم الأنبياء ((ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ )) أيضاً عن الحق بأن تركوا تعليم الأنبياء وأخذوا يتيهون في الضلالة ((كَثِيرٌ مِّنْهُمْ )) إذ بعضهم آمن واهتدى، ولفظة (كثير) بدل (بعض) عن كل لا فاعل ثانِ ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) فيجازيهم على ما اقترفوا من الآثام واحتقبوا من الإجرام .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:25 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 72
| هكذا كان حال اليهود حيث كفروا بعد أن أرشدهم الله الطريق، أما النصارى فإنهم كإخوانهم اليهود في العمى عن الحق بعد الرشاد ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) وهؤلاء قالوا إنّ الله إتّحد بالمسيح فصار شيئاً واحداً، ولا يخفى أنّ الإتحاد غير معقول إذ لو بقي الشيئان إثنين بعد الإتحاد لم يكن إتحاد وإن عدم أحدهما كان واحداً وإن عدم الإثنان لم يكن شيء، ثم أنهم قالوا بأنّ المسيح هو الله بينما المسيح نفسه إعترف بأنه عبد الله ((وَ)) الحال أنه ((قَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ )) وحده ((رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) فإنّا جميعاً عبيده ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ )) ويجعل له شريكاً سواء إعترف به وبالشريك أم إتخذ إلهاً غيره فإنه أيضاً من جعل الشريك لله ((فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ )) فلا بدخله فيها أبداً ((وَمَأْوَاهُ ))، أي مصيره ((النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ )) الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرونهم من بأس الله وعذابه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 73 | وهناك قسم آخر من النصارى جعلوا الآلهة ثلاثة ((لَّقَدْ كَفَرَ )) النصارى ((الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ))، أي أحد الآلهة الثلاثة وهم الأب -أي الله- والإبن -أي المسيح- وروح القدس، قالوا هذه الثلاثة واحد وذالك الواحد ثلاثة، وحين يطالبون بأنه كيف يمكن ذلك وهو تناقض؟، يقولون : أنه فوق مستوى عقولنا ولا يلزمنا معرفة الكيفية، وهناك سؤال هو أنه ما الفرق بينكم أنتم المسلين حيث بأنّ الله لا يُدرك كنهه وبين الذين قالوا أنّ مشكلة التوحيد والتثليث فوق مستوى عقولنا ؟ والجواب : إنّ الفرق من أوضح الواضحات إذ أولئك يقولون بما لا يمكن ولا يُعقل فإنه لا يمكن أن يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً، ونحن نقول بما هو موجود لكنه لا ندرك كنهه، وفرق بين ما لا يُعقل وما لا يُدرك ((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ ))، أي ليس للكون غير إله واحد هو الله سبحانه ((وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ ))، أي لم يرجع هؤلاء النصارى القائلون بالتثليث ((عَمَّا يَقُولُونَ ))، أي عن مقالتهم وقولهم بالتثليث ((لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) في الدنيا والآخرة، وإنما لم يقل (ليمسّنّهم) لإفادة أنهم بمقالتهم هذه يكونون كفاراً تأكيداً لما سبق من قوله (لقد كفر) وهذا من أساليب البلاغة، يُقال : اترك هذا الأمر وإلا لسجنتُ الفاعل له، عوض أن يقول : لسجنتك، لإفادة أنّ علّة السجن هو الإتيان بذلك العمل .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 74 | ثم استفهم سبحانه إستفهاماً تعجبياً، وقد تقرء في الأصول أنّ أمثال هذه الإستفهامات والتعجّبات إنما هي إنشاء مفهوم الإستفهام والتعجّب وأمثالهما لداعي آخر من ترغيب وإنكار وما أشبه، فليس إستفهامه ولا تعجبه عن جهل وتعجب -كما هو عندنا- ((أَفَلاَ يَتُوبُونَ )) هؤلاء اليهود والمسيحيّون ((إِلَى اللّهِ )) ويرجعون عن عقائدهم السخيفة وأقوالهم المفتعلة ((وَيَسْتَغْفِرُونَهُ)) لما مضى من كفرهم وعصيانهم (( وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) يغفر لهم إن تابوا واستغفروا ويرحمهم بفضله إن رجعوا وأبوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 75 | وبعدما ذكر سبحانه أقوال المسيحيّين حول المسيح بيّن تعالى واقع المسيح وأنه ليس كما زعموا ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))، أي ليس المسيح (عليه السلام)، وذكر إبن مريم لنفي كونه إبن الله -في العبادة- ((إِلاَّ رَسُولٌ )) فليس هو بإله ((قَدْ خَلَتْ ))، أي مضت وسبقت ((مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ )) فهو رسول كأحدهم، فكما ليس أولئك بآلهة، ليس هذا بإله ((وَأُمُّهُ )) مريم (عليه السلام) ((صِدِّيقَةٌ )) كانت كثيرة التصديق بالله وآياته، فليست هي آلهة كما زعم جماعة من المسيحيّين فقالوا بالأب والأم والإبن ((كَانَا )) المسيح وأمه ((يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ )) وذلم من صفات المخلوق لا الإله، إذ آكل الطعام محتاج إلى الطعام وله جوف وله أجزاء وله حالات، وكل ذلك ينافي كونه إلهاً ((انظُرْ )) يارسول الله ((كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ)) ونوضّح لهؤلاء النصارى ((الآيَاتِ)) الدالة على عدم كون المسيح إلهاً ((ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ))، أي كيف يُصرفون عن الحق، يُقال : افكه يأفكه إفكاً، إذا صرفه، وأنّى بمعنى أين، أي إنهم أين يُصرفون عن الحق الموضّح بالآيات .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 76 | ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء النصارى الذين يعبدون المسيح ويجعلونه إلهاً ((أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ))، أي غير الله ((مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا )) فإنّ شيئاً في الوجود لا يملك ضر أحد ولا نفعه إلا بإذن الله ومن ضرّ أو نفع بالوسائل العادية -كالقاتل والمعطي- أو بالوسائل الغيبية كالأنبياء والأئمة، فإنما ذلك حيث جعل الله المسبّبات تابعة لأسبابها الخاصة وسلّط الفاعل على الأسباب، فهي ترجع أيضاً إليه سبحانه ((وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ )) لأقوالكم ((الْعَلِيمُ)) لضمائركم وحركاتكم فاحذروا مخالفته كي لا تقعوا في عقوبته ونكاله .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 77 | ((قُلْ )) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) أما عام يشمل اليهود والنصارى، فالمراد بغلو اليهود قولهم عُزير إبن الله وقولهم أنّ المسيح ليس نبيّاً فإنه غلو معكوس، أو المراد النصارى فقط ((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) بأن تقولوا المسيح هو الله، أو ثالث ثلاثة، أو أنه إبن الله ((غَيْرَ الْحَقِّ )) عطف بيان، إذ كل غلو هو غير الحق ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ )) فإنّ أسلافكم لو ضلّوا في إعتقادهم وغلو فلماذا تتّبعونهم أنتم، إنهم كانوا من قبل وقد مضوا فما بالكم أنتم تقتفون أثرهم الباطل ((وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا )) من الناس فأوقعونهم في ضلال الكفر والشرك ((وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ))، أي الجادة المستقيمة، والتكرار إنما هو لإختلاف المتعلّق، فقد تعدّى أحدهما إلى (مِن قبل) وتعدّى الآخر إلى (عن سواء السبيل)، أو المراد بـ (القوم) كبارهم الذين كانوا قبل النبي قائلين بإلوهيّة عيسى وأدركوا فلم يؤمنوا، فإنهم ضلّوا من قبل بعثة النبي لقولهم التثليث وضلّوا بعد بعثته لكفرهم به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:25 pm | |
| فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 78
| ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ )) فاللعنة عليهم من قديم الزمان حيث لم ينفكّوا يعملون القبائح ويكفرون بالأنبياء وينسبون إلى الله ما لا يليق به ((عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ )) النبي (عليه السلام) في الزبور ((وَ)) على لسان ((عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) في الإنجيل، فقد لعنهم داود (عليه السلام) لما إعتدوا في السبت فصاروا قِرَدة، ولعنهم عيسى (عليه السلام) لما كفروا بعد فصاروا خنازير ((ذَلِكَ )) اللعن إنما إستحقوه ((بِمَا عَصَوا ))، أي بسبب عصيانهم ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ))، أي يتجاوزون حدود الله سبحانه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 79 | ثم بيّن سبحانه بعض عصيانهم وإعتداءهم بقوله ((كَانُواْ ))، أي كان بني إسرائيل ((لاَ يَتَنَاهَوْنَ))، أي لا ينهي بعضهم بعضاً ((عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ )) فقد تفشّت فيهم المنكرات ولم يكن ينهاهم علمائهم فاستحقّ الجميع العقاب أولئك بإتيان المنكر وهؤلاء بسكوتهم عن فاعليه ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)) من إتيان المنكر وعدم التناهي عنه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 80 | ((تَرَى )) يارسول الله أنّ تلك الطبيعة العاتية العاصية موجودة فيهم إلى الآن فإنّ ((كَثِيرًا مِّنْهُمْ))، أي من بني إسرائيل -اليهود- ((يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ))، أي يتّخذون الكفار أولياء لهم، فقد كانت اليهود تتولّى كفار مكة وتقول (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) في حين يجب على المؤمن أن يعادي الكافر الذي لا يعترف بالله وقوانينه ((لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ ))، أي لهؤلاء اليهود ((أَنفُسُهُمْ ))، أي بئس ما قدّموا لمعادهم من الأعمال السيئة ((أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ )) محله رفع بـ (بئس)، فهو كزيد في قولك : بئس رجلاً زيد، أي بئس السخط الذي قدّموه لأنفسهم ((وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)) فالسخط يؤذي روحهم -كمن يعلم أنّ السلطان غاضب عليه- والنار تُؤذي جسمهم، كما قال سبحانه في عكس (ورضوانٌ من الله أكبر) فإنّ اهل النار يُعذّبون عذابين وأهل الجنة يُنعّمون نعمتين .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 81 | ((وَلَوْ كَانُوا ))، أي هؤلاء اليهود ((يُؤْمِنُونَ بِالله )) إيماناً صادقاً ((وَ)) يؤمنون بـ ((النَّبِيِّ )) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ )) من القرآن الحكيم ((مَا اتَّخَذُوهُمْ ))، أي لم يتّخذوا الكفار ((أَوْلِيَاء )) لهم، أو المراد أنهم آمنوا بموسى وكتابه إيماناً صادقاً لم يتّخذوا الكفار أولياء، إذ الإيمان بهما يمنع من ولاية الكافرين، فهم كاذبون في دعواهم أنهم مؤمنون بموسى وكتابه ((وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ))خارجون عن طاعة الله ورسوله وكتابه' فإنما يدّعون الإيمان باللسان وقلوبهم خراب من الإيمان .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 82 | ثم ذكر سبحانه فرقاً بين اليهود والنصارى، وأنّ اليهود طبيعتهم العامة العناد والإستكبار والعداوة وأنّ النصارى ليسوا بتلك المثابة، إذ فيهم بعض المنصفين من العلماء، وما أصدق قوله سبحانه، فإنه نرى ذلك إلى اليوم، فقد نجد كثيراً من المسيحيّين يُسلمون ولا نجد إلا الشاذ النادر من اليهود يُسلمون ((لَتَجِدَنَّ )) يارسول الله ((أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ))، أي للمسلمين ((الْيَهُودَ )) فإنهم من أعدى أعداء المسلمين ((وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ))، أي المشركين فإنهم في رديف اليهود -وبعدهم في الرتبة- عداوة للمسلمين ((وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ )) أقرب الناس ((مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ))، أي حباً للمؤمنين ((الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى )) فإنهم وإن كانوا نصارى بصرف اللفظ (قالوا إنّا نصارى) لا إنهم على تعاليم المسيح ودينه حقيقة لكنهم من أقرب الناس للمسلمين ((ذَلِكَ ))، أي سبب كونهم أقرب ((بِأَنَّ مِنْهُمْ ))، أي من النصارى ((قِسِّيسِينَ ))، أي علماء من "القس" بمعنى نشر الحديث ((وَرُهْبَانًا ))، أي الزهّاد أصحاب الصوامع، من "رهب" بمعنى خاف ((وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)) عن إتباع الحق والإنقياد إليه إذا علموه وبهده الصفة خرج من لم يكن كذلك من النصارى فإنّ القيد يخصص المطلق .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 83 | هذه الآية وطرفاها وردت في قصة النجاشي ملك حبشة، فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) مع جماعة من المؤمنين إلى النجاشي فأكرمهم وأعزّ وفادتهم ثم أنه بعث إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثلاثاً من القسّيسين فقال لهم : أنظروا إلى كلامه ومصلّاه، فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله إلى الإسلام وقرء عليهم القرآن (وإذ قال الله ياعيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك-إلى قوله- سحر مبين)، فلما سمعوا ذلك من رسول الله بكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي وأخبروه خبر رسول الله وقرئوا عليه ما قُرء عليهم فبكى النجاشي وبكى القسّيسون وأسلم النجاشي ولم يُظهر للحبشة إسلامه وخافهم على نفسه وخرج من بلاد الحبشة يريد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلما عَبَرَ البحر توفي فنزلت هذه الآيات ((وَإِذَا سَمِعُواْ ))، أي هؤلاء النصارى ((مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ )) من القرآن ((تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ))، أي من البكاء ((مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ))، أي لمعرفتهم أنّ المتلو عليهم حق، فإنّ الإسنان إذا عرف الحق رأى الخارج على خلافه أو رأى إضطهاد أهله بكى رقّة على الحق أو القائم به ((يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا )) بدينك ورسولك ((فَاكْتُبْنَا ))، أي سجّلنا سواء كان كتابة حقيقية أم لا ((مَعَ الشَّاهِدِينَ)) الذين شهدوا بالحق، والمراد بهم المسلمون هنا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 84 | ((وَمَا لَنَا ))، أي يقول هؤلاء النصارى : لأيّ عذر ؟ ((لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ )) إيماناً حقيقياً كإيمان المسلمين ((وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ )) من القرآن والإسلام ((وَ)) الحال إنّا ((نَطْمَعُ ))، أي نرجو ونأمل ((أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا )) في الجنة ((مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 85 | وقد حقق الله لهم الرجاء الذي رجوه ((فَأَثَابَهُمُ اللّهُ ))، أي جازاهم وأعطاهم الثواب ((بِمَا قَالُواْ))، أي بسبب قولهم ذاك المنبثق عن عقيدتهم الراسخة (( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي بساتين تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار ((خَالِدِينَ فِيهَا ))، أي لهم الخلود فلا إنقضاء للنعيم ولا زوال لهم ((وَذَلِكَ )) الثواب ((جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون العقيدة والقول والعمل .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:26 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 86
| ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ )) كاليهود وسائر المسيحيّين والمشركين ((وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا )) فلم يقبلوها ((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) الذين يلازمون النار كما خلد أصحاب الجنة فيها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 87 | وفي سياق ذكر الرهبان -وهم يحرّمون الطيّبات على أنفسهم- يأتي النهي للمسلمين عن تحريم ما أحلّ الله، كما ينهى عن الإسراف والإعتداء، فإنّ كلا الطرفين منهي عنه مذموم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ))، أي لا تجعلوها بمنزلة المحرّمات فتجتنبوا عنها إجتنابكم عن المحرّمات، ولفظة (ما) موصولة، أي طيبات الأشياء التي أحلّها الله لكم، ولعلّ الإتيان به لإفادة العموم، إذ لو قال (طيّبات أحلّ الله لكم) كان المتبادر منه طيّبات خاصة وليست إضافة طيّبات إلى (ما) تفيد التقييد، بل هو من باب "قطيفة خز" وقد نزلت هذه الآية في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبلال وعثمان بن مضعون، فأما علي (عليه السلام) فإنه حلف أن لا ينام الليل أبداً إلا ما شاء الله، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأما عثمان بن مضعون فإنه حلف أن لا ينكح أبداً -كل ذلك بقصد الإمتناع عن الشهوات الدنيا رجاء ثواب الله- فدخلت إمرأة عثمان على عائشة وكانت إمرأة جميلة فقالت عائشة : ما لي أراك متعطّلة ؟ فقالت : ولمن أتزيّن فوالله ما قربين زوجي منذ كذا وكذا فإنه قد ترهّب ولبس المسوح وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبرته عائشة فخرج فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : "ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات إنّي أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار فمن رَغِبَ عن سنّتي فليس منّي" ، فقام هؤلاء فقالوا : يارسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله (لا يؤاخذكم الله) ، ولا يخفى أنّ مثل ذلك لا يضر مقام عصمة الإمام لأنه : أولاً : قُيّد بـ (إلا ما شاء الله)، وثانياً : إنه من قبيل (ياأيها النبي لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لك) ولعل السر في المقامين أنّ الأمر كان جائزاً قبل النهي، ولفظة (لِمَ) ليس للتقريع بل للإرشاد وإعطاء الحُكم ((وَلاَ تَعْتَدُواْ )) حتى تُسرفوا في تنازل الطيّبات أو تعتدوها إلى الخبائث ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) قد تقدّم أنّ معنى (لا يحب) في هذه المقامات أنه يكرههم ويبغضهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 88 | ((وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا ))، أي في حال كون الرزق حلالاً -أي مباحاً- طيّباً، أي لا ضرر فيه ولا خبث ((وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ ))، أي بالله ((مُؤْمِنُونَ)) فلا تخالفوا أوامره ولا ترتكبوا زواجره .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 89 | ((لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )) اليمين التي أجازها الله سبحانه تكون منعقدة وتترتّب على حنثها الكفّارة، أما اليمين اللفظية -كما تتداول في ألسنة الناس حيث يحلفون على كلّ صغيرة وكبيرة- واليمين التي لم يعطِ الله الرخصة في متعلّقها كيمين تحريم الطيّبات على النفس زهداً فهي لغو من اليمين لا تترتب عليها كفّارة ولا يكون نقضها حِنثاً ((وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ )) عن قصد وإعتماد مع صلاحية المتعلّق للإنعقاد، فقول الإنسان "لا والله" و"بلى والله" لغو لم يقصد به عقد اليمين، كما يُعقد العقد، بل من هو من قبيل التأكيد كما إنّ عقده بدون صلاحية المتعلّق لا يفيد شيئاً، وقد سبق ذلك في سورة البقرة لكن التكرار هنا فذلكة للحكم المتقدّم وتمهيد للكفّارة ((فَكَفَّارَتُهُ ))، أي كفّارة ما عقّدتم من الأيمان وسميّت الكفّارة كفّارة لأنها تكفّر الذنب وتستره وإنما تجب الكفّارة إذا حنث الإنسان مقتضى يمينه ((إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ )) جمع مسكين، والمراد به الفقير يُعطى كلّ واحد مدّاً من الطعام وهو ما يقرب من ثلاثة أرباع الوقيّة -بحقّة كربلاء- أو ثلاثة أرباع الكيلو، أو يُطعمهم إطعاماً ((مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ )) فلا يجب في إطعامهم الحد الأعلى وهو الأرز مثلاً ولا يجوز الأدنى كإطعامهم بالدخنة مثلاً ((أَوْ كِسْوَتُهُمْ ))، أي يكسي كل واحد من العشرة بثوبين المأزر والقميص بأيّ جنس كان ((أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ))، أي عتق عبد أو أمّة لوجه الله سبحانه، وإنما عبّر الإنسان بالرقبة لعلاقة الكل بالجزء ((فَمَن لَّمْ يَجِدْ )) أحد الأمور الثلاثة للكفّارة ((فَـ)) كفّارته ((صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ )) متتابعات -كما ذكر الفقهاء- و((ذَلِكَ )) المتقدّم من الأمور الثلاثة ثم الصيام ((كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ )) جمع يمين وهو الحلف ((إِذَا حَلَفْتُمْ )) ثم حنثتم ((وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ )) فلا تحنثوها بل أوفوا بها ((كَذَلِكَ )) البيان، أي مثل هذا البيان الذي بيّن به الكفّارة وحُكم اللغو في اليمين ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ )) واضحة لا لبس فيها ولا غموض ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) الله سبحانه حيث أرشدكم إلى مصالحكم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 90 | وبعد ذِكر تحليل الطيّبات يأتي بيان تحريم الخبائث ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ )) وهي كلّ ما أسْكَر سواءً كان من العنب أو غيره ((وَالْمَيْسِرُ )) هو القمار بجميع أنواعه ((وَالأَنصَابُ)) وهي الأصنام كانوا يذبحون لها الذبائح ويلطّخونها بدمائها ((وَالأَزْلاَمُ )) قداح كانوا يستقسمون بها الذبيحة، وذلك نوع من أنواع القمار خُصّص بالذِكر لاشتهارها عند الجاهلين، وقد مرّ التفسير للكلمات سابقاً ((رِجْسٌ ))، أي خبيث ((مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )) فإنّ الشيطان هو الذي أمَرَ بتعاطيها مقابل عمل الرحمان بمعنى الذي أمَرَ به وعمله، فإنّ الشيطان هو الذي عمل هذه الأشياء أما حقيقة كما يظهر من بعض الأحاديث، وأما مجازاً باعتبار وسوسته وإلقائه في قلوب الفاسقين ((فَاجْتَنِبُوهُ ))، أي إجتنبوا تعاطي هذه الأشياء فلا تشربوا الخمر ولا تضربوا الميسر ولا تعبدوا الأصنام ولا تستقسموا بالأولام ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي كي تفوزون بخير الدنيا وسعادة الآخرة .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:27 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 91
| ((إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ )) بوسوسته وأمره بشرب الخمر ولعب الميسر ((أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ )) أيها المسلمون ((الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء )) والفرق بينهما أنّ أصل التعدّي من فعل الجوارح وأصل البغضاء من فعل الجوانح ((فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ))، أي بالنسبة إليهما، فإنّ (في) تُستعمل بمعنى النسبة، كما قالوا في قولهم : الواجبات الشرعية في الواجبات العقلية، إنّ (في) بمعنى النسبة، أي بالنسبة إلى الواجبات العقلية، في المجمع : إنّ سعد بن أبي وقّاص ورجلاً من الأنصار كان مواخياً لسعد دعاه إلى طعام فأكلوا وشربوا نبيذاً مُسكِراً فوقع بين الأنصاري وسعد مِراء ومفاخرة فأخَذَ الأنصاري لحن جمل فضرب به سعداً ففزر أنفه فأنزل الله ذلك فيهما، أقول : إنّ إيقاع العداوة بواسطة الخمر ظاهر، إذ السُكر الموجب لذهاب العقل يوجب كل شيء وإيقاعه بسبب القمار من جهة الإختلاف بينهما فيمن له الغَلَب أولاً وبُغض المغلوب للغالب ثانياً ((وَيَصُدَّكُمْ )) كلّ واحد من الخمر والميسر ((عَن ذِكْرِ اللّهِ )) إذ الإسكار يوجب عدم الإلتفات إلى الله سبحانه والقمار بتشغيله الحواس منسي له تعالى ((وَعَنِ الصَّلاَةِ )) لما هو واضح مما تقدّم ((فَهَلْ أَنتُم )) أيها المسلمون ((مُّنتَهُونَ)) عنهما فتتركونهما لهذه المضار، وصيغة الإستفهام بمعنى النهي كما هو واضح .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 92 | ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ )) في الأوامر والنواهي، ومن المعلوم أنّ طاعتهما واحدة وإنما يُذكر الله لأنه الأصل في الإطاعة، ويُذكر الرسول لأنه المبلّغ الذي بيّن الأمر والنهي ((وَاحْذَرُواْ)) من مخالفتهما فإنّ ذلك موجب لخزي الدنيا والآخرة ((فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ))، أي أعرضتم عن إطاعتهما ((فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)) فانتظروا العقوبة حيث قد بلّغكم الرسول فلم ينفعكم البلاغ وتجاوزتم الحد .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 93 | ولما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة : يارسول الله ما تقول في إخواننا الذين مضوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، يريدون : هل من إثم على الذين قُتلوا أو ماتوا قبل التحريم وهم يتعاطونها ؟ فنزلت هذه الآية ((لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ))، أي إثم وحَرَج وعصيان ((فِيمَا طَعِمُواْ )) سابقاً قبل التحريم من الخمر وتعاطوا من الميسر وغلّب أحد اللفظين تخفيفاً كما قال الشاعر : علّفتها تِبناً وماءاً بارداً ((إِذَا مَا اتَّقَواْ )) (ما) زائدة ((وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))، أي إذا كان طعامهم مصاحباً للتقوى والإيمان والعمل الصالح، ثم إنّ الإنسان قد يكون مؤمناً وعاملاً للصالحات ولكنه ليس كتّقياً، أي ليس في نفسه حالة رادعة ومَلَكة الخوف من الله سبحانه، ولذا ذَكَرَ سبحانه التقوى في عِداد الإيمان والعمل الصالح، ثم كرّر سبحانه الجملة السابقة، أي (إتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) بتعبير ((ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ )) بلا ذِكر العمل الصالح و((ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ )) بلا ذِكر الإيمان، ولا يخفى أنّ الإحسان هو عبارة عن العمل الصالح، ولعل الوجه في التكرار إفادة الدوام في الصفات الثلاثة، أي إنّ عدم الجناح مشروط بالإيمان والتقوى والعمل الصالح -سابقاً- والإيمان والتقوى والعمل الصالح -مستمراً فيما بعد-، وقد كرّر (التقوى) في الجملة الثانية لتأكيد أنّ كلّاً من الإيمان ومن العمل الصالح لا ينفع بدون التقوى، والذي يقرّب إرادة الدوام من الجملة الثانية دخول (ثمّ) فيها فاستمرار التقوى مع الإيمان واستمرار التقوى مع العمل الصالح شرط في عدم الجناح، وهنا سؤال أنّ ظاره الآية إشتراط عدم الجناح بالطعام بالإيمان والتقوى والعمل الصالح، وإذا فرضنا أنّ الطعام كان محلّلاً -كما عرفتَ في شأن النزول إذ الخمر لم تُحرّم بعد- فما معنى هذا الشرط ؟ فقد كان شرب الخمر -قبل تحريمها- مباحاً حلالاً للمسلم والكافر، فأيّ معنى لتقييد التحليل بالإيمان ؟ ، والجواب : إنّ الشرط لا مفهوم له فليس المعنى : الجناح إذا لم يؤمنوا، إذ الشرط كما يُساق غالباً لبيان المفهوم نحو : إن جائك زيد فأكرمه، المفهوم منه : إن لم يجئك فلا تكرمه، يُساق أحياناً لبيان تحقق الموضوع نحو : إن رُزقت ولداً فأختنه، فإنه لا مفهوم له بـ : إن لم تُرزق ولداً فلا تختنه، إذ إن لم يُرزق ولداً يكون من السالبة بانتفاء الموضوع، وإنما الجملة : إن رُزقت، معناها : يجب الختنة للولد، وهنا كذلك إذ الآية مسوقة لبيان : إنّ المؤمنين الذين شربوا وهم متّقون عاملون بالصالحات ليس عليهم جُناح، في مقابل توهّم الأصحاب أنّ عليهم الجناح، لا أنه سيق للمفهوم حتى يُقال بعدم إستقامة مفهومه، ثم إنه من المحتمل أن يكون في تناول المباح للكفار حضر كما دلّ الدليل أنّ في تناول المباح للنُصّاب حضر، فمن شرب من الفرات من أعداء الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) كان شربه محرّماً، وعلى هذا فللمفهوم مجال واسع في الآية ((وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون في أمورهم، وكأنه حث على الإحسان وإن لم يكن المُحسن من أهل الإيمان، ولا يخفى أنّ مَن طَعِمَ محرّماً وتذرّع لرفع الحد عنه بهذه الآية فهو مخطئ، إذ الآية تشترط في عدم الجناح الإيمان والتقوى والعمل الصالح، ومن المعلوم أنّ التقوى والعمل الصالح يتنافيان مع تناول المحرّم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 94 | وفي سياق التحليل والتحريم وتتميماً لما تقدّم في أول السورة من قوله سبحانه (غير محلّي الصيد وأنتم) وقوله (إذا حللتم فاصطادوا) يأتي ذِكر المصيد في حال الإحرام وكفارته ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ )) من بلا بمعنى إختُبر، يعني : ليختبرنّكم الله ويمتحنكم ((بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ ))، أي ببعض الصيد المحرّم على المُحرِم ((تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ )) فيكون في طريقكم إلى الحج بعض أقسام الصيد سهل التناول حتى أنّ أحدكم لو مدّ يده لتمكّن من أخذه، ولو شرع رمحه لتمكّن من صيده وبالأخص فِراخ الطير وصغار الوحش وبيض الطير المحرّم، فقد إبتُلي المؤمنين في عمرة الحديبية بكثرة الصيد في طريقكم إلى مكة وقد كان ذلك إختباراً من الله لهم أيّهم يطيع فيتجنّب وأيّهم يعصي فيصيد، وإنما كان ذلك الإختبار ((لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ))، أي بالسر والخلوة، وعن أعين الناس، وقد تقدّم سابقاً أنّ إختبار الله ليس لأنه لا يعلم وإنما لأجل أن يظهر معلومه ويُتمّ الحجّة كما أنّ (ليعلم) يُراد به ظهور معلومه، فإنّ العلم حيث كان من الأمور ذات الإضافة صحّ أن يكون السبب له إنكشاف المعلوم للعالم وإن يكون وجود المعلوم في الخارج، والمراد بالغيب ما غابَ عن الحواس وهو أما بالنسبة إلى الله أو بالنسبة إلى سائر الناس، أي في حال عدم رؤيتكم لله سبحانه أو عدم رؤية الناس لكم ((فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد النهي -المستفاد من الكلام- بأن صارَ وخالف أوامر الله ((فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم وموجع .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:28 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 95
| ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ))، أي في حال كونكم مُحرمين، والمراد بالصيد كل وحش أُكل أم يُأكل إلا ما استُثني، وحُرُم جمع حرام، يُقال : أحرم الرجل، إذا دخل في الحُرُم أو في الإحرام، فالآية تدلّ على حُرمة الصيد الحَرَمي والصيد الإحرامي، كما إنّ ذلك عام للحج وللعمرة ((وَمَن قَتَلَهُ ))، أي قتل الصيد ((مِنكُم )) أيها المُحرِمون ((مُّتَعَمِّدًا)) وهذا القيد لا مفهوم له لأنه من مفهوم اللقب الذي ثبت عند العملاء عد م المفهوم له، فإنّ للخطأ أيضاً كفّارة كما ثبت في السنّة، ولعلّ فائدة القيد كونه الغالب الذي يتناوله الإنسان بالإضافة إلى أن يترتّب على ما يأتي من قوله (ليذوق وَبال أمره) ((فَجَزَاء )) عليه كفّارة ((مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )) (من) بيان لجزاء أنّ جزائه أن يكفر بإحدى النِعم الثلاث المشابهة لذلك الصيد المقتول، فمثلاً الظبي شبيه بالشاة، وحمار الوحش وبقرته شبيهان بالبقرة، والنعامة شبيهة بجذور ((يَحْكُمُ بِهِ ))، أي بالمثل ((ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))، أي رجلان عادلان، فيحكمان أنّ الحيوان الفلاني الذي اصطيدَ هو مثل النِعَم الفلاني من الأنعام الثلاثة -الشاة والبقرة والإبل- فكما حكما بأنه مثل الصيد أخذ كفّارة له، وقد ورد في الأحاديث أنّ المراد بالعادلَين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام) فما وُجد من النصوص في مورد المماثلة وجب الحُكم به، وما لم يرد فالظاهر عدم المانع في التمسّك بظاهر الآية من كفاية إخبار عدلين عارفين بالمماثلة إن لم يوجد نص بالخلاف بالقيمة أو ما أشبه ((هَدْيًا ))، أي في حال كون الكفّارة يُهدى هدياً ((بَالِغَ الْكَعْبَةِ ))، أي يذهب بها إلى صوب الكعبة فإن أصاب الصيد وهو مُحرِم بالعمرة ذَبَحَ جزائه بمكة وإن كان مُحرِماً بالحج ذَبَحَه بمنى ((أَوْ )) يكون جزاء الصيد ((كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ )) فإذا لم يجد الأنعام أخَذَ بقيمتها الطعام وتصدّق به على المساكين ((أَوْ)) يكون جزاء الصيد ((عَدْلُ ذَلِكَ ))، أي معادل الإطعام ((صِيَامًا )) فلكلّ مدين صوم يوم، وتفصيل هذه الأمور تُطلب من الفقه في كتاب الحج، وإنما شُرّعت الكفّارة ((لِّيَذُوقَ )) الصائد ((وَبَالَ ))، أي عقوبة ((أَمْرِهِ ))، أي عمله وهو الإصطياد المنهي عنه ((عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف )) من الصيد فمن صادَ متعمداً وكفّر عفا سبحانه عن ذنبه ((وَمَنْ عَادَ )) إلى الصيد متعمداً مرة ثانية ((فَـ)) لا كفار عليه من عِظم ذنبه، فإنه لا يُغسل بالكفار بل ((يَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ )) في الآخرة إنتقاماً لهتكه حُرمة الإحرام أو حُرمة الحرم، هذا على ما فُسّر به الآية الكريمة في الأحاديث، وإن كان لا يبعد إنصراف الآية الكريمة إلى (ما سَلَف) قبل التحريم، والعفو باعتبار أنه كان غير جائز حتى عند الجاهليين وما أُعيد بعد التحريم فيكون العفو عما سَلَف من قيبل "الإسلام يجبّ عما قبله" والمراد بالإنتقام الكفّارة والعقاب ((وَاللّهُ عَزِيزٌ )) قادر غالب ((ذُو انْتِقَامٍ)) ينتقم من كلّ من عصاه وخالفه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 96 | ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ )) والمراد بالبحر الأعم من النهر، فإنّ العرب تسمّي النهر بحراً، فإنّ صيده مُباح في حال الإحرام، وفي الحرم -لو صار فيه بحر أو أُتي بصيده إليه- هذا بالنسبة إلى صيده ((وَ)) أما بالنسبة إلى أكله فـ ((طَعَامُهُ ))، أي طعام البحر قد مُتّعتُم به ((مَتَاعًا )) والمتاع ما يَتمتّع به الإنسان ((لَّكُمْ )) أيها المُحرِمون ((وَلِلسَّيَّارَةِ ))، أي للقوافل السيّارة التي تسير كثيراً، فإنه يجفّف السمك للسفر، وإنما خصّص بالسفر مع أنه طعام للحضر أيضاً لكثرة إنتفاع المسافر، إذ لا يمكن غالباً ذبح الأنعام في السفر فينتفع المسافر بالسمك المجفّف إنتفاعاً كثيراً ((وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ )) الأعم من الوحش والطير ((مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )) جمع حرام، أي ما دمتم في الإحرام وما دمتم في الحَرَم -كما تقدّم- يُقال : رجل حرام، إذا كان مُحرِماً أو كا في الحَرَم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوا عقابه فلا ترتكبوا نواهيه ((الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) الحشر هو الجمع، أي يكون مصيركم وحشركم إليه فيجازيكم بما اقترفتم من الذنوب والآثام .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 97 | وفي سياق حكم الصيد في حال الإحرام يأتي الكلام حول ما جعله سبحانه حراماً من المكان والزمان ليهدي الناس في فترات معينة وأماكن معينة عن الخصام والإنتقام الذي يكدّر الحياة البشرية ((جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ )) سميت الكعبة كعبة لتربيعها وإنما قيل للمربّع كعبة لنتو زواه الأربع مقابل المدور، والكعب هو النتو والإرتفاع ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ )) عطف بيان على الكعبة، وإنما جيء بهذا العطف لأنه كانت لدى الجاهليين كعبات متعددة وكانوا يحجّون إليها ويطوفون بها فهدّمها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسمى البيت الحرام لحرمته ولأنه يُحرم فيه القتال والصيد وغيرها ((قِيَامًا لِّلنَّاسِ )) مفعول ثان لـ (جَعَلَ)، أي جَعَلَ الله الكعبة لقيام الناس بأن تقوم أمورهم وتستقيم أحوالهم إقتصادياً وإجتماعياً وغيرهما كما ذُكر في فلسفة الحج -راجع كتاب (عبادات الإسلام) للمؤلف- ((وَ)) جعل الله ((الشَّهْرَ الْحَرَامَ )) قياماً للناس، فأشهر الحُرُم -وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب- تقوم أمور الناس وإجتماعهم، إذ يخفف عن كواهلهم عبأ الحروب والمخاصمات وتسبب الأمن والهدوء مما يروّج الإقتصاد ويهيّء الجو الملائم للتفاهم وغيرها، فالبيت الحرام أمن في المكان والشهر الحرام أمن في الزمان، وقد جعل سبحانه الأمن متعدّياً إلى خارج هذه الحدود فجعل ((وَالْهَدْيَ ))، اي محترماً لا يُمسّ بسوء، وهو ما يهدي إلى الكعبة بإشعار أو تقليد ((وَالْقَلاَئِدَ )) جمع قلادة، أي ما تقلّدها -بعلاقة الحال والمحل-، أي جَعَلَ القلائد محترماً لا تُمسّ بسوء، والمراد بالقلائد أما الحيوان الذي يُقلّد أو الإنسان الذي يُحرِم فيقلّد نفسه، قالوا : كان يقلّد بعيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحَرَم فلا يخاف، لا يُقال أنّ غير الهدي والقلائد أيضاً محترم لأنه لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره أو بدون غيره فما هنا الإختصاص ؟ ، لأنّ الجواب ظاهر فإنّ الهدي لا يجوز أن يُمسّ وإن جاز مسّه لولا كونه هدياً بسبب الإقتصاص والإفلاس ونحوهما، كما إنه لا يجوز أن يتعدّى على المُحرِم بما يجوز التعدّي عليه في غير حال الإحرام، فلا يجوز أخذ المُحرِم وحبسه ولو كان بحق -إذ الواجب إتمام العمرة والحج لله- فكما لا يجوز لنفسه الإبطال لا يجوز لغيره الإبطال ((ذَلِكَ ))، أي إنما جعل سبحانه هذه المحرّمات ((لِتَعْلَمُواْ )) أيها الناس ((أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) فإنه عالم بأحوال الإنسان وما يكتنفه من العداوات والشرور وأنه يحتاج إلى هدوء وسكينة في المكان وفي الزمان، وأنهم يحتاجون إلى ما يُقيم معاشهم ومعادهم ولذا جعل هذه المحرّمات للإستراحة والإستحمام، ولعلّ ذِكر (السماوات) إستطراداً، فإنّ ما ذُكر مرتبط بالأرض لكن لو ذُكرت وحدها لأوهم عدم علمه سبحانه بما في السماوات ((وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) من أحوال الإنسان والحيوان والأزمان والأماكن وغيرها .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:28 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 98
| ولما تقدّم بعض الأحكام عقبه سبحانه بذِكر الوعد والوعيد ((اعْلَمُواْ )) أيها الناس ((أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) لمن عصاه وخالفه ((وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) لمن تاب وآمن وعمل صالحاً فإنه يغفر ذنوبكم ويرحمكم بفضله وسِعَته .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 99 | ((مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ))، أي أداء الرسالة وبيان الشريعة أما القبول من الناس فليس من شأن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يرتبط به ((وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ))، أي تُظهرون من الأقوال والأعمال ((وَمَا تَكْتُمُونَ)) من النيّات والأعمال فإنه لا يخفى عليه شيء ويُجازيكم بكل ذلك فأحسِنوا ولا تخالفوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 100 | ولما بيّن سبحانه الحلال والحرام ذكر أنهما لا يستويان، فلا يتناول أحد خبيثاً مدّعياً أنه لا فرق بين هذا وغيره كما نرى اليوم كثيراً من الناس يتناولون المحرّمات مدّعين عدم الفرق بينها وبين المحلّلات ((قُل )) يارسول الله ((لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ )) المحرّم ((وَالطَّيِّبُ )) المحلّل فإنهما ليسا متساويين ((وَلَوْ أَعْجَبَكَ )) أيها السامع ((كَثْرَةُ الْخَبِيثِ )) وزيادته على الطيب كما نرى من أنّ أنواعاً من الحيوان المحرّم أكثر من المحلّل، فإنّ كثرة الخبيث لا تسبّب طيبه، ولعلّ قوله (ولو) لدفع إستبعاد بعض الناس أنه كيف يمكن أن يكون هذا الشيء الكثير حراماً ؟! ((فَاتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوا عصيانه ولا تخالفوه ((يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ))، أي أصحاب العقول ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي كي تفوزوا بالثواب العاجل والآجل .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 101 | قلنا سابقاً قد جرت عادة القرآن الحكيم بعدم تطويل أمر واحد كي يملّ السامع فهو إذا أراد التطويل ذَكَرَ في الأثناء ما يلطّف الجو ويرفع الكلالة من السامع ببيان حُكم جديد منبّه، وهكذا أتت آية السؤال هنا في وسط الحرام والحلال بالإضافة إلى إرتباط الآية بالحج، حيث أنها وردت في باب السؤال عن الحج، فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطب فقال : "إنّ الله كَتَبَ عليكم الحج" ، فقام سُراقة بن مالك فقال : في كل عام يارسول الله ؟، فأعرَضَ عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً، فقال رسول الله : "ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني وما تركتكم فإنما هَلَكَ مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتُكُم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، فنزلت ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء )) متّصفة بأنها ((إِن تُبْدَ لَكُمْ ))، أي تظهر لكم ((تَسُؤْكُمْ ))، أي تسبّب سوءاً أو حزناً وصعوبة عليكم ((وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا ))، أي عن تلك الأشياء ((حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ ))، أي في فترة الوحي ووجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين أظهُرِكم ((تُبْدَ لَكُمْ )) لأنّ الوحي يأتي إليه بالجواب فيكون موجباً للصعوبة عليكم بتشريع أحكام جديدة أنتم في غِنى عنها، وهنا سؤال أنه كيف يمكن عدم السؤال إن كان من الأمور المرتبطة بالدين ؟ وأنه هل أنّ أحكام الله إعتباطية حتى يشرّعها السؤال ؟ أليس كلّ حُكم تابع للمصلحة والمفسَدة، ويبيّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك لإيصال الناس إلى مصالحهم ومفاسدهم ؟ وما خصوصية حين ينزل القرآن فإنّ الأئمة (عليهم السلام) أيضاً بتلك المثابة حيث أنهم يعلمون جميع الأحكام ؟، والجواب أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد التي منها مصلحة التسهيل على المكلّفين، فكثيراً ما لا يشرّع حُكم -كعدم وجوب السواك- لمصلحة التسهيل، ومن المعلوم أنّ هذه المصلحة قد ترتفع إذا كان هناك لجاج وعناد وظلم، كما قال سبحانه (فبِظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم) وبهذا ظَهَرَ الجواب عن السؤال الثاني، وأما السؤال الأول فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا كان في مقام بيان جميع الأحكام وليست القضية شخصية كابتلاء بإرث لا يعلم تقسيمه أو زوجة لا يعرف حقها أو ولد عاص لا يدري كيف يعاشره أو أشباه ذلك، لم يكن وجه للسؤال لأنه تعنّت وإرهاق، وأما السؤال الثالث فلأن المصالح التشريعية قد كملت في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى إنه لا تشريع جديد بعده، ولذا فلم تكن الأئمة (عليهم السلام) بمثابة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في إمكان تشريع الحُكم وإن كان من الممكن التشريع لو حدث في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شيء، وهذه المصلحة -وهي إنسداد باب التشريع- حتى لا يكون لأحد ذلك بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان مفوتاً لمصالح واقعية -مثلاً- لكنها أقوى في الإعتبار من مراعات مصالح لأحكام جديدة، ولعلّ الجواب عن الإشكال الثاني يُستفاد من حديث ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : "إنّ الله إفترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وسَكَتَ عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلّفوها" ((عَفَا اللّهُ عَنْهَا ))، أي عن تلك الأشياء فلا تتكلّفوها إنه سبحانه رجّح مصلحة التسهيل عليكم على مصلحة تلك الأحكام فإن تسألوا عنها وعاندوا تُرفع تلك المصلحة التسهيلية فتبتلون بها ((وَاللّهُ غَفُورٌ )) يغفر ما سلف ((حَلِيمٌ)) يرحمكم أن يوقكم في عسر ومشقة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 102 | ((قَدْ سَأَلَهَا ))، أي سأل عن تلك الأشياء التي إن تُبْدَ تسيء السائل ((قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ )) من الأمم السابقة، كما سأل اليهود عيسى (عليه السلام) المائدة ثم كفروا، وسأل بنو إسرائيل القتال فلما أُجيبوا ولّوا إلا قليلاً منهم، وسأل قوم صالح الناقة ثم عقروها، أو من المشركين حيث سألوا من النبي أشياء ثم لما أبدا لهم كفروا ولم يؤمنوا ((ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ)) فازدادوا عذاباً على عذابهم، وهذه الآية كالتعليل للنهي في الآية السابقة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 103 | ثم يرجع السياق إلى ذِكر بعض الأمور المحلّلة التي حرّمها أهل الجاهلية ((مَا جَعَلَ اللّهُ ))، أي لم يحرّم الله -كما يزعم أهل الجاهلية- ((مِن بَحِيرَةٍ )) هي الناقة إذا شُقّت أذنها، من البحر بمعنى الشق ((وَلاَ سَآئِبَةٍ )) من ساب الماء إذا جرى، أي الناقة السائبة التي تجري على الأرض بدون أن يمسّها أحد -كما يأتي- ((وَلاَ وَصِيلَةٍ )) من الصلة ضد القطيعة وهي قسم من الناقة والشاة كانو يحرّمونها ((وَلاَ حَامٍ )) من حمى يحمي إذا حفظ، وهو قسم من الإبل كانو يحرّمونه لأنه حمى نفسه، فقد كان أهل الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن خامسها أنثى بحروا أُذنها -أي شقّوها وحرّموها على النساء- فإذا ماتت حُلّت، وإذا ولدت عشراً جعلوها سائبة لا يستحلّون ظهرها ولا أكلها، وربما تسيّب بنذر فكان ينذر أحدهم إن برء مريضه أو جاء مسافره فناقته سائبة، وإذا ولدت ولدين في بطن واحد أو الشاة ولدت في السابع ذكر أو أنثى في بطن واحد قالوا : وصلت، فلم تُذبح ولم تُؤكل وحرّموا ولدي الشاة على النساء حتى يموت أحدهما فيحلّ، والحام الفحل إذا ركب ولد ولده أو نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يُركب ولا يُمنع من كلاء وماء، فأنزل الله عزّ وجل أنه لم يحرّم شيئاً من هذه الأمور ((وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ )) فينسبون تحريم هذه الأشياء إلى الله سبحانه كذباً وبهتاناً ((وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ))، أي ليس لهم عقل يميّزون بين الحرام والحلال والحق والباطل .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:29 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 104
| ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ))، أي لهؤلاء الذين يحرّمون أشياء إفتراءاً ((تَعَالَوْاْ ))، أي هلمّوا ((إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ )) من الأحكام في القرآن ((وَإِلَى الرَّسُولِ )) كي تصدّقوه وتتّبعوا سنّته ((قَالُواْ )) في الجواب ((حَسْبُنَا ))، أي يكفينا لمصالحنا ((مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا )) من العقائد والأقوال والأعمال والعادات، وهنا يسأل سبحانه سؤال إنكار وتعجب بقوله ((أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا )) من الحق والباطل ((وَلاَ يَهْتَدُونَ)) إلى الحق، أي فهل يتّبعونهم ولو كانوا جهّالاً ضلّالاً ؟! .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 105 | ولما بيّن سبحانه أحوال الكفار وأنهم ضالّون أمر المسلمين باتباع الحق وأنهم لا يضرّهم ضلال من ضلّ حينما كانوا هم مهتدين ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ )) هو إسم فعل بمعنى إلزم واحفظ، أي إحفظوا ((أَنفُسَكُمْ )) عن الضلال والإحراف ((لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ )) من الناس ((إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، أي إذا كنتم مهتدين، ومن المعلوم أنّ من شروط الإهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد وسائر الواجبات التي هي من هذا القبيل ((إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ )) أيها الناس ((جَمِيعًا )) فإنّ مصير الضال والمهتدي إليه سبحانه ((فَيُنَبِّئُكُم ))، أي يُخبركم ((بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) من الأعمال الحسنة أو القبيحة، وليس كالدنيا يختلط الحابل بالنابل فتُؤخذون أنتم بذنوب الضالين إشتباهاً وتعمّداً أو يُشتبه أمر الضالّين فلا يجازون بالعقاب .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 106 | ثم تعرّض سبحانه لبيان تشريع جديد وَرَدَ في قصة خاصة يرجع إلى سنّ بعض الأحكام بعدما فَرِغَ من بعض أقسام الحلال والحرام، فروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ ثلاثة نفر خرجوا من المدينة تجّاراً إلى الشام تميم بن أوس الداري وأخوه عدي وهما نصرانيان وابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص السهمي وكان مسلماً حتى إذا كانوا ببعض الطريق مَرِضَ إبن مارية فكتب وصية بيده ودسّها في متاعه وأوصى إليهما ودفع المال إليهما وقال : أبلِغا هذا أهلي، فلما مات فتحا المتاع وأخذا ما أعجبهما منه ثم رجعا بالمال إلى الورثة، فلما فتّش القوم المال فقدوا بعض ما كان قد خرج به صاحبهم، فنظروا إلى الوصية فوجدو المال فيها تاماً فكلّموا تميماً وصاحبه فقالا : لا علم لنا به وما دفعه إلينا أبلغناه كما هو، فرفعوا أمرهم إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت الآية -وستأتي تتمة القصة- ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ )) مرفوع بالإبتداء خبره (إثنان)، أي إنّ الشهادة المعتبرة شرعاً فيما بينكم شهادة نفرين ((إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )) بأن ظهرت عليه آثار الموت ((حِينَ الْوَصِيَّةِ ))، أي في وقت الوصية ((اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))، أي رجلان عادلان من المسلمين ((أَوْ آخَرَانِ ))، أي شخصان آخران لتحمّل الشهادة ((مِنْ غَيْرِكُمْ ))، أي غير المسلمين، واو هنا للترتيب لا للتخيير ((إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ))، أي سافرتم ولم تجدوا مسلمين للإشهاد على الوصية فاشهدوا نفرين آخرين ((فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ )) بأن ظهرت علائمه، والجملة الشرطية لتقيّد قوله (آخران) فإنّ إشهادهما مشروط بالضرب في الأرض، وهذا من باب المورد، وإلا فالمعيار عدم وجود مسلمين، وإن كان في الحضر، فإذا تحمّلا الشهادة وأرادا الإدلاء بها فهو بهذه الكيفية : ((تَحْبِسُونَهُمَا ))، أي تقفونهما ((مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ ))، أي صلاة العصر وذلك لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت، ولعله أردع للكذب، إذ الإجتماع مما يسبّب الهيبة في قلب المدلي للشهادة ((فَيُقْسِمَانِ))، أي الشاهدان غير المسلمين ((بِاللّهِ )) وهذا دليل على أنّ الشاهد يجب أن يكون معترفاً بالله كأهل الكتاب ((إِنِ ارْتَبْتُمْ ))، أي شككتم في شهادتما واحتملتم التبديل والتغيير والتزييف في الأمر، وهذا شرط للقَسَم، أي إنهما يُقسِمان في حال شككتم وإلا فيدليان بالشهادة بدون القَسَم ((لاَ نَشْتَرِي بِهِ ))، أي بما ندلي من الشهادة ((ثَمَنًا )) وهذا هو المقسَم به، فلا نغيّر الشهادة ولا نبدّل ولا نزيّف الواقع إبتغاء تحصيل ثمن، أي مال ((وَلَوْ كَانَ )) المشهود له ((ذَا قُرْبَى ))، أي من أقربائنا، وخصّص بالذَكَر لأنّ الناس دائماً يميلون إلى أقربائهم فيشهدون بالباطل لنفعهم، وهذا كالتأكيد وإلا فليس هنا مشهوداً له، والمعنى إنّا لا ندلي شهادة باطلة حتى لأقربائنا ((وَلاَ نَكْتُمُ ))، أي لا نُخفي ((شَهَادَةَ اللّهِ ))، أي الشهادة التي أمَرَنا الله بأدائها، والأوصاف تعظيمية ((إِنَّا إِذًا )) لو كتمنا شهادة الله ((لَّمِنَ الآثِمِينَ))، أي العاصين، وحاصل الحُكُم أنّ الإنسان إذا أراد أن يوصي فعليه أن يشهد على وصيته شاهدين مسلمين عادلين، فإن كان في سفر وظهرت عليه إمارات الموت ولم يكن هناك مسلمون لتحمّل الشهادة، يشهد على وصيّته شاهدين كتابيين وتُقبل شهادتهما بدون اليمين إن لم يشكّ الوارث بهما، أما إذا شكّ بهما واحتمل أنهما يكذبان في الشهادة فالحاكم الشرعي يُحضرهما بعد صلاة العصر ويُحلّفهما أولاً بهذا الحلف : والله إنّا لا نبتغي بالشهادة مالاً ولا نبدّل الشهادة حتى لأقربائنا ولا نكتم الشهادة التي ألزمها الله إيماناً ولو فعلنا ذلك لكُنّا آثمين، وبعد أداء هذا القَسَم أو شبهه في المعنى يُدليان بشهادتهما حول الوصية وتُقبل شهادتهما حينئذٍ .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 107 | ولما نزلت الآية الأولى صلّى رسول الله صلاة العصر ودعا بتميم وعدي فاستحلفهما عند المنبر بالله ما قبضنا غير هذا ولا كتمناه، فخلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبيلهما، ثم إطّلعوا على إناء من فضة منقوش بذهب وقلادة من جوهر معهما من مال الميت، فقال أولياء الميت : هذا من متاع الميت، فقال النصرانيان إشتريناه منه ونسينا أن نُخبركم، فرفعوا أمرهما إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنزل قوله (فإن عُثِرَ) فقام رجلان من أوليا ءالميت عمرو بن العاص والمطلب ابن أبي وداعة فحَلَفا بالله أنّ النصرانيين خانا وكذّبا فدفع الإناء إلى أولياء الميت، وبعد مدة أسلم تميم الدارمي فكان يقول : صَدَقَ الله وصَدَقَ رسوله أنا أخذتُ الإناء فأتوب إلى الله وأستغفره ((فَإِنْ عُثِرَ )) يُقال : عَثَرَ الرجل على الشيء، إذا إطّلع، فعُثِرَ بالمجهول بمعنى ظهر ((عَلَى أَنَّهُمَا ))، أي الوصيّين غير المسلمين ((اسْتَحَقَّا ))، أي إستوجبا ((إِثْمًا ))، أي ذنباً بأن إدّعى الأولياء أنهما كذّبا في اليمين والشهادة بل خانا الوصية ((فَـ)) شاهدان ((آخَرَانِ )) مسلمان ((يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا ))، أي مقام غير المسلمين ((مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ))، أي من أولياء الميت الذين إستحقّت عليهما الوصية، وكان المال لهم ((الأَوْلَيَانِ )) تثنية أولى، بدل من قوله "آخران"، أي يقوم شاهدان كل واحد منهما أولى بالميت، أي من أقربائه وذي ولايته، وهذا ينقضان شهادة الوصيّين الكاذبين غير المسلمين ((فَيُقْسِمَانِ ))، أي وليّا الميت ((بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا )) نحن أولياء الميت -في تكذيب الوصيّين- ((أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا ))، أي من شهادة الوصيين الكاذبين، وكلمة (أحقّ) جُرّدت من معنى التفضيل -كما سبق- ((وَمَا اعْتَدَيْنَا ))، أي ما تجاوزنا الحق بل نطلب مال الميت ((إِنَّا إِذًا )) لو إعتدينا كُنّا ((لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)) لنفوسنا حيث قَسَمنا كذباً، وإذا حَلَفَ وليّان للميت كذلك نَقَضَ حلف الوصيّين وأُخذ المال منهما وأُعطي إلى وليّ الميت |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:30 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 108
| ((ذَلِكَ )) الذي تقدّم من كيفية إخلاف الوصيّين بعد الصلاة ((أَدْنَى ))، أي أقرب ((أَن يَأْتُواْ))، أي يأتي الوصيّان ((بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا )) فإنّ اليمين رادعة لكثير من الناس عن الكذب ((أَوْ يَخَافُواْ )) إذا علموا بأنهم إن حلفوا كاذبين ((أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ )) إلى أولياء الميت فيحلفان على كذبهما ويكون الحق لهما دون الوصيّبن ((بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ )) فيجمعوا بين فضيحة الكذب والسرقة وفضيحة الحلف الكاذب ((وَاتَّقُوا اللّهَ )) فلا تحلفوا به كذباً ((وَاسْمَعُواْ )) هذه الموعظة ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) الذين يفسقون بالخروج عن طاعته وارتكاب معصيته، فإنه لا يلطف بهم اللطف الخاص بالمطيعين .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 109 | قد سبق جانب من قصص اليهود والنصارى، ويأتي هنا جانب آخر من قصة النصارى في ثوب بديع ((يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ ))، أي إتقوا يوم الحشر الذي يجمع الله فيه الأنبياء المرسلين جميعاً ((فَيَقُولُ )) لهم ((مَاذَا أُجِبْتُمْ ))، أي بماذا أجابكم الأمم هل بالإيمان والتصديق أم بالكفر والتكذيب ؟ ((قَالُواْ ))، أي قالت الرُسُل في جوابه سبحانه ((لاَ عِلْمَ )) كامل ((لَنَا )) فإنّا لم نَرَ منهم إلا ظواهر أما ألبواطن والخفايا فأنت العالم بها وحدك ((إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ))، أي الأشياء الغائبة عن الحواس، وقصد الآية هنا الإجمال أو ذلك في موقف من مواقف القيامة إذ لها مواقف كل موقف منها يخالف الموقف الآخر في الخصوصيات والمزايا -هذا جواب الأنبياء بصورة عامة- ، أما جواب عيسى (عليه السلام) ففيه تفصيل وسيأتي بعد آيات من قصة عيسى (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 110 | ((إِذْ قَالَ اللّهُ ))، أي يقول، فإنّ المضارع المتحقّق الوقوع ينزل منزلة الماضي، ومحل (إذ) نصب على (إتّقوا)، أي إتّقوا زمان يقول الله : ياعيسى، أو على تقدير (إذكُر) ((يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ)) وذَكَرَ (ابن مريم) إستنكاراً لقول النصارى أنه إبن الله (( اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ )) والمراد بالنعمة جِنسها، لا نعمة واحدة، ومعنى ذِكر النعمة شُكرها، والإتيان بما يستحق المنعم بها، ومن المعلوم أنّ النعمة على الوالدة بالعفاف والطهارة وغيرهما من أعظم النِعَم على الولد، فهي مما تستحق الشكر، ثم فسّر سبحانه بعض نعمه بقوله ((إِذْ أَيَّدتُّكَ ))، أي قوّيتك ونصرتك ((بِرُوحِ الْقُدُسِ ))، أي الروح المنزّه عن الأدران، وهو جبرئيل (عليه السلام) أو مَلَك آخر، أو روح منفوخة فيه تحفظه عن الزلل، فإنّ الأنبياء والأئمة مزوّدون بروح طاهرة تحفظهم وتُرشدهم بأمر الله سبحانه ((تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ))، أي في حال كونك صبيّاً، فإنه (عليه السلام) قال (أنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مُباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حيّا) .. إلخ ((وَكَهْلاً ))، أي في حال كونك كهلاً، وهو قبل سن الشيخوخة، وهذا من تتمة الكلام، يعني أنك تكلّم الناس في الحالين، لا كسائر الناس الذين لا يتكلّمون إلا في حالة واحدة ((وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ ))، أي جِنس الكتاب المُزل من السماء، فإنه كانت كُتب نازلة على الأنبياء السابقين، وقد كان (عليه السلام) تعلّمها بتعليم الله سبحانه ((وَالْحِكْمَةَ )) وهي علم الأشياء على واقعها فإنّ معرفة الكتب غير معرفة الحكمة، وأن يكون الإنسان بحيث يعلم الأمور ومواضعها ((وَالتَّوْرَاةَ )) وهي الكتاب المنزَل على موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ )) وهو الكتاب المنزَل على المسيح نفسه (عليه السلام) ((وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ))، أي على قالب الطير وهيكله، ومن المعلوم أنّ هذا النحو من التجسيم لم يكن حراماً لأنه كان بأمر الله وليس للتحريم عقلياً حتى لا يمكن التخصيص فيه ((بِإِذْنِي )) ولعلّ بإذني إشارة إلى ذلك، أو إنّ الخلق إنما كان بقدرته، إذ لو لم يأذن الله لم يتمكن أحد من خلق شيء وصنعه ((فَتَنفُخُ فِيهَا ))، أي في تلك الهيئة التي خلقتها، ولا يخفى أنّ الروح جسم لطيف فيمكن أن ينفخ المسيح (عليه السلام) بإذن الله ذلك الجسم في الهيكل المصنوع ((فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ))، أي طيراً حقيقياً كسائر الطيور بأمري وإرادتي ((وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ))، أي تُشفي الذي وُلد أعمى ((وَالأَبْرَصَ )) الذي به البَرَص ((بِإِذْنِي ))، أي بأمري وإرادتي ((وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى )) من القبور فتجعلهم أحياءاً ((بِإِذْنِي )) وإرادتي فإنك تدعوني لهذه الحوائج وإنما أستجيب دعائك ((وَإِذْ كَفَفْتُ ))، أي منعتُ ((بَنِي إِسْرَائِيلَ )) اليهود ((عَنكَ )) فلم يقدروا على قتلك ((إِذْ جِئْتَهُمْ ))، أي حين أتيت إليهم ((بِالْبَيِّنَاتِ )) ، أي بالأدلة القاطعة على صحة نبوّتك وصدق كلامك ((فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك وجحدوك ولم يؤمنوا بما جئتَ به ((مِنْهُمْ ))، أي من بني إسرائيل ((إِنْ هَذَا ))، أي ما هذا الذي نرى من خوارقك ((إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ))، أي سحر واضح .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 111 | ((وَ)) اذكُر نعمتي عليكَ ياعيسى بن مريم (عليه السلام) ((إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ )) الوحي هنا بمعنى الإلقاء إليهم ولو كان ذلك بواسطة نفس عيسى أو يحيى (عليهما السلام)، أو المراد الإلهام إلى قلوبهم بواسطة العقل الذي هو حُجّة باطنة، والمراد بالحواريّين أصحابه الخاصون به، وسَبَقَ وجه تسميتهم بالحواري ((أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي )) المسيح، فإنّ الإيمان بالله نعمة على المسيح، كما إنّ تصديقه (عليه السلام) نعمة عليه، إذ الأمران موجبان لقُربه (عليه السلام) إلى الله سبحانه حيث تمكّن من إهدائهم بالإضافة إلى لزوم الإحترام الظاهري ((قَالُوَاْ ))، أي قال الحواريون ((آمَنَّا ))، أي بالله ورسوله ((وَاشْهَدْ )) ياربنا، أو المراد الإستشهاد بعيسى (عليه السلام) ((بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)) لله فيما يأمر وينهي .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 112 | واذكر نعمتي عليك ياعيسى بن مريم (عليه السلام) حينما جرى الحوار بينك وبين الحواريّين حول إنزال الله المائدة فطلبتَ من الله فاستجاب لك وأنزل المائدة ((إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )) ولعلّهم ذكروا اللفظ بتأديب وإنما نَقَلَ سبحانه المعنى، أو كان مثل هذا الخطاب من دستور عيسى (عليه السلام) نفسه، أو كان لديهم متعارفاً ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء )) أما المراد الإستطاعة بحسب القدرة، وكان ذلك حين عدم كمال إيمانهم، وأما المراد الإستطاعة بحسب الإرادة، أي هل يريد ؟ ، وكان سؤال إستعطاف، والمائدة مشتقّة من ماد يميد إذا تحرّك، فهي فاعلة سمي بها الخوان لأنه يميد ويتحرك من مكان لمكان آخر وقت البسط والجمع، وقد أرادوا إتيان عيسى بهذه المعجزة ليروها ويلمسوها ويأكلوها، فلا يبقى محل ريب لهم في صدق الدعوة، ولعلّ ذلك كان قبل سائر الآيات من إبراء الأكمه والأبرص، ولذا ((قَالَ )) لهم عيسى (عليه السلام) ((اتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوه فلا تسئلوا سؤال جاهل ذي ريب ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالله بماله من صفات الكمال التي منها الإستطاعة على مثل هذا الأمر المهين .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:31 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 113
| ((قَالُواْ ))، أي قال الحواريّون ((نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ))، أي من المائدة ((وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا )) أما الإطمئنان بأصل المبدء وأنك رسوله، أو الإطمئنان بالرؤية كما قال الخليل (عليه السلام) (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) ((وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا )) بما أخبرت من الشريعة، وهذا محتمل أيضاً لإرادة العلم العياني ولإرادة أصل العلم لكونهم في شك ((وَنَكُونَ عَلَيْهَا ))، أي على المائدة ((مِنَ الشَّاهِدِينَ)) الذين يشهدون لمن غاب بأنه نزلت المائدة ورأيناها عيناً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 114 | ((قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) داعياً الله سبحانه ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا )) وكان الإتيان بلفظ الرب للمبالغة في الدعاء، أنت الذي ربّيتنا فتفضّل علينا بتتميم التربية ((أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء ))، أي خواناً عليه طعام يأتي من طرف العلو ((تَكُونُ )) المائدة ((لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ))، أي نتّخذ ذلك اليوم الذي تنزل المائدة عيداً، فإنّ الأعياد في الأمم إنما هي بمناسبة ذكريات إنتصارهم، ومن المعلوم أنّ تكريم جماعة بنزول المائدة عليهم من قِبَل الله سبحانه من أعظم الذكريات التي ينبغي أن يُحتفل بها، أول القوم الذين نزلت عليهم، وآخر القوم أي مَن يأتي من بعدهم من أبنائهم ((وَآيَةً مِّنكَ ))، أي دليلاً وعلامة من قِبَلك على التوحيد والنبوّة وما أشبههما ((وَارْزُقْنَا )) من المائدة ((وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) فإنك تتفضّل بالنِعَم كرماً وجوداً ولا تريد عوضها شيئاً تنتفع به بخلاف الناس إذا أُعطوا شيئاً فإنهم يريدون بدلاً يصل إليهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 115 | ((قَالَ اللّهُ )) سبحانه في جواب عيسى (عليه السلام) ((إِنِّي مُنَزِّلُهَا ))، أي أُنزّل المائدة ((عَلَيْكُمْ)) أيها السائلون لها ((فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ ))، أي بعد إنزالها عليكم ((فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا )) شديداً ((لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ))، أي لا أعذّب مثل ذلك العذاب أحداً من العصاة الذين هم في ذلك الزمان، فإنّ إطلاق (العالمين) غالباً على عالَمي زمان واحد، والسبب في شدة العذاب أنهم كفروا بعدما آمنوا وطلبوا المعجزة وقَبِلَ منهم ولُبّي طلبهم، ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المائدة كانت تنزل عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثم ترتفع فقال كبرائهم ومترفوهم لا ندع سفلتنا يأكلون منها معنا فرفع الله المائدة ببغيهم ومُسخوا قِرَدة وخنازير .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 116 | تقدّم أنّ الله سبحانه يسأل الأنبياء عن جواب الأمم لهم، ثم ذُكر جملة من معاجز عيسى المقتضية لإيمان الناس به إيماناً عادلاً، لكن النصارى رفعوه فوق مقامه إذ جعلوه إلهاً، ولذا يتوجّه السؤال إليه (عليه السلام) في مشهد القيامة حول هذا الإفتراء الذي نُسب إليه (عليه السلام) حتى يظهر تبرّيه من ذلك، فيكون المجال فسيحاً أمام عقاب من إدّعى ذلك كذباً وبهتاناً، في يوم يجمع الله الرُسُل فيقول : ماذا أُجِبتُم ؟ ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ ))، أي يقول، فإنّ المستقبل المتحقّق وقوعه ينزل منزلة الماضي ((يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ ))، أي هل أنتم على نحو الإستفهام التوبيخي لمن إدّعى ذلك، والتقريري بالنفي بالنسبة إلى المسيح (عليه السلام) ((قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ))، أي سوى الله، لا إنهم لا يعتقدون بإلوهيّة الله تعالى ((قَالَ )) عيسى (عليه السلام) في جواب ذلك : أسبّحك ((سُبْحَانَكَ ))، أي أنزّهك يارب تنزيهاً عن مثل هذا الكلام ((مَا يَكُونُ لِي ))، أي ليس يجوز بالنسبة إليّ ((أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ )) فآمرَ الناس باتّخاذي إلهاً ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ ))، أي قلتُ للناس إتّخذوني وأُمّي إلهين ((فَقَدْ عَلِمْتَهُ )) لكن لا تعلم ذلك -على نحو السالبة بانتفاء الموضوع- فلستُ قلته ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ))، أي سريرتي فكيف بأقوالي العلانية ((وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ )) وهذا على جهة المقابلة، وإلا فليس لله سبحانه نفس، وقوله (ولا أعلم) لبيان ضراعته (عليه السلام) إليه سبحانه وإلا فلم يكن الكلام مسوقاً إليه ((إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ))، أي تعلم كلّ غيب عن الحواس، ولستُ أنا كذلك فأنت تعلم أني لم أقل (إتّخذوني وأُمّي إلهين) للناس .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 117 | ثم بيّن (عليه السلام) ما قاله لقومه زيادة في التبرّي من هذا القول المختلق إليه ((مَا قُلْتُ لَهُمْ))، أي للناس ((إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ )) من الإقرار لك بالعبودية، فقد قلتُ لهم ((أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) فأنا وأنتم متساوون في عبادة الله وكونه ربنا وخالقنا ((وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا )) شاهداً أرى أقوالهم وأعمالهم ((مَّا دُمْتُ )) كنتُ ((فِيهِمْ ))، أي في وسطهم ((فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ))، أي أخذتني مستوفى كاملاً إلى السماء -وقد سبق وجه ذلك- ((كُنتَ أَنتَ )) ياإلهي ((الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ))، أي المراقب لهم فيما يعملون ويعتقدون ويقولون ((وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ))، أي شاهد حاضر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 118 | إنّ مبدء القوم هو أنت (ربي وربكم) ومعادهم بيدك وحدك ((إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ )) لا يقدرون على رفع شيء من أنفسهم ولا يقدر غيرك على نجاتهم ((وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ)) القادر ((الْحَكِيمُ)) الذي لا يفعل شيئاً إلا طبق الحكمة والمصلحة، وفي هذا تسليم الأمر لمالكه وتفويض الأمر إلى مدبّره، وهذا التعبير لا ينافي علم عيسى (عليه السلام) بأنهم معذّبون فإنه كما يقول أحدنا لمال أمر أنه بيدك إن شئت فعلت وإن شئت تركت حتى مع علمنا أنه يفعل أحدهما لا محالة، هذا بالإضافة إلى أنّ بعضهم وهم القاصرون قابلون للغفران .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 119 | ((قَالَ اللّهُ )) بعد ذلك الحوار في مشهد القيامة ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )) فلا الكاذب الغالي القائل المسيح إبن الله أو هو الله، ينفعه كذبه، ولا الكاذب الغالي القائل بأنّ المسيح بشر غير نبي ينفعه كذبه، أنه يوم الصدق، وينفع الصادق صدقه ((لَهُمْ ))، أي للصادقين ((جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ))، أي تحت قصورها وأشجارها ((الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )) مما لا نهاية له ((رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ )) بما عملوا في دار الدنيا ((وَرَضُواْ عَنْهُ )) بما أعطاهم من الجزاء والثواب ((ذَلِكَ )) المقام الذي حصلوه عملوا ((الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) الذي لا فوز بعده أعظم منه .
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:31 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 120
| إنّ النصارى كذبوا في جعل الشريك لله ((لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) لا شريك له فيهنّ ولا مَلِك غيره ((وَمَا فِيهِنَّ )) مما يوجد فيهما من إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو غيرها ((وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يمتنع عليه شيء، وما هذه صفته لا يكون له شريك في المُلك . |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:32 pm | |
| فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 6
| ثم حذّرهم سبحانه أن يصيبهم ما أصاب الأمم السالفة حيث كذّبوا وعصوا وعتوا عن أمر ربهم ((أَلَمْ يَرَوْاْ)) إستفهام تذكيري توبيخي، أي ألَم يعلموا -فإنّ الرؤية تُستعمل بمعنى العلم- ((كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ))، أي من الأمم، والقرن أهل كل عصر، وسمّي بذلك لأنّ بعضهم يقترن ببعض، ولذا إختُلف في المدة المراد به لاختلاف الإعتبار ((مَّكَّنَّاهُمْ))، أي تلك الأمم ((فِي الأَرْضِ)) بأن جعلناهم ملوكاً وقادة وساسة ذا عَدد وعُدد وإمكانيات ((مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ)) حيث كانوا هم أكثر تمكّناً منكم، والظاهر أنّ الخطاب خاص بالكفار في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث كان السابقون أكثر تمكّناً منهم، لا يُقال أنّ من المحتمل كون بعض الأمم السالفة أكثر تمكّناً من جميع من يأتي إلى يوم القيامة حتى يكون الخطاب عاماً، لأنّ الجواب ظاهر، إذ قوله (ألَم يروا) ينافي ذلك فإنّ الناس لم يعلموا أخبار هكذا أمة -كما تقولون- بل ما رواه إنما هو أخبار الأمم التي كانت أقوى من الكفار في زمانه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا)) هو من درّ إذا هطل، ومدرار صيغة مبالغة، أي كثرة الهطول حتى عمّهم الخير والبَرَكة والثروة، والمراد بالسماء المطر بعلاقة الحال والمحل، كما قال الشاعر: وإذا نَزَلَ السماء بأرضِ قومٍ رعيناه وإن كانوا غِضابا
((وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ))، أي مياههما بعلاقة الحال والمحال ((تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ))، أي تحت قصورهم وأشجارهم، أو باعتبار أنّ الماء أسفل من سطح الأرض التي يمشون عليها، وكل ذلك لم يفدهم في بقاءهم وحُسن ذِكرهم ((فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ)) والمراد هلاكهم بذهاب أثَرَهم وانقطاع نسلهم وعَقِبهم وفناء حضارتهم بسبب عصيانهم وكفرهم مقابل الأبياء والصالحين الذين بقوا إلى يوم الناس هذا، وإنّ صلاحهم وحُسن أعمالهم سبب بقاء آثارهم وبقاء مناهجهم ((وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ))، أي خلفناهم من بعدهم أمة أخرى وجماعة آخرين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 7 | ثم بيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكفار معاندون في كفرهم لا أنهم لم يعلموا الحق ((وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ)) يارسول الله ((كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ))، أي مكتوباً في ورق يشهد لك بصدقك ((فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ))، أي مسّوه بيدهم حتى يتيقّنوا بأنّ ذلك ليس من الشعبذة وستر العيون (( لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا))، أي ما هذا الكتاب ((إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ))، أي سحر ظاهر، فلا يصدّقونك، قالوا نزلت هذه الآية في جماعة من الكفار قالوا: يامحمد لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله معه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 8 | ((وَقَالُواْ))، أي قال هؤلاء الكفار ((لَوْلا))، أي هلا، ولماذا ما ((أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ))، أي على الرسول مَلَك نشاهده فنصدّق، ثم ردّ الله عليهم مقالتهم بأنه ((وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا)) كما إقترحوه ((لَّقُضِيَ الأمْرُ))، أي إنتهى أمَدَهم وأجَلَهم ((ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ))، أي يُهلكون ويموتون، وذلك لما جرت سُنّة الله أن لا ينزل الملائكة إلى المعاندين إلا وقت موتهم، وهنا سؤال هو: أنّ هذا لا يكون جواباً للكفار -على هذا المعنى- إذ لم يقولوا: فليغيّر الله سنّته بأن يُنزِل المَلَك ويُبقينا حتى نؤمن، وسؤال ثانٍ هو أنه: لماذا جرت سُنّة الله على ذلك أليس إهتداء الناس غاية الخِلقة فما المانع من توفّر أسباب الهداية بإنزال المَلَك، والجواب عن الاول أنّ سُنّة الله جرت على الهلاك عقب مجيء الملائكة كما جرت سُنّته على الإحراق عقيب الإلقاء في النار وليس للكفار هذا الإشكال إذ يقول النبي للكفار: ولماذا تريدون نزول الملائكة؟ ألِلعناد؟ فلا داعي إلى إجابتكم، أم لأنه خارق والإتيان بالخارق موجب للتصديق؟، فقد أتيت بالخوارق أم لأنه خارق خاص؟، فالخارق الخاص لا يلزم إجابته لدى العقل والعقلاء وهذا كما إذا حمل الطبيب شهادة الكلية فيقول له المريض إئتني بشهادة رئيس الحكومة، إنه سؤال سخيف لدى العقلاء، والجواب عن الثاني: أنه سبحانه عَلِمَ عنادهم وأنه لا يفيدهم إنزال المَلَك كما بيّن ذلك في قوله (ولو نزّلنا عليك كتاب) وما كان يمنعهم أن يقولوا إنّ ما يشاهدونه من صورة المَلَك إنما ذلك سحر مبين !.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 9 | ثم بيّن سبحانه وجهاً آخر لعدم إجابة إقتراحهم ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ))، أي الرسول ((مَلَكًا)) مُتزَلاً من السماء ((لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً))، أي في صورة رجل فإنّ خلقة البشر لا تستعد لأن يرى المَلَك في صورته، إلا إذا بُدّلت صورته إلى صورة إنسان وواقع مَلَك، وذلك لا يفيد إقتراحهم، فإنّ المَلَك جُرم لطيف لا تراه عين البشر، كما لا يرى الإنسان الهواء ((وَلَلَبَسْنَا)) من اللبس بمعنى الإشتباه ((عَلَيْهِم))، أي على هؤلاء المقترحين بإنزال المَلَك ((مَّا يَلْبِسُونَ))، أي كما يلبسون اليوم على أنفسهم أمر النبي لأنه إنسان مثلهم، كأنّ إنزال الملائكة في صورة البشر موجباً لأن نُلبس نحن عليهم الأمر -مثل لبسهم هذا اليوم- وحاصل جواب الإقتراح أولاً: إنّ المَلَك لا ينزل إلا لأمور خاصة كما نزل في قصة إبراهيم (عليه السلام) ولوط (عليه السلام)، وثانياً: إنّ المَلَك إذا نزل نزل في صورة بشر فيبقى شكّهم على حاله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 10 | ثم قال سبحانه على سبيل التسلية للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ)) إستهزئت بهم أممهم وسخروا منهم، فلستَ أنت بأول رسول يُستهزئ بك ويُقترح عليك إقتراحات على تعنّد وتمسخر ((فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم))، أي فحلّ وأحاط بالساخرين للرُسُل ((مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ))، أي أحاط بهم العذاب الذي هو جزاء سخريتهم، أو المراد أنّ الأنبياء كانوا يوعدونهم بالعذاب فكانوا يسخرون بإيعادهم فحاق بهم العذاب المستهزء به.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 11 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((سِيرُواْ فِي الأَرْضِ))، أي سافروا فيها ((ثُمَّ انظُرُواْ)) إذا مررتم ببلدان الأنبياء وتفكّروا ((كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ))، أي الأمم التي كذّبت أنبيائه كيف أُبيدت ولم تبقَ منهم باقية فإنّ ديار الأمم السابقة حوالي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر كانت باقية وآثار الخسف والهلاك على بعضها وأخبار الهلاك والتدمير كانت عند الناس مشهورة، فإذا سافروا وسألوا علموا ذلك وكان ذلك سبباً لردعهم عن تكذيب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإستهزاء بالقرآن.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:33 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 12
| ثم إحتجّ سبحانه على المكذّبين بحجّة أخرى فقال ((قُل)) يارسول الله لهؤلاء المكذّبين ((لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) إذ لا يتمكّنون أن يُجيبوا بأنها لهم ولا أنها لأصنامهم، وإذ يتحيّرون بالجواب ((قُل)) أنت إنما هي كلها ((لِلّهِ)) فلماذا تتّخذون إلهاً غيره؟ وإذ سبق التهديد والوعيد جاء هنا بالتبشير كي تلين القلوب القاسية بالتهديد مرة والتبشير أخرى ((كَتَبَ))، أي أوجب سبحانه ((عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) على الخلق واللطف بهم، وإيجاب ذلك من مقتضيات الحكمة فتطلبوا أيها الناس رحمته الواسعة بالإطاعة والإمتثال، إنه إله الكون وراحمهم في هذه النشأة و((لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، اي جمعاً ينتهي إلى ذلك اليوم فإنّ الناس يجتمعون تدريجاً لا دفعة فكل إنسان يولد في يوم القيامة، فبيده سبحانه المعاد أيضاً ((لاَ رَيْبَ فِيهِ))، أي محل ريب، وإنّ إرتياب المبطلون وإذا كان المبدء والوسط والمعاد بيده تعالى فـ ((الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ))، أي إنّ غير المؤمنين يكونون قد خسروا أنفسهم حيث باعوها واشتروا عوضها العذاب، بينما باع المؤمنون أنفسهم واشتروا بها الجنة والثواب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 13 | ((وَلَهُ))، أي لله سبحانه ((مَا سَكَنَ)) وهدء ((فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) أو المراد بما سَكَن، مطلق الأشياء الساكنة والمتحركة، من قولهم: فلان يسكن البلد كذا، أي يستقر فيه، له كل ما استقرّ وحلّ في هذين الزمانين الليل والنهار، أما على الثاني فوجه الكلام واضح، وأما على الأول: فلعلّ التخصيص بالساكن -مقابل المتحرك- لإلقاء الرهبة في النفس حيث إنّ الساكن نفسه يهدء ويسكن إذا صار في محل ساكن لا حسّ فيه ولا حركة ((وَهُوَ السَّمِيعُ)) لأقوال العباد ولكل صوت ((الْعَلِيمُ)) بكل شيء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 14 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَغَيْرَ اللّهِ))، أي هل غير الله سبحانه ((أَتَّخِذُ وَلِيًّا))، اي مالكاً ومولى وربّاً وهو المتّصف بكونه ((فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي خالقهما ومبدعهما ومنشئهما، إنه من السخافة أن يترك الإنسان الخالق ويتمسّك بذيل المخلوق ((وَهُوَ))، أي الله سبحانه ((يُطْعِمُ)) فإنّ الأطعمة والأرزاق من عنده ((وَلاَ يُطعَمُ))، أي لا يرزقه أحد، فهل من المنطق أن يترك الإنسان الخالق الرازق ويأخذ المخلوق المرزوق الذي ليس بيده أي شيء؟ ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((إِنِّيَ أُمِرْتُ)) أمرني الله ((أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ)) لله وصدّق بكلماته واتّبع أوامره، وكوني أول مَن أسلَم لعلمي التام بالخالق سبحانه كما قال: إنّي أولّ من أجاهد، وإنّي أول من أسافر، دلالة لامتلاء النفس بذلك الشيء ((وَ)) أمَرَني الله بأن ((لاَ تَكُونَنَّ)) التأكيد للنفي (( مِنَ الْمُشْرِكَينَ)) الذين يجعلون مع الله شريكاً، والظاهر أنّ المراد بالشرك أعم ممن يجعل معه شريكاً مع الإعتقاد به سبحانه، أو بدون الإعتقاد به، والمعنى: إنّي أُمرتُ بالأمرين: الإسلام وعدم الشرك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 15 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء المشركين ((إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي)) بمخالفة أوامره ((عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ))، أي عذاب يوم القيامة، وإنما قال (أخاف) مع أنه متيقّن أما من جهة التعبير بالخوف حتى عن المتيقّن، كما يقول مَن حُكِمَ عليه بالإعدام: إنّي أخاف الموت، اي أرهبه، وأما لاحتمال النجاة لأنّ رحمته وسعت كل شيء، فمعنى الخوف على هذا الإحتمال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 16 | ((مَّن يُصْرَفْ)) العذاب ((عَنْهُ يَوْمَئِذٍ))، أي في ذلك اليوم العظيم ((فَقَدْ رَحِمَهُ)) إذ لا أحد -باستثناء المعصومين- إلا ويكون مستحقاً للعذاب، ولذا كان الصرف عنه بمقتضى الرحمة ((وَذَلِكَ)) الصرف أو الرحم ((الْفَوْزُ)) والفلاح ((الْمُبِينُ)) الواضح الذي لا فوز مثله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 17 | ويستطرد السياق بذِكر بعض صفاته سبحانه في مقابل المعاندين المنكرين ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ)) من مسّ، أي أمسك بما هو ضرر من فقر أو مرض أو ما أشبههما ((فَلاَ كَاشِفَ لَهُ))، أي دافع له ((إِلاَّ هُوَ)) فلا أحد مؤثّر في الكون، وإنما العلل تؤثّر في المعلولات بإذن الله سبحانه ((وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ)) غنى أو صحة أو ما أشبههما ((فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ)) أنه القادر المطلق على الخير والشر، أما من سواه فقدرته من قدرته مع أنه ليس له القدرة إلا قدرة ناقصة لبعض الأشياء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 18 | ((وَهُوَ)) تعالى ((الْقَاهِرُ))، أي الذي يقهر ويغلب، ولازمة القدرة ((فَوْقَ عِبَادِهِ))، أي الجميع تحت تسخيره وسيطرته لا الفوقية المكانية، فإنه أجلّ من الزمان والمكان ((وَهُوَ الْحَكِيمُ)) في أعماله، فليس كونه قاهراً موجباً للخوف من ظلمه كسائر الجبابرة القاهرين ((الْخَبِيرُ)) بما يصدر من العباد، فلا يأخذ أحداً بجُرم أحد كما هو شأن القاهرين من البشر حيث يشتبهون كثيراً لجهلهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 19 | في بعض التفاسير أنّ أهل مكة أتوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: أما وَجَدَ الله رسولاً غيرك ما نرى أحداً يصدّقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذِكر فأرِنا مَن يشهد أنك رسول الله كما تزعم، فنزلت هذه الآية ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً))، أي أعظم من حيث الشهادة، حتى آتيكم به دليلاً على صدقي وصحة نبوّتي، إنهم يتحيّرون في الجواب طبعاً، ويفكّرون في أفراد الإنسان العظماء بنظرهم ليقولوا: فلان، لكن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقطع تحيّرهم وتفكّرهم بما علمه الله سبحانه ((قُلِ)) يارسول الله ((اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ))، أي هو شاهد يشهد بصدق نبوّتي، وقد مرّ سابقاً أنّ شهادة الله هو إجراء الإعجاز على يده الكريمة ((وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ)) أنزله تعالى عليّ ((لأُنذِرَكُم بِهِ))، أي أخوّفكم بسببه من العقاب لمن كفر وعصى ((وَمَن بَلَغَ)) عطف على (كم)، أي أنذر به مَن بَلَغه هذا القرآن إلى يوم القيامة، وروي عن الباقر والصادق (عليه السلام): "إنّ (مَن بَلَغ) معناه مَن بَلَغ أن يكون إماماً من آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله"، وعليه فهو عطف على الضمير المرفوع في "أنذر"، أي أُنذِر أنا الرسول والأئمة -الذين هم مصداق (مَن بلغ)- للناس ((أَئِنَّكُمْ))، أي هل أنكم أيها السامعون الكفار ((لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى)) إنه إستفهام إنكاري، أي كيف تشهدون بذلك بعد وضوح أدلّة التوحيد وقيام الحجّة والبرهان على بطلان كل شريك، والمراد الشريك مطلقاً لو كان واحداً، وذَكَرَ (آلهة) من باب المورد ((قُل)) أنت يارسول الله إذا لم يعترفوا أولئك بالتوحيد ((لاَّ أَشْهَدُ)) أنا بمثل شهادتكم بالشريك وإنما أنا لا أعتقد إلا إلهاً واحداً ((قُلْ)) يارسول الله ((إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ)) لا شريك له ((وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ))، أي من الأوثان التي تُشركون بسببها وتدخلون أنفسكم في زمرة المشركين من أجلها.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:33 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 20
| ثم ذَكَرَ سبحانه أنّ أهل الكتاب كسائر المشركين يعلمون الحق لكنهم يتجاهلونه ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) يُراد به الجنس الأعم من التوراة والإنجيل وغيرهما ((يَعْرِفُونَهُ))، أي يعرفون الرسول ((كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ)) فكما يعرف الشخص إبنه بحيث لا يمكن أن يشتبه بغيره، وكذلك لا يشتبه أهل الكتاب يعرفون الرسول بوصفه ومزاياه الموجودة في كتبهم ((الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ)) بأن باعوها بالكفر، المتعقّبة ((فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) إنّ عدم الإيمان مترتّب على الخسران، فالخاسر لا يؤمن والرابح يؤمن.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 21 | ((وَمَنْ أَظْلَمُ))، أي مَن يكون أكثر ظلماً وتعدّياً عن الحق ((مِمَّن افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) بأن جَعَلَ له شريكاً وزَعَمَ أنّ الله أمَرَه بذلك كأهل الكتاب وكقسم من المشركين الذين كانوا يقولون أنّ الله أمَرَنا باتخاذ الأنداد والشركاء ((أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ)) كما لو كذّب بالقرآن أو بالرسول أو بالمعاجز، فإنها كلها من آيات الله سبحانه، لكن الكتاب آية صامتة، والرسول آية ناطقة ((إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) أنهم لا يفوزوا بخير الدنيا ولا سعادة الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 22 | ((وَ)) اذكر يارسول الله ((يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا)) وهو يوم القيامة الذي يجمع فيه هؤلاء المشركون وسائر المكذبين ((ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) وجعلوا لله شريكاً ((أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ))، أي الشركاء لله الذين زعمتوها، والإضافة إلى (كُم) باعتبار أنهم إتّخذوها كما تُضاف إلى (الله) باعتبار أنه سبحانه المجعول في رد يُفهم فيُقال: شركائي ((الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) أنهم شركاء لله سبحانه؟ واستفهام إنكاري للتوبيخ والتقريع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 23 | ((ثُمَّ)) بعد هذا السؤال منهم ((لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ))، أي معذرتهم فإنّ الفتنة على معان منها المعذرة، أو هو على سبيل المجاز، أي لم تكن نتيجة فتنتهم بالأصنام إلا التبرّي منها، كما يُقال: لم يكن درسهم وقضائه إلا رشوة وخيانة، يُراد أنّ عاقبتهما كانت الرشوة والخيانة ((إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)) فيحلفون بالله كذباً أنهم ما كانوا مشركين كما إعتادوا في الدنيا أن يحلفوا كذباً حينما يقعون في المشاكل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 24 | ((انظُرْ)) يارسول الله إلى حلف هؤلاء ((كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) بأنهم ما كانوا مشركين، وهذا أمر يُقصد به التعجيب والإستغراب ((وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، أي ضلّت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ويفترون الكذب على الله بقولهم هذه شفعائنا عند الله، فلم يجدوها ولم ينتفعوا بها وإنما الأمر لله وحده.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 25 | قيل أنّ نفراً من مشركي مكة جلسوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقرء القرآن فقال بعضهم لبعض: ما يقول محمد؟ قال: أساطير الأولين مثل ما كنتً أحدّثكم عن القرون الماضية، فنزلت هذه الآية ((وَمِنْهُم))، أي من الكفار المشركين ((مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ))، أي إلى كلامك يارسول الله ((وَ)) لكن حيث أنهم أعرضوا عن الحُجّة بعد ما بيّن لهم ((جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)) هي جمع كنان وهي ما ستر شيئاً، فإنّ الإنسان إذا أعرض عن الحق غشيت على قلبه غشاوة إذ صار الإعراض له مَلَكة وعادة، ونسبته إلى الله سبحانه باعتبار أنه سبحانه هو الذي جعل الإنسان هكذا، فإنه علّة كل شيء، وإنّ السبب المباشر هو الشخص ((أَن يَفْقَهُوهُ))، أي حتى لا يفقهوه بمعنى لا يفهموه ((وَ)) جعلنا ((فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) الوقر هو الثقل في الأذن، فهم كمن لا يسمع حيث أنهم لا يستفيدون من سماعهم ((وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ)) ومعجزة خارقة على نبوّتك وصدقك ((لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا))، أي بتلك الآيات، إذ قدّر أنّ على قلوبهم ما كانوا يعملون ((حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ)) لا يطلبون الحق بل ((يُجَادِلُونَكَ)) ويناقشونك ((يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ))، أي ما هذا القرآن ((إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) أساطير جمع أسطورة، بمعنى الخرافة، من سطر إذا كتب، يعني ما في القرآن من القصص والأحكام وغيرها ليست إلا أخبار الأقوام السابقة وترهّاتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 26 | ((وَهُمْ))، أي هؤلاء الكفار الذين سبق ذكرهم ((يَنْهَوْنَ عَنْهُ))، أي عن النبي، أو القرآن، يعني ينهون الناس عن إتّباع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو القرآن ((وَيَنْأَوْنَ)) من نأى بمعنى تباعد، أي يتباعدون ((عَنْهُ))، أي عن الرسول أو القرآن، فهم يجمعون بين رذيلي الكفر والأمر بالمنكر ((وَإِن))، أي وما ((يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ)) فإنهم لا يضرّون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يضرّون أنفسهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي لا يعلمون أنهم بذلك يهلكون أنفسهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 27 | ((وَلَوْ تَرَىَ)) يارسول الله أحوالهم في الآخرة وكيف أنهم يندمون وأفرطوا في دار الدنيا ((إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ))، أي أشرفوا واطّلعوا ووقفوا على حافّتها لدخولها ((فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ))، أي يرجعوننا إلى الدنيا ((وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا)) دلائله وبراهينه ((وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) بالله والرسول وماء به، وجملتا (لا نكذّب) و(نكون) من مدخول التمنّي والتقدير ياليت لنا إنتفاء التكذيب والكون من المؤمنين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 28 | ((بَلْ بَدَا لَهُم))، أي ظهر لهؤلاء الكفار الحق جليّاً بحيث لا مجال لإخفائهم له ((مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ)) في دار الدنيا حيث كانوا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ولعلّ وجه الإضراب بـ (بل) بيان أنه ليس الأمر على ما قالوه من أنهم لو رُدّوا إلى الدنيا لآمنوا فإنّ التمنّي الواقع منهم يوم القيامة ليس لأجل كونهم راغبين في الإيمان بل لأجل خوفهم من العقاب الذي يعاينوه ((وَلَوْ رُدُّواْ)) إلى الدنيا كما تمنّوا ((لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ))، أي لرجعوا إلى كفرهم وعصيانهم ((وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) في أنهم لو رُدّوا لعملوا صالحاً كما في آية أخرى (ربّ ارجِعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت) ولا يخفى أنّ الإنسان إذا كان ذا طبع عنادي لا ينفك عن طبيعته حتى ولو رأى المشاهد العظيمة من عناده كما هو المشاهَد المجرّب.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:34 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 20
| ثم ذَكَرَ سبحانه أنّ أهل الكتاب كسائر المشركين يعلمون الحق لكنهم يتجاهلونه ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) يُراد به الجنس الأعم من التوراة والإنجيل وغيرهما ((يَعْرِفُونَهُ))، أي يعرفون الرسول ((كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ)) فكما يعرف الشخص إبنه بحيث لا يمكن أن يشتبه بغيره، وكذلك لا يشتبه أهل الكتاب يعرفون الرسول بوصفه ومزاياه الموجودة في كتبهم ((الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ)) بأن باعوها بالكفر، المتعقّبة ((فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) إنّ عدم الإيمان مترتّب على الخسران، فالخاسر لا يؤمن والرابح يؤمن.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 21 | ((وَمَنْ أَظْلَمُ))، أي مَن يكون أكثر ظلماً وتعدّياً عن الحق ((مِمَّن افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) بأن جَعَلَ له شريكاً وزَعَمَ أنّ الله أمَرَه بذلك كأهل الكتاب وكقسم من المشركين الذين كانوا يقولون أنّ الله أمَرَنا باتخاذ الأنداد والشركاء ((أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ)) كما لو كذّب بالقرآن أو بالرسول أو بالمعاجز، فإنها كلها من آيات الله سبحانه، لكن الكتاب آية صامتة، والرسول آية ناطقة ((إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) أنهم لا يفوزوا بخير الدنيا ولا سعادة الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 22 | ((وَ)) اذكر يارسول الله ((يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا)) وهو يوم القيامة الذي يجمع فيه هؤلاء المشركون وسائر المكذبين ((ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) وجعلوا لله شريكاً ((أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ))، أي الشركاء لله الذين زعمتوها، والإضافة إلى (كُم) باعتبار أنهم إتّخذوها كما تُضاف إلى (الله) باعتبار أنه سبحانه المجعول في رد يُفهم فيُقال: شركائي ((الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) أنهم شركاء لله سبحانه؟ واستفهام إنكاري للتوبيخ والتقريع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 23 | ((ثُمَّ)) بعد هذا السؤال منهم ((لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ))، أي معذرتهم فإنّ الفتنة على معان منها المعذرة، أو هو على سبيل المجاز، أي لم تكن نتيجة فتنتهم بالأصنام إلا التبرّي منها، كما يُقال: لم يكن درسهم وقضائه إلا رشوة وخيانة، يُراد أنّ عاقبتهما كانت الرشوة والخيانة ((إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)) فيحلفون بالله كذباً أنهم ما كانوا مشركين كما إعتادوا في الدنيا أن يحلفوا كذباً حينما يقعون في المشاكل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 24 | ((انظُرْ)) يارسول الله إلى حلف هؤلاء ((كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) بأنهم ما كانوا مشركين، وهذا أمر يُقصد به التعجيب والإستغراب ((وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، أي ضلّت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ويفترون الكذب على الله بقولهم هذه شفعائنا عند الله، فلم يجدوها ولم ينتفعوا بها وإنما الأمر لله وحده.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 25 | قيل أنّ نفراً من مشركي مكة جلسوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقرء القرآن فقال بعضهم لبعض: ما يقول محمد؟ قال: أساطير الأولين مثل ما كنتً أحدّثكم عن القرون الماضية، فنزلت هذه الآية ((وَمِنْهُم))، أي من الكفار المشركين ((مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ))، أي إلى كلامك يارسول الله ((وَ)) لكن حيث أنهم أعرضوا عن الحُجّة بعد ما بيّن لهم ((جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)) هي جمع كنان وهي ما ستر شيئاً، فإنّ الإنسان إذا أعرض عن الحق غشيت على قلبه غشاوة إذ صار الإعراض له مَلَكة وعادة، ونسبته إلى الله سبحانه باعتبار أنه سبحانه هو الذي جعل الإنسان هكذا، فإنه علّة كل شيء، وإنّ السبب المباشر هو الشخص ((أَن يَفْقَهُوهُ))، أي حتى لا يفقهوه بمعنى لا يفهموه ((وَ)) جعلنا ((فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) الوقر هو الثقل في الأذن، فهم كمن لا يسمع حيث أنهم لا يستفيدون من سماعهم ((وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ)) ومعجزة خارقة على نبوّتك وصدقك ((لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا))، أي بتلك الآيات، إذ قدّر أنّ على قلوبهم ما كانوا يعملون ((حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ)) لا يطلبون الحق بل ((يُجَادِلُونَكَ)) ويناقشونك ((يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ))، أي ما هذا القرآن ((إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) أساطير جمع أسطورة، بمعنى الخرافة، من سطر إذا كتب، يعني ما في القرآن من القصص والأحكام وغيرها ليست إلا أخبار الأقوام السابقة وترهّاتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 26 | ((وَهُمْ))، أي هؤلاء الكفار الذين سبق ذكرهم ((يَنْهَوْنَ عَنْهُ))، أي عن النبي، أو القرآن، يعني ينهون الناس عن إتّباع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو القرآن ((وَيَنْأَوْنَ)) من نأى بمعنى تباعد، أي يتباعدون ((عَنْهُ))، أي عن الرسول أو القرآن، فهم يجمعون بين رذيلي الكفر والأمر بالمنكر ((وَإِن))، أي وما ((يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ)) فإنهم لا يضرّون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يضرّون أنفسهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي لا يعلمون أنهم بذلك يهلكون أنفسهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 27 | ((وَلَوْ تَرَىَ)) يارسول الله أحوالهم في الآخرة وكيف أنهم يندمون وأفرطوا في دار الدنيا ((إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ))، أي أشرفوا واطّلعوا ووقفوا على حافّتها لدخولها ((فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ))، أي يرجعوننا إلى الدنيا ((وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا)) دلائله وبراهينه ((وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) بالله والرسول وماء به، وجملتا (لا نكذّب) و(نكون) من مدخول التمنّي والتقدير ياليت لنا إنتفاء التكذيب والكون من المؤمنين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 28 | ((بَلْ بَدَا لَهُم))، أي ظهر لهؤلاء الكفار الحق جليّاً بحيث لا مجال لإخفائهم له ((مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ)) في دار الدنيا حيث كانوا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ولعلّ وجه الإضراب بـ (بل) بيان أنه ليس الأمر على ما قالوه من أنهم لو رُدّوا إلى الدنيا لآمنوا فإنّ التمنّي الواقع منهم يوم القيامة ليس لأجل كونهم راغبين في الإيمان بل لأجل خوفهم من العقاب الذي يعاينوه ((وَلَوْ رُدُّواْ)) إلى الدنيا كما تمنّوا ((لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ))، أي لرجعوا إلى كفرهم وعصيانهم ((وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) في أنهم لو رُدّوا لعملوا صالحاً كما في آية أخرى (ربّ ارجِعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت) ولا يخفى أنّ الإنسان إذا كان ذا طبع عنادي لا ينفك عن طبيعته حتى ولو رأى المشاهد العظيمة من عناده كما هو المشاهَد المجرّب.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:35 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 29
| وقد كان هؤلاء الكفار ينكرون المعاد وهم في دار الدنيا ((وَقَالُواْ إِنْ هِيَ))ن أي ما هي ((إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا))، أي الحياة القريبة التي نحن فيها وليس ورائها شيء ((وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)) بعد الموت والبعث هو الإرسال والإحياء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 30 | ((وَلَوْ تَرَى)) يارسول الله أحوال هؤلاء الكفار يوم القيامة ((إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ))، أي في معرض خطابه وحسابه، كالشخص الذي يقف عند الملك وهو مجرم فإنه في حال يأس واضطراب ما ينطق الملك في حقه من العقاب، ومن المعلوم أنّ الله لا يُرى وليس بجسم ولا له مكان فالمعنى على سبيل المجاز ((قَالَ)) ربهم لهم ((أَلَيْسَ هَذَا)) اليوم الذي كان يخبر به الأنبياء وكنتم تنكرونه ((بِالْحَقِّ)) وهو إستفهام توبيخ وتقريع ((قَالُواْ)) مقرّين مذعنين ((بَلَى)) هو حق((وَرَبِّنَا)) وإنما حلفوا خوفاً فإنّ الخائن يردف كلامه بالحلف إستمالة لقلب المخوف منه وإظهاراً لأنه يوافق كلام المتكلّم ((قَالَ)) الله سبحانه ((فَذُوقُواْ العَذَابَ)) والمراد بالذوق ليست الذائقة اللسانية بل ذوق الجسد فإنه يُطلق عليهما ((بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ))، أي بسبب كفركم، وكان السؤال للإهانة والإذلال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 31 | ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفار بقوله ((قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ)) المراد بلقاء الله جزائه وعقابه كما يُقال: فلان لقي عمله، أي جزاء عمله وإلا فليس لله مكان يُرى ((حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ))، أي القيامة ((بَغْتَةً))، أي فجأة من بغت يبغت بمعنى فجأ وإنما ذكر ذلك لأنهم في دار الدنيا كانوا لا يحسبون حسابها حتى يستعدوا لها، وهل المراد بالساعة الموت -كما ورد: من مات قامت قيامته- حتى يلائم ما بعده أم المراد القيامة ويكون المراد العذاب الشديد لأنّ عذاب الآخرة أشد من عذاب القبر، إحتمالان ((قَالُواْ))، أي قال هؤلاء الكفار عند معاينة الأهوال والعذاب ((يَا حَسْرَتَنَا)) الحسرة شدة الندم يعني أيتها الحسرة أحضري فهذا وقتك ((عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا))، أي على ما تركنا وضيّعنا في الدنيا من أعمارنا ولم نقدّم عملاً صالحاً ننتفع به في هذا اليوم ((وَهُمْ))، أي هؤلاء الكفار ((يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ)) الوِزر الثقل وحيث أنّ للذنوب ثقلاً تُسمى أوزاراً ((عَلَى ظُهُورِهِمْ)) هذا من باب التشبيه فكما أنّ مَن يحمل ثقلاً على ظهره يكون في تعب وحرج كذلك مَن يحمل ذنباً ومنه عليه دَين ((أَلاَ)) للتنبيه ((سَاء))، أي بئس ((ما يَزِرُونَ))، أي ما يحملون من وِزر بمعنى إثم وحمل خطاءً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 32 | ((وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا))، أي ليست الحياة القريبة التي إغترّ بها الكفار فعملوا لها وتركوا آخرتهم ((إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ)) اللهو هو ما يُلهي الإنسان عن الجد إلى الهزل، فإنّ الدنيا ليست إلا ألعاباً وملهيات، وإنما كانت كذلك لأنه لا حقيقة لأعمالها فهي فانية زائلة وإذا بالإنسان يرى نفسه ولم يحصل شيئاً وغير خافِ أنّ ذلك بالنسبة إلى الأعمال التي لا تعقب ثمرة صالحة، وإلا فالدنيا مزرعة الآخرة ونِعم متجر العقلاء ((وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ)) اللام للتأكيد، أي إنّ الدار الثانية التي هي الجنة ونعيمها ((خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ)) معاصي الله، وقد جرّد (خير) عن معنى التفضيل، أو بملاحظة أنّ في الدنيا أيضاً خيراً في الجملة، ثم أنها خير للمتقين، أما غيرهم فالدنيا خير لهم ولذا وَرَدَ " "أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أيها البشر، فإنّ مَن عَقِلَ وأدرك عَلِمَ أنّ الباقي السرمدي الذي لا يشوبه حزن وهَم خير من الفاني المزيج بأنواع المصائب والرزايا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 33 | ثم سلّى سبحانه نبيّه على تكذيبهم إياه وعدم إنصياعهم لأوامره وإرشاده بقوله ((قَدْ نَعْلَمُ)) يارسول الله، و(قد) تُستعمل في المضارع للتحقيق، إلا إنّ الغالب أنها فيه للتقليل ((إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ)) مما سنيبونه إليك من أنّك شاعر وكاهن ومجنون وما أشبه ذلك من السُباب والإستهزاء الذي كانوا يُكيلونه للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((فَإِنَّهُمْ))، أي الكفار ((لاَ يُكَذِّبُونَكَ)) يارسول الله في قرارة نفوسهم لعلمهم أنك صادق، وهذا نوع من التسلية، إذ الإنسان إذا عَلِمَ أنّ عدوّه يُجلّه في قرارة نفسه كان ذلك سلوة له لما عَلِمَه من الإحترام الكامن، قالوا: إلتقى أخنس بن شريف وأبو جهل بن هشام فقال أخنس: ياأبا الحَكَم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك والله إنّ محمداً لصادق وما كَذَبَ قط ولكن إذا ذَهَبَ بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوّة فماذا يكون لسائر قريش؟، فنزلت هذه الآية، وروي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) معنى آخر للآية حاصله إنهم لا يُكذّبونك بحُجّة ولا يتمكنون من إبطال ما جئتَ به ببرهان ((وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ)) وهم الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر وغيرهم بالمنع عن الإسلام ((بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ))، أي ينكرون آيات الله كما قال سبحانه (وجَحَدوا بها واستيقنتها أنفسهم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 34 | ثم ذكر سبحانه تسلية للنبي أنه ليس بأول رسول يُكذّب بقوله ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ)) ليس تنكير الرُسُل لأنه ليس هناك رسول بكذب، حتى يُنافي قوله (ياحسرةً على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) المفيد لتكذيب كلّ رسول وإنما الكلام حيث جرى مجرى التسلية كان يكفي ذلك الإلماع، إلا أنّ هذا الجنس أيضاً في معرض التكذيب والإزدراء ((فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ))، أي على تكذيب الناس لهم ((وَأُوذُواْ)) أما عطف على (كُذّبوا) أو على (كذّبت) ((حَتَّى أَتَاهُمْ))، أي جائهم ((نَصْرُنَا)) إياهم على المكذّبين، فاصبر أنت يارسول الله حتى يأتيك النصر ((وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ))، اي لا أحد يقدر على تغيير ما أخبر به من نصر الرُسُل وإهلاك أعدائهم ((وَلَقدْ جَاءكَ)) يارسول الله ((مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ))، أي بعض أخبار الرُسُل السابقين كيف نصرناهم على أعدائهم.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:35 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 35
| ثم بيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكفار لا يؤمنون فلا تتعِب نفسك لأجلهم ولا تحزن، وهنا نكتة بلاغية لا بأس ببيانها، وهي أنّ الألفاظ والجمل وُضعت للمعاني الخاصة، لكنها كثيراً ما تُستعمل لإنشاء مفهومها الموضوع له، لكن يُراد غير ذلك، كما يُستعمل الإستفهام والتعجّب بالنسبة إليه سبحانه، مع العلم أنه لا يجهل شيئاً ولا يتعجّب من شيء، وإنما إستعمال الإستفهام والتعجّب بداعي التحريض أو الردع أو نحوهما، وهكذا الخطاب الغليظ أو الرقيق لأحد قد يُراد به المعنى الموضوع له، وقد يُراد به داعي آخر يفرغ في مثل هذا القالب، فإنّك إذا أردت تنبيه أحد من جيرانك تغلظ لولدك في الخطاب مع أنك لا تريده بالذات، فمثلاً نقول: لو أنك ألقيت النفاية باب الدار لحبستك، فإنك لا تريده بل تنشأ هذا الكلام بداعي زجر الجار عن القيام بمثل هذا العمل، بل قد يكون عمل يُستفاد منه شيء حسب المتعارف، يأتي به الإنسان لغرض آخر، كما لو أردت تأديب ولدك لما إقترفه من عمل سيء فإنك تعمل إلى خادمك وترفسه برجلك -في هدوء- قائلاً: لماذا فعلت هذا الفعل؟ وإنكا لا تريده إطلاقاً وإنما تريد إفهام ولدك أنّ هذا العمل له هذا الجزاء، وعلى هذا الوجه جرى الكلام في هذه الآية الكريمة (وإن كانَ كَبُرَ) إنه سبحانه يريد بيان غلظة قلوب الكفار وعنادهم لكنه يصوغه في إسلوب خطاب للنبي بأنك توسّلت بكل الوسائل من الصعود إلى السماء وجعل النفق في الأرض -مما يتوسّل الناس بهما في مأربهما- فإنّ الكفار لا يؤمنون، كما إنّ قصة موسى (عليه السلام) (أخَذَ برأس أخيه يجرّه)، من هذا القبيل أيضاً ((وَإِن كَانَ)) يارسول الله ((كَبُرَ))، أي عَظُمَ واشتدّ ((عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ))، أي إعراض هؤلاء الكفار عن الإسلام ((فَإِنِ اسْتَطَعْتَ))، أي قدرت ((أَن تَبْتَغِيَ))، أي تطلب وتتّخذ ((نَفَقًا))، أي سرباً ((فِي الأَرْضِ)) تشبيه للمعقول بالمحسوس، فكما أنّ مَن يريد فتح مدينة يتّخذ الأنفاق من خارج المدينة إلى داخلها ثم يدخلها فجأة ليستولي عليها، فكذلك إن تمكّنت أن تصنع مثل ذلك للسيطرة على أرواح هؤلاء وقلوبهم ((أَوْ)) تبتغي وتطلب ((سُلَّمًا))، أي مصعداً ومرقاةً ((فِي السَّمَاء)) لتصعد عليه ((فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ))، أي حُجّة وبرهان، غير ما أنزلنا عليك، وجواب (إن) محذوف، أي فافعل، حُذف لدلالة الكلام عليه، كما تقول: إن تمكّنت أن تتصدّق، وتحذف قولك: فافعل ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ))، أي الناس ((عَلَى الْهُدَى)) بأن يُلجئهم إلى قبول الإيمان، لكنه لا يشاء ذلك لأنه حينئذٍ يُبطل الإمتحان والإختبار ((فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) فإنّ الجاهل هو الذي يظنّ أنّ بالإمكان العادي إجتماع الناس كلهم على أمر، أما العاقل المجرّب فيعلم أنه ما من شيء إلا وفيه خلاف وخصام حتى البديهيّات الأولية كنور الشمس، فإنّ السوفسطائيين ينكرونه، ولم يكن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في معرض الجهل حتى يكون الكلام ردعاً له وإنما صيغَ الكلام لداعي تأنيب الكفار حتى إنّ قصد هدايتهم -جداً- يكون من أعمال الجاهلين، وهنا سؤال وهو أنه: كيف تقولون في الآيات النازلة بالنسبة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمثل هذه المحامل ولا تقولون في ما أشبهها من الآيات في غيره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمثل تلك؟، والجواب: القرينة الخارجية وهي أنّ النبي معصوم أوجبت ذلك كما إنّ القرينة الخارجية أوجبت حمل الإستفهام من الله تعالى على معنى آخر بينما الإستفهام من غيره سبحانه يحمل على معناه الحقيقي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 36 | إنّ الذين يستجيبوك يارسول الله هم أحياء، لم يمُت الضمير في أجوافهم والذين يكفرون أنهم أموات، فكما أنّ الميت لا يسمع ولا ينتفع كذلك هؤلاء ((إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ))، أي يقبل الإيمان مَن كان حيّاً يسمع ((وَالْمَوْتَى)) لا سماع لهم حتى ((يَبْعَثُهُمُ اللّهُ)) في الآخرة فيسمعون أنهم لا علاج لهم، يقول الشاعر:لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً ولكن لا حياةَ لمن تنادي((ثُمَّ)) بعد البعث والحساب ((إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ))، أي يرجعون إلى حُكمه وقضائه، وهذا لتأكيد أنّ الكفار أموات، كقوله (عليه السلام): "ياأشباه الرجال ولا رجال"، فإنّ (ولا رجال) لتأكيد الجملة الأولى.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 37 | ((وَقَالُواْ))، أي قال الكفار ((لَوْلاَ))، أي هلّا ((نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ))، أي معجزة خارقة ((مِّن رَّبِّهِ)) فإنهم بعدما عجزوا عن مقابلة القرآن، قالوا للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنزِل علينا مثل عصى موسى وناقة صالح وأشباههما حتى نؤمن بك، فردّهم سبحانه بقوله ((قُلْ)) يارسول الله ((إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً)) كما تقترحون ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)) قدرة الله بل إنّ ليس في إنزالها من مصلحة، فإنهم معاندون والمعانِد لا تفيده ألف آية، كما لم تفِد مع فرعون عصى موسى (عليه السلام) ومع قوم صالح (عليه السلام) الناقة ولو لم يكن هؤلاء معاندون كفاهم الكتاب الحكيم، ثم إنّ إتيان آية موسى (عليه السلام) أو ما أشبهها أبعد لقبولهم إذ القرآن الذي هو لسانهم ينسبونه إلى السحر فكيف بالعصى التي ليست من مهنتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 38 | وحيث إنّ جو هذه السورة حول التوحيد وشؤونه والآيات الكونية وردع الكفار بمختلف صنوفهم عن عقائدهم الباطلة، بيّن سبحانه بعض مخلوقاته الدالة على وجوده وصفاته الكمالية بقوله ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ)) من دبّ يدبّ إذا تحرّك، ثم عمّ كلّ حيوان ولو لم يتحرك، كما إنه يشتمل حيوانات البَر لمقابلته بالطائر، وذَكَرَ (في الأرض) للتعميم ((وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)) كما إنّ ذِكر (يطير بجَناحَيه) للتعميم أيضاً، والسر أنه كثيراً ما يعبّر بمثل هذا التعبير ويُراد به العموم مبالغة، فإذا جاء القيد أفاد العموم الإستغراقي ((إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)) أيها البشر فإنّ كلّ نوع منها أمّة مستقلة وهي مثلكم في الإبداع ولُطف الصنع ودقّة التركيب ((مَّا فَرَّطْنَا))، أي ما تركنا ((فِي الكِتَابِ))، أي كتاب الكون، فإنّ الكون كتاب الله والموجودات كلماته، وإنما سمّي الكون كتاباً لأنّ الكتاب بمعنى الجمع، مِن كَتَبَ بمعنى جَمَعَ، وهذا الكون قد جمع الأشياء فهو كتاب الله التكويني ((مِن شَيْءٍ)) فهذا الكتاب قد إشتمل على جميع الأشياء ومختلف الأصناف، فهل بعد ذلك يطلب أحداً دليلاً على وجود الله؟ ((ثُمَّ)) هذه الأمم كلها بعد الممات ((إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ))، أي يجمعهم يوم القيامة جميعاً، كما قال (وإذا الوحوش حُشِرت) فهو بدئها وإليه عودها.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:36 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 39
| ((وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا))، أي بدلائلنا الدالة على وجودنا وسائر صفاتنا، بعد هذه الدلائل الواضحة ((صُمٌّ)) جمع أصمّ وهو الذي لا يسمع ((وَبُكْمٌ)) جمع أبكم وهو الذي لا يتكلم، فهو كالذي لا يسمع ولا يتكلم حتى يتملّى العلم ويدركه، فإنّ العلم يأتي من الأذن ويخرج من اللسان ((فِي الظُّلُمَاتِ)) فلا يبصر حتى يرى الأشياء، إنّ الكافر مثل هذا الشخص لأنه قد عطّل جوارحه فلا يدرك شيئاً كما لا يدرك الأعمى الأبكم الأصم شيئاً ((مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ))، أي يتركه ولا يجبره على الهداية حتى يضلّ الطريق وذلك بعدما بيّن له الحجّة فلم يقبل بل أعرض عنها -وقد تقدّم معنى ذلك- ((وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) باللُطف الخفي به كما قال سبحانه (والذين اهتدوا زادهم هُدى) و(والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلنا).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 40 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَرَأَيْتُكُم))، أي أخبروني، فإنّ (أرأيتَ) بمعنى أخبر، و(كُم) للخطاب، وهو يتغيّر حسب أفراد المُخاطَب وتثنيته وجمعه كقوله سبحانه (أرأيُكَ هذا الذي كرّمتَ عليّ) ((إِنْ أَتَاكُمْ))، أي جائكم ((عَذَابُ اللّهِ)) بأن نزلت صاعقة أو خسفت بكم الأرض أو ما أشبههما -كما حدث في الأمم السابقة- ((أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ))، أي القيامة بأهوالها وعذابها ((أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ)) لكشف العذاب والأهوال عنكم ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في أنّ هذه الأصنام آلهة؟ وهم بفطرتهم يجيبون بالنفي، وإنهم لا يدعون غير الله، بل يدعون الله وحده، وفي ذلك دلالة على بطلان الأصنام وعبادتها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 41 | ولذا قال سبحانه ((بَلْ إِيَّاهُ))، أي الله سبحانه ((تَدْعُونَ)) وتقبلون عليه في شدائدكم ((فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ))، أي يرفع الضُر الذي دعوتموه من أجله ((إِنْ شَاء)) الكشف عنكم ((وَتَنسَوْنَ)) في وقت الشدة ((مَا تُشْرِكُونَ)) من دون الله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 42 | ثم بيّن سبحانه أنّ الأمم الماضية لما أتَتهم الرُسُل لوم يؤمنوا يهم أصابتهم أنواع البلاء وإنّ حال هؤلاء كحال أولئك إن لم يؤمنوا ((وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ)) رُسُلنا ((إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ)) يارسول الله فلم يؤمنوا ((فَأَخَذْنَاهُمْ))، أي أخذنا تلك الأمم ((بِالْبَأْسَاء))، أي الفقر والبؤس ((وَالضَّرَّاء))، أي الأوجاع والأسقام ((لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ))، أي: كي يتضرّعوا إلى الله سبحانه، فإنّ الإنسان إذا إبتُلي بالبلاء كان أقرب إلى الله سبحانه، وفي ذلك لُطف بالنسبة إليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 43 | لكنهم لم يتضرّعوا وحتى في هذه الحالة ركبوا العناد وسلكوا سبيل اللجاج ((فَلَوْلا))، أي هلّا -وهو كلمة توبيخ- ((إِذْ جَاءهُمْ))، أي جاء تلك الأمم ((بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ)) وخضعوا لله ((وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ)) سبب إستمرارهم في الكفر والعصيان فلم تجد الهداية إلى قلبهم سبيلاً ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فرأوا أعمالهم حسنة، ولذا ما تركوها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 44 | ((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ))، أي تركوا ما ذكّرناهم من أوامرنا ولم يعملوا بما دعاهم الرُسُل إليه ((فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)) من النِعَم حيث قد أقبلت الدنيا عليهم من جميع النواحي، بعد تلك البأساء والضرّاء وذلك لأجل إحتمال إفادة التذكير بالنِعَم حتى يشكروا بارئ النِعَم والمتفضّل ((حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ))، أي بما أعطاهم الله من النِعَم واشتغلوا بالتلذّذ ولم يقبلوا أمر الرُسُل، بل صار ذلك سبباً لزيادة طغيانهم وكفرهم ((أَخَذْنَاهُم)) بالهلاك والنِكال ((بَغْتَةً))، أي فجأة ((فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)) من بَلَسَ إذا تحسّر، أي إنهم متحيّرون آيسون من النجاة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 45 | ((فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ)) الدابر الأصل، أي إستوصل وانقطع أصل القوم بسبب العذاب ((وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) الذي أهلك الكفار وأراحَ البلاد والعباد منهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 46 | ثم إحتجّ الله على الكفار بحجّة أخرى تدلّ على بطلان أصنامهم وأنّ الأمر لله وحده ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار الذين يُشركون بالله سبحانه ((أَرَأَيْتُمْ))، أي أخبروني، فقد تقدّم أنّ (رأيت) بمعنى أخبرني ((إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ))، أي ذَهَبَ بها فصرتم أصمّ وأعمى ((وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم))، أي سَلَبَ عقولكم حتى صرتم لا تعقلون، أو المراد الطبع عليها حتى تبتعد عن الخير ((مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ))، أي بذلك الشيء المأخوذ منكم، فإنهم يعترفون بأنّ الأصنام لا تتمكّن عن إعادة الأشياء المذكورة ((انظُرْ)) يارسول الله ((كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ))، أي نبيّن لهم في القرآن الآيات الدالّة على التوحيد، وتصريف الآيات توجيهها من صرف إذا أرسل (( ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)) من صَدَفَ بمعنى أعرَضَ، أي يُعرضون عن الحق وعن القائل في الآيات.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 47 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((أَرَأَيْتَكُمْ))، أي أخبروني ((إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ)) بعدما أنذرتُكُم ولم تؤمنوا ((بَغْتَةً)) أو مفاجأة -خُفية- فإنّ الفجأة تلازم الخفية ((أَوْ جَهْرَةً)) علانية بلا فجائة ((هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)) الكافرون الذين ظلموا أنفسهم والعاصون، والمراد بالهلاك ما يسبّب خسارة الدارَين أما لو كان مؤمن فهلك فإنه لا يخسر إلا الدنيا ويُعوَّض عنها بأ،واع الإنعام، وفي هذا الإستفهام إيقاظ وتنبيه وردع لهم من الظلم، فأيّ أحد يحب أن يهلك إذا أتى العذاب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 48 | ((وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ)) بالجنة والثواب لمن آمن وأصلح ((وَمُنذِرِينَ)) بالنار والعقاب لمن كفر أو عصى ((فَمَنْ آمَنَ)) بما أمَرَ الله الإيمان به ((وَأَصْلَحَ)) أعماله ((فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) لا في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فلأنّ الخوف والحزن الحقيقيين ما كانا مع الإنقطاع عن العوض والثواب وما أشبهها، وليس المؤمن كذلك فإنه يعلم أنّ ما يصيبه يعقبه الثواب والأجر، وليس المؤمن كذلك فإنه يعلم أنّ ما يصيبه يعقبه الثواب والأجر، ولذا قال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء: "هوّنَ ما نَزَلَ بي أنه بعين الله"، والإرتباط بين هذه الآية والآية السابقة واضح فإنّ العذاب لما وُعد به الكفار بيّن إنّ الرُسُل شأنهم التبشير والإنذار.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:37 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 49
| ((وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ))، أي يصيبهم العذاب ((بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ))، أي بسبب فسقهم وخروجهم من طاعة الله سبحانه، ثم لا يخفى أنّ الغالب تفسير الآيات الدالة على العذاب بعذاب الآخرة، مع إنّ الإطلاق خلاف ذلك، فإنّ مَن أعرضَ عن ذكره سبحانه يصيبه العذاب في الدنيا وفي الآخرة، كما قال سبحانه (ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكى) وسببه واضح فإنّ المناهج التي يتّبعها الإنسان مما وضعها غير الله سبحانه لابد وأن تكون منحرفة، وهذا الإنحراف يسبّب الفوضى والإستبداد وما أشبه مما يؤذي الإنسان وينغّص عيشه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 50 | إنّ الكفار كانوا يستعظمون كيف يمكن أن يكون إنسان رسولاً بدون أن يكون له مال عريض أو عِلم غيب ذاتي يعينه في أموره وحوائجه، ويرد الله سبحانه عليهم ذلك بأنّ الرسالة لا ترتبط بهذه الأمور وإنما هي هداية ونور ((قُل)) يارسول الله ((لاَّ أَقُولُ لَكُمْ)) أيها الناس ((عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ)) التي يهب لمن يشاء ما يشاء، ومن المعلوم أنه ليس لله سبحانه خزائن بالمعنى المتعارف لدينا، بل خزائنه الأرض والشمس والمعادن وما أشبه، مما تفيض ثروة ومالاً، وفي الحديث القدسي: "إنما خزائني إذا أردت شيئاً أن أقول له كُن فيكون"، والمراد بعدم القبول عدم الوجود، فهو من السالبة بانتفاء الموضوع ((وَلا)) أقول ((أَعْلَمُ الْغَيْبَ)) كما يعلم الله سبحانه، بل إنما أعلم مما يوحى إليّ بإذن الله سبحانه، كما قال عيسى (عليه السلام): (وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم)، وفي الآية الكريمة: (لا يظهر على غيبه أحداً إلا مَن ارتَضى من رسول) ((وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)) كما أنكم تتوقعون أن يكون الرسول مَلَكاً ((إِنْ أَتَّبِعُ))، أي ليس لي شأن ((إلاّ)) أن أتّبع و(إنّ) بمعنى "ما" ((مَا يُوحَى إِلَيَّ)) من الأوامر والنواهي لأجل الإرشاد والإصلاح ((قُلْ)) يارسول الله لهم إنّ مَثَل المؤمن والكافر كمَثَل البصير الذي يبصر الأشياء والأعمى الذي لا يبصر و((هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ))؟ ولعلّ تقديم الأعمى لأنّ الخطاب كان مع الكفار الذين هم بمنزلة الأعمى ((أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ)) في الأمر وأنّ مقام الرسالة لا يرتبط بما ذكرتم من الأشياء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 51 | ((وَأَنذِرْ)) يارسول الله ((بِهِ))، أي بالقرآن، فإنه قد تقدّم ذكره بلفظ (ما يوحى إليّ) ((الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ)) والخوف هنا ليس بمعنى الإحتمال، كقولك: أخاف أن يُهدم البناء، بل بمعنى الخوف القطعي فهو كقولك: أخاف من الجلّاد وهو يريد القتل، والمراد بالذين يخافون المعترفون بالبعث، وإنما قال: أنذِر هؤلاء مع إنّ الإنذار عام، لا هؤلاء هم المنتفعون بالإنذار، أما مَن أعرَضَ فلا ينتفع به ((لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ))، أي دون الله تعالى ((وَلِيٌّ)) يلي أمورهم هناك ((وَلاَ شَفِيعٌ)) وليس المراد أنّ الله يشفع إذ لا معنى لشفاعته، بل المراد أنّ الشفاعة بيده، فلا يشفع أحد إلا بإذنه، كما قال سبحانه: (لا يشفعون إلا لمن ارتضى) ((لَّعَلَّهُمْ)) لكي هؤلاء الذين أنذرتهم ((يَتَّقُونَ)) معاصي الله ويأتمرون بأوامره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 52 | إنّ من يخاف الحساب أنذِرهُ يارسول الله ولا تطرده من عندك وإن طَلَبَ الأشراف ذلك ((وَلاَ تَطْرُدِ)) من مجلسك ((الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ))، أي صباحاً ((وَالْعَشِيِّ)) طرف العصر ((يُرِيدُونَ)) بالدعاء والضراعة ((وَجْهَهُ))، أي ذاته سبحانه خالصاً مخلصاً، وقد ورد أنه مرّ ملأ من قريش على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده صُهَيب وخبّاب وبلال وعمّار وسلمان وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يامحمد أرضيتَ بهؤلاء من قومك أفنحنُ نكون تَبَعاً لهم؟ أهؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم؟ غطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم إتّبعناك، فنزلت الآية، وفي بعض التفاسير أنه طَعَنَ أولئك الأشراف في سيرة هؤلاء الفقراء وأعمالهم كي يستحيلوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للنفرة عنهم، فردّ عليهم سبحانه بقوله ((مَا عَلَيْكَ))، أي ليس عليك ((مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ)) فأنت لا تتحمّل تَبِعة سيرتهم ((وَمَا مِنْ حِسَابِكَ)) يارسول الله ((عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ)) فإنهم لا يطالبون بحسابك، بل كلٌّ وعمله -فسيرتهم لو كتنت كما يقولون لا تضرّك- ((فَتَطْرُدَهُمْ)) فإنّ الشخص إنما يطرد من تضرّه سيرته، أما مَن كان قلبه عامراً بالإيمان وصلاته دائمة طرفي النهار فإنّ فقره وسيرته لا يوجبان طرده -لو فُرِضَ أنّ في سيرته ميل- ((فَتَكُونَ)) بسبب طردهم ((مِنَ الظَّالِمِينَ)) لهم، أو لنفسك، فإنّ الإنسان إذا ظلم غيره فقد ظلم نفسه أيضاَ، وسيقت هذه الجملة مبالغَةً في ردع مَن طَلَبَ طلرد أولئك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 53 | ((وَكَذَلِكَ))، أي هكذا ((فَتَنَّا))، أي إبتلينا ((بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)) حيث إبتلينا الأشراف بالفقراء ((لِّيَقُولواْ)) أولئك الأشراف ((أَهَؤُلاء))، أي هل هؤلاء الفقراء ((مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا)) حتى عمّهم النبي بلطفه وجعلهم ندمائه وموضع سرّه؟، نعم ليس الإسلام ينظر إلى الناس كما ينظر أهل الدنيا ((أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)) إنهم شاكرون والشاكر أفضل من غيره عند الإسلام، وإن كان غيره في نَظَر الناس شريفاً، فإنّ الميزان عند الإسلام التقوى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 54 | والإسلام لا يسدّ الأبواب للعاصي، وإنما يفتح له باب التوبة، وقد ورد أنّ جماعة جائوا إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: إنّا أصبنا ذنوباً عِظاماً، فلم يردّ عليهم شيئاً فانصرفوا، فنَزَلَ قوله تعالى ((وَإِذَا جَاءكَ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا))، أي بدلائلنا وبراهيننا ((فَقُلْ)) لهم ((سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ))، أي أنتم في سلام لا في عذاب وعقاب، يُقبل عذركم ويغفر ذنبكم ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ))، أي إنه فَرَضَ على نفسه -حسب حكمته- أن يرحم العباد ويشملهم بلُطغه وإحسانه ((أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ)) والمراد من الجهالة هنا ليس الجهل مقابل العلم، بل عدم المبالاة، وإنما سُمّي بذلك لأنّ العالم التارك لعلمه هو والجاهل سواء، وكأنه للجهل بالنتائج والعواقب المرتّبة على العمل، وإلا فالآية تشمل العمل بل هو موردها ((ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ))، أي بعد العمل ((وَأَصْلَحَ))، أي عمل صالحاً ((فَأَنَّهُ))، أي الله سبحانه ((غَفُورٌ)) لذنبه ((رَّحِيمٌ)) به، وكأنّ الإتيان بـ (رحيم) بعد (غفور) غالباً لإفادة الفضل في لُطفه وإحسانه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:37 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 49
| ((وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ))، أي يصيبهم العذاب ((بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ))، أي بسبب فسقهم وخروجهم من طاعة الله سبحانه، ثم لا يخفى أنّ الغالب تفسير الآيات الدالة على العذاب بعذاب الآخرة، مع إنّ الإطلاق خلاف ذلك، فإنّ مَن أعرضَ عن ذكره سبحانه يصيبه العذاب في الدنيا وفي الآخرة، كما قال سبحانه (ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكى) وسببه واضح فإنّ المناهج التي يتّبعها الإنسان مما وضعها غير الله سبحانه لابد وأن تكون منحرفة، وهذا الإنحراف يسبّب الفوضى والإستبداد وما أشبه مما يؤذي الإنسان وينغّص عيشه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 50 | إنّ الكفار كانوا يستعظمون كيف يمكن أن يكون إنسان رسولاً بدون أن يكون له مال عريض أو عِلم غيب ذاتي يعينه في أموره وحوائجه، ويرد الله سبحانه عليهم ذلك بأنّ الرسالة لا ترتبط بهذه الأمور وإنما هي هداية ونور ((قُل)) يارسول الله ((لاَّ أَقُولُ لَكُمْ)) أيها الناس ((عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ)) التي يهب لمن يشاء ما يشاء، ومن المعلوم أنه ليس لله سبحانه خزائن بالمعنى المتعارف لدينا، بل خزائنه الأرض والشمس والمعادن وما أشبه، مما تفيض ثروة ومالاً، وفي الحديث القدسي: "إنما خزائني إذا أردت شيئاً أن أقول له كُن فيكون"، والمراد بعدم القبول عدم الوجود، فهو من السالبة بانتفاء الموضوع ((وَلا)) أقول ((أَعْلَمُ الْغَيْبَ)) كما يعلم الله سبحانه، بل إنما أعلم مما يوحى إليّ بإذن الله سبحانه، كما قال عيسى (عليه السلام): (وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم)، وفي الآية الكريمة: (لا يظهر على غيبه أحداً إلا مَن ارتَضى من رسول) ((وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)) كما أنكم تتوقعون أن يكون الرسول مَلَكاً ((إِنْ أَتَّبِعُ))، أي ليس لي شأن ((إلاّ)) أن أتّبع و(إنّ) بمعنى "ما" ((مَا يُوحَى إِلَيَّ)) من الأوامر والنواهي لأجل الإرشاد والإصلاح ((قُلْ)) يارسول الله لهم إنّ مَثَل المؤمن والكافر كمَثَل البصير الذي يبصر الأشياء والأعمى الذي لا يبصر و((هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ))؟ ولعلّ تقديم الأعمى لأنّ الخطاب كان مع الكفار الذين هم بمنزلة الأعمى ((أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ)) في الأمر وأنّ مقام الرسالة لا يرتبط بما ذكرتم من الأشياء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 51 | ((وَأَنذِرْ)) يارسول الله ((بِهِ))، أي بالقرآن، فإنه قد تقدّم ذكره بلفظ (ما يوحى إليّ) ((الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ)) والخوف هنا ليس بمعنى الإحتمال، كقولك: أخاف أن يُهدم البناء، بل بمعنى الخوف القطعي فهو كقولك: أخاف من الجلّاد وهو يريد القتل، والمراد بالذين يخافون المعترفون بالبعث، وإنما قال: أنذِر هؤلاء مع إنّ الإنذار عام، لا هؤلاء هم المنتفعون بالإنذار، أما مَن أعرَضَ فلا ينتفع به ((لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ))، أي دون الله تعالى ((وَلِيٌّ)) يلي أمورهم هناك ((وَلاَ شَفِيعٌ)) وليس المراد أنّ الله يشفع إذ لا معنى لشفاعته، بل المراد أنّ الشفاعة بيده، فلا يشفع أحد إلا بإذنه، كما قال سبحانه: (لا يشفعون إلا لمن ارتضى) ((لَّعَلَّهُمْ)) لكي هؤلاء الذين أنذرتهم ((يَتَّقُونَ)) معاصي الله ويأتمرون بأوامره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 52 | إنّ من يخاف الحساب أنذِرهُ يارسول الله ولا تطرده من عندك وإن طَلَبَ الأشراف ذلك ((وَلاَ تَطْرُدِ)) من مجلسك ((الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ))، أي صباحاً ((وَالْعَشِيِّ)) طرف العصر ((يُرِيدُونَ)) بالدعاء والضراعة ((وَجْهَهُ))، أي ذاته سبحانه خالصاً مخلصاً، وقد ورد أنه مرّ ملأ من قريش على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده صُهَيب وخبّاب وبلال وعمّار وسلمان وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يامحمد أرضيتَ بهؤلاء من قومك أفنحنُ نكون تَبَعاً لهم؟ أهؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم؟ غطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم إتّبعناك، فنزلت الآية، وفي بعض التفاسير أنه طَعَنَ أولئك الأشراف في سيرة هؤلاء الفقراء وأعمالهم كي يستحيلوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للنفرة عنهم، فردّ عليهم سبحانه بقوله ((مَا عَلَيْكَ))، أي ليس عليك ((مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ)) فأنت لا تتحمّل تَبِعة سيرتهم ((وَمَا مِنْ حِسَابِكَ)) يارسول الله ((عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ)) فإنهم لا يطالبون بحسابك، بل كلٌّ وعمله -فسيرتهم لو كتنت كما يقولون لا تضرّك- ((فَتَطْرُدَهُمْ)) فإنّ الشخص إنما يطرد من تضرّه سيرته، أما مَن كان قلبه عامراً بالإيمان وصلاته دائمة طرفي النهار فإنّ فقره وسيرته لا يوجبان طرده -لو فُرِضَ أنّ في سيرته ميل- ((فَتَكُونَ)) بسبب طردهم ((مِنَ الظَّالِمِينَ)) لهم، أو لنفسك، فإنّ الإنسان إذا ظلم غيره فقد ظلم نفسه أيضاَ، وسيقت هذه الجملة مبالغَةً في ردع مَن طَلَبَ طلرد أولئك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 53 | ((وَكَذَلِكَ))، أي هكذا ((فَتَنَّا))، أي إبتلينا ((بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)) حيث إبتلينا الأشراف بالفقراء ((لِّيَقُولواْ)) أولئك الأشراف ((أَهَؤُلاء))، أي هل هؤلاء الفقراء ((مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا)) حتى عمّهم النبي بلطفه وجعلهم ندمائه وموضع سرّه؟، نعم ليس الإسلام ينظر إلى الناس كما ينظر أهل الدنيا ((أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)) إنهم شاكرون والشاكر أفضل من غيره عند الإسلام، وإن كان غيره في نَظَر الناس شريفاً، فإنّ الميزان عند الإسلام التقوى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 54 | والإسلام لا يسدّ الأبواب للعاصي، وإنما يفتح له باب التوبة، وقد ورد أنّ جماعة جائوا إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: إنّا أصبنا ذنوباً عِظاماً، فلم يردّ عليهم شيئاً فانصرفوا، فنَزَلَ قوله تعالى ((وَإِذَا جَاءكَ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا))، أي بدلائلنا وبراهيننا ((فَقُلْ)) لهم ((سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ))، أي أنتم في سلام لا في عذاب وعقاب، يُقبل عذركم ويغفر ذنبكم ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ))، أي إنه فَرَضَ على نفسه -حسب حكمته- أن يرحم العباد ويشملهم بلُطغه وإحسانه ((أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ)) والمراد من الجهالة هنا ليس الجهل مقابل العلم، بل عدم المبالاة، وإنما سُمّي بذلك لأنّ العالم التارك لعلمه هو والجاهل سواء، وكأنه للجهل بالنتائج والعواقب المرتّبة على العمل، وإلا فالآية تشمل العمل بل هو موردها ((ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ))، أي بعد العمل ((وَأَصْلَحَ))، أي عمل صالحاً ((فَأَنَّهُ))، أي الله سبحانه ((غَفُورٌ)) لذنبه ((رَّحِيمٌ)) به، وكأنّ الإتيان بـ (رحيم) بعد (غفور) غالباً لإفادة الفضل في لُطفه وإحسانه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:38 pm | |
| فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 55
| ((وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ))، أي كما سبق نفصّل الأدلة والبراهين الدالة على التوحيد وسائر شؤون المبدء والمعاد، نشرحها ونبيّنها حتى يتّضح سبيل المهتدين ((وَلِتَسْتَبِينَ))، أي تظهر ((سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) المعاندين، فإنّ في بيان الحق وضوح الأمرين سبيل المحقّ وسبيل المبطل، ولفظة (سبيل) مما يجوز التذكير والتأنيث ولذا قال (تستبين) بالتأنيث.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 56 | ثم أمَرَ سبحانه رسوله بالبراءة مما يعبدونه المشركون بقوله ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء المشركين ((إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ)) يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها، والمراد بـ (من دون الله) ما خلا عبادة الله، فإنّ النهي أعمّ من عبادة الأصنام وحدها أو بالإشتراك مع عبادة الله، فإنّ عبادة الأصنام إنما أتت من هوى النفس لا من دليل عقلي أو منطقي ((قُل)) يارسول الله لهم ((لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ)) في عبادة الأصنام ((قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا)) إذ أنا فعلتُ ذلك ((وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)) لو عبدتُ الأصنام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 57 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ))، أي أمر واضح بيّن لا غموض فيه ((مِّن رَّبِّي))، أي إنّ تلك البيّنة أتتني من جانب الله سبحانه لا مثلكم أتّبع هوى النفس (( وَكَذَّبْتُم بِهِ))، أي بما أنا عليه من الدليل والبيّنة، وقد كان الكفار يطلبون من الرسول -إستهزاءاً- أن يُنزِل بهم العذاب الذي يعدهم، كما قال سبحانه (ويستعجلونك بالعذاب) فردّ عليهم بقوله ((مَا عِندِي))، أي ليس باختياري وأمري ((مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ))، أي الذي تطلبون سرعته ((إِنِ الْحُكْمُ))، أي ليس الحُكم في باب العذاب ((إِلاَّ لِلّهِ)) فهو وحده ((يَقُصُّ الْحَقَّ))، أي يبيّنه ((وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) الذي يفصّل الأمور فإذا إقتضت المصلحة أتاكم بالعذاب ويفصّل الأمر وتنتهي المشكلة، ومن المعلوم إنّ إنزال العذاب له مقاييس خاصة وأوقات محدودة، فليس كلّ مَن طَلَبَ العذاب يُجاب فوراً وإن كان من أكثر الناس جُرماً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 58 | ((قُل)) يارسول الله لهؤلاء الكفار الذين يطلبون سرعة العذاب ((لَّوْ أَنَّ عِندِي))، أي بأمري وإرادتي ((مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ)) من إنزال العذاب بكم ((لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)) إذ أُهلِكَكُم فأستريح منكم لكن ذلك بإذن الله ومشيئته ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)) وبمقتضى عمله يقدّم العذاب تارة ويؤخّره أخرى.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 59 | وحيث ذكر علمه سبحانه بالظالمين يأتي السياق ليذكر الكافرين بعلمه سبحانه وقدرته وأعماله في أنفسهم وفي الآفاق، إنها أقوى الأدلة على وجوده وسائر صفاته الكمالية وهل بحاجة بعدها إلى الخوارق التي كانوا يقترحونها لإثبات كلامه (عليه الصلاة والسلام) ((وَعِندَهُ))، أي عند الله سبحانه ((مَفَاتِحُ)) جمع مِفتَح بمعنى المفتاح ((الْغَيْبِ))، أي ما غابَ عن الحواس والمشاعر، فكان الغيب قد سُدّت أبوابه وأُقفِلَت الأبواب فلا يتمكن الإنسان أن يرى ما ورائها وليس بيد الله سبحانه وحده، فهو الذي يعلم الغيب كله ويتمكن أن يفتح تلك الأبواب لمن أراد من خلقه، كما قال: (لا يُظهِر على غيبه أحد إلا مَن ارتضى من رسول) ((لاَ يَعْلَمُهَا))، أي لا يدري ما هي تلك المفاتيح ((إِلاَّ هُوَ))، أي إلا الله سبحانه، وحيث أنّ كشف الغيب يحتاج إلى العلم بالكشف والقدرة على الكشف، وكان المقام مقام بيان عمله سبحانه، قال سبحانه (لا يعلمها) فلا يرد أنّ الأنسب أن يقول: لا يقدر عليها، لا أن يقول (لا يعلمها)، فالأرزاق والآجال وما أشبههما التي تأتي في المستقبل لا يعلمها إلا الله سبحانه ((وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إِلاَّ يَعْلَمُهَا)) المراد بالبَر: الأعمّ من المدن، والبحر: الأعمّ من الأنهار -بقرينة المقابلة- ((وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ)) من أوراق الأشجار ((وَلاَ)) من ((حَبَّةٍ)) كامنة ((فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ))، أي أجوافها، أو لا تسقط حبّة في باطن الأرض مما تُزلاع أو غيره إلا يعلمها، وقد كان التقابل -بين ما تسقط من ورقة وبين ولا حبّة- لطيفاً جداً، حيث إنّ الأول حركة الحياة إلى الموت والسقوط، والثاني حركة الموت إلى الحياة والإرتفاع ((وَلاَ)) من ((رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ)) من جميع الأشياء والأصناف، وهذا وإن كان أخصّ من الموجودات لأنّ من الأشياء ما لا يتّصف برطوبة ولا يبوسة، يبوسة كالعقل، إلا إنّ العموم يشمله بالفحوى، كثيراً ما يُقال اللفظ الأخص ويُراد الأعم، حيث إنّ الأخص صار مثلاً، كقوله (إن تستغفر لهم سبعين مرة) فإنّ الأكثر داخل بالفحوى ((إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ))، أي إنّ جميع الأشياء محفوظة عند الله سبحانه في كتاب واضح جلي هو اللوح المحفوظ، أو المراد بالكتاب علمه الشامل، ولعلّ التعبير بالكتاب لأجل بيان أنه محفوظ لا يزول كما إنّ الكتاب كذلك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 60 | ((وَهُوَ)) سبحانه كما يعلم الأشياء كذلك تجري الأشياء بقدرته وإرادته، فأنتم أيها البشر تحت قبضته وأمره، فإنه ((الَّذِي يَتَوَفَّاكُم)) أيها البشر ((بِاللَّيْلِ))، أي يقبض أرواحكم عن التصرّف، والتوفّي أخذ الشيء كاملاً ومنه الوفاة، فإنّ الإنسان إذا نام أخَذَ الله روحه المتصرّفة التي تبصر وتسمع وتذوق وتلمس وتشم، وهذه الآية كقوله سبحانه (الله يتوفّى الأنفس حين موتها) وإنما الفرق أنّ الموت توفّي بمعنى أتم من التوفّي بمعنى النوم ((وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم))، أي ما كسبتم وفعلتم، أي عملتم بالجارحة ((بِالنَّهَارِ)) وهذا التفصيل خارج مجرى الغالب، وإلا فهو يتوفّى بالنهار لمن نام فيه، ويعلم ما جَرَحَ الإنسان بالليل لمن عمل فيه ((ثُمَّ)) بعد توفّيكم بالليل ((يَبْعَثُكُمْ))، أي يوقظكم وينبّهكم من نومكم ((فِيهِ))، أي في النهار ((لِيُقْضَى))، أي لينتهي ((أَجَلٌ مُّسَمًّى))، أي أمدّكم الذي سمّاه سبحانه في اللوح المحفوظ، يعني إنه إنما يوقظكم في النهار حتى لا يموت الإنسان قبل وقته ((ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ)) بعد تمام المدة وإنتهاء الأمد ترجعون إليه سبحانه في الآخرة، والمراد إلى حسابه، وإلا فليس له سبحانه محل، فإنه منزّه عن الزمان والمكان ((ثُمَّ يُنَبِّئُكُم))، أي يُخبركم -بعد رجوعكم إليه- ((بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) ليُعطي كلّ ذي جزاء جزاءه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:39 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 61
| ((وَهُوَ)) سبحانه ((الْقَاهِرُ))، أي القادر الذي قهر ويجبر كما يشاء ((فَوْقَ عِبَادِهِ))، أي مستعلي عليهم، فإنّ من يتصرّف في الإنسان يكون فوقه رتبة، وليس المراد الفوقية الحقيقية، فإنه منزّه عن المكان ((وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً)) جمع حافظ، وهم الملائكة الذين يبعثهم الله تعالى لحفظ الإنسان عن العطب، وحفظ أعماله في دفاتر سجلات ليجزي كلّاً حسب ما عمل ((حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)) وصار وقت أن يموت تركه الحافظ له وأسلمه إلى حتفه ((تَوَفَّتْهُ))، أي قبضت روحه كاملة ((رُسُلُنَا))، أي الملائكة المرسلة لأجل هذه الغاية ((وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ)) بأن يقدّموا أخذ الروح أو يؤخروه، أو يشدّدوا في الفزع أو يخفّفوا بل يفعلون ما يُؤمرون، وإنما أتى بلفظ (رُسُلنا) جمعاً لأنّ لمَلَك الموت أعواناً كما ثَبَتَ من السنّة، ولعلّ في قوله (الذين توفّاهم الملائكة) دلالة عليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 62 | ((ثُمَّ)) بعدما أخذت الملائكة أرواحهم ((رُدُّواْ))، أي رجعت أرواحهم ((إِلَى اللّهِ))، أي في المكان المهيّأ لهم من قِبَله سبحانه ((مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ))، أي سيّدهم بالحقيقة لا مثل سيادة الأصنام عليهم ((أَلاَ)) فلينتبه الناس أنّ ((لَهُ)) وحده ((الْحُكْمُ)) في جميع الأمور الكونية، حتى قَبَضَ أرواحهم ومحاسبتهم هناك ((وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)) وحسابه سريع لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه حساب المحاسِبين من الوقت ونحوه، فليس هناك بطوء في الحساب حتى يكون للمحاسِب مجال وسيع حتى يتم حسابه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 63 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار تدليلاً على قدرته سبحانه الكاملة ((مَن يُنَجِّيكُم)) ويخلّصكم ((مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ))، أي من شدائدهما وأهوالهما، فإنهم يقولون لليوم الشديد يوم مظلم، تشبيهاً، فكما إنّ الإنسان لا يهتدي طريقه في الليل والظلمة كذلك لا يهتدي طريقه في الشدائد ((تَدْعُونَهُ))، أي تدعون الله تعالى إذا وقعتم في الشدة والظُلمة ((تَضَرُّعاً)) ضراعة واستكانة بلسانكم ((وَخُفْيَةً)) وسراً في نفوسكم، فتوافق الظواهر والبواطن في الضراعة والمسألة لإنجائه سبحانه إياكم، قائلين ((لَّئِنْ أَنجَانَا)) الله ((مِنْ هَذِهِ)) الشدة والكارثة ((لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)) الذين يشكرون نعمائه علينا معترفين به وبفضله وإحسانه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 64 | ((قُلِ)) يارسول الله لهؤلاء ((اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا))، أي من هذه الشدة ((وَمِن كُلِّ كَرْبٍ))، أي يخلّصكم من كلّ غمر وهم ((ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)) به غيره وترجعون إلى شِرككم وعصيانكم كما قال سبحانه (فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يُشركون).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 65 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ))، أي يُرسل ((عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ)) كالصواعق ((أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)) كالخسف ((أَوْ يَلْبِسَكُمْ)) من لَبَسَ عليه الأمر إذا خَلَطَ بعضه ببعض، أي يخلطكم ((شِيَعاً)) جمع شيعة، أي فِرَقاَ مختلفي الأهواء لا تكونون أمة واحدة، بل أحزاباً وأهواء ((وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ)) فهم في تعادٍ مستمر وحروب دائمة، وإنما ينسب ذلك إليه سبحانه لأنه يَكِلَهم إلى أمرهم بعد أن أعرضوا عن طريقه وتركوا منهاجه ((انظُرْ)) يارسول الله، والمراد بالنظر التأمّل والتفكّر ((كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ)) نردّد الدلائل على التوحيد ونكرّرها مرة بعد مرة ((لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ))، أي يفهموا الحق ويذعنوا بالخالق ويتجنّبوا عن الكفر والباطل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 66 | ((وَكَذَّبَ بِهِ))، أي بما نصرّف من الآيات ((قَوْمُكَ)) يارسول الله، والمراد بهم أما قريش وأما العرب وأما الناس المبعوث إليهم بصورة عامة، والمراد بالتكذيب تكذيب أغلبهم لا جميعهم لوضوح إيمان بعض من كل من الطوائف الثلاث به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين نزول الآية ((وَهُوَ الْحَقُّ))، أي ما نصرّفه من الآيات حق لا مريبة فيه ((قُل)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ))، اي موكول إليّ حتى يضرّني تكذيبكم، بل أنا مبلّغ، وقد بلّغت ما أُمرتُ بتبليغه، ثم بيّن سبحانه أنّ ما أخبر به الرسول من وعيد المكذّبين أنهم خسروا وإنّ تكذيبهم عادَ بالوبال عليهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 67 | ((لِّكُلِّ نَبَإٍ))، أي لكلّ خبر ((مُّسْتَقَرٌّ))، أي محل إستقرار يظهر هناك صدقه، فما كان في الدنيا يظهر أثره في الدنيا وما كان في الآخرة يظهر أثره في الآخرة ((وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)) أيها المكذّبون عاقبة أمركم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 68 | إنّ أول كل حركة لابد وأن يختلط المؤمنون بها والمناوئون لها، ولابد وأن يكون ضعاف النفوس من المؤمنين يكتسبون من المعاندين بعض الأفكار المعادية ولا أقل من أن يجبنوا عن الإستمرار والتظاهر، ولذا فمن اللازم أن يجنّب القادة أتباعهم عن الإختلاط خصوصاً حالة التهجّم من المعاندين ((وَإِذَا رَأَيْتَ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا)) خوض المناقشة والإستهزاء، والخطاب وإن كان موجَّهاً إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلا أنه عام لجميع المسلمين ((فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ))، أي فاتركهم ولا تجالسهم ((حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ))، أي غير ما خاضوا فيه أولاً بأن يتكلّموا في سائر المواضيع فلا بأس حينئذ في مجالستهم والتكلّم معهم ((وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ)) بأن ينسى المسلم وجَلَسَ مع الخائضين في آيات الله، والجملة شرطيّة، أي وإن أنساك، و(ما) زائدة، ومن المعلوم أنّ الشرط لا ينافي العصمة، فإنّ الجملة الشرطيّة تأتي حتى مع إستحالة طرفيها نحو (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) ((فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى))، أي بعد التذكّر لكون مجالستهم محرّمة منهيّة ((مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) الذين يخوضون في الآيات.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 69 | ((وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ))، أي على المؤمنين المتّقين ((مِنْ حِسَابِهِم))، أي حساب الكفار الخائضين في آيات الله ((مِّن شَيْءٍ)) فإنهم ليسوا بمسؤولين عن خوضهم في الآيات ((وَلَكِن)) قيامهم عن المجالس إذا خاضوا ((ذِكْرَى))، أي تذكير للخائضين بأنهم يعملون شيئاً، وإنما قال (ذكرى) لأنّ الخائض يعلم سوء فعله -في قرارة نفسه- لكنه يغفل غالباً حين الخوص، فأمَرَ المسلم أن يقوم من مجلسه ليتذكّر ((لَعَلَّهُمْ))، أي لكي أن الخائضين ((يَتَّقُونَ)) ويتورعون عن الخوض، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: "لما نزلت (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) قال المسلمون: كيف نصنع إن كان كلّما إستهزء المشركون بالقرآن قُمنا وتركناهم فلا ندخل إذاً المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام، فأنزَلَ الله سبحانه (وما على الذين يتّقون من حسابهم من شيء) أمَرَهم بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا".
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:40 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 70
| ((وَذَرِ))، أي أترك يارسول الله ((الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا)) المراد من دينهم الذي يتديّنون به من عبادة الأصنام، والمسيحية واليهودية وما أشبه، والمراد باتخاذه لعباً ولهواً أنهم كالأطفال الذين يتّخذون آلة للّعب واللهو فلا علاقة لهم بها إلا علاقة التلاعب، لا إنه دين وَصَلَ إلى أعماق قلوبهم وأخَذَ يوجّه حياتهم، وأما دينهم الذي يجب أن يتديّنوا به -أي الإسلام- ونسبه إليهم لأجل وجوب إتّخاذه ديناً، واتّ×أذه لعباً ولهواً، إستهزائهم به كأنه لعب ولهو ((وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) زاعمين أنه ليس ورائها شيء وأشغلتهم الدنيا عن الدين ((وَذَكِّرْ)) يارسول الله هؤلاء الكفار ((بِهِ))، أي بالدين ((أَن تُبْسَلَ)) من بَسَلَ بمعنى إستسلم، أي لكي لا تسلّم ((نَفْسٌ)) للهَلَكة ((بِمَا كَسَبَتْ))، أي بسبب عمله، فإنك إن ذكرتَ لعلها تعود إلى الرُشد وتنقذ من الهَلَكة حيث ((لَيْسَ لَهَا))، أي للنفس ((مِن دُونِ اللّهِ))، أي غير الله ((وَلِيٌّ)) ناصر ينصرها ((وَلاَ شَفِيعٌ)) يشفع لها، فإنّ الشفاعة بيد الله وحده ((وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ))، أي تفدي بكل ما يمكن جعله فدية لتُنقذ نفسها من العذاب ((لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا)) إذ ليس الميزان هناك إلا العمل وحده ((أُوْلَئِكَ)) الذين إتّخذوا دينهم لعباً ولهواً هم ((الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ))، أي أهلكوا وأُسلموا للهَلَكة (بـ) سبب (ما كسبوا) من الأعمال والعقائد الباطلة ((لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ))، أي مائهم الذين يشربون إنما هو من حميم جهنم وهو الماء المغلي الحار ((وَعَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم موجع ((بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ))، أي بسبب كفرهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 71 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلا ءالكفار ((أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا))، أي هل ندعو الأصنام التي لا تنفعنا إن عبدناه ((وَلاَ يَضُرُّنَا)) إن تركنا عبادته ((وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا))، أي نرجع القهقري، فإنّ مَن أتى إلى مكان ثم رجع إلى محله الأول كان خاسراً ومَن إتّبع أقسام الرجوع أن يرجع قهقراً والأعقاب جمع عقب ((بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ)) إلى دينه وصراطه ((كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ))، أي إستغوته ((الشَّيَاطِينُ))، أي الغيلان ((فِي الأَرْضِ))، أي في البيداء بأن أخرجته الشياطين من الجادة إلى المهلكة ((حَيْرَانَ)) لا يدري إيتّبع أصحابه أم يتبّع الشياطين ((لَهُ))، أي لهذا الذي إستهوته الشياطين ((أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى)) إلى الجادة وأن لا يتّبع الشياطين قائلين له ((ائْتِنَا))، أي جئنا وكن معنا، فإنّ قسماً من الغول -وهم سَحَرة الجن- يكونون في الصحراء يؤذون بعض المارة، فإذا رأى الشخص جماعة منهم يستهوونه قائلين من هنا الجادة -ويدلّونه إلى المفاوز المهلكة- فهو يتحيّر بين أن يسير مع هذه الجماعة التي تصبغ نفسها بصبغة إدلاء الطريق وأنها من أهل البادية تعرف الطريق من غير الطريق، أم يسير مع رفاقه الذين خرج معهم حيث أنهم رفقائه، لكنهم -بزعمه- يمشون على غير الطريق ويصيبهم العطب أخيراً، وهناك قسم من الناس ينكرون الجن والغول والشيطان لكنه مع ضيق الأُفق فإنّ العلمين القديم والحديث أيّدا الدين والقصص المؤكدة وجود ذلك -أنظر كتاب (على حافة العالم الأثيري) و(دائرة المعارف) لفريد وجدي، مادة (اسبرتزم)- ((قُلْ)) يارسول الله ((إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ)) الذي ينبغي للإنسان أن يتّبعه ويترك غيره ((وَأُمِرْنَا))، أي أمَرَنا الله وأرشدنا العقل ((لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) في جميع شؤوننا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 72 | ((وَ)) أمَرَنا ((أَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ))، أي بإقامة الصلاة، فإنّ حذف حرف الجر، مع إنّ وأن مطرد شائع، كما قال إبن مالك: والخوف مع إنّ وأن يُطرد مع أمن لبس كعجبتُ أن يدو
((وَاتَّقُوهُ))، أي إحذروا عقاب الله تعالى ((وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ))، أي تجمعون يوم القيامة ليحاسبكم على ما عملتم من خير أو شر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 73 | ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)) والمراد بالسماوات أما إجرام هناك أو المدارات للكواكب ((بِالْحَقِّ))، أي ليس بالباطل فإنّ مَن يصنع شيئاً قد يصنعه عبثاً وباطلاً وقد يصنعه لغاية وحكمة، فمعنى (بالحق) أنه ليس الخلق عبثاً، كما قال سبحانه (سبحانك ما خلقتُ هذا باطلا) ((وَيَوْمَ يَقُولُ)) سبحانه لشيء ((كُن)) وأخرج من العدم إلى الوجود ((فَيَكُونُ)) ويوجد ((قَوْلُهُ الْحَقُّ)) الظاهر أنه العامل في (يوم)، أي إنّ قوله تعالى يكون ويتحقّق في أي يوم قال لشيء (كُن) فهو سبحانه خلقه بالحق، وقوله (حق) أي متحقّق ثابت لا خلف فيه وليس كأقوال من تذهب أقواله باطلة ((وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ)) الصور هو الآلة التي يُنفخ فيها لأجل هلاك الناس جميعاً، وهو في آخر يوم من أيام الآخرة، يعني أنه سبحانه الملك الوحيد الذي لا يوجد ملك غيره في ذلك اليوم، والفقرات الثلاثة في الآية لبيان الأحوال الثلاثة: الخلق للأشياء، والتصرّف في الكون بما يشاء، وكون المعادلة له سبحانه، وهو ((عَالِمُ الْغَيْبِ))، أي يعلم ما غاب عن الحواس لعدم إدراك الحواس له أو لكونه من الأمور المستقلة ((وَالشَّهَادَةِ))، أي ما يشاهده الناس، وأتى بهذه الجملة هنا ليتناسق العلم مع القدرة ((وَهُوَ الْحَكِيمُ)) في أفعاله ((الْخَبِيرُ)) بالأشياء فلا يعمل شيئاً إعتباطاً وعبثاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 74 | وبعد ما بيّن سبحانه الأدلة حول التوحيد، أتى بقصة إبراهيم (عليه السلام) الذي كان يدعو إلى التوحيد ليمثّل الأدلة في قصة حوارية جذّابة ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ)) والمراد بالأب هنا العم كما ورد، فإنّ العرب تسمّي العم أباً، كما تسمّي الخالة أماً، وقد ورد في زيارة الشهيد علي الأكبر (عليه السلام): السلام عليك يابن الحسن والحسين" ((أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً)) على وجه الإستنكار والتوبيخ، أي كيف تعبد الأصنام وتجعلها إلهاً من دون الله ((إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ))، أي واضح فإنّ الإله يجب أن يكون خالقاً رازقاً فكيف تكون الأصنام آلهة؟.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:40 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 75
| ((وَكَذَلِكَ))، أي بمثل هذه الفطرة المستقيمة التي رأى بها إبراهيم بطلان عبادة الأصنام ((نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي آثار الملك الموجودة في المساوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأشجار والدواب وغيرها، مما تدلّ كلها على وجود إله حكيم عليم خالق قادر، وإنما نَسَبَ الإرائة إلى نفسه تعالى لأنه هو الذي فَتَقَ بصيرة إبراهيم (عليه السلام) للتأمّل في الآيات الكونية، وفي الأحاديث أنه (عليه السلام) كان يرى أغوار الأرض وآفاق السماء فقد كُشف عن عينه الحجاب وكان يرى ما لا يدركه البصر الإنساني ((وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ))، أي المتيقّنين بأنّ الله سبحانه هو الخالق والإله أريناه الملكوت، فجملة (وليكون من الموقنين) مستأنفة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 76 | إنّ إبراهيم (عليه السلام) إصطدم بأصناف ثلاثة يعبدون من دون الله الكواكب: فكان بعضهم يعبدون الزُهرة، وبعضهم يعبد القمر، وبعضهم يعبد الشمس، فأراد الإحتجاج عليهم فلما جنّ عليه الليل رأى الزُهرة فقال لعُبّادها مستنكراً: هل هذا ربي؟، ثم ردّ عليهم بأنه أفَلَ ذاهب متحرّك، وهذه من شأن المخلوق لا الخالق فإنّ الخالق لا يتغيّر ولا يتحرّك، وبعد ما طلع القمر قال لعُبّاده على وجه الإستنكار: هل هذا ربي؟، ثم احتجّ عليهم بما احتجّ على عبادة الزُهرة، وبعدما طلعت الشمس قال لعُبّادها على وجه الإستنكار: هل هذا ربي؟، ثم أبطَلَ ألوهيّتها بما سبق وبيّن أنّ إلهه هو الله وحده لا شريك له ((فَلَمَّا جَنَّ))، أي أظلم ((عَلَيْهِ اللَّيْلُ)) وستر بظلامه كل شيء ((رَأَى)) إبراهيم (عليه السلام) ((كَوْكَبًا)) وجماعة يعبدونه ((قَالَ)) مستنكراً عليهم: هل ((هَذَا رَبِّي))؟ ((فَلَمَّا أَفَلَ)) وغَرَبَ النجم ((قَالَ)) إبراهيم ((لا أُحِبُّ الآفِلِينَ))، أي لا أحب أن أتّخذ الشيء الذي يغرب إلهاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 77 | ((فَلَمَّا رَأَى)) إبراهيم (عليه السلام) ((الْقَمَرَ بَازِغًا))، أي طالعاً منيراً وجماعة يعبدونه ((قَالَ)) مستنكراً عليه: هل ((هَذَا رَبِّي))؟ ((فَلَمَّا أَفَلَ)) وغَرَبَ القمر ((قَالَ)) إبراهيم على سبيل التعريض بأولئك ((لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي)) إلى الطريق المستقيم ((لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)) الذين ضلّوا الطريق واتّخذوا آلهة باطلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 78 | ((فَلَمَّا)) أصبح إبراهيم (عليه السلام) و((رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً)) طالعة وجماعة يعبدونها ((قَالَ)) مستنكراً عملهم طاعناً في حجّتهم: هل ((هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ))؟ فكأنهم كانوا يستدلّون بكبرها على أنها الرب دون سواها ((فَلَمَّا أَفَلَتْ)) الشمس وغَرَبَت ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((يَا قَوْمِ)) العبّاد لغير الله تعالى ((إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ))، أي ما تجعلونه شريكاً سبحانه من الكواكب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 79 | ((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ)) والمراد بالوجه الذات، لكن حيث إنّ الإنسان حينما يُخلص لشيء ويريد إستقباله يوجّه صورته إليه، إستعمل الوجه في الذات مجازاً ((لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ))، أي خلقها وأوجدها ((حَنِيفًا))، أي مائلاً عن الشرك إلى الإخلاص ((وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) الذين يُشركون بالإله غيره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 80 | ولما باعث وجادَلَ إبراهيم حول الأصنام والكواكب التي يعبدونها قومه فَشى أمره فجاء إليه الناس يحاجّونه ((وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ))، أي خاصموه وجادلونه في باب الألوهيّة ((قَالَ)) إبراهيم ((أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ))، أي تجادلونني بالنسبة إلى الله تعالى ((وَقَدْ هَدَانِ)) إلى الحق بلُطفه وإحسانه ((وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ))، أي لا أخاف من إلهتكم أن يسبّبوا لي ضرراً فإنه ليس الصنم والنجم يضرّان الإنسان ((إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا))، أي ضرراً بي، والإستثناء المنقطع، وقد مرّ سابقاً أنّ هذه الإستثناءات إنما هي لأجل إفادة تمام الطلب بعد جعل المستثنى منه الإطلاق، فالأصل مثلاً، ولا أخاف ضرراً إلا من الله سبحانه، ولستُ أعلم ما يشاء ربي من ضرري أو نفعي بل ((وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا))، أي إنه سبحانه المحيط على الأشياء بعلمه الواسع واطّلاعه الشامل ((أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ)) أيها المشكرون وتتدبّرون لتعرفوا أنّ الأمر كما قلتُ لكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 81 | ((وَكَيْفَ أَخَافُ)) أنا المعتقد بالله سبحانه الضرر من قِبَل ((مَا أَشْرَكْتُمْ)) من الأصنام والنجوم وهي ليست من الضرر والنفع ((وَ)) الحال إنكم ((لاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ)) الذي بيده كلّ ضرر ونفع ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا))، أي جعلتم لله النجوم والأصنام التي لم يدلّ دليل من قِبَل الله سبحانه على صحّتها، فإنّ (ما) موصولة مصداقها: الأصنام والنجوم ((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ)) نحن أو أنتم ((أَحَقُّ بِالأَمْنِ)) بأن لا يخاف الضرر ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي تستعملون عقولكم وعلومكم فيخيّرون الحق من الباطل؟؟.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 82 | ثم بيّن سبحانه من لهم الأمن بقوله ((الَّذِينَ آمَنُواْ)) بالله تعالى ((وَلَمْ يَلْبِسُواْ))، أي لم يخلطوا ((إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)) بأن لم يُشركوا، فإنّ الشرك ظُلم كما قال سبحانه (لا تُشرك بالله إنّ الشرك لظلمٌ عظيم) ((أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ)) فإنهم لا يخافون عقاب الآخرة ولا ضرر دنيا بلا عوض ((وَهُم مُّهْتَدُونَ))، أي مهديّون إلى الحق، وهذه الآية وإن كان موردها قصة إبراهيم (عليه السلام) والإيمان والشرك إلا أنها عامة تشمل كل إيمان لم يلبَس بظُلم، ولذا ورد في مصداقها الولاية لأهل البيت (عليهم السلام).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 83 | ((وَتِلْكَ)) الحجّة التي إحتجّ بها إبراهيم (عليه السلام) في ما سبق ((حُجَّتُنَا))، أي الدليل الذي ((آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ)) أعطيناها لإبراهيم (عليه السلام) ولقيناه إياها ((عَلَى قَوْمِهِ)) المشركين حتى تمكّن من إيرادها عليهم وأن يغلبهم ((نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء)) كما رفعنا إبراهيم (عليه السلام) درجات حيث كان مؤمناً موحّداً مجاهداً ((إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)) فبحسب حكمته البالغة يرفع الدرجات وبحسب علمه الشامل يعلم الأشياء.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:41 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 84
| ((وَوَهَبْنَا لَهُ))، أي لإبراهيم (عليه السلام) ((إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ)) إسحاق هو إبن إبراهيم من سارة، ويعقوب إبن إسحاق (عليهم السلام)، ولم يذكر إسماعيل وهو إبنه من هاجر لإرادة ذِكره مستقلاً حتى يُظهِر له الشأن ما لا يظهر لو أُدرج في جملة (وهبنا) وقد ذَكَرَ سبحانه الشجرة النبوية من إبراهيم (عليه السلام) ومن نوح (عليه السلام) وقد أُدرجا درجاً، وإن كان سابقاً، لكونه من الأنبياء أولي العزم فلا يفوت ذكره حيث يُذكرون ((كُلاًّ)) من الثلاثة ((هَدَيْنَا)) إلى الحق وإلى صراط مستقيم ((وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ)) هؤلاء ((وَمِن ذُرِّيَّتِهِ))، أي من ذرّية إبراهيم أو من ذرّية نوح (عليه السلام) أو المراد كلاًّ منهما، فإنه يجوز ذلك بإرجاع الضمير إلى كل واحد كما قال سبحانه (وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه) ((دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ)) وهو إبن داود ((وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ)) إبن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ((وَمُوسَى)) بن عمران ((وَهَارُونَ)) أخو موسى (عليه السلام) ((وَكَذَلِكَ))، أي هكذا يجعل النبوّة في ذريته -تكريماً له- ((نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون في أعمالهم فإنّا نكرمهم بما يستحقون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 85 | ((وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى)) إبن زكريا ((وَعِيسَى)) بن مريم ((وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ))، أي إنّ كل واحد من الذين أصلحوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 86 | ((وَإِسْمَاعِيلَ)) بن إبراهيم (عليه السلام) جد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن المحتمل أن يُراد به إسماعيل صادق الوعد الذي أُشير إليه في قوله سبحانه (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد) ((وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ)) بن متّى صاحب الحوت ((وَلُوطًا)) والكلام في اللام في اليسع، والمنصرف وغير المنصرف من الأسماء مرتبط بالمفصّلات ((وَكُلاًّ))، أي كلّ واحد منهم ((فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ))، أي عالمي زمانهم فإنّ كلّ نبي كان أفضل من جميع الناس باستثناء النبي الذي في عهده، فـ (لوط) كان في عهد إبراهيم ولم يكن أفضل منه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 87 | ((وَ)) كذلك فضّلنا جماعة ((مِنْ آبَائِهِمْ))، أي من آباء هؤلاء الأنبياء ((وَذُرِّيَّاتِهِمْ))، أي أولاد هؤلاء الأنبياء ((وَإِخْوَانِهِمْ))، أي أخوان هؤلاء الأنبياء ((وَاجْتَبَيْنَاهُمْ))، أي إصطفيناهم واخترناهم للرسالة ((وَهَدَيْنَاهُمْ)) إلى الحق وذلك لا يلازم سبق الضلالة كما لا يخفى ((إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) في كل شيء العقيدة والسلوك والقول.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 88 | ((ذَلِكَ)) الهدى الذي هدينا به الأنبياء ((هُدَى اللّهِ)) وإرشاده الذي يأتي بأكمل السعادة وأوفر الخير ((يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ)) والمراد أما الهدى الخاص، ومن المعلوم أنه لا يلزم في الحكمة بالنسبة إلى كل أحد، وأما الهدى العام وذلك وإن لزم بالنسبة إلى كل أحد لكن المراد هنا الإيصال إلى المطلوب لإرائة الطريق، أو يُقال إنّ الذي دلّ عليه الدليل إنّ العقاب لا يجوز بلا بيان، أما الهداية فلا دليل عقلي على إيجابها بالنسبة إلى كل أحد، نعم في لزوم خروج الخلق عن العبث يلزم الإرشاد في الجملة ((وَلَوْ أَشْرَكُواْ))، أي لو أشرك هؤلاء الأنبياء ((لَحَبِطَ))، أي باطل ((عَنْهُم)) فإنّ الحبط لما أُشرب معنى الزوال والذهاب عدّى بـ (عن) ((مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) من الأعمال السابقة على الشرك، ثم إنّ الآية في مقام بيان أنّ الشرك موجب لحبط الأعمال مهما كانت سوابق الشرك، إذ من المعلوم الضروري عدم شرك الأنبياء، فإنّ الشرط يأتي حتى في مستحيل الطرفين، كقوله (قُل إن كان للرحمن وَلَداً فأنا أول العابدين)، ومن هذا القبيل قوله (لئن أشركتَ ليحبطنّ عملك).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 89 | ((أُوْلَئِكَ)) الذين ذكرناهم من الأنبياء هم ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) المراد به الجنس ((وَالْحُكْمَ))، أي منصب الحكم بين الناس، فإنّ هذا المنصب ليس إلا الله ولمن أعطاه إياه ((وَالنُّبُوَّةَ)) حيث كانوا أنبياء، وذَكَرَ النبوّة بعد الكتاب لدفع توهّم أنّ إعطاء الكتاب ليس من قبيل إعطاء الكتاب للإسم، كقوله سبحانه (خذوا ما آتيناكم بقوة) ((فَإِن يَكْفُرْ بِهَا))، أي بالكتاب والحُكم والنبوّة ((هَؤُلاء)) الكفار الذين جحدوا نبوّتك يارسول الله ((فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا))، أي بالإيمان بها، والمراد إيكال أمر دعاية النبوّة والإيمان بها والجهاد في سبيلها كالوكيل الذي يراعي أمور الموكل (( قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ)) فهم يقومون بواجب أمر النبوة خير قيام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 90 | ((أُوْلَئِكَ)) الأنبياء الذين سبق ذِكرهم ((الَّذِينَ هَدَى اللّهُ))، أي هداهم الله، والتكرار هنا تقدمة لقوله سبحانه ((فَبِهُدَاهُمُ)) يارسول الله ((اقْتَدِهْ)) في إسلوب الدعوة والصبر على الأذى والإهتمام بالأمر، وهذا كتسلية للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلماع إلى أنّ الأنبياء السابقين إبتلوا بما إبتلى به، بالإضافة إلى أنّ الإقتداء بهم في هدى الله سبحانه لا فيما من عند أنفسهم، حتى يُقال: كيف يؤمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإقتداء بمن هو دونه في الفضيلة، إنه قيام بالوظيفة لأمر الله سبحانه ولحسابه الخاص، فالأجر منه وحده ((قُل)) يارسول الله لمن تبلغهم ((لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا))، أي لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة وأداء الوحي ثمناً وأجرة ((إِنْ هُوَ))، أي ما تبليغ الوحي ((إِلاَّ ذِكْرَى))، أي تذكيراً ((لِلْعَالَمِينَ)) الذين هم في زماني وبعد زماني، وكونه تذكيراً باعتبار ما أودع في الإنسان من الفطرة الدالة على توحيده سبحانه، وهنا سؤال: أنه كيف يمكن الجمع بين هذه الآية وبين قوله (ما أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القُربى)؟، والجواب: إنّ إطلاق الأجر على المودّة مجاز، وقد كان ردّ الناس لهم لصالح الناس حيث أنهم الهداة المصلحون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 91 | وحيث ذَكَرَ سبحانه أنه أعطى الأنبياء الكتاب، ردّ على مَن زَعَمَ أنه سبحانه لم يُنزل كتاباً، فقد ورد أنّ حبراً من أحبار اليهود جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له النبي: "أُنشدك بالذي أنزل التوراة أنّ لله سبحانه يبغض الحبر السمين -وكان اليهودي سميناً-"، فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك ولا موسى؟ ف،زل الله هذه الآية ((وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ))، أي ما عظّموه سبحانه حقّ تعظيمه الذي يليق به ((إِذْ)) نسبوا إليه الكذب فـ ((قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ))، أي لم ينزل على رسول كتاباً من السماء، كما قال ذلك اليهودي، إنّ معنى عدم إرسال الرُسُل وإنزال الكتب أنّ الله خَلَقَ الخلق عبثاً واعتباطاً، ومن المعلوم أنّ نسبة العبث إلى شخص عادي موجبة لإهانته وعدم تقديره، فكيف بالله الحكيم والعليم؟ ((قُلْ)) يارسول الله لإبطال كلامهم فـ ((مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى)) (عليه السلام)، أليست التوراة من إنزال الله تعالى؟، وإنما ذَكَرَها لكون طرف الكلام يهودياً ((نُورًا وَهُدًى))، أي في حال كون كتابه (عليه السلام) نور يهدي الناس إلى مناهج الحياة الصحيحة، وهداية ((لِّلنَّاسِ)) إلى الحق ((تَجْعَلُونَهُ))، أي تجعلون ذلك الكتاب ((قَرَاطِيسَ))، أي تكتبونه، وهذا لزيادة التأكيد، أي: فكيف تنكرون ما تلقّيتموه أنتم بالقبول وكُنتم تكتبونه في القرطاس، باعتبار أنه كتاب سماوي مُنزَل من عند الله سبحانه ((تُبْدُونَهَا))، أي تُظهرون بعضها حيث كانوا يكتبون بعض الأحكام الموجودة في التوراة في أوراق ويعطونها بيد الناس ((وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)) من التوراة لأجل كونها خطراً على مادياتهم أو جاههم، أو فيه الدلالة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَعُلِّمْتُم)) أيها اليهود ببركة التوراة المنزلة على موسى ((مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ)) فإنكم لولا كتاب الله المنزَل لم تكونوا تعلمون أشياء، فكيف تنكرون إنزال الله الكتاب، وتقولون (ما أنزلَ الله على بشرٍ من شيء)؟ ((قُلِ)) يارسول الله ((اللّهُ)) نزّل الكتاب على موسى ((ثُمَّ ذَرْهُمْ))، أي دعهم ((فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)) فهم وما خاضوا فيه من الباطل والكذب أنهم يلعبون بالدين فذرهم وما هم فيه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:42 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 92
| ((وَ)) كما أنزلنا الكتاب على موسى كذلك ((هَذَا)) القرآن ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ)) إليك يارسول الله ((مُبَارَكٌ)) يوجب البركة والسعادة ((مُّصَدِّقُ)) الكتاب ((الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ))، أي قبله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية، ومن المعلوم أنّ تصديق أصل الكتاب لا يلازم تصديق التحريفات التي طرأت عليه ((وَلِتُنذِرَ)) يارسول الله ((أُمَّ الْقُرَى))، أي مكة، وإنما سمّيت بها لأنّ الأرض دُحيت من تحتها ((وَمَنْ حَوْلَهَا)) من سائر أهل الأرض ((وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) من أهل الكتاب وغيرهم ((يُؤْمِنُونَ بِهِ))، أي بالقرآن المنزَل عليك، فإنّ الإيمان بالآخرة يوجب خوفاً في القلب، ينبعث منه إتّباع الحق أينما وُجد، وفيه تعريض بمن لا يؤمن من أهل الكتاب، فإنه غير مؤمن بالآخرة ((وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) فيؤدّونها لأوقاتها، فمن يترك الصلاة ليس بمؤمن بالآخرة والقرآن وإن ادّعى الإيمان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 93 | وحيث كان الكلام حول الوحي، ومن قال بعدم الوحي إطلاقاً، ناسَبَ ذلك التنديد بمن قال بالوحي كذباً ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) نزلت في إبن أبي سرح الذي إستعمله عثمان على مصر وقد هَدَرَ رسول الله دمه وكان حسن الخط من كتّاب الوحي فإذا قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "أُكتُب أنّ الله عزيز حكيم" كَتَبَ: إنّ الله عليم حكيم، وهكذا، وكان يقول للمنافقين: إني أقول من نفسي مثل ما يجيء به، ثم ارتدّ كافراً إلى مكة وصار من الطلقاء يوم فتح مكة، ثم لا يخفى أنّ قوله (ومَن أظلم) على سبيل الحصر الإضافي كقوله (ومَن أظلم ممن مَنَعَ مساجد الله)، وغيره ((أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ)) كمسيلمة الكذابة الذي إدّعى النبوة كذباً، وكغيره ممن ادّعى هذا المنصب بالإفتراء نحو ((وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ)) من الآيات أو الأحكام، في المجمع قيل المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسو الله ذات يوم: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" إلى قوله (فنبارك الله أحسن الخالقين) فأملاه عليه وقال هكذا أُنزل فارتدّ عدو الله وقال: لئن كان محمد صادقاً فلقد أوحيَ إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً فلقد قلتُ كما قال ((وَلَوْ تَرَى)) يارسول الله ((إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ))، أي في شدائد الموت عند النزع، كأنّ الموت بشدائده يغمرهم مرة فمرة، كما يغمر الماء الغريق ((وَالْمَلآئِكَةُ)) القابضة لأرواحهم ((بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ)) لقبض أرواحهم بأبشع الوسائل يضربون وجوههم وأدبارهم قائلين لهم ((أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ)) من أجسادكم، وهذا للإذلال والإهانة، وإلا فليس خروج أنسفهم بإمكانهم بل بقدرة الله تعالى ((الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ)) أيها الظالمون ((عَذَابَ الْهُونِ)) فإنه ليس عذاباً جسدياً فقط بل معه ذلّة وهوان ((بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ))، أي جزائكم بعذاب الهون بسبب مقالكم المكذوب على الله حيث كنتم تقولون: أوحيَ إليكم، ولم يوحَ إليكم، ومعنى (على الله) أي بالنسبة إليه سبحانه ((وَ)) بما ((كُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ)) ودلائله ((تَسْتَكْبِرُونَ)) فلا تخضعون لأحكامه وأنبيائه، وجواب (لو) محذوف للتهويل، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً مريعاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 94 | وهنا يوجّه الباري سبحانه كلامه إليهم ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا)) أيها الظالمون ((فُرَادَى))، أي في حال كونكم وحداناً لا مال لكم ولا مُدافِع بل واحداً واحداً ((كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) حين جئتم إلى الدنيا ((وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ))، أي ما أعطيناكم من المال والاقرباء والخدم ((وَرَاء ظُهُورِكُمْ)) في دار الدنيا، فإنّ الإنسان باعتبار إقباله إلى الآخرة تكون الدنيا وراء ظهره ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ)) الذين إتّخذتموهم لأنفسكم شفعاء يشفعون لكم يوم القيامة ((الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء))، أي الأصنام التي كان المشركون يزعمون أنها شركاء الله سبحانه في الخلق والرزق وقضاء الحوائج، وقد كان المشركون يقولون: إنّ هذه الأصنام تشفع لنا يوم القيامة، ورد أنّ سبب نزول هذه الآية أن ّ النضر قال: سوف يشفع لي الّلات والعزّى ((لَقَد تَّقَطَّعَ)) أيها الظالمون ((بَيْنَكُمْ)) وبين الأصنام فلا مواصلة تنفع للشفاعة ((وَضَلَّ عَنكُم))، أي ضاع وتلاشى ((مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) من الآلهة المزعومة فلا تجلب نفعاً ولا تدفع خيراً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 95 | إنّ أصنامكم لا تشترك مع الله في الخلق ولا في أيّ شيء من الشؤون بل ((إِنَّ اللّهَ)) وحده ((فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى))، أي يشقّ الحبة اليابسة الميتة ويُخرج منها النبات ويشقّ النوات للتمر فيُخرج منها النخل ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)) فالنبات حيّ يُخرجه من الحبّة التي لا حياة فيها، والفرخ حيّ يُخرجه من البيض الميت، والولد الحي يُخرجه من الأم الميتة، والبعوض وأشباهه يُخرجه من الماء الميت، وهكذا ((وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)) كالحبّة من النبات، والبيض من الدجاج، والجنين الميت من الأم الحية، والفضلات الميتة من الحي، وكأنّ التغيّر في العبارة (يُخرج) و(مُخرج) للتفنّن في العبارة الذي هو نوع من أنواع البلاغة ((ذَلِكُمُ اللّهُ))، أي ذلك الذي يضع كل ذلك -أيها البشر- هو الله وحده ((فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ))، أي تصرفون عن الحق إلى الباطل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 96 | ((فَالِقُ الإِصْبَاحِ))، أي يشقّ عمود الصبح عن ظُلمة الليل ويُخرج الضياء من الظُلمة ((وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)) تسكنون فيه وتهدئون عن العمل إذا أظلم ((وَ)) جعل ((الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)) تجريان في أفلاكهما بحساب دقيق، وحسبان مصدر، وكونهما حُسباناً أي مصدري حساب وتوقيت، نحو زيد عدل، مما حمل المصدر على الذات مبالغة، فمن الشمس تتولّد الأيام، ومن القمر تتولّد الشهور والأعوام ((ذَلِكَ)) المذكور من فلق الإصباح وجعل الليل سَكَناَ والشمس والقمر حُسباناً ((تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ)) في سلطانه ((الْعَلِيمِ)) بمصالح العباد، فأيّ شيء يرتبط بأصنامكم أيها الضالون.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:43 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 92
| ((وَ)) كما أنزلنا الكتاب على موسى كذلك ((هَذَا)) القرآن ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ)) إليك يارسول الله ((مُبَارَكٌ)) يوجب البركة والسعادة ((مُّصَدِّقُ)) الكتاب ((الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ))، أي قبله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية، ومن المعلوم أنّ تصديق أصل الكتاب لا يلازم تصديق التحريفات التي طرأت عليه ((وَلِتُنذِرَ)) يارسول الله ((أُمَّ الْقُرَى))، أي مكة، وإنما سمّيت بها لأنّ الأرض دُحيت من تحتها ((وَمَنْ حَوْلَهَا)) من سائر أهل الأرض ((وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) من أهل الكتاب وغيرهم ((يُؤْمِنُونَ بِهِ))، أي بالقرآن المنزَل عليك، فإنّ الإيمان بالآخرة يوجب خوفاً في القلب، ينبعث منه إتّباع الحق أينما وُجد، وفيه تعريض بمن لا يؤمن من أهل الكتاب، فإنه غير مؤمن بالآخرة ((وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) فيؤدّونها لأوقاتها، فمن يترك الصلاة ليس بمؤمن بالآخرة والقرآن وإن ادّعى الإيمان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 93 | وحيث كان الكلام حول الوحي، ومن قال بعدم الوحي إطلاقاً، ناسَبَ ذلك التنديد بمن قال بالوحي كذباً ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) نزلت في إبن أبي سرح الذي إستعمله عثمان على مصر وقد هَدَرَ رسول الله دمه وكان حسن الخط من كتّاب الوحي فإذا قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "أُكتُب أنّ الله عزيز حكيم" كَتَبَ: إنّ الله عليم حكيم، وهكذا، وكان يقول للمنافقين: إني أقول من نفسي مثل ما يجيء به، ثم ارتدّ كافراً إلى مكة وصار من الطلقاء يوم فتح مكة، ثم لا يخفى أنّ قوله (ومَن أظلم) على سبيل الحصر الإضافي كقوله (ومَن أظلم ممن مَنَعَ مساجد الله)، وغيره ((أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ)) كمسيلمة الكذابة الذي إدّعى النبوة كذباً، وكغيره ممن ادّعى هذا المنصب بالإفتراء نحو ((وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ)) من الآيات أو الأحكام، في المجمع قيل المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسو الله ذات يوم: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" إلى قوله (فنبارك الله أحسن الخالقين) فأملاه عليه وقال هكذا أُنزل فارتدّ عدو الله وقال: لئن كان محمد صادقاً فلقد أوحيَ إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً فلقد قلتُ كما قال ((وَلَوْ تَرَى)) يارسول الله ((إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ))، أي في شدائد الموت عند النزع، كأنّ الموت بشدائده يغمرهم مرة فمرة، كما يغمر الماء الغريق ((وَالْمَلآئِكَةُ)) القابضة لأرواحهم ((بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ)) لقبض أرواحهم بأبشع الوسائل يضربون وجوههم وأدبارهم قائلين لهم ((أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ)) من أجسادكم، وهذا للإذلال والإهانة، وإلا فليس خروج أنسفهم بإمكانهم بل بقدرة الله تعالى ((الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ)) أيها الظالمون ((عَذَابَ الْهُونِ)) فإنه ليس عذاباً جسدياً فقط بل معه ذلّة وهوان ((بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ))، أي جزائكم بعذاب الهون بسبب مقالكم المكذوب على الله حيث كنتم تقولون: أوحيَ إليكم، ولم يوحَ إليكم، ومعنى (على الله) أي بالنسبة إليه سبحانه ((وَ)) بما ((كُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ)) ودلائله ((تَسْتَكْبِرُونَ)) فلا تخضعون لأحكامه وأنبيائه، وجواب (لو) محذوف للتهويل، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً مريعاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 94 | وهنا يوجّه الباري سبحانه كلامه إليهم ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا)) أيها الظالمون ((فُرَادَى))، أي في حال كونكم وحداناً لا مال لكم ولا مُدافِع بل واحداً واحداً ((كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) حين جئتم إلى الدنيا ((وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ))، أي ما أعطيناكم من المال والاقرباء والخدم ((وَرَاء ظُهُورِكُمْ)) في دار الدنيا، فإنّ الإنسان باعتبار إقباله إلى الآخرة تكون الدنيا وراء ظهره ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ)) الذين إتّخذتموهم لأنفسكم شفعاء يشفعون لكم يوم القيامة ((الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء))، أي الأصنام التي كان المشركون يزعمون أنها شركاء الله سبحانه في الخلق والرزق وقضاء الحوائج، وقد كان المشركون يقولون: إنّ هذه الأصنام تشفع لنا يوم القيامة، ورد أنّ سبب نزول هذه الآية أن ّ النضر قال: سوف يشفع لي الّلات والعزّى ((لَقَد تَّقَطَّعَ)) أيها الظالمون ((بَيْنَكُمْ)) وبين الأصنام فلا مواصلة تنفع للشفاعة ((وَضَلَّ عَنكُم))، أي ضاع وتلاشى ((مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) من الآلهة المزعومة فلا تجلب نفعاً ولا تدفع خيراً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 95 | إنّ أصنامكم لا تشترك مع الله في الخلق ولا في أيّ شيء من الشؤون بل ((إِنَّ اللّهَ)) وحده ((فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى))، أي يشقّ الحبة اليابسة الميتة ويُخرج منها النبات ويشقّ النوات للتمر فيُخرج منها النخل ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)) فالنبات حيّ يُخرجه من الحبّة التي لا حياة فيها، والفرخ حيّ يُخرجه من البيض الميت، والولد الحي يُخرجه من الأم الميتة، والبعوض وأشباهه يُخرجه من الماء الميت، وهكذا ((وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)) كالحبّة من النبات، والبيض من الدجاج، والجنين الميت من الأم الحية، والفضلات الميتة من الحي، وكأنّ التغيّر في العبارة (يُخرج) و(مُخرج) للتفنّن في العبارة الذي هو نوع من أنواع البلاغة ((ذَلِكُمُ اللّهُ))، أي ذلك الذي يضع كل ذلك -أيها البشر- هو الله وحده ((فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ))، أي تصرفون عن الحق إلى الباطل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 96 | ((فَالِقُ الإِصْبَاحِ))، أي يشقّ عمود الصبح عن ظُلمة الليل ويُخرج الضياء من الظُلمة ((وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)) تسكنون فيه وتهدئون عن العمل إذا أظلم ((وَ)) جعل ((الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)) تجريان في أفلاكهما بحساب دقيق، وحسبان مصدر، وكونهما حُسباناً أي مصدري حساب وتوقيت، نحو زيد عدل، مما حمل المصدر على الذات مبالغة، فمن الشمس تتولّد الأيام، ومن القمر تتولّد الشهور والأعوام ((ذَلِكَ)) المذكور من فلق الإصباح وجعل الليل سَكَناَ والشمس والقمر حُسباناً ((تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ)) في سلطانه ((الْعَلِيمِ)) بمصالح العباد، فأيّ شيء يرتبط بأصنامكم أيها الضالون.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:43 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 97
| ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ)) أيها البشر ((النُّجُومَ)) في السماء ((لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)) فإنّ الإنسان يعرف طريقه من النجم في الليالي فمن قَصَدَ مدينة نحو المشرق جعل النجم المشرقي أمامه، ومن قَصَدَ مدينة نحو المغرب جعله خلفه، وهكذا ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ)) الدالة على الخالق وصفاته ((لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))، أي لهم علم ومعرفة بالأوضاع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 98 | ((وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم))، أي خلقكم وأبدعكم ((مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)) هي آدم (عليه السلام) ومن فضل طينته خُلقت حواء (عليها السلام)، إنه سبحانه القادر لمثل هذا الأمر العظيم ((فَـ)) لكم ((مُسْتَقَرٌّ)) في بطون الأمّهات ((وَمُسْتَوْدَعٌ)) في أصلاب الآباء، وإنما سمّي ذلك مستودعاً لأنّ المني يبقى قليلاً في الصُلب حتى ينزل فهو أشبه بالوديعة ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ))، أي الأدلة والحجج ((لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ))، أي يفهمون الأدلة كي يعلمون أنّ الله سبحانه هو الذي صنع كل ذلك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 99 | ((وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء)) هو المطر، والمراد بالسماء جهة العلو، فإنّ كلّ ما عَلاك فأظلّك فهو السماء -في لغة العرب- ((فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ))، أي أخرجنا بسبب الماء نبات كلّ شيء قابل للإنبات من مختلف أقسام النباتات ((فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ))، أي من الماء، والتكرار لأنه أجمل أولاً، ثم أُريدَ التفصيل، أو الضمير عائد إلى النبات فإنّ النبت أولاً ليس أخضر وإنما أبيض صغير ثم يصير أخضر ((خَضِرًا)) هو بمعنى أخضر، أي نُخرج من ذلك زرعاً رُطَباً أخضر ((نُّخْرِجُ مِنْهُ))، أي من ذلك الزرع الأخضر ((حَبًّا مُّتَرَاكِبًا)) قد تركّب بعضه على بعض كحبّ الحنطة والشعير ((وَ)) يُخرج ((مِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا)) بدل (من النخل) ((قِنْوَانٌ))، أي أعذاق الرُطَب، فإنّ قنوان جمع قنو -بكسر القاف وضمها- وهو العِذق -بالكسر- ((دَانِيَةٌ))، أي قريبة التناول ((وَ)) أخرجنا منه ((جَنَّاتٍ))، أي بساتين ((مِّنْ أَعْنَابٍ)) جمع عنب ((وَ)) أخرجنا منه ((الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ))، أي شجرتيهما ((مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)) فبعض الأشجار والأثمار والأوراق والأزهار والحبّات متشابهة وبعضها غير متشابهة في اللون والطعم والحجم والخاصّيّة وغيرها، والإختلاف بين لفظي (مشتبه ومتشابه) من أحسن أنواع البلاغة لتطابق اللفظ والخارج ((انظُرُواْ)) أيها الناس ((إِلِى ثَمَرِهِ))، أي ثمر كل واحد من المذكورات ((إِذَا أَثْمَرَ)) فإنّ في ذلك دلالة عجيبة على الصانع تعالى ((وَ)) أنظروا إلى ((يَنْعِهِ))، أي نُضجه إذا نضج، فإنّ من نَظَرَ تأمّل واعتبار، عرف عظيم وجليل الخلقة ودقيق الحكمة، و(ينع) في اللغة بمعنى النضج وقيل جمع يانعكصحب وصاحب ((إِنَّ فِي ذَلِكُمْ))، أي فيما تقدّم من الخلقة ((لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) بالحقائق ويتجنّبون السخافة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 100 | إنّ الله هو خالق كل شيء وهو الإله الوحيد الذي لا شريك له ((وَ)) لكن الكفار ((جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ)) فقالوا بأنّ لله شركاء في الإلوهيّة هم من الجن ((وَ)) الحال أنه سبحانه هو الذي ((خَلَقَهُمْ))، أي خَلَقَ الجن، فكيف يكون المخلوق شريكاً مع الخالق في الإلوهيّة ((وَخَرَقُواْ))، أي جعلوا، ولا يخفى ما في التعبير بلفظ (خَرَقوا) من اللطافة ((لَهُ)) تعالى ((بَنِينَ وَبَنَاتٍ)) فقد قال اليهود عزير إبن الله، وقالوا: نحن أبناء الله، وقالت النصارى: المسيح إبن الله، وجعل المشركين الملائكة بنات الله كما قال سبحانه (وجَعَلوا الملائكة الذين هم عِباد الرحمن إناثاً) ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فإنّ ذلك منهم كان ظنّاً ووهماً ((سُبْحَانَهُ)) منصوب بفعل محذوف، أي أنزّهه تنزيهاً له ((وَتَعَالَى))، أي تقدّس وترفّع ((عَمَّا يَصِفُونَ))، أي الأوصاف التي يلصقونها بساحة قدسه، من جعل الشريك والأولاد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 101 | إنه وحده هو ((بَدِيعُ))، أي مبدع ((السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) وخالقهما بلا شريك أو ظهير، وهذا ردّ على مَن جَعَلَ له شريكاً ((أَنَّى))، أي كيف ((يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ)) الحال أنه تعالى ((لَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ))، أي زوجة، وهذا رد لمن جَعَلَ له أولاداً ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ)) فهو الخالق المطلق ((وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) فهو العالم المطلق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 102 | ((ذَلِكُمُ))، أي ذلك المذكور له الصفات المتقدّمة هو ((اللّهُ)) تعالى و(كُم) للخطاب إلى السامعين ((رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) فلا شريك له ((خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) فلا شيء خارج من خلقه حتى يكون له شريكاً ((فَاعْبُدُوهُ)) وحده ((وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ))، أي حفيظ ومدبّر وقائم فلا حافظ غيره ولا قائم بالأمر أحد سواه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 103 | ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) فإنه سبحانه ليس بجسم حتى يكون مرئياً، وهذا لا فرق فيه بين الدنيا والآخرة، فهو لا يُبصر في الدنيا ولا يُبصر في الآخرة ((وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ)) روعي في الكلام التجانس اللفظي وإلا فهو يدرك كل شيء الأبصار وغيرها ((وَهُوَ اللَّطِيفُ)) لا يُراد به اللُطف بالمعنى في الأجسام، المراد به النافذ في الأجسام والرقيق وما أشبه، بل من باب: خُذ الغايات واترك المبادئ، فعلمه نافذ في الأشياء وقدرته سارية في الأكوان ((الْخَبِيرُ)) العالم بكل شيء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 104 | ((قَدْ جَاءكُم)) أيها البشر ((بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ)) بصائر، جمع بصيرة وهي الدلالة البيّنة التي يبصر بها الشيء، أي جائتكم دلالات من قِبَل الله سبحانه على الأصول والأحكام ((فَمَنْ أَبْصَرَ))، أي من تبيّن هذه الدلالات ونَظَرَ فيها نظر معتبر بصير ((فَلِنَفْسِهِ)) فإنه يعود خير ذلك إلى ذاته وشخصه ((وَمَنْ عَمِيَ)) عنها فلم ينظر فيها وأعرض عنها ((فَعَلَيْهَا))، أي إنّ وبال الإعراض يعود على ضرره ((وَمَا أَنَاْ)) المراد بالضمير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((عَلَيْكُم)) أيها الناس ((بِحَفِيظٍ)) أحفظكم عن الخطأ والإنحراف، وإنما أنا مبلّغ مرشد مَن آمن فلنفسه ومَن ضلّ فعلى نفسه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:44 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 105
| ((وَكَذَلِكَ))، أي مثل تصريفنا الآيات من ذي قبل ((نُصَرِّفُ)) هذه ((الآيَاتِ)) نرسلها ونبيّنها ((وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ))، أي يقول الكفار دَرَستَ هذه الآيات وتعلّمتَها من غيرك، كما كان ينسبون القرآن إلى تعلّمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الراهب في طريق الشام، أو من سلمان، أو من بعض اليهود ((وَلِنُبَيِّنَهُ))، أي نوضّح ما تقدّم من الآيات ((لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))، أي للعلماء الذين يعلمون الآيات، فإنّ هؤلاء هم المنتفعون بالآيات ولذا خصّهم بالذِكر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 106 | ((اتَّبِعْ)) يارسول الله ((مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)) وهو ((لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) وذَر الأصنام والأوثان، فإنّ صاحب الدعوة لا يبالي بما قاله المغرضون، ولا يضرّه إنحراف المنحرفين ((وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)) فلا تتعرّض لهم، وليس المراد عدم دعائهم إلى الإسلام، أو عدم القتال معهم، بل معناه: أعرِض عن أقوالهم وطريقتهم، وهذا كما يُقال: أعرِض عن فلان، يُراد عدم الإهتمام بقوله والإعتناء بشأنه وإنه لابد من سلوك الطريق المستقيم أبى أم كره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 107 | ((وَلَوْ شَاء اللّهُ)) أن يكرههم على عدم الشرك ((مَا أَشْرَكُواْ)) ولكن الدنيا دنيا إختبار وامتحان، فإنما يريهم الله سبحانه الطريق فمن شاء آمن ومَن شاء أشرك ((وَمَا جَعَلْنَاكَ)) يارسول الله ((عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)) تحفظهم عن الشرك حتى يكون إثم الشرك عليك ((وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ))، أي لستَ بموكل عليهم في ذلك، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولعلّ الفرق بين الحفيظ والوكيل أنّ الحفيظ هو الذي يحفظ الشيء من الضرر، والوكيل هو الذي يُناط به أمره فيجب عليه دفع الضرر عنه وجلب النفع إليه، فهو أعم من الحفيظ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 108 | ((وَلاَ تَسُبُّواْ)) أيها المسلمون الآلهة ((الَّذِينَ يَدْعُونَـ))ـها الكفار ((مِن دُونِ اللّهِ))، أي سوى الله ((فَيَسُبُّواْ اللّهَ)) مقابلة بالمِثِل ((عَدْوًا))، أي ظلماً بمعنى التعدّي عن الحق ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فإنهم جاهلون بالله وإلا لما كانوا يسبّونه ويتّخذون آلهة سواه ((كَذَلِكَ)) الإعتقاد بالآلهة الباطلة ((زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ)) فإنّ كل إنسان يرى عمله حَسَناً -وإن كان لو تفكّر وقارَنَ رأى الصحيح من عمله وأباطيله-، ونسبة التزيين إلى الله سبحانه لأنه هو الذي يخلق الخلق وسبّب الأسباب وذلك للإمتحان، وليتبيّن مَن يخالق نفسه ومَن يتّبع هواها ((ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ)) فإنّ الجميع يرجعون إلى حساب الله سبحانه وثوابه وعقابه ((فَيُنَبِّئُهُم))، أي يُخبرهم ((بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) من الأعمال الحَسَنة والقبيحة، ومعنى ذلك أنه يجازيهم بأعمالهم كما تقول لإبنك العاصي: أُخبر: بما عمِلتَ؟، تريد التهديد والوعيد.وهنا سؤال: أنه كيف نهى الله عن سبّ الأصنام، وفي القرآن كثير قد فيهم؟، والجواب: إنّ الفرق بين سبّ الحكيم وسبّ الجاهل، وأنّ الأول يعرف موقع السب بخلاف الثاني، كما لو نهى القاضي عن ضرب الناس ورأينا أنه ضرب بنفسه حدّ أو قصاص فإنّ الأمرين لا يتنافيان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 109 | ((وَأَقْسَمُواْ))، أي حَلَفَ الكفار ((بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ))، أي إيمانهم المغلظة ((لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ))، أي معجزة خارقة حسب ما طلبوا من مقترحاتهم (( لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا))، أي بتلك الآية ((قُلْ)) يارسول الله لهم ((إِنَّمَا الآيَاتُ)) الخارقة ((عِندَ اللّهِ)) ومن لدنه وليس لديّ منها شيء، فإن عَرَفَ الصلاح في الإتيان بها أظهرها وإن عَرَفَ الصلاح في عدم الإتيان لم يأتِ بها ((وَمَا يُشْعِرُكُمْ)) أيها المؤمنون ((أَنَّهَا))، أي الآيات ((إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) كما جائت الآيات من قبل فلم يؤمنوا، والسر أنّ المعانِد لا تفيده الآية، والطالب للحق تكفيه ما تقدّم من الآيات فإنزال الآيات المقترحة لا فائدة فيها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 110 | ((وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ)) جمع فؤاد وهو القلب ((وَأَبْصَارَهُمْ)) جمع بصر وهو العين ((كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ))، أي بالقرآن ((أَوَّلَ مَرَّةٍ)) فإنهم جوزوا بإنكارهم أول مرة الذي إستلزم عنادهم وتماديهم في غيّهم بأن أزعجت نفوسهم فجَعَلَت قلوبهم تخفق وأبصارهم تتحرّك زائغة كما هو شأن كل مُبطِل أما الحق أنه لا يدري ما يصنع وعينه تلتفت هنا وهناك مستوحية عن الأرض والسماء طريق المهرب والخلاص عن الأزمة التي وقع فيها ((وَنَذَرُهُمْ))، أي ندعهم ((فِي طُغْيَانِهِمْ)) الذين طغوا وتعدّوا الحق ((يَعْمَهُونَ)) يتردّدون في الحيرة، وقد روي أنهم لما طلبوا الآيات أراد النبي أن يسأل ربه تلك فجاء جبرئيل وقال: "إن شئتَ أصبح الصفا ذهباً ولكن إن لم يصدّقوا عُذّبوا وإن شئتَ تركتهم حتى يتوب تائبهم"، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "بل يتوب تائبهم" فأنزل الله تعالى هذه الآية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 111 | ثم بيّن سبحانه أنّ هؤلاء معاندون لا يريدون بالآيات إلا الإقتراح ولو أُنزلت إليهم لم يكونوا يؤمنون ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ)) حتى يرونهم مشاهدة ويشهدون لك بالرسالة ((وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى))، أي أحيينا الأموات حتى تكلّمهم ((وَحَشَرْنَا))، أي جمعنا ((عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً))، اي مقابلاً ومعاينة بأن جئنا لهم بما طلبوا من الآيات، أو المراد جمعنا حواليهم الأياء الكونية بأن تأتيهم الشجر والحجر والماء والحيوان، وكان ذلك لبيان حشر صورة مدهشة مرعبة ((مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ)) لعنادهم وإصرارهم ((إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ)) أن يجبرهم على الإيمان، ولكنّ الله لا يشاء ذلك لأنه خلاف الحكمة ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)) أنهم لو أُتوا بكل آية لم يؤمنوا، بل يزعمون أنهم يؤمنون أنّ رؤوا الآيات لجهلهم بعنادهم الكامن في نفوسهم الذي لا ينفع معه كل آية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 112 | ((وَكَذَلِكَ))، أي كما جعلنا لك يارسول الله أعداء معاندين ((جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا)) ومعنى الجعل التخلية بينهم وبين إختيار العداوة، وذلك إختبار لهم وترفيعاً لدرجات الأنبياء، وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الأمور الإختيارية للناس تُنسب إلى الله سبحانه باعتبار جعله الأسباب والتخلية بين الناس وبينها، كما تنسب إلى فاعليها لأنهم السبب المريد لها ((شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ)) نصب شياطين لأنه بدل (عدوّاً) المراد به الجنس لا الواحد، والمراد بشياطين الإنس أما الشياطين الموكّلة بالإنسان التي تغويه وتأمره بالقبائح، وأما مِن قبيل خاتم فضة، أي المَرَدة من أفراد الإنسان، فإنّ الشيطان بمعنى المارد من شَطَنَ، قال الشاعر: أيا شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال
وهكذا يُقال بالنسبة إلى شياطين الجن ((يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ))، أي يوسوس خُفية ((زُخْرُفَ الْقَوْلِ))، أي القول المزخرف الذي يستحسن ظاهره ولا حقيقة له ولا أصل ((غُرُورًا))، أي لأجل الغرور والإضلال ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ))، أي لو أراد جَبَرَهم على عدم هذه الأعمال العدوانية ضد الأنبياء لتمكّن من ذلك، لكنه لا يشاء لأنه خلاف الحكمة ((فَذَرْهُمْ))، أي دعهم ((وَمَا يَفْتَرُونَ))، أي إفترائهم، فأعرِض عنهم ولا تتعرّض له، بل خُذ طريقك وبلّغ رسالات ربك.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:45 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 113
| إنّ الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول لأجل الغرور ((وَلِتَصْغَى))، أي لأجل أن تميل ((إِلَيْهِ))، أي إلى هذا الوحي بزخرف القول ((أَفْئِدَةُ))، أي قلوب ((الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) فإنهم يوسوسون يُغروا الناس وليجلبوا أفئدة الكفار إلى مكائدهم ((وَلِيَرْضَوْهُ))، أي يرضى من لا يؤمن بالآخرة، الوحي والوسوسة، بمعنى إرضاء الكفار عن منهجهم فلا يميلوا إلى الحق ((وَلِيَقْتَرِفُواْ))، أي يرتكبوا من الكفر والمعاصي ((مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ))، أي الشيء الذي يرتكبون، وجملة المعنى أنّ وسوسة الشياطين لأجل أن يُغروا الناس ويستميلوا قلوبهم ويرضون عن طريقتهم ويرتكبون الآثام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 114 | إنّ هناك شخصين متعاديين: الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذي لا يؤمن بالآخرة، فمن الحَكَم بينهما؟، وهنا يأتي الجواب أنّ الحَكَم هو الله وحده، قُل يارسول الله لهؤلاء ((أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا))، أي أطلب سوى الله حاكماً ((وَهُوَ)) أعلم الحكّام فقد ((الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)) فيه ما يحتاج إليه الإنسان يفصّل بين الحق والباطل، ومعنى التفصيل تبيين المعاني بما يوجب رفع الإشتباه، ومن المعلوم أنّ القادر على تنزيل مثل هذا الكتاب هو الذي يتّخذ حَكَماً ((وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى ((يَعْلَمُونَ أَنَّهُ))، أي الكتاب وهو القرآن ((مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ)) وليس كلام الآدميّين، وتخصيص أهل الكتاب بذلك لأنّ علمهم يقتضي أن يعرفوا ذلك، فإنه إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه ((فَلاَ تَكُونَنَّ)) يارسول الله ((مِنَ الْمُمْتَرِينَ))، أي الشاكّين، ومن المعلوم أنّ النبي لا يشكّ وأنما المراد به السامع، وإن كان توجيه الخطاب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 115 | ((وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ)) بالقرآن الكريم، فما أراده الله سبحانه من البشر تمّت بإنزال هذا الكتاب فليس ورائه كتاب آخر، وكلمة أخرى ((صِدْقًا وَعَدْلاً)) فما فيه من الأخبار صدق لا يشوبه كذب، وعدل لا يشوبه إنحراف وزَيغ، فكل خبر يخالف إخباره -عن المبدء.. عن المعاد.. عن الرسالة.. عن العدل.. عن الخلافة.. عن غيرها- فهو كذب، وكل حَكَم يخالف حُكمه فهو زَيغ وباطل ((لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ)) فإنّ كلمات الله سبحانه هي الميزان لكل شيء فلا أحد يبدّل كلماته تعالى بالزيادة والنقصان تبديلاً صحيحاً، ومَن بدّل فهو المنحرف الضال ((وَهُوَ السَّمِيعُ)) لأقوال الناس ((الْعَلِيمُ)) بكل ما يفعلون فيجازيهم حسب أعمالهم وأقوالهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 116 | إنّ الميزان هو كلمات الله سبحانه التي نزلت عليك يارسول الله، فليس هناك حق في ما عدا ذلك ((وَ)) لذا ((إِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) لأنّ غالب الناس كفار أو ضلّال فاتّباعهم موجب للكفر والضلال، نعم هناك قلة لم يخلفهم زمان، هم الآخذين بأحكام الله تعالى، فإطاعتهم هي إطاعة الله ولا يوجب إتّباعهم ضلالاً وزيغاً ((إِن يَتَّبِعُونَ))، أي ما يتّبع هؤلاء الكثرة من الناس ((إِلاَّ الظَّنَّ)) فليس لهم حجّة وبرهان في كفرهم وضلالهم وإنما يرجّحون ظنّاً ما يعتقدونه أو يعملون به ((وَإِنْ هُمْ))، أي ما هم ((إِلاَّ يَخْرُصُون)) الخرص هو التخمين، أي يقولون تخميناً لا إعتقاداً وبتّاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 117 | ((إِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ))، أي أعلم من سائر الناس بمن يسلك سبيل الضلال، فما يقوله بقوله (إن يتّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) صادر عن علم ومعرفة، فإذا قال قائل: إنّ الكفار يعتقدون إتقاداً جازماً بما أشركوا، ويقولون ما يقولن عن بتّ ودقّة، فذلك غير عارف بأحوالهم، وربك أعلم منه بهم ((وَهُوَ)) سبحانه ((أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) الذين يسلكون سبيل الهدى والرشاد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 118 | إذاً فالحكم كله لله صغيراً كان أو كبيراً، وقد كان الضالّون يجادلون المسلمين في شؤون كثيرة ومنها أمر الذبائح، فقد كانوا يأكلون الميتة ويتركون المذبوح، وكانوا يحتجّون على المسلمين قائلين: أتأكلون أنتم ما قتلتم ولا تأكلون ما قَتَلَ ربكم؟ يريدون الإعتراض في عدم أكل المسلمين للميتة ((فَكُلُواْ)) أيها المسلمون ((مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)) عند الذبح واجتمع فيه سائر الشرائط، والأمر للإباحة لأنه في مقام توهّم الحضر ((إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ)) بأن آمنتم بالله ورسوله وصدّقتم بما جاء به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 119 | ((وَمَا لَكُمْ)) أيها المسلمون ((أَلاَّ تَأْكُلُواْ))، أي أيّ شيء لكم في أن لا تأكلوا ((مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ))، أي لِمَ لا تأكلونه -هل إنّ ذلك بزعم التحريم بسبب أنكم تقتلونه؟- ((وَقَدْ فَصَّلَ)) الله سبحانه ((لَكُم)) على لسان رسوله ((مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)) وليست الذبيحة منها ((إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)) فإنكم إذا إضطررتم إلى ما حرّم جازَ لكم أكله بقدر الضرورة ((وَإِنَّ كَثِيرًا)) من الناس ((لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم)) فإلى حيث مالَ هواهم ساقوا الناس إليه، ذلك سيبّب إضلال الناس ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) يهديهم إلى الحق، وإنّ تحريم المشركين للمذكّى من هذا القبيل، فإنه من الهوى لا من علم وصلاح ((إِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)) الذين يتجاوزون الحق ويعتدون الحق إلى الباطل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 120 | وفي عداد ذِكر الحرام والحلال ينهي سبحانه عن كل محرّم ((وَذَرُواْ)) أيها السملمون ((ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ))، أي ما ظَهَرَ من المعاصي وما بَطَن مما يؤتي به سراً، قيل إنّ الجاهلين لم يكن به بأس، وبهذه المناسبة نَزَلَ هذا التعميم ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ))، أي يعملون بالمعاصي ((سَيُجْزَوْنَ))، أي يُعاقَبون ((بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ))، أي يرتكبون، يُقال: إقترف الإثم، أي إرتكبه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:46 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 121
| ((وَلاَ تَأْكُلُواْ)) أيها المسلمون ((مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)) من الذبائح التي تُذبح بدون التسمية ((وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ))، أي إنّ كل ذلك فسق، وخروج عن طاعة الله تعالى ((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ))، أي يلقون خفية في قلوبهم ((إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ))، أي الذين إتّبعوهم من الكفار ((لِيُجَادِلُوكُمْ)) قائلين: كيف تأكلون أيها المسلمون مما تقتلونه أنتم ولا تأكلون مما قتله الله، وقتيل الله أولى بالأكل من قتيلكم ((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ)) في أكل الميتة ((إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) لأنّ إستحلال الميتة يوجب الكفر، أو المراد أنكم مثلهم، لا مثل المؤمنين، وهذا تعبير خطابي، ولعلّ هذا أقرب لأنّ الإستحلال يوجب الكفر لا الشرك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 122 | ثم ذَكَرَ سبحانه مثل الفريقين: المؤمنين والكفار ((أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا)) بالكفر ((فَأَحْيَيْنَاهُ)) بالإيمان، فإنّ الكفر شبه بالموت حيث أنّ الكافر لا يأتي منه العمل الصالح، والإيمان شبيه بالحياة لذلك ((وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا)) منهاجاً ينير به دروب الحياة ((يَمْشِي بِهِ))، أي بذلك النور ((فِي النَّاسِ)) فيعرف كيف يمشي وكيف يعاشر، لا كالأعمى الذي يصطدم بهذا وذاك ((كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ))، أي كالكافر الذي مَثَله الشخص الذي لا نور له بل يمشي في الظلمات فمن في الظلمة شُبّه بالكافر، لأنّ ظلمة الكفر أشدّ من ظلمة عدم النور، فإنّ الكافر لا يعرف سبيل الحياة السليمة ولذا فهو دائم المشاكل والإصطدامات ((لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)) إذ الخروج من الظلمة لا يكون إلا بانتهاج منهاج الإيمان، وإلا فمن ظلمة إلى ظلمة، وهذا سر ما شاهد من إزدياد مشاكل العالم يوماً بعد يوم، وكلما عدلوا القوانين وبدّلوا المناهج لم يزدهم إلا مشكلة وإعضالاً والإستفهام إنكاري، يُراد أنه ليسا بمتساويين بل الحي ذو النور أفضل من الميت في الظلمة ((كَذَلِكَ))، أي كما زيّن للمؤمن الإيمان كذلك ((زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) والذي زيّن لهم هو الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، أو هو الله سبحانه بالمعنى المتقدّم في قوله (كذلك زيّنا لكلّ أمة عملهم)، أي خلّينا بهم وبين ما يزيّن عملهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 123 | ((وَكَذَلِكَ))، أي كما تركنا الكفار في ظلمتهم يعمهون، أو كما زيّن لهم أعمالهم كذلك ((جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا)) فتركنا المجرمين على حالهم ((لِيَمْكُرُواْ فِيهَا))، أي في القرية، واللام للعاقبة، أي إنّ عاقبة تركنا إياهم مكرهم في القرية كقوله تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحَزَنا)، أو المراد كما جعلنا ذا النور من المؤمنين كذلك جعلنا ذا الظلمة من المجرمين ((وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ)) فإنّ عاقبة مكرهم ووبال طغيانهم لا يرجع إلا إلى أنفسهم ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي لا يدرون أنّ مكرهم يعود بالوبال السيّء إلى أنفسهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 124 | ((وَإِذَا جَاءتْهُمْ))، أي جائت هؤلاء المجرمي ((آيَةٌ)) دلالة من الله على التوحيد والرسالة ((قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ)) بهذه الآية وبما جائت من أجله ((حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ))، أي تأتي على أيدينا المعجزة، ويوحى إلينا حتى نكون كالرُسُل، قالوا: نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة حيث قال للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والله لو كانت النبوّة حقاً لكنتُ أولى بها منك لأني أكبر منك سنّاً وأكثر منك مالاً، وقيل: نزلت في أبي جهل حيث قال: زاحَمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرس رهان قالوا منّا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا نتّبعه أبداً إلا يأتينا وحي كما ياتيه ((اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) فإنه سبحانه أعلم من جميع الخلق بموضع الرسالة، وليست هي بالمال والكبر والسن، بل بالفضائل النفسية والقابلية المحلية ((سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ))، أي عملوا الجرائم والموبقات ((صَغَارٌ عِندَ اللّهِ))، أي يكونوا أذلّاء في الآخرة، أو المراد الأعم من الدنيا والآخرة، ومعنى (عند الله) أنّ ذلك الصَغار من عنده سبحانه ((وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ))، أي بسبب مكرهم، فإنّ الصَغار والعذاب جزاء لأعمالهم القبيحة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 125 | إنّ النبي إذا جاء حكّم عقله وآمن، كان له من الله اللُطف الخفي وشرح الصدر، ومَن أعرَضَ وبقي على كفره أعرَضَ سبحانه عنه وخلّى بينه وبين ما يفعل الشيطان به من تضييق الصدر ((فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ)) إلى الإيمان ((يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ)) الشرح هو التوسعة، وهذا من باب التشبيه، فكما إنّ الشيء الوسيع له مجال أن ينفذ فيه شيء كذلك القلب المنشرح له محل أن ينفذ فيه الإسلام ((وَمَن يُرِدْ)) الله ((أَن يُضِلَّهُ)) لأنه تَرَكَ الإيمان وعانَد، فاقتضت المشيئة أن يخلّي بينه وبين الضلال حتى تكون عاقبة أمره خسراً ويذوق وَبال إعراضه ((يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا)) لا ينفذ فيه الإسلام ((حَرَجًا)) هو أضيق الضيّق -كما قالوا- ((كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)) فإنّ الإنسان إذا جُرّ إلى السماء جراً أحسّ بضيق شديد في صدره، من جهة أنّ الهواء كلما لطف كان التنفس فيه أشكل، ومعنى (في) الولوج في طبقات السماء ليعطي معنى الشدة أكثر من (إلى) وكذلك التثقيل في (يصّعّد) ((كَذَلِكَ))، أي كما ذُكر من تضييق الصدر ((يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ)) وهو العذاب والصعوبة، أو المراد به المعنى الظاهري له، فإنّ للكفر رجساً ((عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)) فعلى وجه العقوبة لمن لا يؤمن يُجعل صدره ضيّقاً حَرَجاً، فليس ذلك إبتداءاً منه سبحانه، كما قد يزعم الناظر في أول الآية، وهذا كقولك: أنّ من يريد خيره من أبنائي أعطيه المال، وإنّ من أريد شرّه أقطع عنه المال، وهكذا أعمل بمن لا ينصاع إلى أوامري.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 126 | ((وَهَذَا))، أي الإسلام ((صِرَاطُ رَبِّكَ)) يارسول الله ((مُسْتَقِيمًا)) لا إعوجاج فيه ولا إنحراف فمن لم يقبله لم يفرّ من المنحرف وإنما زاغَ وانحرف ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ))، أي بيّناها وشرحناها ((لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)) أصله يتذكّرون، ثم أُدغِمت التاء في الذال وأُدخِلت همة الوصل في أوله لتعذّر الإبتداء بالساكن، والمراد أنه لمن يتذكّر ما أودع فيه من الفطرة الآمرة باتباع الطريق المستقيم.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:47 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 127
| ((لَهُمْ))، أي للذين تذكّروا وعرفوا الحق ((دَارُ السَّلاَمِ)) وهي الجنة، فإنها دار السلامة التي لا حرب فيها ولا بغضاء ولا مرض ولا همٌّ ولا ينغّص العيش ((عِندَ رَبِّهِمْ))، أي إنّ تلك الدار عند كرامة الله ولُطفه وفي ضمانه وعهده ((وَهُوَ))، أي الله سبحانه ((وَلِيُّهُمْ)) الذي يتولّى أمورهم ((بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ))، أي بسبب أعمالهم الصالحة واتّباعهم أوامره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 128 | ((وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا))، أي نجمعهم، والضمير عائد إلى الجن والإنس، الذين تقدّم الكلام عنهم بأنهم يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا، وأنه جَعَلَ لكل نبي عدواً منهم، وإذ يجمعون يُقال لهم: ((يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ))، أي إتّخذتم أتباعاً كثيرة منهم وأحتشدتم حشداً عظيماً من التابعين الذين اتّبعوكم في وساوسكم وغروركم، ولفظة (يوم) منصوبة بـ (يُقال) المقدّر ((وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم))، أي إتّباع الجن ((مِّنَ الإِنسِ)) الذين إتّبعوهم وأخذوا بوساوسهم وإيحاءاتهم ((رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)) فلقد كان الإغواء نأخذه متاعاً واستمتاعاً، فإنّ الإنسان الذي لم يملأ فراغ قلبه الحق طلب متعة يستمتع بها، وما أجدر الإغواء والإيحاء أن يملأ ذلك الفراغ، وهذا كالإعتذار من الأتباع الإنسيين، كما يقول أحد الناس إذا سُأل عن عمله الباطل؟ أنه اتّخذه وسيلة للتسلية وسدّ الفراغ ((وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا))، أي الموت ((الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا))، أي وقّتّه وجعلته مدة، فقد أدركنا الموت ونحن في الإستمتاع ((قَالَ)) الله تعالى لهم ((النَّارُ مَثْوَاكُمْ))، أي مقامكم، والثواء الإقامة، والضمير عائد إلى الجن والإنس ((خَالِدِينَ فِيهَا))، أي في النار أبد الآبدين ((إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ)) أن تنقطع النار، وذلك بالنسبة إلى عصات المؤمنين ((إِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((حَكِيمٌ)) وبمقتضى حكمته جعل النار مثوى لهم ((عَليمٌ)) يعلم الصالح من الفاسد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 129 | ((وَكَذَلِكَ))، أي كما تقدّم من الأخلّاء بين الجنّ والإنس، ليغوي بعضهم بعضا ((نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا)) فنجعل الظالم وليّاً للظالم في الدنيا، وفي الآخرة ((بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ))، أي بسبب كسبهم الأعمال السيئة وإعراضهم عن الحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 130 | ثم يخاطب الجنّ الذين أوحوا إلى الإنس وأضلّوهم بهذا الخطاب ((يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ)) والمعشر هو الجماعة ((أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ)) على وجه الإستفهام الإنكاري، و(منكم) باعتبار أنّ الإنس والجنّ من مادة سفلية، فبعضهم من بعض أو باعتبار أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسَلَ رُسُلاً من الجنّ إليهم ((يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ))، أي يتلون لكم ((آيَاتِي))، أي حُجَجي ودلائلي ((وَيُنذِرُونَكُمْ))، أي يخوّفونكم ((لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا))، أي يوم القيامة ((قَالُواْ))، أي قالت الجنّ في جواب هذا الإستفهام ((شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا)) بما تستحق من العقاب حيث خالفنا وعصينا فإنّا معترفون بالجرائم، ثم يقول سبحانه ((وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا))، أي تزيّنت لهم أغوتهم ((وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) في الآخرة ((أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ)) في الدنيا فاستحقّوا العقاب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 131 | إنّ هؤلاء الجماعة الذين حُكِمَ عليهم بالنار لم يكن إعتباطاً وإنما كان بعد الإنذار والتبليغ و((ذَلِكَ)) الإرسال والإنذار لأجل ((أَن لَّمْ يَكُن))، أي لأنه ليس ((رَّبُّكَ)) يارسول الله ((مُهْلِكَ الْقُرَى))، أي يُهلِك ويعذّب أهل المدن ((بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُون)) عن الدين والطريق، بل إنما يهلكهم إذا أتمّّ الحجّة عليهم ثم خالَفوا وعصوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 132 | ثم إنه ليس التعذيب إعتباطاً بأن يُحشرون جميعاً في درجة واحدة -كما قد ينساق من الآيات السابقة- بل ((وَلِكُلٍّ)) من المجرمين، أو الأعم منهم ومن المطيعين ((دَرَجَاتٌ))، أي مراتب خاصة به ((مِّمَّا عَمِلُواْ)) (من) نشوية، أي تنشاء تلك الدرجات من أعمالهم في الدنيا ((وَمَا رَبُّكَ)) يارسول الله ((بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)) فلا يدري مَن عَمِلَ وما عَمِلَ، بل كل شيء عنده محفوظ بقدره وخصوصياته.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 133 | إنّ هذه الأوامر وتلك العقوبات ليست لاحتياج الله سبحانه إلى هذه أو تلك ((وَرَبُّكَ)) يارسول الله ((الْغَنِيُّ)) الذي لا يحتاج إلى شيء إطلاقاً ((ذُو الرَّحْمَةِ)) ومن رحمته جَعَلَ الأوامر ليرحم العباد بها ((إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ))، أي يهلككم أيها البشر ((وَيَسْتَخْلِفْ))، أي يجعل خليفة لكم وفي محلكم ((مِن بَعْدِكُم))، أي بعد الإذهاب بكم ((مَّا يَشَاء)) من أنواع المخلوقات ((كَمَآ أَنشَأَكُم)) وأوجدكم ((مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)) حيث أذهبهم وأتى بكم، فإنّ ذلك عليه يسير.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 134 | ((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ)) أيها البشر من القيامة والحساب والثواب والعقاب ((لآتٍ))، أي يأتي لا محالة ((وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ))، أي لستُم تقدرون أن تسبّبوا عجزه سبحانه حتى لا يتمكن من إعادتكم والإتيان بكم لساحة الحساب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 135 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ))، أي منزلتكم ومقدار تمكّنكم من الدنيا، وهذا الأمر للتهديد، أي إعملوا الكفر والمعاصي كما تتمكّنون ((إِنِّي عَامِلٌ)) بما أمَرَني الله سبحانه -فلكم دينكم ولي دين- ((فَسَوْفَ)) في الآخرة ((تَعْلَمُونَ)) جزاء أعمالكم ((مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ))، أي العاقبة المحمودة في دار السلام، هل أنتم أم أنا؟ لكن إعلموا أنّ عاقبة الدار لي فـ ((إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ)) ولا يفوز بالسعادة ((الظَّالِمُونَ)) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 136 | ثم يعود السياق إلى معالجة العقيدة في بعض نواحيها فيحكي ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقسيم ما ينفقوه من الزرع والأنعام بين الله وبين الأصنام ((وَجَعَلُواْ))، أي جعل الكفار ((لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ))، أي خَلَقَ ((مِنَ الْحَرْثِ))، أي الزرع ((وَالأَنْعَامِ))، أي المواشي الإبل والبقر والغَنَم ((نَصِيبًا))، أي حظاً وقسماً، وجعلوا للأصنام نصيباً ((فَقَالُواْ هَذَا)) القِسِم ((لِلّهِ)) تعالى ((بِزَعْمِهِمْ)) وإنما نَسَبَهم إلى الزعم لأنه لم يكن لله، فإنّ الله لا يقبل الشيء الذي أُشرِكَ فيه ((وَهَذَا)) القِسِم ((لِشُرَكَآئِنَا))، أي الأوثان، أي الشركاء الذين نحن شاركناهم مع الله -وفي الإضافة تكفي أدنى ملابسة، ككوكب الخرقاء- ((فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ)) من الأنعام والحرث ((فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ))، أي إنّ الله لا يقبله، وكنّى بالإيصال لتشبيه المعقول بالمحسوس تقريباً للأذهان ((وَمَا كَانَ لِلّهِ)) بزعمهم ((فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ)) وهذا مجاز، فإنّ الأصنام تنتفع بهذا النصيب حتى ترنح لها القلوب الجاهلة المكانة المكينة، أو المراد أنهم كانوا إذا خصّصوا نصيباً للشركاء لا يأخذون منه لجانب الله شيئاً، أما الحصة المخصّصة لله سبحانه فقد يأخذون منها ليوفّروا المأخوذ على مال الأصنان، روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنهم كانوا يعيّنون من حرث ونتاج لله ويصرفونه إلى الضيوف والمساكين وشيئاً منها لآلهتهم وينفقونه على سَدَنَتَها ويذبحون عندها ثم إن رأوا ما عيّنوا لله أزكى بدّلوه بما لآلهتهم وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبّاً لآلهتهم واعتلوا لذلك بأنّ الله غني، وروي أيضاً أنه كان إذا إختلط ما جُعل للأصنام بما جُعل لله ردّوه وإذا إختلط ما جُعل لله بما جعلوه للأصنام تركوه وقالوا: الله غني وإذا إنخرق الماء مِن الذي لله في الذي للأصنام لم يسدّوه وإذا إنخرق مِن الذي للأصنام في الذي لله سدّوه وقالوا: الله غني، فردّ عليهم سبحانه بقوله ((سَاء مَا يَحْكُمُونَ))، أي إنّ حكمهم بالتشريك أو عند الإختلاط والتزكية شيء فإنّ الله وإن كان غنياً لكن هذا العمل مخالف لجلال شأنه وعظم كبريائه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:49 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 137
| ((وَكَذَلِكَ))، أي كما جعل المشركون في الحرث والأنعام ما لا يجوز كذلك فعلوا بالنسبة إلى أولادهم ما لا يجوز ((زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ)) فاعل (زيّن) (شركائهم)، أي إنّ الشياطين الذين إتّخذهم المشركون شركاء لله زيّنوا لهم أن يقتلوا أولادهم ((قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ)) مفعول (زيّن) ((شُرَكَآؤُهُمْ)) فقد كان كثير من المشركين يعبدون الجن، وهي توحي بالأعمال السيئة، فقد كانوا يقتلون البنات خوف العار كما قال سبحانه (وإذا بُشِّرَ أحدهم بالأُنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم -إلى أن يقول- أم يدسّه في التراب) وقال (وإذا الموؤدة سُإلَت بأيّ ذنبٍ قُتِلَت)، وكانوا يقتلون البنين خوف الفقر كما قال سبحانه (ولا تقتلوا أولادكم مِن إملاق) ((لِيُرْدُوهُمْ)) من أرداه بمعنى أهلكه، أي إنه كانت غاية الشياطين -الشركاء- التي زيّنت للمشركين قتل أولادهم، إرادة إهلاك الأولاد بالقتل وإهلاك الآباء بالذنب ((وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ))، أي يخلطوا الحق بالباطل حتى لا يعرفوا أحدهما من الآخر، وفي الغالب يأتي أهل الباطل بضغث من الحق وضغث من الباطل حتى لا يصغر الحق فيتّبعه الناس ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ))، اي ما قَتَلوا أولادهم، ومشيئة الله إنما هي بجبرهم على الهدى، لكنه لا يشاء لأنّ الدنيا خُلِقَت للإختبار ((فَذَرْهُمْ))، أي دعهم واتركهم يارسول الله ((وَمَا يَفْتَرُونَ))، أي إفترائهم على الله سبحانه، فقد كان المشركون ينسبون أباطيلهم إليه سبحانه، و(ذرهم) تهديداً لهم لا إنّ معناه عدم وجوب ردعهم ونهيهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 138 | ((وَقَالُواْ))، أي قال المشركون في قسم آخر من خزعبلاتهم ((هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ))، أي مواشِ وزرع ((حِجْرٌ))، أي حرام ((لاَّ يَطْعَمُهَا))، أي لا يأكلها ((إِلاَّ مَن نّشَاء)) وهي التي خصّصوها لأصنامهم فقد كانت خاصة للسَدَنة لا يُشركهم فيها أحد ((بِزَعْمِهِمْ))، أي قد كان هذا التحريم زعماً منهم إذ لم يُنزِل الله به من سلطان ((وَ)) عَمَدوا إلى قسم ثانِ من الأنعام فحَجَروها وقالوا هذه ((أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا))، أي لا يُركب عليها لأنها نُذرت للآلهة، أو لأنها ولدت كذا ولداً، أو لأنها حَمَت ظهرها من السائبة وأخواتها كما تقدّم في سورة المائدة ((وَ)) عمدوا إلى قسم ثالث من الأنعام فهي ((أَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها)) عند الركوب، أو عند الذبح، أو لا يحجّون عليها، وقد كانوا ينسبون ذلك إلى الله سبحانه ((افْتِرَاء عَلَيْهِ)) فقد كانوا كاذبين في هذه النسب ((سَيَجْزِيهِم)) الله سبحانه ((بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، اي بسبب إفترائهم على الله سبحانه كذباً وزورا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 139 | ((وَقَالُواْ))، أي قال المشركون في قسم آخر من أباطيلهم ((مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ)) من الجنين ((خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا))، أي نسائنا، إن كانت حية ((وَإِن يَكُن)) ما في بطن الأنعام ((مَّيْتَةً)) بأن خرج الجنين ميتاً ((فَهُمْ)) رجالاً ونساءً ((فِيهِ شُرَكَاء)) يجوز للنساء أكله كما يجوز للرجال ((سَيَجْزِيهِمْ)) الله تعالى ((وَصْفَهُمْ))، أي هذا الوصف الذي كانوا يصفون الجنين بالتحليل والتحريم و(وصف) منصوب بنزع الخافض، أي: بوصفهم ((إِنَّهُ)) سبحانه ((حِكِيمٌ)) يحكم عن حِكمة ومصلحة ((عَلِيمٌ)) بما يصدر من هؤلاء فيجازيهم حسب المصلحة والحِكمة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 140 | ثم يجمع ذلك كله بقوله سبحانه ((قَدْ خَسِرَ)) الكفار ((الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ)) خوف العار أو الفقر أو للنذر -فقد كانوا ينذرون قتل الأولاد- ((سَفَهًا))، أي جهلاً وسفاهة، فإنهم إشتروا بذلك النار ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) بما يعملون، فإنهم كانوا يزعمون صحّة عملهم هذا ((وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ))، أي خسروا بتحريمهم قسماً من الأنعام والحرث الذي زَعَموا أنه حِجر ((افْتِرَاء عَلَى اللّهِ)) حيث كانوا ينسبون ذلك إليه سبحانه ((قَدْ ضَلُّواْ)) الطريق المستقيم ((وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)) في تلك الأعمال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 141 | ((وَهُوَ)) الله ((الَّذِي أَنشَأَ))، أي خَلَقَ وأبدَعَ ((جَنَّاتٍ))، اي بساتين ((مَّعْرُوشَاتٍ))، أي مجعولات لها عروش من الكروم ((وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ)) من الأشجار التي لا تحتاج إلى العروش بل هي قائمة على ساقها ((وَ)) أنشأ ((النَّخْلَ)) للتمر ((وَالزَّرْعَ)) من مختلف المزروعات في حال كون جميع ذلك ((مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ))، أي ثمره الذي يُؤكل والإختلاف في اللون والطعم والشكل والخواص ((وَ)) أنشأ ((الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ)) وذَكَرَهما لكثرتهما في هذه البلاد، في حال كون ذلك كله أو الآخرين ((مُتَشَابِهًا)) يشبه بعضها بعضاً ((وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)) من حيث اللون والورق والشجر وغيرها ((كُلُواْ)) أيها البشر ((مِن ثَمَرِهِ))، أي ثمر هذا المنشأ ((إِذَا أَثْمَرَ)) فإنّ ذلك مباح لكم ((وَآتُواْ حَقَّهُ))، أي الحق المجعول عليه وهو إعطاء الفقراء منه شيئاً، حفنة حفنة، أو كفاً كفاً ((يَوْمَ حَصَادِهِ))، أي إجتنائه وقطعه ((وَلاَ تُسْرِفُواْ)) في باب ما رَزَقناكم، بأن تُعطوا الجميع، أو تصرفوه فيما لا يعني، أو ما أشبه ((إِنَّهُ)) سبحانه ((لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))، أي يكرههم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 142 | ((وَ)) أنشأ ((مِنَ الأَنْعَامِ)) الإبل والبقر والغنم ((حَمُولَةً)) هي الإبل التي تَحمِل، أو كل ما يَحمِل من الخيل والبغال والحمير والإبل ((وَفَرْشًا))، أي ما يُفترش به من جلودها، أو المراد بالفرش صغارها قبل أن تكون صالحة للحمل، وكذلك الغنم ((كُلُواْ)) أيها البشر ((مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ)) ولا تحرّموا شيئاً منها كما كان الجاهلون يحرّمون بعض الطيبات ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)) كأنّ العاصي يضع قدمه حيث وضع الشيطان قدمه ((إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، أي واضح العداوة، لأنه يسبّب ذهاب دنياكم وآخرتكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 143 | ثم بيّن سبحانه أن ليس في شيء من الأنعام محرّماً، وإنما ذلك إختلاف الجهّال، أنه سبحانه أنشأ ((ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)) من الأنعام الثلاثة، والزوج يقع على الواحد الذي يقع معه الآخر، وعلى الإثنين، فالرجل زوج والمرأة زوج، كما إنّ كليهما زوج ((مِّنَ الضَّأْنِ)) وهي الشاة ((اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى وإثنين بدل من (ثمانية) ((وَمِنَ الْمَعْزِ)) وهي الصخل ((اثْنَيْنِ)) ذكر وإثنين ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الذين يحرّمون بعض هذه الأقسام ((آلذَّكَرَيْنِ)) حخلت همزة الإستفهام على همزة الوصل وفُصِلَ بينهما بالألف، ولم تسقط همزة الوصل لئلا يلتبس الإستفهام بالخبر وإن جازَ الحذف لقرينة (أَم)، أي: هل أحد الذَكَرَين من الضأن والمِعزَ ((حَرَّمَ)) الله ((أَمِ)) أحد ((الأُنثَيَيْنِ)) منها ((أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ))، اي الجنين الذي إشتمل عليه رحم الضأن والمعز، فإنهم كانوا يقولون أنّ ما في بطون هذه الأنعام محرّم للأناث وخالصة للذكور ((نَبِّؤُونِي))، أي: أخبروني أيها الكفار المحرِّمون لبعض هذه الأقسام ((بِعِلْمٍ))، أي: عن دليل عملي، لا الأوهام والظنون ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في تحريم الله سبحانه لهذه الأقسام.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:50 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 144
| ((وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى، وهو عطف على (من الضأنِ إثنين) ((وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)) ذكر وأنثى، وهذا تمام الثمانية ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ))، أي: هل أنّ أحداً من الذَكَرَين حرّم الله سبحانه ((أَمِ)) أحد ((الأُنثَيَيْنِ)) من الإبل والبقر ((أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ)) من الجنين -كما تقدّم- ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء))، أي: حضوراً -مقابل قوله (نبّؤوني بعلمٍ)-، أي: هل علمتم أو حضرتم التحريم ((إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا)) التحريم، وإ لا دليل لكم لا سماعاً ولا حضوراً ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) فإنّ من ينسب إلى الله سبحانه حُكماً بالكذب هو أظلم الناس لنفسه، وقد تقدّم أنّ التفضيل هنا نسبي لا واقعي ((لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فيوقع الناس في الضلالة ولا علم له بصحة عمله، بل يعلم بطلانه أو يظنّ بما يقوله ظنّاً ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) بل يتركهم وشأنهم حتى يتمادوا في غيّهم وضلالهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 145 | ((قُل)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ))، أي ما أوحاه الله سبحانه في باب تحريم هذه الأشياء التي تناولونها أنتم والتي تحرّمونها ((مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ))، أي على آكل يأكله فكل ما تذكرو تحريمه باطل، بل هي حلال طيب ((إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً)) غير مُذكّى شرعاً ((أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا))، أي مصبوباً، وإنما خصّ المسفوح بالذَكر لأنّ ما اختلطَ باللحم مما يعسر تخليصه منه محلّل مُباح ((أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ))، ومن المعلوم أنّ ذَكر اللحم من باب المثال وإلا فشحمه وسائر أجزائه أيضاً حرام ((فَإِنَّهُ))، أي كل واحد من هذه المحرّمات، أو خصوص لحم الخنزير ((رِجْسٌ))، أي قذر منفور منه ((أَوْ فِسْقًا)) عطف على (ميتة)، أي لحماً يكون أكله فسقاً، لأنه خلاف إباحة الله وذلك فيما ((أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ))، أي: ذُكِرَ عليه إسم الأصنام حين القتل، ولم يُذكر عليه إسم الله ((فَمَنِ اضْطُرَّ)) إلى تناول أحد هذه المحرّمات ((غَيْرَ بَاغٍ)) في أكله ((وَلاَ عَادٍ)) من التعدّي، بأن لم يكن طالباً لأكل الحرام ومتعدّياً حدّ سدّ الرمق -وقد تقدّم المعنى في سورة المائدة- ((فَإِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((غَفُورٌ)) يغفر لمن تناول مضطراً ((رَّحِيمٌ)) بالعباد حيث رَخّصَ لهم ذلك، وقد تقدّم عدم المنافاة بين عدم المعصية والغفران.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 146 | هذا كان الحُكُم بالنسبة إلى غير اليهود ((وَ)) أما ((عَلَى الَّذِينَ هَادُواْ)) فقد ((حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)) من دابة ليس مشقوقة الرِجل كالإبل والنعام، أو طير كالأوز والبط ((وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا)) كل شحم في بدنهما ((إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا))، أي الشحم الذي كان على ظهرهما ((أَوِ)) ما حملته ((الْحَوَايَا)) من الشحم، وهي جمع حاوية، والمراد به الأمعاء، وهو الشحم الملتف بالأمعاء ((أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)) كشحم الجنب والإلية ونحوهما ((ذَلِكَ)) التحريم عليهم لم يكن لأجل ضرر في المحرّمات عليهم بل ((جَزَيْنَاهُم بِـ)) سبب ((بَغْيِهِمْ))، أي ظلمهم حيث كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ((وِإِنَّا لَصَادِقُونَ)) في أخبارنا عن بني إسرائيل وما فعلوا وما فعلنا بهم، وذلك بخلاف كثير من الأعداء حيث يلفّقون أخباراً مكذوبة على أعدائهم لحطّهم في أعين الناس.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 147 | ((فَإِن كَذَّبُوكَ)) يارسول الله فيما ذكرتَ للمشركين من التحريم والتحليل، بل قالوا إنّ حرام الله وحلاله كما نقول، أو فيما ذكرتَ عن اليهود من تحريم الله عليهم المذكورات بسبب بغيهم ((فَقُل)) لهم ((رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ)) يرحم جميع ذوي الروح، ولذا لا يعجّلكم بالعقوبة لعلكم تتوبون ((وَ)) لكن مع ذلك ((لاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ))، أي لا يدفع عذابه إذا جاء وقته ((عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)) الذين إرتكبوا الجرائم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 148 | ((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) واتّخذوا شريكاً لله سبحانه، للدفاع عن أنفسهم وتبرير شِركهم ((لَوْ شَاء اللّهُ)) أن لا نُشرِك ((مَا أَشْرَكْنَا)) نحن ((وَلاَ)) أشرَكَ ((آبَاؤُنَا)) من قَبل ((وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ)) فإذا أشركنا وحرّمنا وسَكَتَ الله عنّا فهو يرضى بذلك ويريد شِركنا وتحريمنا ((كَذَلِكَ))، اي كتكذيب هؤلاء لك يارسول الله في مقالك أنّ الله لا يرضى بالشِرك ولم يحرّم ما حرّمتموه ((كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم)) أنبيائهم ((حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا))، أي حتى نالوا عذابنا ونكالنا ((قُلْ)) يارسول الله لهم ردّاً على حجّتهم ((هَلْ عِندَكُم)) أيها المشركون ((مِّنْ عِلْمٍ)) بأنّ الله يريد شِرككم وتحريمكم للمحلّلات ((فَتُخْرِجوهُ لَنا)) وإذ ليس لكم دليل فكلامكم خالٍ عن الحجّة ((إنْ تَتّبِعونَ))، أي ما تتّبعون في أقوالكم وأعمالكم ((إلاّ الظَّنَّ)) فإنكم تظنّون ما تقولونه لما اعتدتم عليه ((وَإِنْ أَنتُمْ))، أي: ما أنتم ((إَلاَّ تَخْرُصُونَ)) الخرص هو التخمين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 149 | ((قُلْ)) يارسول الله لهم أنكم إذا عجزتم عن إقامة الدليل على عقيدتكم ومدعاكم ((فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ)) التي بَلَغتُكم بأنه لا يريد الشرك ولم يحرّم المذكورات ((فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)) بالجبر والإكراه، لكنه لا يشاء ذلك حتى يُجري الإختيار والإختبار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 150 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الذين حرّموا الأمور المذكورة ((هَلُمَّ))، أي أحضِروا ((شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا)) الذي ذكرتم حُرمته من أقسام الحيوان والزرع، إنه طالَبَهم بالعلم فلم يكُن لهم ثم يطالبهم بالشاهد، لكنه لا شاهد عندهم ولكنهم قد يأتون بشهود زور ((فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ)) يارسول الله ((مَعَهُمْ)) فإنّ شهادتهم باطلة، وإن قيل كيف دعاهم إلى الشهادة، ثم لم يقبل شهادتهم؟ قلنا أنه دعاهم إلى أن يأتوا بالشهود العدول لا من أنفسهم، وإلا فالمدّعي لا يكون شاهداً، فإن شَهِدوا بأنفسهم لم تقبل شهادتهم ((وَلاَ تَتَّبِعْ)) يارسول الله ((أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا))، أي هوى أنفسهم، فإنّ مَن لا يعمل بالحق لابد وأن يكون متّبعاً لهواه، وحيث يرشده الهوى إليه ((وَ)) لا تتّبع أهواء ((الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) كالكفار الذين كانوا ينكرون البعث ومن المعلوم أنّ الكفار كانوا على قسمين منهم مَن يؤمن بالآخرة كأهل الكتاب، ومنهم مَن لا يؤمن به كالدهرية ((وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ))، أي يجعلون له عدلاً وشريكا.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:52 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 151
| وبعد إستنكار ما حرّمه المشركون على أنفسهم، واستنكار إستحلالهم لبعض المحرّمات يأتي السياق لبيان المحرّمات الواقعية التي حرّمها الله سبحانه ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء المشركين ((تَعَالَوْاْ))، أي أقبِلوا واحضروا ((أَتْلُ))، أي إقرأ ((مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)) (ما) مفعول (أتلُ) ((أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ))، أي بالله ((شَيْئًا))، أي لا تجعلوا له سبحانه شريكاً، والجملة في تأويل المصدر، فيكون بدلاً من (ما حرّم)، أي: إتلُ تحريم الشِرك، فلا يُقال: إنّ النفي في النفي يفيد الإثبات ((وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))، أي أوصاكم بهما إحسانا، إذ في (حرّم) معنى الإيصاء، وإحساناً منصوب بفعل مقدّر تقديره: أحسِنوا بالوالدين إحسانا، ومن المعلوم أنّ ترك كل واجب حرام، ولذا صحّ تعداده في جملة (ما حرّم) ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم)) بنين وبنات ((مِّنْ إمْلاَقٍ)) هو الفقر، أي: من جهة الفقر، فقد كان المشركون يقتلون أولادهم خوف أن يفتقروا فلا يجدوا مؤونتهم ((نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ)) أنتم الآباء ((وَإِيَّاهُمْ))، أي الأبناء، فليس رزقهم عليكم، ثم إنّ من المعلوم أنّ الرزق يحتاج إلى جد وتعب فليس المراد برزقه إيّاهم أنه يُنزله من السماء في الدلو ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ)) جمع فاحشة، صفة للمقدّر أي الصفة الفاحشة ((مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) للناس ((وَمَا بَطَنَ))، أي أتى به سراً، وهذا يشمل جميع المحرّمات غير المذكورة بالنص ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ)) من المسلم والمعاهِد ((إِلاَّ بِالْحَقِّ)) وقد تقدّم أنّ مثل هذه الإستثناءات من أصل الكلام لا من قيده، أي لا تقتلوا النفس إلا بالحق، والحق في القتل في موارد خاصة كالجهاد والزاني المُحصَن والمرتد الفطري والمهاجِم والقصاص ومَن أشبه ((ذَلِكُمْ)) المذكور في الآية من المحرّمات ((وَصَّاكُمْ)) الله ((بِهِ))، أي أمَرَكم، فإنّ الوصية بمعنى الأمر ((لَعَلَّكُمْ)) أيها البشر ((تَعْقِلُونَ))، أي تحكّمون عقولكم في المحرّم والمحلّل فلا تقولوا شيئاً إعتباطاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 152 | ((وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ)) وهو مَن فَقَدَ الأب والجد، أو الأعم منه ومَن فَقَدَ الأم، وكلمة (لا تقربوا) للمبالغة في الإجتناب، وتخصيص اليتيم بالذَكر مع عدم جواز التصرّف في مال كل أحد بدون رِضاه لأجل أنّ اليتيم لا يقدر على الدفاع عن نفسه ((إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))، أي بالطريقة التي أحسن من سائر الطرق بأن يحفظ له ماله إلا بمقدار ضروري مُعاش اليتيم حيث يُصرف عنه ((حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)) الأشُد جمع شد نحو أضر جمع ضر، والشد القوة وهو إستحكام قوة الشباب، أي حتى يبلغ إلى قوى شبابه، وهو إنما يحصل بالبلوغ والرُشد، والبلوغ في الولد كمال خمس عشرة سنة، أو الإنبات، أو الإحتلام، وفي البنت -غالباً- كمال التسعة والدخول في العاشرة ((وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ)) فلا تنقِصوا الكيل والميزان عند البيع، ولا تزيد وهما عند الشراء ((بِالْقِسْطِ))، أي بالعدل، فلا إفراط ولا تفريط ((لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا))، أي بالمقدار الذي يَسَعها ولا يوجب ضيقاً وحَرَجاً عليها، فهذه التكاليف السابقة، لا حَرَجَ فيها على النفس، أو المراد أنّ الوفاء بالكيل والوزن حسب المتعارف، لا الدقة العقلية حتى يوجب عُسراً وحَرَجاً، ولا يُقال: فكيف كلّف الإنسان بالجهاد؟ لأنّا نقول: الجهاد خارج عن هذا العموم فإنه لإرساء قواعد الإسلام، والعموم إنما هو في مقابل التكاليف في سائر الشرائع -المنحرفة- والقوانين المرهِقة فإنه يريد بيان سهولة أحكام الإسلام وسماحها ((وَإِذَا قُلْتُمْ)) شيئاً ((فَاعْدِلُواْ)) في القول، والعدل فيه أن لا يميل نحو الباطل، فالغيبة والسبّ والقضاء بغير الحق وما أشبهها ظلم ليس بعدل ((وَلَوْ كَانَ)) المقول فيه ((ذَا قُرْبَى)) فإنّ الناس غالباً يقولون الباطل لربح ذوي قرباهم، ولذا يأمرهم سبحانه بالعدل بالنسبة إليهم ((وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ)) والمراد جميع معاهداته، كما قال: (أوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) فالمراد الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات ((ذَلِكُمْ)) الذي تقدّم ذِكره من الأحكام ((وَصَّاكُم بِهِ)) على طريق اللزوم والحتم ((لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))، أي لكي تتذكّروا وتأخذوا به، والتذكّر باعتبار ما هو كامن في الفطرة من حُسن هذه الأشياء -كما سبق-.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 153 | ((وَ)) وصّاكم سبحانه ((أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا))، أي إنّ الأحكام التي أنزلتها توصل إلى السعادة، فهي طريق إليها بالإستقامة، لا كسائر الطرق الملتوية التي قد لا توصل، وقد توصل بالتواء وعناء ((فَاتَّبِعُوهُ))، أي سيروا عليه وانتهجوه ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ)) الأُخر من سُبُل الكفر والبدع والشبهات ((فَتَفَرَّقَ))، اي تتفرّق تلك السُبُل ((بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)) فتشتتكم وتلهيكم عن طريقه سبحانه ((ذَلِكُمْ)) الإتّباع لسبيله ((وَصَّاكُم)) الله ((بِهِ)) إلزاماً ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، أي لكي تتّقوا عقابه وتحذّروا الخسران.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 154 | إنّ هذا الصراط كان قديماً قبل موسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام) وإنّ الجميع كانوا مأمورين باتّباعه ((ثُمَّ)) بعد سبق هذا الصراط عند الأنبياء السابقين ((آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ))، أي أعطيناه التوراة ((تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ))، أي لأجل إتمام عمل موسى (عليه السلام) الحسن الذي أدّاه من القيام بالتبشير والهداية، أو لأجل تمام النعمة على موسى الذي أحسَنَ الخدمة لله سبحانه، فإنّ إنزال الكتاب على النبي من أعظم المفاخر بالنسبة إليه ((وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ)) مما يحتاج إليه الناس ((وَهُدًى))، أي دلالة على الحق ((وَرَحْمَةً)) يرحم الله بسببه على عباده حيث ينقذهم من الشقاء إلى السعادة ((لَّعَلَّهُم))، أي لعلّ الناس ((بِلِقَاء رَبِّهِمْ))، أي بملاقاة جزاءه وثوابه وعقابه ((يُؤْمِنُونَ)) فيسعدون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 155 | ((وَهَذَا)) القرآن ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)) له بَرَكة يأتي منه الخير الكثير ((فَاتَّبِعُوهُ)) أيها الناس ((وَاتَّقُواْ)) معاصي الله سبحانه ومخالفة كتابه ((لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))، أي لكي تشملكم الرحمة.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:53 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 156
| وإنما أنزلنا هذا الكتاب ((أَن تَقُولُواْ))، أي لئلا تقولوا ((إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ)) من قِبَل الله سبحانه ((عَلَى طَآئِفَتَيْنِ)) اليهود والنصارى ((مِن قَبْلِنَا)) ولم يرتبط الكتاب بنا حتى نؤمن ((وَإِن كُنَّا)) (إن) مخفّفة من المثقّلة، أي أنه كنّا نحن العرب ((عَن دِرَاسَتِهِمْ))، أي دراسة أولئك الطوائف المنزَل عليهم الكتب، أي لغتهم ((لَغَافِلِينَ)) فلم نعرف ما في كتبهم حتى نؤمن، فقد أنزلنا إليكم الكتاب حتى لا يكون لكم عذر في عدم الإيمان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 157 | ((أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ)) الذي نفهمه ((لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ))، أي أكثر هداية في التمسّك والعمل على طِبق الكتاب، لأنّا أليَن عريكة وأكثر تمسّكاً بالمعتقدات ((فَقَدْ جَاءكُم)) أيتها الأمة المعاصِرة للرسول ((بَيِّنَةٌ))، أي دلالة واضحة ((مِّن رَّبِّكُمْ)) وهو القرآن ((وَهُدًى)) يهتدي به إلى الحق ((وَرَحْمَةٌ)) يرحم به الله من تمسّك به إذ يسعده في الدنيا والآخرة ((فَمَنْ أَظْلَمُ))، أي مَن يكون أكثر ظلماً لنفسه ((مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ)) وهو القرآن ((وَصَدَفَ))، أي أعرَضَ ((عَنْهَا))، أي عن الآيات ((سَنَجْزِي)) في الآخرة، أو الأعم منها ومن الدنيا ((الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ))، أي العذاب الشديد ((بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ))، أي بسبب إعراضهم عن الحق والآيات.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 158 | ما ينتظر هؤلاء الكفار بعد نزول القرآن؟ ((هَلْ يَنظُرُونَ))، أي هل ينتظرون للإيمان ((إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ)) وذلك لا يمكن في دار التكليف ((أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ)) وذلك مستحيل لأنّ الله لا مكان له ولا حركة ((أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ))، أي العذاب حتى يروا العذاب فيؤمنوا ((يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)) يارسول الله ((لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ)) فإنّ العذاب إذا نزل لا تُقبل التوبة، لأنّ العذاب لا ينزل إلا بعد تمام الحجّة والمخالفة، وحين ذاك قد تمّ الإختبار وصار موعد المُجازات ((أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) عطف على (لم تكن آمَنَت)، والمعنى أنه لا ينفع في ذلك اليوم إيمان نفس إذا لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم أو ضمّت إلى إيمانها أفعال الخير، فإنها إذا آمَنت قبل نَفَعَها إيمانها، وكذلك إذا ضمّت إلى الإيمان طاعة لنفعها أيضاً، فلا ينفع إيمان كافر، ولا طاعة المؤمن، وإنما النافع الإيمان السابق والطاعة السابقة ((قُلِ)) يارسول الله لهؤلاء ((انتَظِرُواْ)) إتيان بعض آيات الله فـ ((إِنَّا مُنتَظِرُونَ)) ذلك، حتى يرى كل واحد منّا جزاءه العادل وما قدّم لنفسه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 159 | ثم يقرّر أنّ الإسلام إنما هو دين واحد لا تفرقة فيه، فالذين يتفرّقون ليسوا من الإسلام كما إنّ مَن أشرَك ليس من الغسلام ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ)) تفريقاً بالأهواء كالكفار المختلفين، أو بالأديان كاليهود والنصارى وفِرَقِهم، أو بالضلالة والشبهات ولو في دين الإسلام، كالفرق المبتَدِعة، فإنّ الذين يفعلون ذلك ((وَكَانُواْ شِيَعًا)) جمع شيعة، اي طوائف مختلفة ((لَّسْتَ)) يارسول الله ((مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)) فلا ربط بينكما أبداً وإنما هم في جهة وأنت في جهة، وليس معنى أنّ الجميع باطل، بل المعنى أنّ ما ليس فيه الرسول باطل وإلا فالحق دائماً في أحد الطوائف ((إنَّما أمْرُهُمْ))، أي أمر هؤلاء الذين فرّقوا دينهم وكانوا شِيَعاً ((إِلَى اللّهِ)) سبحانه فهو الذي يجازيهم لسوء أفعالهم ((ثُمَّ يُنَبِّئُهُم))، أي يُخبرهم ((بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)) من الأعمال، وهذا تهديد، كقولك: لأعلّمنّك غداً، لمن خالف أمرك، تريد أنك تعاقبه بفعله، وهنا سؤال أنه إذا علمنا نحن المسلمين بطلان سائر المذاهب والطوائف فماذا نفعل بهذا الإختلاف بين المسلمين أنفسهم؟، والجواب: إنّ الكتاب والسنّة يأمرانا باتّباع علي وأهل بيته الأئمة الأحد عشر، وبعد ذلك قد عيّن الفقهاء الراشدون لمرجعية الأمة في قوله (عليه السلام): "مَن كانَ مِنَ الفقهاء صائناً لنفسه حافِظاَ لدينه مُخالِفاً لهواه مُطيعاً لأمرِ مولاه فللعوّام أن يقلّدون"، وقوله (عليه السلام): "أما الحوادث الواثعة فارجعوا فيها إلى رُواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله"، أما الإختلاف بين الفقهاء في بعض الفروع فليس ذلك إختلافاً يُذكر، بل هو كالإختلاف بين كل مهندسَيْن أو طبيبَيْن أو حاكمَيْن مع إخلاص كل منهما واتحاد منهجهما، ثم أنه قد يستغرب كيف يكون مصير هذه الكثرة من الناس الذين ليسوا بمسلمين وكثير من المسلمين المنحرفين النار ومَن يبقى للجنة إذاً؟، والجواب: إنّ ما يُستفاد من الآيات والروايات أنّ الخلود في النار إنما هو للمعانِد ولا دليل على أنه لا يُمتَحَن القاصر من البشر في الآخرة ليدخل الجنة، بل دلّ الدليل على ذلك، كما هو مذكور في علم الكلام، ومن المعلوم عدم كون أكثر الناس مقصّرين معاندين، إذاً فليس بالبعيد دخول كثرة هائلة من البشر الجنة للإيمان وحُسن العمل في الدنيا، أو حُسن الإمتحان في الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 160 | وإذ تقدّم الكلام حول الجزاء يقرر السياق القاعدة العامة له وأنه ((مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ)) التاء أما مُبالَغة نحو تاء علاقة، وأما تأنيث، أي طاعة حسنة ((فَلَهُ)) من الثواب ((عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) على الأقل وإلا فقد يبلغ الثواب إلى (سبع سنابل في كلّ سُنبلة مئة حبة والله يُضاعف لمن يشاء) و((مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ)) في التاء القولان، وإذا كانت للتأنيث فهي صفة خصلة ((فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا)) سيئة واحدة وإن كانت عظيمة جداً، فلا يُقال: ما فائدة الوحدة فيما لو كانت أعظم من المعصية ككذبة واحدة جزائها سنة في النار -مثلاً-؟، فمثلاً جزاء من يسبّ المَلِك بلفظة مائة سوط وهو جزاء واحد وإن كان عظيماً في نفسه ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) في مقدار ما استحقّوا من السيّئات بل جزاءاً وفاقاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 161 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء الكفار ((إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي))، أي أرشدني ((إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) والمراد -الصراط الموصل للإنسان إلى الحقائق والسعادة في الدنيا والآخرة- بالنسبة إلى كل شيء من الأمور ((دِينًا)) منصوب على تقدير: هداني، أي هداني ديناً، أو على الحال، اي إنّ الصراط في حال كونه ديناً ((قِيَمًا))، أي مستقيماً، وهو مصدر، كالصِغَر والكِبَر ((مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)) بدل من (ديناً) والملّة هي الشريعة مأخوذة من الإملاء لأنّ الشرع يمليه الرسول على أمته، وإنما نَسَبَ الدين إلى إبراهيم (عليه السلام) لاتّفاق جميع الأديان على جلالته (عليه السلام) وصحّة دينه، قد كانت الأديان كلها ديناً واحداً فلا مانع أن يُنسب اللاحق إلى السابق ((حَنِيفًا))، أي في حال كون تلك الملّة مائلة عن الباطل إلى الحق، من حنيف بمعنى مالَ ((وَمَا كَانَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) فلم يكُ مُشرِكاً كمشركي مكة، ولا يهودياً ولا نصرانياً، فإنّ كلتيهما مُشرِكتان.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:54 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 162
| ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((إِنَّ صَلاَتِي)) وهي الصلوات التي يأتيها الإنسان واجبة أو مندوبة ((وَنُسُكِي)) النُسُك: العبادة، يُقال: رجل ناسك أي متعبّد، ويُقال للأضحية النسكية للتقرّب بها إلى الله، فهي عبادة ((وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي))، أي حياتي وموتي ((لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) فإنّ عبادتي له وحده بلا شريك، وأموالي مُلكه وبقدرته لا بشراكة أحد معه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 163 | ((لاَ شَرِيكَ لَهُ)) لا أشرك أحداً به في العبادة ولا أزعم أنّ له شريكاً في حياتي وموتي ((وَبِذَلِكَ))، أي التوحيد ((أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) من هذه الأمة، أو المراد رُتبة إسلامي أول الرُتب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 164 | ((قُلْ)) يارسول الله لهؤلاء ((أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي))، أي أطلب ((رَبًّا)) وآلهاً ((وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ)) الإستفهام على الإنكار، اي كيف أتّخذ غير الله إلهاً -بالإستقلال أو بالشراكة- والحال أنه تعالى ربّ كل شيء لا ربّ سواه ولا إله إلاّه؟ ((وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا)) فإذا إكتسبت المعصية بالشِرك لحقني جزائي السيء ((وَلاَ تَزِرُ))، أي لا تحمل من وِزر بمعنى حمل الإثم ((وَازِرَةٌ))، أي نفس حاملة ((وِزْرَ))، أي معصية نفس ((أُخْرَى)) بل عصيان كل أحد على نفسه وهو يحمل تبعته، قيل: إنّ الكفار قالوا للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إتّبعنا وعلينا وِزرَك إن كان خطاءاً فأنزل الله هذه الآية ((ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ))، أي إلى حسابه مصيركم أيها المشركون أو أيها البشر ((فَيُنَبِّئُكُم))، اي يخبركم ((بِمَا))، أي بالشيء الذي ((كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) ليجازي كل إنسان وما عمله من إحسان أو إساءة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الأنعام | 165 | ((وَهُوَ)) الله وحده ((الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ)) فإنكم تخلفون أهل العصر السابق في إرث الأرض وما عليها، كما إنّ من بعدكم يخلفكم ويرثكم في أرضكم وأموالكم ((وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)) ذكاءاً وعلماً ومالاً ومنصباً ومن سائر الجهات، فإنّ الأمور التكوينية والتقديرية كلها بيده لا شريك له ((لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))، أي إستخلفكم وأعطاكم متفاضلاً ليختبركم ويُظهِر سرائركم وهل أنكم تطيعون أو تعصون ((إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ)) فلا يظنّ الكافر والعاصي أنّ العقاب بعيد فإنّ أمد الدنيا قصير مهما طال، أو المراد سرعة العقاب في الدنيا قبل الآخرة، إذ المعاصي توجب آثار وخيمة فوراً في الدنيا ((وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ)) لمن تاب وآمن ((رَّحِيمٌ)) يرحم العباد ويتفضّل عليهم من واسع فضله. |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:56 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 38
| ((وَ)) سخرنا له شياطين ((آخَرِينَ)) غير البناء والغواص في حال كونهم ((مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ)) جمع صفد، وهو الغل، فقد كان يجمع بين بعض الشياطين مع بعض في السلسلة تعذيباً لهم على تمردهم، أو لئلا يفر المتمرد منهم، أو كان يغل المتمرد يديه ورجليه، وهذا كناية عن إعطاء زمامهم بيده حتى أنه يتمكن من استخدامهم وعقاب المجرمين منهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 39 | وبعد هذا الملك الوسيع الخارق، قال الله سبحانه لسليمان - زيادة لا كرامة - ((هَذَا)) الملك ((عَطَاؤُنَا)) لك، ((فَامْنُنْ)) على من شئت بإعطائه ما تشاء، ((أَوْ أَمْسِكْ)) عمن شئت، بأن لا تعطيه شيئاً في حال كونك ((بِغَيْرِ حِسَابٍ))، أي أنك لا تحاسب عما تفعل، أو أعط بغير حساب وتعداد من شئت، فهو متعلق بـ"امنن".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 40 | ((وَإِنَّ لَهُ))، أي لسليمان ((عِندَنَا))، أي لدينا ((لَزُلْفَى))، أي قرباً منّا، فإنه ذو جاه عند الله سبحانه، ((وَحُسْنَ مَآبٍ))، أي مرجعاً في الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 41 | ((وَاذْكُرْ)) يا رسول الله ((عَبْدَنَا أَيُّوبَ)) كيف صبر على البلاء، فإنه (عليه السلام) ذهب ماله وأهله وأولاده، وتمرض جسده بأشد أنواع المرض، ولم يزل يذكر الله ويشكره حتى إذا بلغ الأمر منتهاه وأراد الله سبحانه له الشفاء بعد أن أحس الصبر ونجح في الامتحان ((إِذْ نَادَى رَبَّهُ)) تعالى قائلاً: يا رب ((أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ))، فإن الشيطان هو الذي صار سبباً لبلاء أيوب، وقد مكنه الله سبحانه منه بأن لم يصده عن إيذائه - كما لم يصده عن الوسوسة لآدم (عليه السلام) - امتحانا لأيوب، وليرتفع بذلك مقامه، و"النصب" هو البلاء، و"العذاب" هو الألم، ولعله أراد باللفظين الألم الجسمي والروحي أو ألمه في أهله وماله وأولاده وألمه في نفسه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 42 | وبعد أن دعا أيوب ربه لينجيه من البلاء خُوطِبَ من قِبله سبحانه: ((ارْكُضْ بِرِجْلِكَ))، أي ادفع برجلك الأرض، فإن الركض هو الدفع بالرجل على جهة الإسراع، ومنه يسمى المشي السريع ركضاً، فركض (عليه السلام) برجله الأرض، فظهرت عين ماء، فقيل له: ((هَذَا)) الذي تراه ((مُغْتَسَلٌ))، أي موضع يغتسل فيه، وقد أريد بذلك تنبيه على الاغتسال في ذلك الماء، ((بَارِدٌ))، الإتيان بهذا الوصف للترويح عن النفس المريضة الملتهبة التي تطلب الماء البارد، ((وَشَرَابٌ)) يشرب منه، وقد اغتسل أيوب في ذلك الماء، وشرب منه، فصح جسمه كأن لم يكن به مرض أبداً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 43 | ((وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ)) الذين ماتوا في البلاء بأن أحياهم الله سبحانه ((وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ)) إما بأن وَلد له أولاد آخرون على عدد أولئك الأولاد حتى صار له من الأولاد ضعف أولاده قبل البلاء، وإما بأن المراد إعطاء أهله الذين ماتوا قبل البلاء والذين ماتوا في البلاء، وذلك لأنه استحق الذين ماتوا في البلاء لا الذين ماتوا قبله بآجالهم الطبيعية، وإنما فعلنا ذلك ((رَحْمَةً مِّنَّا)) له وتفضلاً عليه، فليس أحد يستحق على الله شيئا، ((وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ))، أي وليتذكر أصحاب العقول بأن الله سبحانه إذا أخذ من أحد شيئا فلا يفعل ذلك اعتباطا وعبثاً، وإنما ليعطيه ذلك الشيء مع الزيادة - إذا كان أخذه لم يصدر عن عقاب وتأديب، وهذا هو شأنه سبحانه في جميع ما يأخذ، كما قال في باب الإنفاق (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 44 | ((وَخُذْ)) يا أيوب ((بِيَدِكَ ضِغْثًا)) وهو ملؤ الكف من الشماريخ للتمر، ((فَاضْرِب بِّهِ))، أي بذلك الضغث امرأتك ((وَلَا تَحْنَثْ)) حلفك، فقد رأى أيوب من زوجته قولاً أو عملاً ساءه ذلك، فحلف أن يضربها عددا من السوط أو نحو ذلك - مما سكتت عنه الآية، ولما أن عوفي خفف الله سبحانه ذلك بأن يضربها بالشماريخ ضربة واحدة لا تؤذي كثيراً، بأن يجعل لكل مرة شمراخاً، وقد كان حلف أيوب على ضربها مشروعاً، إذ لعلها كانت البلاء، عاصية في قولها أو علمها الذي ساء أيوب، وللزوج حق تأديب الزوجة، ولذا وجب الوفاء بها، كما أن عدم الحنث بذلك تخفيف من الله سبحانه، مع أنه (عليه السلام) أتى بما يشبه المحلوف، فلا يقال كيف قال تعالى "لا تحنث" والحال أن المحلوف غير هذا؟ ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ))، أي وجدنا أيوب ((صَابِرًا)) على البلاء الذي اُبْتلي به، ((نِعْمَ الْعَبْدُ)) أيوب ((إِنَّهُ أَوَّابٌ))، أي كثير الرجوع إلى الله سبحانه، من آب بمعنى رجع، وقد ذكرنا معنى رجوع الأنبياء وإنه من اشتغالهم بالأمور الدنيوية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 45 | ((وَاذْكُرْ)) يا رسول الله ((عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ)) ابن إبراهيم ((وَيَعْقُوبَ)) ابن اسحاق ((أُوْلِي الْأَيْدِي))، أي أصحاب القوة والتمكن، فقد كان هؤلاء الأنبياء أصحاب ثروة ونعمة وجاه، ((وَالْأَبْصَارِ)) يبصر<و>ن أمور دينهم، فقد جمعوا بين الدنيا والآخرة، وإنما أمر الرسول بذكرهم ليقتدي بهم الناس في دينهم ودنياهم، فلا يتركوا أحداً للآخر كما قال تعالى: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 46 | ((إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم))، أي جعلناهم لنا خالصين، فلا يعملون شيئاً إلا لأجلنا، ((بِخَالِصَةٍ))، أي بخلصةٍ، وصفةٍ خالصةٍ لا شَوْبَ فيها هي ((ذِكْرَى الدَّارِ)) الآخرة، فقد كانوا دائمي التذكر لها، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان دائم التذكر للآخرة لا تزل له قدم، وقوله "ذكرى" بدل من "بخالصة".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 47 | ((وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ)) جمع مصطفى، أي اصطفيناهم واخترناهم للنبوة، ومعنى عندنا: في حسابنا وما كتبناه لهم ليجزون عليه، ((الْأَخْيَارِ)) جمع خير كأموات جمع ميت، وهو الذي يفعل الأشياء الكثيرة الحسنة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 48 | ((وَاذْكُرْ)) يا رسول الله ((إِسْمَاعِيلَ)) ابن إبراهيم، وكأنه لذكره هنا لم يذكر هناك مع أبيه وأخيه، ((وَالْيَسَعَ))، قال بعضهم كان من أنبياء بني إسرائيل، ((وَذَا الْكِفْلِ)) هو يوشع بن نون وصي موسى (عليه السلام) - على بعض الأقوال، ((وَكُلٌّ مِّنْ)) هؤلاء من ((الْأَخْيَارِ)) الخيّرين.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:56 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 49
| ((هَذَا)) الذي سميناهم هنا في القرآن ((ذِكْرٌ)) لهم وشرف في الدنيا، باق بقاء الأبد، ((وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ)) الذين أولئك الأنبياء من ساداتهم ((لَحُسْنَ مَآبٍ))، أي مآب حسن، والمآب هو المرجع، من آب بمعنى رجع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 50 | ثم بين سبحانه المراد بذلك بقوله: ((جَنَّاتِ عَدْنٍ))، يقال عدن بالمكان إذا أقام فيه، والجنة هي البستان، سمي بها لأن الأشجار تجن وتستر أرضها، أي جنات إقامة لا زوال لأحد عنها في حال كونها ((مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ))، والإتيان من باب التفعيل للدلالة على كثرة الأبواب المفتحة لهم، لأن من معاني باب التفعيل التكثير، وفي ذلك إشارة إلى عظم رتبتهم، حيث أن كل الأبواب تفتح في وجوههم حتى يكون لهم أن يدخلوها من حيث شاؤوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 51 | في حال كونهم ((مُتَّكِئِينَ فِيهَا))، أي مستندين أهل الجنة إلى المساند، وذلك للدلالة على كمال راحتهم الجسدية والروحية، ((يَدْعُونَ فِيهَا))، أي يطلبون في تلك الجنات ((بِفَاكِهَةٍ))، هي ثمرة الأشجار، ((كَثِيرَةٍ)) حسب ما أرادوا، ((وَشَرَابٍ)) بقدر ما اشتهوا من خمر ومن عسل ومن لبن وغيرها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 52 | ((وَعِندَهُمْ)) زوجات ((قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ)) قد قصرت عيونهن على أزواجهن، فلسن كبعض نساء الدنيا اللاتي ينظرن إلى غير أزواجهن، من حيث أنهن يرون غيرهم أعلى جاهاً أو مالاً أو جمالاً أو غير ذلك من أزواجهن، ((أَتْرَابٌ)) جمع ترب، وهي التي بسن الزوج، فليس أعمارهن أقل أو أكثر من أزواجهن، حتى يكونا مختلفي الجسم أو العقل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 53 | ((هَذَا)) الذي تقدم في وصف الجنان ونعيمها ((مَا تُوعَدُونَ)) أيها الناس ((لِيَوْمِ الْحِسَابِ))، فإذا أحسنتم استحققتم كل ذلك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 54 | ثم أنه لا انقطاع لنعيم الجنة، بل يقال لأهل الجنة: ((إِنَّ هَذَا)) الذي ترون من النعيم ((لَرِزْقُنَا)) لكم أيها المؤمنون، ((مَا لَهُ))، أي ليس لهذا الرزق ((مِن نَّفَادٍ))، أي فناء وانقطاع بل باق إلى الأبد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 55 | ((هَذَا)) ما يقدم لمتقين، فلننظر إلى جزاء الكفار، ((وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ)) الذين طغوا على الله سبحانه وتجاوزوا الحد بالكفر والعصيان ((لَشَرَّ مَآبٍ))، أي مآب شرير في مقابل (حسن مآب) للمتقين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 56 | ((جَهَنَّمَ)) تفسير لشر مآب، ((يَصْلَوْنَهَا)) من صلى الشيء إذا لازم، أي يدخلونها ملازمين لها، ((فَبِئْسَ الْمِهَادُ))، أي بئست جهنم مسكنا لهم، والمهاد هو المحل الذي يمهده الإنسان ويهيئه لنفسه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 57 | أما شرابهم ((هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ))، أي هذا حميم وغساق فليذوقوا كل واحد منهما، والحميم هو الماء الحار، وغساق ما يغسق أي يسيل من صديد أهل النار وتحميمهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 58 | ((وَآخَرُ))، أي ولهم ضرب آخر من الطعام والشراب ((مِن شَكْلِهِ))، أي من شكل الحميم والغساق ((أَزْوَاجٌ))، أي ألوان وأنواع متشابهة في الشدة وصعوبة المذاق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 59 | تلك دارهم، وذاك طعامهم وشرابهم، ولهم صنوف أخرى من العذاب، من جملة تلك ضيق المكان حتى أنهم في جهنم من الضيق كالوتد قد في الحائط - كما ورد، وذلك أن القادة يدخلون النار أولاً، فيجدون ضيقا وإرهاقا، ثم يؤتى بالأتباع، وإذا يراهم القادة يقولون لا مكان هنا لهؤلاء، فيقول مالك النار: ((هَذَا)) الجمع الذي تشاهدونهم ((فَوْجٌ))، أي جماعة ((مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ)) من الاقتحام والدخول في الشيء بشدة وصعوبة، أي داخلون في ثناياكم وخلالكم. ((لَا مَرْحَبًا بِهِمْ))، أي لا رحبت عليهم الأرض، ولا اتسعت لهم أماكنهم، وهذا حكاية لقول القادة، والذين هم في النار، يقولون لأتباعهم ذلك، وهو عكس التحية، ((إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ))، أي يدخلونها ملازمين لها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 60 | وإذ يسمع الأتباع هذا الترحيب المعكوس من قادتهم ((قَالُوا بَلْ أَنتُمْ)) أيها القادة ((لَا مَرْحَبًا بِكُمْ))، أي لا اتسعت بكم المكان، ولا حييتم إلا بالسوء، ((أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ))، أي قدمتم هذا العذاب ((لَنَا))، حيث حملتمونا على الكفر والعصيان ((فَبِئْسَ الْقَرَارُ)) والمقر الذي نستقر عليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 61 | وكان القادة يجيبون بأنا لم نقدم لكم هذا العذاب، وإنما أنتم كنتم منحرفين عن السجادة <الجادة؟>، كما سبق شبه هذا الحوار بين السادة والأتباع في بعض السور السابقة، ولذا يلتجئ الأتباع إلى الله لينتقم لهم من القادة الذين غروهم، ثم لا يقبلون حتى أن يسمعوا ذلك الكلام من أتباعهم، ((قَالُوا))، أي قالت الأتباع: يا ((رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا)) العذاب وهيأه لأن ندخله، ((فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا))، عذابا لضلاله بنفسه، وعذابا لإضلاله لنا، ((فِي النَّارِ)). وإلى هنا ينتهي الحوار بين القادة والأتباع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 62 | ثم أن الكفار في النار يفتقدون المؤمنين الذي سخروا منهم في الدنيا، وكذبوا كلامهم حول الوعيد، فيتساءل بعضهم عن بعض حولهم، ((وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا)) مؤمنين ((كُنَّا نَعُدُّهُم)) في دار الدنيا ((مِّنَ الْأَشْرَارِ))؟ جمع شر، فقد كان الكفار في الدنيا يقولون أن المؤمنين أشرار، حيث يرونهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسبون الأصنام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 63 | ((أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا))، أي هل أن عدم رؤيتنا لهم في النار لأجل أن تَمَسْخُرِنا بهم في الدنيا كان خطأ فذهبوا إلى النعيم ولذا لا نراهم؟ ((أَمْ)) أن تمسخرنا كان صحيحاً، فهم معنا في الجحيم ولكن ((زَاغَتْ))، أي مالت وانحرفت ((عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ)) أي أبصارنا، فعدم رؤيتنا لهم لأن أبصارنا عدلت عنهم فلا تراهم وإن كانوا معنا في الجحيم؟
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 64 | ((إِنَّ ذَلِكَ)) التخاصم بين القادة والأتباع المنجر إلى ذلك الكلام حول المؤمنين ((لَحَقٌّ)) كائن لا محالة ((تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)) بدل عن ذلك، أي أن ذلك التخاصم بين أهل النار حق ثابت لا شك فيه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة ص | 65 | ((قُلْ)) يا رسول الله ((إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ)) مخوف لكم، إن بقيتم على الكفر والعصيان لتلاقوا هذا اليوم العصيب الذي سبق الحديث عنه، ((وَمَا مِنْ إِلَهٍ)) يحق له العبادة ((إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ)) الذي لا شريك له، ((الْقَهَّارُ)) لجميع خلقه يقهرهم على ما يريد بهم من الأمور التكوينية، فلا يعز الإنسان ما يرى من إسلاس القياد له في دار الدنيا للاختبار والامتحان.
|
| |
|
| |
| تقريب القران الى الذهان | |
|