| تقريب القران الى الذهان | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:47 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 65
| وقد كان أهل الكتاب يقولون أن إبراهيم كان على ديننا فاليهود كانوا يقولون أنه (عليه السلام) كان يهودياً والنصارى منهم كانوا يقولون أنه (عليه السلام) كان مسيحياً فقال سبحانه في ردّهم ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ ))، أي لماذا ((تُحَآجُّونَ )) وتجادلون ((فِي إِبْرَاهِيمَ )) (عليه السلام) وتنسبوه إلى اليهودية والنصرانية ((وَ)) الحال أنه متقدّم زماناً على كلا الدينين، فإبراهيم جدّ موسى وعيسى وهو سابق عليهما بقرون فإنه ((مَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ )) على موسى ((وَالإنجِيلُ )) على عيسى ((إِلاَّ مِن بَعْدِهِ ))، أي بعد إبراهيم ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أليس لكم عقل حتى تعرفون التاريخ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 66 | ((هَا)) تفيد التنبيه ((أَنتُمْ )) يامعشر أهل الكتاب ((هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ )) وجادلتم ((فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ)) مما تعلمون كالقبلة ونحوها ((فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ )) إذ لا تعلمون تاريخ إبراهيم وتجادلون في أنه كان يهودياً أو نصرانياً ((وَاللّهُ يَعْلَمُ )) تاريخ إبراهيم ودينه ((وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون)) فما هذه المخاصمة والمجادلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 67 | ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا )) فإنهما طريقتان متأخرتان إنحرفتا عن سنن الأنبياء حتى إن المسيح وموسى (عليهما السلام) لم يكونا متّفين بهاتين الملّتين ((وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا )) مستقيماً في دينه لا منحرفاً ((مُّسْلِمًا )) لما تقدّم من أن الإسلام دين الأنبياء جميعاً ((وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) كشرك اليهود الذين جعلوا عُزير إبن الله وشرك النصارى الذين جعلوا المسيح إلهاً أو إبن الله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 68 | كانت اليهود تقول نحن أولى بإبراهيم لأنه على ديننا وكانت النصارى تقول مثل ذلك فنزلت ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ )) الذي يحقّ أن يفتخر به ويقول أنا على طريقته وأنه رئيس الملّة لي ((لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ )) في زمانه وبعده، إذ التابع يحقّ له أن يفتخر برئيسه ومتبوعه لا من يتّبع غيره كاليهود والنصارى الذين خالفوا إبراهيم ((وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) عطف على "الذين إتّبعوه" فإنّ هذا النبي والمؤمنين هم الذين إتّبعوا إبراهيم وهم على ملّته فإنّ ملّته كان التوحيد وخلع الأنداد ((وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)) يلي أمورهم وينصرهم على عدوهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 69 | ((وَدَّت ))، أي أحبّت ورغبت ((طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ))، أي جماعة منهم فإنّ كثيراً من أهل الكتاب لم يكن يعنيهم هذه الأمور ((لَوْ يُضِلُّونَكُمْ )) عن دينكم حتى تدخلوا في دينهم أو ترجعوا كفاراً ((وَمَا يُضِلُّونَ )) هؤلاء ((إِلاَّ أَنفُسَهُمْ )) فإنهم بتركهم الإسلام والتزامهم أديانهم المنحرفة سبّبوا ضلالاً لأنفسهم، أو المراد أنه لا يرجع وبال إضلالهم إلا على أنفسهم حيث يوجب ذلك لهم خزياً في الدنيا وعذاباً في الآخرة ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي ما يعلمون أنهم أضلّوا أنفسهم أو ما شعروا بأنه رجع وبال إضلالهم إلى أنفسهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 70 | ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) هم اليهود والنصارى، وأما المجوس فإنهم وإن كانوا أهل كتاب إلا إنّ هذه المباحثات كانت مع الطائفتين فقط كما يُستفاد من سياق الآيات ((لِمَ ))، أي لماذا ((تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ )) بدلائله وحججه التي أقامها على التوحيد والرسالة وسائر الأمور ((وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)) بلزوم الإقرار بها شهادة فيما بينكم، أو شهادة حسب كتبكم الدالة على التوحيد ورسالة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر الأمور المختلف فيها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 71 | ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) وخطابهم بهذا الخطاب إشعار بأنه ينبغي أن لا يكونوا كذلك إذ هم أهل العلم والدراية وفيهم نزل كتاب الله سبحانه ((لِمَ ))، أي لماذا ((تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ))، أي تخلطون الحق بالباطل، ففي أعمالكم قسم من الحق وقسم من الباطل فالإيمان بموسى وعيسى حق والكفر بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باطل وهكذا بعض كتابهم حق وبعض الذي حرّفوه باطل ((وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي تعلمون أنه حق فقد كان علمائهم يكتمون صفات الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى لا يميلوا نحوه وتذهب رئاستهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 72 | وقد صدرت مكيدة من أهل الكتاب لتضليل الناس وأن لا يتعلّقوا بدين الإسلام، حيث يظهرون عملاً يصوّرهم عند الناس في صورة المُنصِف وأنهم إنما لم يتّبعوا الإسلام لأنهم لم يجدوه حقاً ((وَقَالَت طَّآئِفَةٌ ))، أي جماعة ((مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) بعضهم لبعض ((آمِنُواْ ))، أي أظهِروا الإيمان ((بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ ))، أي بالقرآن ((وَجْهَ النَّهَارِ ))، أي أول الصبح، فقولوا إنّا آمنّا بمحمد وكتابه لأنّا وجدناه في كتبنا ((وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ ))، أي آخر النهار فقولوا بعد أن آمنّ رجعنا إلى صفات محمد ثانياً فوجدناها ليست كما ذُكر في كتابنا، فإنّ هذا العمل يُريكم في أعين الناس منصفين حيث آمنتم بمحمد بمجرد علمكم بحقيقته، وإنما رجعتم حيث ظهر لكم عدم الحقيقة، فيزعمون الناس أنكم منصفون صادقون تريدون الحق ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))، أي لعل هذا العمل الخداعي يسبّب رجوع المسلمين عن إسلامهم حيث يوجب ذلك تشكيكاً لهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 73 | ((وَلاَ تُؤْمِنُواْ ))، أي لا تُظهِروا الإيمان ((إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ )) فإيمانكم وجه النهار يكون عند أهل الكتاب لا عند المسلمين، أو لا تؤمنوا إيماناً صادقاً عن قلوبكم إلا لأهل الكتاب، فلا تؤمنوا للمسلمين، ومعنى الإيمان لمن تَبِعَ دينهم أنهم يؤمنون بمثل ما آمن أهل الكتاب ((قُلْ )) لهم يارسول الله ((إِنَّ الْهُدَى )) الحقيقي ((هُدَى اللّهِ )) لا هذا الهدى الإصطناعي الذين تريدون به خدع أصحابكم والمسلمين فلسنا في حاجة إلى هداكم كما لا نخاف من إضلالكم فإنّ الله إذا هدى شخصاً لا يرجع بخداعكم، ثم يرجع السياق إلى كلام اليهود بعضهم لبعض، ولا تؤمنوا ((أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ )) فإنّ ما أوتيتم أيها اليهود هو خير مما أوتي غيركم فلا يكن إيماناً بمحمد إيماناً عن قلب أو صدق ((أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ))، أي لا تؤمنوا أن يُحاجّكم المسلمون عند ربكم بمعنى أنه لا يمكن أن يكون ذلك إذ المحاجّة لا تكون من المُبطِل - والمسلم مبطِل بزعمهم- ((قُلْ )) يارسول الله رداً على قولهم "أن يُؤتى أحد مثل ما أوتيتم" ((إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ )) فأيّ مانع من أن يعطي المسلمين مثل ما أُعطي اليهود وأفضل منه ((يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ )) الفضل لا ينفد فضله بإعطائه لأحد ((عَلِيمٌ)) بمصالح الخلق يعلم حيث يجعل رسالته.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:48 pm | |
| فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 74
| ((يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء )) من عباده ((وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) فإنّ فضله يبتدء بالخلق وينتهي إلى حيث لا قابلية فوقه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 75 | وقد جمع أهل الكتاب إلى تلك الرذائل السابقة رذيلة الخيانة ((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ))، أي بعض أهل الكتاب -والمراد به مَن آمن منه كعبد الله بن سلام- ((مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ))، أي تجعله أميناً على قنطار من المال لا يخونه بل يؤديه إليك عند المطالبة، وقد ورد أن عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفاً ومأتي أوقيه من ذهب فأدّاه إليه فمدحه الله بهذه الآية ((وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ ))، أي تجعله أميناً على مال قليل كدينار ((لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ )) عند المطالبة فإن رجلاً من قريش إستودع "فخاض" ديناراً فخانه ولم يردّه إليه ((إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا )) بالضغط والإلحاح والمراقبة ((ذَلِكَ )) الإستحلال والخيانة منهم لأموال الناس ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ ))، أي الخائن من أهل الكتاب ((قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ))، أي لا سبيل ولا غضاضة علينا في إستحلال أموال الأمّيّين، أي العرب حيث أنهم خرجوا عن دينهم، أي غير الشرك وقد أودعونا حال شركهم فإذا رفضوا طريقتهم إلى الإسلام سقط حقهم كذا كانوا يقولون ينسبونه إلى كتبهم ((وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ )) فإنه ليس ذلك في كتبهم، بل اللازم أداء الأمانة إلى البِر والفاجر ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) أنهم يكذبون على الله وأن عدم الأداء خيانة ورذيلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 76 | ((بَلَى )) فيه نفي لما قبله وإثبات لما بعده، أي لم يجز الله الخيانة بل أوجب الأداء فـ ((مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ )) وأدّى الأمانة التي عنده ((وَاتَّقَى )) من عذاب الله في الخيانة وغيرها ((فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) لا الخائنين الكاذبين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 77 | ((إِنَّ )) مَن يأكل الأمانة ويكذب على الله فقد باع دينه لثمن قليل و((الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِـ)) مقابل ((عَهْدِ اللّهِ )) الذي هو الكتاب والدين ((وَ)) بـ ((أَيْمَانِهِمْ ))، أي أقسامهم الكاذبة التي يحلفون بها لأجل الباطل ((ثَمَنًا قَلِيلاً )) وقد تقدّم أن الأمور الدنيوية مهما عظمت لهم فإنها قليلة بالنسبة إلى الآخرة ((أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ))، أي لا نصيب لهم من رحمة الله وجنته في الآخرة ((وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ )) كلام لُطف وحنان وهو كناية عن غضب الله عليهم كما إن من غضب على شخص لا يكلمه ((وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ))، أي لا يعمّهم بلطفه وإحسانه وهو كناية أخرى عن الغضب كالذي يغضب على شخص فلا ينظر إليه ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ذلك اليوم الذي يحتاج كل أحد إلى فضله وإحسانه تعالى ((وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ))، أي لا يُطهّرهم عن الدنس فإنّ قلب الخائن الكاذب أقذر ما يكون فلا يشمله الله سبحانه بلُطفه الخاص الذي يلطف به على المؤمنين ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم موجع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 78 | ((وَإِنَّ مِنْهُمْ ))، أي من أهل الكتاب ((لَفَرِيقًا ))، أي جماعة ((يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ ))، أي يطوون ألسنتهم عند قراءة الكتاب وطي لسانهم إنما هو بالزيادة والنقيصة فكما أن ليّ الشيء يُخرجه عن الإستقامة بالزيادة في جانب والنقيصة في جانب كذلك ليّ اللسان بالكتاب، فإنهم أضافوا على التوراة والإنجيل في مواضع ونقصوا منهما في مواضع ((لِتَحْسَبُوهُ )) أيها المسلمون ((مِنَ الْكِتَابِ )) فيكون شاهداً لأباطيلهم المخترعة ((وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ )) بل من إضافاتهم وتحريفاتهم ((وَيَقُولُونَ هُوَ )) ما يتلونه بإسم الكتاب ((مِنْ عِندِ اللّهِ )) تعالى ((وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ)) بل من مخترعاتهم الكاذبة (( وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ )) في نسبتهم ذلك التحريف إليه سبحانه ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) أنه ليس من الكتاب وأنهم كاذبون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 79 | وحيث أنه كان من أظهر تلك التحريفات تحريفهم حول المسيح وادّعائهم أنه شريك مع الله وأنّ ذلك موجود في كتابهم ردّهم الله سبحانه بأنّ ذلك مستحيل في حق المسيح لأن الله سبحانه لا يُعطي النبوة لرجل كاذب يدّعي لنفسه الربوبية فإنه ((مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ))، أي يُعطيه (( الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ )) بين الناس ((وَالنُّبُوَّةَ )) والرسالة ((ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ))، أي أعبدوني دونه سبحانه، أو المراد أعبدوني معه، فإنّ عبادة الشريك عبادة لمن دون الله، ولأن الشرك معناه عدم عبادة الله إطلاقاً إذ الله لا شريك له، فمن له شريك ليس هو بإله، وفي بعض التفاسير أن سبب نزول هذه الآية أن يهودياً سأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك ونزلت الآية ((وَلَكِن )) اللازم على الرسول أن يقول للناس ((كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ )) منسوبين إلى الرب ترشدون الناس إلى التوحيد وتعبدون إلهاً واحداً ((بِـ)) سبب ((مَا كُنتُمْ))، أي كونكم ((تُعَلِّمُونَ )) الناس ((الْكِتَابَ )) الذي أخذتموه من نبيّكم ((وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ))، أي بسبب درسكم إياه يعني أن الرسول يقول للناس أنكم بسبب كونكم علماء معلّمين مدرّسين يجب أن تكونوا ربّانيّين منسوبين إلى الرب فقط لا إلى غيره من الأنداد والشركاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 80 | ((وَلاَ )) يكون للنبي أن ((يَأْمُرَكُمْ )) عطف على "ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله" ((أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا )) فإنّ ذلك محال إذ من يختاره الله للرسالة لا يأمر بالكفر ((أَيَأْمُرُكُم))، أي هل يأمركم النبي (( بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ)) أسلمتم بإيمانكم بالنبي، وهذا إستفهام إنكاري، أي لا يكون ذلك أبداً فقد أخرجكم النبي من الكفر إلى الإسلام فكيف يأمركم بالكفر ثانياً بأن تتّخذوه شريكاً لله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 81 | وإذ تم الكلام حول عيسى وأنه ليس بشريك لله سبحانه رجع السياق إلى نبي الإسلام وأنه النبي بعد عيسى (عليه السلام)، ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ )) عهدهم المؤكد ((لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ )) "ما" بمعنى "مهما"، أي أخذ الله عهد النبيّين أنه مهما أعطاه الله الكتاب والحكمة والرسالة ((ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ )) يُراد به نبي الإسلام، أو كل نبي يأتي بعدهم ((لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ )) هذا جواب "مهما" فالله سبحانه كان يأخذ من النبيّين الميثاق أنه مهما أعطى أحدهم الرسالة فإنّ عليه أن يؤمن برسول الإسلام، أو عليه أن يؤمن بالرسول الذي يتلوه وأن يناصره ويعاضده، وفي الوجه الأول إفادة أن الأنبياء جميعاً أقرّوا بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واعترفوا به وآمنوا به وفي الوجه الثاني إفادة أن كل رسول كان يؤمن بالرسول الذي يأتي من بعده حتى إنّ الأنبياء كلهم كسلسلة واحد يؤمن سابقهم بلاحقهم ويصدّق لاحقهم سابقهم ((وَلَتَنصُرُنَّهُ )) ومعنى نصرة النبي السابق للاحق أن يأخذ له العهد من أمته ((قَالَ )) الله تأكيداً لأخذ الميثاق ((أَأَقْرَرْتُمْ ))، أي هل أقررتم أيها الأنبياء باستعدادكم للإيمان بالرسول ونصرته ((وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ )) الإيمان بالرسول ونصرته ((إِصْرِي ))، أي عهدي الأكيد من أممكم حتى يؤمنوا بالرسول وينصروه ((قَالُواْ ))، أي قالت الأنبياء في جواب الله سبحانه ((أَقْرَرْنَا )) بذلك وأخذنا الأمر ((قَالَ )) الله سبحانه لهم ((فَاشْهَدُواْ)) بذلك على أممكم، أي كونوا شهداء عليهم حتى نحتجّ على المخالف يوم القيامة بشهادتكم ((وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) فإني أيضاً شهيد عليهم بأنهم أقرّوا بأن يؤمنوا بالرسول وينصروه، وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لم يبعث الله نبيّاً آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد بالإيمان بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمره بأخذه العهد بذلك من أمته.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:48 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 82
| ((فَمَن تَوَلَّى )) وأعرض عن الإيمان والنصرة ((بَعْدَ ذَلِكَ )) العهد الذي أخذه نبيّه منه ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) الخارجون عن إطاعة الله سبحانه حيث نقضوا العهد وخالفوا الوعد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 83 | إن عدم الإيمان بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلاف عهدهم أولاً وخلاف الواجب عليهم ثانياً ((أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ ))، أي يطلبون ويريدون غير دين الله ودين الإسلام الذي ثبت بالآيات والحجج ((وَلَهُ ))، أي لله ((أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) فكل شيء في الكون خاضع له سبحانه منقاد لأمره فما بال هؤلاء يخالفون دين الله الذي أذعن له كل الكون ((طَوْعًا وَكَرْهًا )) فإنّ ذوي العقول من الملائكة ونحوه أسلم لله طوعاً والجمادات أسلمن كرهاً بمعنى أنها مستمرة حسب مشيئة الله سبحانه ((وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ))، اي إلى حكمه وأمره وثوابه وعقابه ترجعون عند الموت أو في القيامة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 84 | هنا يأتي دور إظهار الأمة المسلمة إيمانها بجميع الأنبياء فإنه مقتضى وحدة الرسالات ومقتضى ما سلف من إيمان كل سابق باللاحق وتصديق كل لاحق للسابق ((قُلْ )) يارسول الله صيغة الإيمان التي يجب الإعتراف بها على كل أمتك ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إلهاً واحداً ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ عَلَيْنَا)) من القرآن الحكيم وسائر الأحكام ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ )) أولاد يعقوب الذين كانوا أنبياء ((وَ)) بـ ((مَا أُوتِيَ ))، أي أُعطي ((مُوسَى)) من التوراة ((وَعِيسَى )) من الإنجيل ((وَ)) بما أُعطي ((النَّبِيُّونَ مِن )) قِبَل ((رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء الأنبياء لا كاليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا كالنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَنَحْنُ لَهُ ))، أي لله ((مُسْلِمُونَ)) منقادون فيما أمرنا ونهانا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 85 | ((وَمَن يَبْتَغِ ) ويطلب ويريد ((غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا )) من الأديان السماوية أو المفتعلة ((فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ )) أبداً في الدنيا بل تجري عليه أحكام الكفار ((وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم جميعاً. | تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 86 | إنّ الذين أدركوا هذه الحقيقة وحدة الرسالات وحقيقة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودين الإسلام ثم أنكروا وعاندوا فقد ظلموا أنفسهم وبعّدوا أنفسهم عن لُطف الله وهدايته فلا يلطف بهم الله لطفاً خاصاً ولا يهديهم بل يتركهم في ظلمات كفرهم ((كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ )) والمراد بالإيمان علمهم بحقيقة الرسول الإيمان في الظاهر إلا إذا أخذنا بما ورد في بعض التفاسير والروايات من أنها نزلت في رجل آمن ثم إرتد ثم ندم فأرسل إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من يسأله عن قبول توبته فأجاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإثبات فتاب وحسن إسلامه ، ولذا إستثنى في آخر الآيات "إلا الذين تابوا" ((وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ )) شهادة واقعية وإن لم يظهروها ولم يلتزموا بلوازمها ((وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ )) الأدلة الواضحة على صدق الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحقيقة ما جاء به ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))، أي لا يلطف بهم اللطف الخاص الذي يلطف به بمن إستقام ولم يظلم نفسه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 87 | ((أُوْلَئِكَ )) الذين كفروا بعد إيمانهم ((جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ )) بإبعادهم عن رحمته ومغفرته وثوابه ((وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) فإنهم يدعون عليهم بالعذاب ويلعنونهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 88 | ((خَالِدِينَ فِيهَا ))، أي يخلدون في اللعنة والطرد أبد الآبدين ((لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ))، أي لا يسهّل عليهم لأنهم بكفرهم إستحقّوا العقاب الدائم ((وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ))، أي لا يؤخَّر عنهم العذاب من وقت إلى وقت، أو لا يُنظر إليهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 89 | ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ )) عن كفرهم ((مِن بَعْدِ ذَلِكَ )) الكفر بأن آمنوا ((وَأَصْلَحُواْ )) في أعمالهم، أي عملوا الصالحات ((فَإِنَّ الله غَفُورٌ )) لكفرهم وذنوبهم ((رَّحِيمٌ)) بهم فلا يؤاخذهم بسيئاتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 90 | هذا حال من آمن بعد إرتداده وتاب، أو آمن بعد علمه بالحق وكفره، أما من بقي على كفره بعد الإيمان فجزائه ما يأتي ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ )) بالنبي وبما جاء به ((ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا )) فإن الكافر ببقائه على الكفر يزداد كفراً فإنّ كل ساعة يكون كافراً فيها يكون أكثر كفراً من الساعة المتقدمة، أو المراد إزدياد الكفر باستحكامه فإن الإنسان كما يزداد إيماناً كلما رأى آيات الله كذلك يزداد كفراً كلما أعرض عما يراه من الآيات ((لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ )) التي تأتي منهم حال الإحتضار فإنّ المحتضر حيث يرى حقيقة الإيمان يتوب في قلبه ويندم لكن لا تُقبل توبته كما قال سبحانه (وليست التوب للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبتُ الآن) ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ)) الذين ضلّوا طريق الحق في الدنيا وعذبوا في الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 91 | ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ )) ممن لم يتب حتى في حال الإحتضار كما قال سبحانه (ولا الذين يموتون وهم كفار) بعد الآية السابقة "وليست التوبة"، أو المراد التعقيب على "لن تُقبل توبتهم"، أي إن أولئك الذين بإعطاء الفدية ((فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا))، أي مقدار ما يملأ الأرض من الذهب ((وَلَوِ افْتَدَى بِهِ )) لا ينفعه ((أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) مؤلم وموجع ((وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) ينصرونهم من عذاب الله وسخطه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 92 | وحيث جرى حديث الإنفاق وأنه لن يُقبل من الكافر يوم القيامة ناسب السياق بيان حُكم الإنفاق وأنه ((لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ ))، أي لن تدركوا النفع الذي تأملونه من رضى الله وثوابه والجنة وخير الدنيا وغيرها ((حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )) لا أن تنفقوا ما لا تحبون كإنفاق ما تعانيه النفس كما قال سبحانه (ولستم بآخذيه حتى تُغمضوا) ((وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ )) قليل أو كثير في مختلف أصناف الأشياء ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) فيجازيكم على قدره.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:49 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 93
| يرجع السياق هنا الى ما كانت الآيات بصدده من أحوال أهل الكتاب في أصولهم وفروعهم وعنادهم ومجادلاتهم، وفي بعض التفاسير أنهم أنكروا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحليل لحم الجزور وادّعوا تحريمه على إبراهيم (عليه السلام) وأن ذلك مذكور في التوراة فأنزل الله سبحانه رداً عليهم هذه الآية ((كُلُّ الطَّعَامِ))، أي كل المأكولات، والمراد بالكل الإضافي في مقابل ما ادّعوا تحريمه ((كَانَ حِلاًّ))، أي حلالاً ((لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ)) اليهود ((إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ))، أي يعقوب (عليه السلام) ((عَلَى نَفْسِهِ)) وهو لحم الإبل كان إذا أكله هيّج عليه الخاصرة فحرّمه على نفسه وكان ذلك ((مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ)) على موسى (عليه السلام) فليس تحريمه على إسرائيل دليلاً على بقائه على الحُرمة فإن التوراة لما نزلت لم تحرّمه فلماذا تقولون أيها اليهود بحُرمته ((قُلْ)) يارسول الله لهم ((فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا)) حتى يظهر أنه لم يحرّمه التوراة كما ذكرت لكم ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في دعواكم أن التوراة حرّم الإبل، لكنهم لم يأتوا بالتوراة، فتبيّن كذبهم، وقد كان اليهود يظنون أن الرسول -لأنه أمّي- لا علم له بالتوراة فلهذا كانوا ينسبون إليها أشياء، لكن الوحي كان يفضحهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 94 | ((فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ)) البرهان الدال على عدم تحريم التوراة ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) الذين ظلموا أنفسهم بمنعها عن الهداية وظلموا غيرهم بمنعهم عن الحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 95 | ((قُلْ)) يارسول الله لليهود ((صَدَقَ اللّهُ)) فيما نقلتُ لكم من عدم تحريم الجزور وكذّبتم أنتم، بل تبيّن أن كل الطعام كان حلاًّ ((فَاتَّبِعُواْ)) أيها اليهود ((مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا))، أي مستقيماً، وملّة إبراهيم تحلّل كل الطعام ((وَمَا كَانَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) دحض لإفتراء آخر من أهل الكتاب حول إبراهيم حيث كانوا يقولون أنه كان يهودياً أو نصرانياً -وكلاهما مشرك- ففي السابق نُقل إفترائهم بالنسبة الى الله في قصة الطعام وهنا نقل إفترائهم بالنسبة الى أنبيائه بالنسبة الى الشرك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 96 | إن أهل الكتاب دحضت حجّتهم في باب التحليل والتحريم، ودحضت حجّتهم في باب دين إبراهيم، كما دحضت حجّتهم من ذي قبل في سائر الشؤون التي ناقشوا فيها، وبقيت الآن لهم حجّة أخرى هي أن بيت المقدس أشرف من الكعبة، وأنه محل الأنبياء، فالقرآن يدحضهم بأن الكعبة هي أشرف لأنها أول بيت، ولأن إبراهيم (عليه السلام) الذي تنتسبون إليه هو الذي بناها، ولأن الحج شُرّع إليها ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ))، أي بُني لأجل إنتفاع الناس ديناً ودنيا، فإن الأرض دُحيت من تحته ولم يكن قبله بيت مبني ((لَلَّذِي)) اللام للتأكيد، أي هو البيت الذي ((بِبَكَّةَ)) وهو إسم آخر لمكة، وسمي "بكة" لإزدحام الناس في الطواف ونحوه هناك، فإن بكّ يبكّ بمعنى زحم يزحم ((مُبَارَكًا))، أي كثير البركة والخير فإن فيه خير الدنيا حيث الأُلفة والإجتماع والإقتصاد وغيرها، وخير الآخرة حيث غفران الذنوب وترفيع الدرجات ((وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ))، أي سبباً لهدايتهم فإنه مذكّر لله سبحانه وفيه ذكريات أنبيائه ومعالم عبادته.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 97 | ((فِيهِ))، أي في ذلك البيت ((آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ))، أي دلالات واضحات على التوحيد والنبوة ونُصرة الإسلام ((مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ))، أي موضع قدمه حيث كان هناك حجر يضعه إبراهيم ويصعد عليه لبناء أعالي الكعبة حيث رسخت قدماه في ذلك الحجر، فإنه آية واضحة من آيات الله سبحانه، وخصّص بالذكر لأهميتها وتقديراً لإبراهيم الذي ضحّى بكل ما لديه في سبيل الله سبحانه ((وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)) أما إبتداء، أو عطف، أي إن من آيات البيت أنه سبحانه جعله حرماً آمناً فمن دخله فهو مأمون على عرضه وماله ودمه لا يُمسّ بسوء وإن كان مجرماً يستحق العقاب والحد ((وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ))، أي يجب على الناس أن يحجّوا البيت ((مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))، أي من وجد إليه طريقاً وذلك بأن يكون له ما يكفيه ذهاباً وإياباً لنفسه ولعائلته ويرجع الى الكفاية مع أمن الطريق وصحة الجسم الى غير ذلك من الشروط المذكورة في الفقه ((وَمَن كَفَرَ)) فلم يحج مع الإستطاعة، وقد تقدّم أن الكفر قسمان : كفر في الإعتقاد وهو إنكار أصل من أصول الدين، وكفر في العمل وهو ترك واجب أو فعل محرّم، وقد كثر في القرآن والحديث إستعمال الكفر بهذا المعنى ((فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) فلا يظنّ أن كفره يضرّ الله شيئاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 98 | ويرجع السياق الى أهل الكتاب ((قُلْ)) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ)) أدلته الواضحة الدالة على نبوة نبي الإسلام وما جاء به الذي منه شؤون بيت الله الحرام ((وَاللّهُ شَهِيدٌ))، أي يشهد ويعلم ((عَلَى مَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم عليها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 99 | ((قُلْ)) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ))، أي تمنعون الناس عن الإيمان بالله فلإن أهل الكتاب كانوا يرصدون لمن يريد الإيمان فيمنعونه وكانوا يلقون التشكيكات حول الإيمان والمؤمنين ((مَنْ آمَنَ)) مفعول تصدون، أي تمنعون من آمن عن سبيل الله، وعلى هذا فالصد هنا خاص بالمؤمنين إلا أن يُراد بـ "من آمن" الأعم من المؤمن ومن يريد الإيمان ((تَبْغُونَهَا))، أي تطلبون السبيل ((عِوَجًا)) منحرفاً لا سبيلاً مستقيماً، أو تطلبون سبيل الله عوجاً، أي تريدون أن تكون السبيل أعوج بإدخال التشكيكات عليها، والعوج مفرد بمعنى الميل والإنحراف ((وَأَنتُمْ شُهَدَاء)) في واقع الأمر وقرارة نفوسكم على عملكم الباطل ((وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) بل مطّلع عالم عليه وسيعاقبكم به.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 100 | وحيث تقدّم أن أهل الكتاب يصدّون من آمن عن سبيل الله خاطب سبحانه المؤمنين أن لا يسمعوا الى أهل الكتاب حتى يضلّوا بتشكيكاته ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا)) جماعة ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) أُعطوا التوراة والإنجيل ((يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ))، أي يرجعونكم كفاراً بعد أن آمنتم وإنما خصّ فريقاً لأن جميع أهل الكتاب لم يكونوا سبب إضلالهم وإرجاعهم.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:49 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 101
| ((وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ)) أيها المؤمنون بعد الإيمان ((وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ)) فإنكم قد عرفتم آيات الله ودلائله وعلمتم ذلك ومثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكفر ((وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)) الذي يدعو إليه بالبراهين والمعاجز، وهذا إستفهام إنكاري تعجبي جيء به تبعيداً لهم عن الكفر وإلفاتاً لهم الى الرصيد الإيماني الموجود عندهم ((وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ))، أي يتمسك بآيات الله وكتابه ودينه ورسوله، فلا ينخرط الى الشرك والكفر والعصيان ((فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) في الدنيا حيث يوصله الى حياة حرة كريمة مرفهة المرافق، وفي الآخرة حيث يسعده الى جنات النعيم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 102 | كانت الأفراد المنضوية تحت لواء الإسلام بما فيهم الآوس والخزرج معرّضة للتطاحن والتشاحن وقد كان الكفار وأهل الكتاب يستغلون سوابق هؤلاء وطبيعة النفس البشرية في إلقاء الفتن والتفرقة بينهم ليفتحوا ثغراً في أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولذا نصحهم القرآن بأن يبقوا على وحدتهم وأن لا يتفرقوا ويتقوا الله فيما أمر ونهى ولا يطيعوا أهل الكتاب في أقوالهم المفرِّقة ودسائسهم المشتِّتة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا عقابه فأطيعوه فيما أمركم ونهاكم ((حَقَّ تُقَاتِهِ)) من "وقيت"، أي كما يحق أن تتقوه، فإن التقوى من الله سبحانه أمر صعب جداً، إذ يلازم الإنسان في جميع شؤونه وأحواله ((وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) فلا يغرّنّكم الشيطان بأن يُخرجكم من الإيمان حتى تموتوا كافرين ولعل المناسبة بين الجملتين أن من لا يتّقي ينجر آخر أمره الى الكفر كما قال سبحانه (ثم كان عاقبة الذين أسائوا السوئى أن كذّبوا بآيات الله).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 103 | ((وَاعْتَصِمُواْ))، أي تمسّكوا ((بِحَبْلِ اللّهِ)) وحبل الله دينه وقرآنه شبّه بالحبل بمناسبة أن من يتمسك بالحبل لابد وأن يرفع نحو الفوق وكذلك من يتمسك بالإيمان يصعد به في الدنيا الى المراتب الراقية وفي الآخرة الى جنات خالدة ((جَمِيعًا))، أي جميعكم لا بعضكم دون بعض ((وَلاَ تَفَرَّقُواْ)) بأن يتمسك البعض بحبل الله والبعض بحبل الشيطان، وهذا تأكيد لقوله (جميعا) ((وَاذْكُرُواْ))، أي تذكّروا ((نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء)) قبل الإسلام يعادي بعضكم بعضا ((فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)) جعلها قريبة بعضها الى بعضكم حيث أدخل الإيمان فيها فخرج ما كان فيها من الضغن والإحن والحسد والعداوة ((فَأَصْبَحْتُم)) أيها المسلمون ((بِنِعْمَتِهِ))، أي بسبب نعمة الأُلفة التي وهبها الله عليكم ((إِخْوَانًا)) أحدكم أخ الآخر في الإيمان له ما لأخيه وعليه ما عليه وإن هذه النعمة قد خرقت العنوانات الجاهلية القبلية والقطرية واللونية وما أشبههما ((وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ)) الشفا الطرف، والحفرة المكان المحفور في الأرض، أي كنتم أيها المسلمون على طرف حفرة من النار، نار الدنيا وهي العقوبات والإضطرابات، ونار الآخرة التي أوقدت للكفار ((فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)) بالإسلام الذي نظّم دنياكم وآخرتكم حتى لا تقعوا فيها ((كَذَلِكَ))، أي كما بيّن لكم هذه الأمور واضحة جليّة ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ)) دلالاته وحججه ((لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) الى الحق والى طريق مستقيم، وماورد في بعض الأحاديث أن المراد من حبل الله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أو القرآن فإنما هي مصاديق جليّة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 104 | وحيث أنقذكم الله من الهلاك، وهداكم فمن الجدير أن تهدوا سائر الناس ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ))، أي يجب أن يكون منكم جماعة ((يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)) كل خير من الإسلام والدين والأحكام وغيرها ((وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)) والمعروف كل فعل حسَّنه الشرع أو العقل سواء وصل الى حدّ الوجوب أم الى حدّ الندب، وإنما سمّي معروفاً لأن الناس يعرفونه ((وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) وهو بعكس المعروف كل ما يقبِّحه الشرع أو العقل وسمّي منكراً لأن الناس ينكرونه ((وَأُوْلَئِكَ)) الذين يتّصفون بهذه الصفات الثلاث ((هُمُ الْمُفْلِحُونَ))، أي الفائزون الناجون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 105 | ((وَلاَ تَكُونُواْ)) أيها المسلمون بعد الأُلفة والأخوّة ((كَالَّذِينَ)) من قبلكم تألّفت قلوبهم بسبب الأنبياء ثم ((تَفَرَّقُواْ)) شيعاً وأحزاباً ومذاهب ومبادئ ((وَاخْتَلَفُواْ)) فأخذ كل فريق منهم جانباً ((مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ)) الأدلة الواضحة على على وحدة العقيدةوالمبدء وأركان الإيمان ((وَأُوْلَئِكَ)) الذين اختلفوا وخالفوا الحق منهم ((لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) حيث بدّلوا وغيّروا وحرّفوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 106 | ثم بيّن سبحانه أن ذلك العذاب العظيم في أيّ وقت يكون، إن العذاب يكون في ((يَوْمَ)) هذه صفته ((تَبْيَضُّ)) فيه ((وُجُوهٌ)) هي وجوه المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وابيضاض الوجه كناية عن فرحه ونضارته وتنعّمه ((وَتَسْوَدُّ)) فيه ((وُجُوهٌ)) هي وجوه الكافرين، واسوداده حقيقة فإن الوجه عند الهم الكثير يميل لونه الى السواد والكدرة لتهاجم الدم ونحوه، أو كناية عن كلوحه وبؤسه وهمومه ((فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)) يُقال لهم ((أَكَفَرْتُم)) على نحو الإستفهام التوبيخي ((بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) أما أن يُراد الإيمان الحقيقي بأن يكون المراد منهم الذين اختلفوا وتفرّقوا وارتدّوا بعد الإيمان، وأما أن يُراد الإيمان الفطري فإن كل إنسان مؤمن فطرة كما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : "كلّ مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه" ((فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ))، أي بسبب كفركم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 107 | ((وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ)) وهم المؤمنون الذين عملوا الصالحات ((فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ)) ثوابه ورضوانه وجنته ((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبد الآبدين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 108 | ((تِلْكَ)) التي ذكرت في أحوال المؤمنين والكافرين وغيرها ((آيَاتُ اللّهِ)) علائمه ودلائله وحججه ((نَتْلُوهَا عَلَيْكَ)) يارسول الله ((بِالْحَقِّ)) فإن التلاوة قد تكون بالباطل إذا كان المتلو أو الغرض من التلاوة باطلاً ((وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ))، أي لا يريد أن يظلم أحداً، فقد تقرر في علم الكلام أن إرادة الظلم -كالظلم نفسه- قبيحة فما يصير إليه حال الكافرين من إسوداد وجهه ليس ظلماً له وإنما يكون بالعدل وجزاء عمله.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:50 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 109
| ((وَ)) كيف يريد الله ظلماً والحال أنه ((لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) والظلم ينشأ من الإفتقار فهو الغني المطلق ((وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ)) أمور الخلق فإن الله سبحانه يعيد المخلوق ليجازيهم، وهذا تشبيه بالرجوع المادي الذي يكون بين الحاكم والمحكوم حيث يُساق المحكوم نحو الحاكم ليحكم عليه، وإذ كان الأمر يرجع الى الله فلا يظن الكافر أنه يتمكن من الفرار عنه سبحانه حتى لا يُعاقَب بما عمل من السيئات.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 110 | ويرجع السياق هنا الى ما تقدّم من لزوم الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((كُنتُمْ)) أيها المسلمون، و"كان" لمجرد الربط، لا بمعنى الماضي ((خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))، أي خير جماعة ظهرت للناس، فإن كل أمة تظهر للناس في فترة ثم تختفي وتغيب لتأخذ مكانها أمة أخرى، وإنما كان المسلمون خير أمة لخصال ثلاث بها تترقى الأمم الى الأوج هي ((تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) فإن المجتمع إذا خلى عن هذين الواجبين أخذ يهوي نحو السفل لما جُبل عليه من الفساد والفوضى والشغب، فإذا تحلّى المجتمع بهذين الأمرين أخذ يتقدّم نحو مدارج الإنسانية والحضارة الحقيقية حتى يصل الى قمة البشرية ((وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) إيماناً صحيحاً لا كإيمان أهل الكتاب والمشركين، والإيمان الصحيح بالله رأس الفضائل فإنه مع قطع النظر عن كونه إدراكاً لأعظم حقيقة كونية محفّز شديد نحو جميع أنواع الخير ومنفّر قوي عن جميع أصناف البشر ((وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ)) إيماناً صحيحاً لعدم الشرك وقبول قول الله سبحانه في نبوة نبي الإسلام محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((لَكَانَ)) إيمانهم ((خَيْرًا لَّهُم)) في دينهم ودياهم حتى تنظم دنياهم على ضوء الإسلام فتخلو من الجهل والمرض والفقر والرذيلة ويكونون في الآخرة سعداء ينجون من عذاب الله، وليس المراد بـ "خير" معنى التفضيل بل هو تعبير عُرفي، حيث يظهر للناس أنهم في خير في الجملة، وعلى هذا يكون إيمانهم أكثر خيراً وأفضل، ثم بيّن سبحانه أن ليس كل الذين كانوا من أهل الكتاب بقوا على طريقتهم فإن ((مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ)) بالله وبالنبي وبما جاء به كالنجاشي وابن سلام وغيرهما ((وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) الخارجون عن طاعة الله باتباع أهوائهم المضلّة طرايقهم الزائفة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 111 | ولقد كان كفار أهل الكتاب يؤذون المؤمنين منهم خاصة وسائر المؤمنين عامة وكان المؤمنون من حيلهم ومؤامراتهم في قلق واضطراب، ولذا هدّء الله سبحانه من روع المؤمنين بقوله ((لَن يَضُرُّوكُمْ))، أي لن يضر أهل الكتاب إياكم أيها المؤمنون ((إِلاَّ أَذًى)) يسيراً فإن مؤامراتهم تفشل وحيلهم تخسر ولا يبقى إلا تشويشات وإشاعات وهي مما لا تضر ضرراً معتدّاً به، أما مايظن المسلمون أنهم يتمكنون من إقتلاع جذورهم وإبادة دينهم فإن يكون ذلك أبداً بل المسلمون هم المنصورون ((وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ)) جمع دُبُر في الظهر، أي ينهزمون فارّين ((ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ))، أي لا ينصرهم أقوالهم لما أُلقي في قلوبهم من رعب الإسلام وخوف من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان مصب الآية الكريمة اليهود فهم المعنيون بهذا الكلام بقرينة الآية التالية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 112 | ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ))، أي ضربها الله عليهم فهم أذلاّء الى الأبد وهي ثابتة لهم ومحيطة بهم وأيّة ذلّة أعظم من أنه ليست لهم دولة مستقلة وهم مهانون دائماً وجميع الدول تطاردهم إلا في ظرف مصلحتها الخاصة فهم كالعبيد المسخرة إن إستفاد مولاهم أطعمهم وإلا طردهم ((أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ))، أي وُجدوا ((إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ))، أي إلا إذا تمسّكوا بحبل الله تعالى بالإيمان به وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبما جاء به حتى يكونوا كالمسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ((وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ))، أي تمسّكوا بحبل دولة قوية تحميهم، والواو للتقسيم نحو الكلمة إسم وفعل وحرف، لا للجمع ((وَبَآؤُوا)) أُرجعوا ((بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ)) فكان الناس جائوا للإغتراف من مناهل الإسلام وكانت اليهود فيهم فالناس رجعوا بالإسلام وحب الله سبحانه وهؤلاء رجعوا بالكفر وغضب الله تعالى ((وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ))، أي الفقر الروحي الذي هو أعظم أقسام المسكنة فإن أرواحهم تهفوا الى المادة أكثر من روح أي فقير مسكين وهم على ثروتهم الظاهرة من أفقر الخلق نفساً وروحاً ((ذَلِكَ)) العقاب الدنيوي لهم ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ)) فموسى نبيهم كان منهم في نصب وتعب فإنهم ما خرجوا من البحر إلا قالوا : ياموسى إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، واتخذوا العِجل، وآذوا موسى الى غير ذلك ((وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ))، أي كانوا يقتلونهم، وبغير حق : تأكيد، إشارة الى أنه لم يكن لهم حق في قتلهم حتى ظاهراً، فإنهم يقتلون الأنبياء لمجرد الدعوة الى الله والإرشاد والوعظ، لا لأنهم قتلوا منهم أحد أو نهبوا مالاً أو نحو ذلك، -وإن كان الأنبياء لو فعلوا ذلك كان بأمر الله وبالحق- لكن الأنبياء لم يكونوا فعلوا حتى ذلك -كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) : "بِمَ تستحلّون دمي؟ أعَلى قتيل قتلته منكم؟" الى آخر كلامه- ((ذَلِكَ))، أي كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ((بِـ)) سبب ((مَا عَصَوا))، أي عصيانهم لأوامر الله سبحانه سبّب الكفر والقتل وهما سببا نقمة الله ولعنته ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) يتجاوزون الحدود الدينية والبشرية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 113 | ولمرة أخرى إستثنى القرآن الحكيم مَن آمن من أهل الكتاب، وإنه ليس كغيره ممن بقى على كفره وعناده وقد نزلت -كما قيل- حين أسلم جماعة من أهل الكتاب فقال الكفار منهم أنهم أشرارنا ((لَيْسُواْ سَوَاء))، أي ليس أهل الكتاب متساويين في ما تقدّم لهم من الصفات، ثم إبتدء قوله سبحانه ((مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ)) على الحق لا زائفة زائلة، وهم الذين آمنوا بالإسلام ((يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ)) المنزلة في القرآن المجيد ((آنَاء اللَّيْلِ)) ساعاته وأوقاته، فإن لقراءة القرآن في الليل أثراً كبيراً حيث أن هدوء النفس وهدوء الجو يوجبان وقوع الآيات في النفس أكثر من النهار ((وَهُمْ يَسْجُدُونَ)) لله سبحانه ويخضعون له بالصلاة والتعفير.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:50 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 114
| ((يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) إيماناً صحيحاً ((وَ)) يؤمنون بـ ((الْيَوْمِ الآخِرِ)) عن حقيقة فإن مَن آمن حقيقة بالحساب إنقلع عن الكفر والمعاصي ((وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)) فإن المعتقد بيوم الحساب يُسارع في الخير حيث لا يدري أي يوم يموت فينقطع عمله ولا يتمكن من المزيد وكان الإتيان بباب المفاعلة للإشارة الى تسابق بعضهم بعضاً ((وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)) الذين يُصلحون ولا يُفسدون، وبتعبير آخر أعضاء صالحة في المجتمع وليسوا كما ذكر الكفار من أهل الكتاب أنهم أشرارهم، بل هم من أفضل الأخيار والصلحاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 115 | ((وَمَا يَفْعَلُواْ))، أي ما يفعله هؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب ((مِنْ خَيْرٍ)) من طاعة وعبادة ((فَلَن يُكْفَرُوْهُ))، أي لن يمنع عنهم جزائهم بخلاف سائر الكفار الذين تُحبط أعمالهم لكفرهم كرماد إشتدت به الريح في يوم عاصف ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)) يعلم أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم على حسناتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 116 | ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) بالله ورسوله ((لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ))، أي لن تفيد لهم ولن تدفع العذاب عنهم ((أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم)) فالمال والولد إنما ينفعان في الدنيا حيث يردّان المكروه بالرشوة والهدية والصلة، والمدافعة والمناصرة ((مِّنَ اللّهِ))، أي من عقاب الله وعذابه ((شَيْئًا)) ولو ضئيلاً ((وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)) الذين يلازمونها كما يُقال صاحب فلان لمن يلازمه ((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد، وقد تكرر أن الخلود للمعاند كما في دعاء كميل "من المعاندين" أما القاصر فإنه يُمتحن هناك كما دلّ عليه العقل والشرع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 117 | وحيث تقدّم حال المؤمن وحال الكافر، ذكر حال إنفاق الكافر مقابلة لما تقدّم من خير المؤمن في قوله (وما يفعلوا من خير) ((مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ))، أي ينفقه الكفار ((فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) وكان ذكر هذه الخصوصية مع وضوحها للإشارة الى أن الحياة التي هي مزرعة ومن المقتضى أن ينمو ويبقى أثره للإنتفاع به في الآخرة، لا ينفع الكافر ((كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ)) الصِر هو البرد الشديد، أو السموم الحارة ((أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ)) فإنفاقهم كالحرث وكفرهم الموجب لبطلانه كالريح السامة ((ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ)) بأن زرعوا في غير موقع الزراعة في مهب الأرياح أو في غير أوانه كالشتاء مثلاً لو زرعوا بذور الصيف، أو المراد ظلموا أنفسهم بالمعصية فسلّط الله عليهم الريح كما قال (ولو أن أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وإنما أوتي بهذه الجملة لظلم الكفار أنفسهم كظلم صاحب الحرث ((فَأَهْلَكَتْهُ))، أي أهلكت الريح الحرث -وهو الزرع- ((وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ)) في إبطال نفقاتهم، أو في إهلاك الريح حرثهم ((وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) بكفرهم أو بظلمهم، ولا يخفى أن قوله "مثل ما يُنفقون" "كمثل ريح" ليس المراد أن الإنفاق كالريح، بل يضرب المثل فيما كان المجموع من الأصل والشبه مرتبطين وإن كان مفردات الشبه لم تُذكر حسب السياق اللفظي، كما تقول "مثل زيد في تكلمه كمثل صوت الحمار" فالجملة شبهت بالجملة لأن الصوت شبهت بزيد والحمار بالتكلم كما يقتضيه السياق اللفظي في الترتيب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 118 | وفي سياق الكلام عن أحوال أهل الكتاب وبيان أنهم مختلفون مع المسلمين في العقيدة والعمل يأتي دور أن المسلم لا ينبغي له أن يتخذ صديقاً من هؤلاء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ))، أي لا تتخذوا الكفار الذين هم غير المسلمين بطانة، وهي خاصة الرجل الذي يسرّ إليه بأمره ويستبطن خبره من بطانة الثوب الذي يلي البدن لقربه منه، و"من" للتبيين كأنه قال بطانة من المشركين، فقد كان المسلمون يواصلون رجالاً من أهل الكتاب لسابق صداقة أو قرابة أو جوار أو نحوها فنُهوا عن ذلك، ثم بيّن سبحانه سبب ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بـ "دونكم" المنافقين، كما في بعض التفاسير بدليل قوله "قالوا آمنّا" فإنهم ((لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً)) لا يألونكم أي لا يقصرون بالنسبة إليكم، والخبال الفساد، أي هؤلاء البطانة لا يقصرون في فساد أمركم ولا يتركون جهدهم في مضرتكم ((وَدُّواْ))، أي أحبّوا ((مَا عَنِتُّمْ))، أي عنتكم، والعنت المشقة، وهذه كلها من صفات الأعداء ((قَدْ بَدَتِ))، أي ظهرت ((الْبَغْضَاء)) والعداوة ((مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)) فإن فلتات كلامهم تدل على عداوتهم الكامنة ((وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ)) من الحقد لكم والعداوة ((أَكْبَرُ)) مما تظهر من ألسنتهم ((قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ)) أيها المسلمون المؤمنون ((الآيَاتِ)) والحجج التي بها تميّزون الصديق من العدو ((إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)) لكم عقل وإدراك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 119 | ثم بيّن سبحانه أنه كيف يمكن أن يحب المؤمن هؤلاء مع أنهم أعدائه ومع الإختلاف بينهم في العقيدة ((هَا)) تنبيه ((أَنتُمْ أُوْلاء))، أي الذين ((تُحِبُّونَهُمْ))، أي تحبون هؤلاء الكفار ((وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ)) لأنهم يريدون لكم الكفر والضلالة ((وَتُؤْمِنُونَ)) أنتم ((بِالْكِتَابِ كُلِّهِ)) وهم لا يؤمنون إلا ببعض الكتاب أما بعض الكتاب الآخر الذي فيه أوصاف محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإيمان به فلا يؤمنون به، أو المراد بـ "كله" أي جنس ما نزل على أنبياء الله، بخلافهم فإنهم لا يؤمنون بكتاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَإِذَا لَقُوكُمْ)) من الملاقات، أي رأوكم ((قَالُواْ آمَنَّا)) نفاقاً منهم لا أن الإيمان دخل قلوبهم، ويُحتمل أن يُراد الكفار، فإن من يتظاهر بالصداقة كثيراً ما يظهر قبول ما عليه صديقه مع أنه ليس بصبغة صديقه، وهذا بناءً على أن قوله "من دونكم" للكفار لا للمنافقين ((وَإِذَا خَلَوْاْ))، أي خلى بعضهم مع بعض ((عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ))، أي يعضون أطراف أصابعهم ((مِنَ الْغَيْظِ)) عليكم كيف تقدمتم وقوي دينكم ((قُلْ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم ((مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ)) فإن الغيظ لا يبرحكم فإن المسلمين يتقدمون ويستمرون في أعمالهم، أو دعاء عليهم ((إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) التي تضمن النفاق والكيد للمسلمين، فيجازيهم بما إقترفوه من الآثام والذنوب و"ذات الصدور" بمعنى بتلك الصدور.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:51 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 120
| وكيف تتخذونهم بطانة والحال أن صفتهم هكذا ((إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ))، أي يصبكم خير، من المس بمعنى الإصابة ((تَسُؤْهُمْ))، أي تحزنهم ((وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ))، أي بليّة ومصيبة بإصابة العدو منكم أو فقر أو موت أو نحوها ((يَفْرَحُواْ بِهَا))، أي بسببها -كما هو حال العدو مع عدوه- ((وَإِن تَصْبِرُواْ)) على أذيتهم، وعلى مقاطعتهم إياهم الذي يجرّ إليكم عدائهم الظاهري، فإن كثيراً من الناس يخافون من مقاطعة المنافقين ائلا يبتلوا بعدائهم في الظاهر ((وَتَتَّقُواْ)) الله سبحانه حتى يكون هو نصيركم ((لاَ يَضُرُّكُمْ)) أيها المؤمنون ((كَيْدُهُمْ)) ومكرهم وحيلتهم ضدكم ((شَيْئًا)) لأنه سبحانه ينصركم ((إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ)) هم جميعاً المؤمنون والمنافقون ((مُحِيطٌ))، أي عالم بجميع أعمالهم، كالمحيط من الأجسام الذي لا يخلو منه طرف من المحاط، فيجازيهم أعمالهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 121 | وهنا يستعرض القرآن الحكيم قصة تدل على مدى تطبيق أحوال المنافقين التي سبقت على الواقع الخارجي، وإن الله كيف ينصر المسلمين في أحوج الساعات وأحلك الظروف، وذلك في غزوة أُحد حين خرجت قريش من مكة يريدون حرب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالنتخب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) موضعاً للقتال وعباد أصحابه الذين بلغوا سبعمائة رجل فجعل عبد الله بن جبير في خمسين من الرمات على باب شعب في الجبل ليحفظوا حتى لا يهاجم العدو من خلف المسلمين فقال لهم لا تبرحوا من هذا المكان والزموا مراكزكم إن غَلبنا أو غُلبنا فلما انهزمت قريش وأخذ المسلمون ينهبون ثقلهم قال أصحاب إبن جبير له : قد غَنِم أصحابنا ونحن نبقى بغير غنيمة، فقال لهم : إتقوا الله فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهانا أن نبرح أماكننا، فلم يقبلوا منه وأخذوا ينسل الرجل منهم فالرجل حتى خلت المراكز وبقي عبد الله في إثنى عشر رجلاً وغَنِم الكفار هذا الأمر فجاء خالد بن الوليد مع أصحابه وفرّقوا مَن بقي من المسلمين وقتلوهم على الشِعب وهجموا على المسلمين من خلفهم وهم مشتغلون بالنهب ورجع الكفار فطوّقوا المسلمين من جوانبهم ففرّ المسلمون ولم يبق مع الرسول إلا علي (عليه السلام) وأبو دجانة وقُتل من المسلمين جمع كثير بلغوا السبعين وفيهم حمزة عم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسد الله وأسد رسوله ((وَإِذْ غَدَوْتَ))، أي خرجتَ ((مِنْ أَهْلِكَ))، أي من المدينة غدوة، يارسول الله ((تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ))، أي تهيّء لهم مراكز ((لِلْقِتَالِ)) في قصة أُحُد ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأقوالك ((عَلِيمٌ)) بما تنويه من حب الخير والهداية للناس عامة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 122 | ((إِذْ هَمَّت)) وعزمت ((طَّآئِفَتَانِ))، أي جماعتان ((مِنكُمْ)) أيها المسلمون، وهما بنو سلمة وبنو حارثة ((أَن تَفْشَلاَ)) وتجبنا وترجعا عن القتال وذلك لأن إبن أبي سلول المنافق جبّنهما عن لقاء العدو فهمّا بالرجوع لكنهما لم يفعلا ((وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا)) ناصرهما فله الفشل والخوف ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) والتوكل معناه تفويض الأمر إليه سبحانه (ومن يتوكّل على الله فهو حسبه).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 123 | ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ)) أيها المسلمون ((بِبَدْرٍ)) في وقعة بدر وهو إسم بئر كانت هناك فسميت الغزوة بإسمها ((وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)) جمع ذليل لأن عَددهم وعُددهم كانت قليلة لا تقوى على المقاومة ((فَاتَّقُواْ اللّهَ)) ولا تتوانوا عن الجهاد بعدما رأيتم نصرة الله في بدر وهذا لأجل تقوية قلوبهم في أُحُد وتصديق لقوله (والله وليّهما) ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))، أي نصركم لتقوموا بشكر نعمه عليكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 124 | ((إِذْ تَقُولُ)) يارسول الله ((لِلْمُؤْمِنِينَ)) في غزوة بدر ((أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ)) وذلك لتقوية قلوب المؤمنين وبيان أن الله أرسل ملائكة لتقويتهم وتعزيز مركزهم، وهذا تذكير للمسلمين في أُحُد بسابق نصر الله لهم ((مُنزَلِينَ)) أنزلهم الله سبحانه لنصرة المسلمين ولقد حاربوا الكفار وقتلوا منهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 125 | ((بَلَى)) ليس الإمداد في يوم بدر بثلاثة آلاف فقط، بل قال لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر -تقوية لقلوبهم- ((إِن تَصْبِرُواْ)) على الجهاد ((وَتَتَّقُواْ)) المعاصي ((وَيَأْتُوكُم)) الكفار ((مِّن فَوْرِهِمْ))، أي فورانهم مندفعين عاجلاً نحوكم ((هَذَا)) الذي شاهدتموه إذ أتوكم كالسيل، فإن المسلمين خانوهم عند مجيئهم لما رأوا من كثرتهم ((يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم)) والإمداد إرسال المدد ((بِخَمْسَةِ آلافٍ)) أُخر -غير ثلاثة آلاف- ((مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ)) من سوّم الخيل إذا علّمته بعلامة، أو علّموا أنفسهم بعلامة حيث كانت عليهم عمائم بيض وأرسلوا أذنابها بين أكتافهم، وهناك قول آخر هو أن قوله تعالى "بلى" لموضوع أُحُد، فإن الكفار همّوا بالرجوع مرة ثانية بعد أن نالوا من المسلمين ما نالوا وخالف المسلمون فوعدهم الله تعالى أنهم رجعوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة، لكن السياق يؤيد المعنى الأول، والله أعلم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 126 | ثم بيّن سبحانه أن إنزال الملائكة والوعد به ليس لأجل أنهم السبب في نصر المسلمين، بل لأجل البشارة وأما النصر فإنه من قبل الله وحده ولو بدون الملائكة حتى يتقوى قلوب المسلمين في الجهاد ((وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ))، أي ما جعل إنزال الملائكة والوعد به ((إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ))، أي بشارة لكم أيها المسلمون ((وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ))، أي بهذا الإنزال والوعد ((وَمَا النَّصْرُ))، أي ليس العون ((إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ)) في سلطانه ((الْحَكِيمِ)) في أموره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 127 | أما حكمة نصر المسلمين على أعدائهم في هذه الغزوة وسائر الحروب ((لِيَقْطَعَ))، أي يفصل ((طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) الطرف من الأنفس بالقتل، ومن الأراضي بالفتح، ومن الأموال بالغنيمة ((أَوْ يَكْبِتَهُمْ))، أي يُخزيهم حتى يُرغموا وتقل شوكتهم ((فَيَنقَلِبُواْ)) الى أهليهم ((خَآئِبِينَ)) لم ينالوا بغنيمتهم بل إنعكس الأمر فكُبتوا ورُغموا.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:52 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 128
| ((لَيْسَ لَكَ)) يارسول الله ((مِنَ الأَمْرِ)) المرتبط بهؤلاء الكفار ((شَيْءٌ)) فإن النصر والهزيمة والكبت كلها مرتبطة بإرادة الله سبحانه كما قال سبحانه (ومارميت إذ رميت ولكن اله رمى) وقال (هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم) ثم رجع السياق الى تتميم قوله في الآية السابقة "أو يكبتهم" ((أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)) بأن تكون نصرة المؤمنين على الكفار سبباً لهداية جماعة منهم الى الإيمان فيتوب الله سبحانه عليهم فيما فعلوا سابقاً من الكفر والعصيان ((أَوْ يُعَذَّبَهُمْ)) بأن تظفروا عليهم فتأسروهم ((فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)) فتعذيبهم ليس ظلماً من الله عليهم بل لظلمهم أنفسهم فالأمر ليس بيدك يارسول الله، وإنما ينصر الله المؤمنين لأحد أغراض أربعة : قطع طرف منهم، أو هزيمتهم وإرغامهم، أو هدايتهم، أو تعذيبهم، والإعتراض بجملة "ليس لك" لتركيز كون النصر من عند الله، فإن إعتراض جملة في وسط جملة متسقة توجب إلفات الذهن وتركيز المطلب أكثر من بيان الجملة في موقعها الطبيعي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 129 | ليس لك شيء ((وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) فيفعل ما يشاء بمن يشاء فإنه تصرف في ملكه لحكمة وغاية ((يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء)) ممن إستحق الغفران بالطاعة والتوبة ((وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)) ممن إستحق العذاب بالكفر والعصيان ((وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) فتعذيبه أقل من غفرانه فقد سبقت رحمته غضبه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 130 | ويرجع السياق هنا الى الربا والإنفاق مما مرّ بنا سابقاً، لمناسبة أن الربا من أسباب العذاب، والإنفاق من أسباب الغفران ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً)) فإن من شأن الربا أن يتضاعف مرات ومرات فإن ربا الألف لو كان خمسيناً يصبح ربا الألف والخمسين -في سنة ثانية- ألفاً ومائة وإثنين ونصف وهكذا يتضاعف الربا، ويمتص مال الفقراء وعملهم الذي به يسدّدون الدَين والربا معاً ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا عقابه ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي لكي تفوزوا بالثواب والنعيم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 131 | ((وَاتَّقُواْ النَّارَ)) فلا تفعلوا ما يوجبها ((الَّتِي أُعِدَّتْ)) وهُيّئت ((لِلْكَافِرِينَ)) الذين يكفرون في الإعتقاد أو في العمل، أو المراد الكفار العقائديون والتخصيص بهم من أن العصاة أيضاً يذهبون الى النار، إن دوامها وبقائها عليهم، أو إنهم معظمهم أهلها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 132 | ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ)) فيما يأمركم وينهاكم وذكر الرسول للتعظيم وإفادة أن أمره أمر الله سبحانه ((لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))، أي لكي تُرحموا في الدنيا والآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 133 | ((وَسَارِعُواْ))، أي بادروا ((إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ))، أي سبب المغفرة وهو الأعمال الصالحة الموجبة لغفرانه سبحانه ((وَ)) الى ((جَنَّةٍ عَرْضُهَا))، أي سعتها -لا العرض مقابل الطول ((السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)) فهي وسيعة وسعة السماوات والأرض التي لا نهاية لها في التصور -فإن الفضاء الذي يعبّر عنه بالسماء مما لا يصل الفكر الى آخره ونهايته- ((أُعِدَّتْ)) وهُيّئت ((لِلْمُتَّقِينَ))، أي الذين يتّقون المعاصي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 134 | ثم بيّن المتّقين بقوله سبحانه ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ)) أموالهم ((فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء))، أي في حالتي اليسر والعسر أو حالتي السرور والإغتمام ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)) الذين يكظمون غيظهم وغضبهم ويترجعونه فلا ينتقمون ممن سبّب غيظهم ((وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)) يعفون عنهم إذا ظلموهم ((وَ)) من فعل ذلك فهو محسن الى نفسه والى الناس و ((اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) ولا يخفى أن المتّقي هو الذي يجمع الصفات الحميدة كلها لكنها نُثرت في القرآن الحكيم بمناسبات نفسّر المتّقي في كل مكان ببعض صفاته كتناثر الزهور في أطراف الحديقة وإن كانت الحديقة تتركّب من المجموع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 135 | ((وَالَّذِينَ)) عطف على "الذين يُنفقون"، أي أن المتّقين هم الذين ((إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً))، أي معصية تفحّش، أي تتجاوز الحد ((أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ)) بما لا تبلغ حدّ الفاحشة من سائر أقسام المعاصي، فالفاحشة أخذ في مفهومها كون المعصية كبيرة ((ذَكَرُواْ اللّهَ))، أي تذكّروا نهي الله وعقابه ((فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ))، أي طلبوا غفران الله وندموا على ما فعلوا ((وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ)) وهو إستفهام إستعطافي فالقرآن الحكيم يستعطف المذنبين نحو التوبة والإستغفار ((وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ)) من المعاصي، بل إنقلعوا وندموا ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، أي يعلمون كون الفعل خطيئة، فلا يصرّون على الذنب مع علمهم به.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 136 | ((أُوْلَئِكَ)) المتّقون الذين هذه صفاتهم ((جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ)) يغفر ذنوبهم في الدنيا يسترها وفي الآخرة بالعفو عنها ((وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي من تحت نخيلها وأشجارها ((خَالِدِينَ فِيهَا)) أبد الآبدين ((وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) فإن الغفران والثواب من أفضل أجر العاملين فإنّ أيّ أجر لا يبلغ مثل هذا الأمر الدائم الوارف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 137 | ((قَدْ خَلَتْ))، أي مضت وسبقت ((مِن قَبْلِكُمْ)) أيها المخاطَبون ((سُنَنٌ)) جمع سُنّة بمعنى الطريقة، فقد كانت في الأمم السالفة طرائق، طريقة الحق وطريقة الباطل، طريقة الخير وطريقة الشر وهكذا ((فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ)) إذهبوا الى البلاد التي كانت فيها تلك الأمم المنقرضة ((فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ))، أي تعرّفوا الى أخبارهم حتى تعلموا أنهم لم يربحوا وإنما أتوا وكذّبوا الرُسُل وتأمروا ثم ماتوا ودُفنوا ولم يبق لهم ذكر طيب في الدنيا ولم تدم لهم النعمة التي من أجلها عملوا ما عملوا وإنما إنتقلوا الى عذاب الله سبحانه ليكون في ذلك عِبرة لكم فلا تكونوا من المكذّبين بل من المؤمنين المصدّقين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 138 | ((هَذَا)) القرآن، أو هذا الذي ذكرنا من أحوال المؤمن والكافر، وما قدّمناه من العِظة والإنذار ((بَيَانٌ لِّلنَّاسِ)) دلالة وحجّة وتوضيح لهم كيف ينبغي أن يسلكوا ويعملوا ((وَهُدًى)) يهديهم الى الحق ((وَمَوْعِظَةٌ)) وعظ وإرشاد ((لِّلْمُتَّقِينَ)) فإنهم هم الذين يستفيدون منه، وإن كان بياناً للناس عامة.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:53 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 139
| وهنا يرجع السياق الى ذكر غزوة أُحُد، لتشجيع المؤمنين وتصبيرهم على تحمّل المكاره، بعدما بيّن أحوال المؤمن والكافر، حتى تقوى عزيمتهم ويطمئن قلوبهم ((وَلاَ تَهِنُوا)) من الوهن، أي لا تضعفوا عن قتال الأعداء ((وَلاَ تَحْزَنُوا)) مما نالكم من القتل والجرح والهزيمة ((وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ)) الظافرون الغالبون فإن الظفر يذهب بحرارة الخسارة ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) فإن من كان مؤمناً لا يهن ولا يحزن فإن طاقة الإيمان تؤمّن الإنسان بالقوة والفرح، أما القوة فهي مستمدة من الله سبحانه وأما الفرح فللغلبة أو لثواب الله سبحانه فيما لو غُلب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 140 | ثم بيّن سبحانه أن ما نالوه من المكاره ليس خاصاً بهم بل نال الكافرون مثل ما نالوا فهم في ذلك سواء لكن المؤمنين يرجون ثواب الله سبحانه مما لا يترقّبه الكافرون فهم أجدر بالصبر والثبات وعدم الوهن والحزن ((إِن يَمْسَسْكُمْ))، أي يُصبكم أيها المسلمون في غزوة أُحُد ((قَرْحٌ)) جراح وألم في أثحُد فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ)) الكافرين ((قَرْحٌ مِّثْلُهُ)) في أُحُد حيث أُصيب الكفار بالألم والجرح أيضاً، أو المراد مسّهم القرح في بدر حيث قُتل من المشركين وهُزموا ((وَتِلْكَ الأيَّامُ)) أيام النصر والهزيمة وأيام الفرح ((نُدَاوِلُهَا))، أي نصرفها ((بَيْنَ النَّاسِ)) فيوم لهؤلاء على أولئك ويوم لأولئك على هؤلاء فإذا نصرنا المؤمنين كان ذلك لإيمانهم وإذا هُزموا كان إمتحاناً لهم (( وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ))، أي أن صرف الأيام ليتميّز المؤمن الحقيقي من غيره فإن عند تقلّب الأحوال يُعرف جواهر الرجال وعند الإمتحان يُكرم الرجل أو يُهان، ومعنى "ليعلم" أن معلومه سبحانه يقع في الخارج، لا أنه كان جاهلاً -سبحانه- ثم عَلِم، فإن العلم لما كان أمراً إضافياً بين العالم والمعلوم، يُقال عَلِم بإعتبارين : أما إعتبار العالِم فيما كان جاهلاً ثم عَلِم، وأما بإعتبار المعلوم فيما كان المعلوم غير خارجي ثم صار خارجياً ((وَ)) لـ ((يَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء))، أي أن مداولة الأيام لفوائد ومن جملة تلك الفوائد أن يتخذ الله سبحانه منكم مقتولين يستشهدون في سبيل الله ويبلغون الدرجات الراقية بالشهادة، أو ليكون جماعة شهيداً على آخرين بالصبر أو الجزع، بالثبات أو الهزيمة، فإن إيصال جماعة قابلة الى مرتبة أن يكونوا شهداء نعمة وغرض رفيع، لكن المعنى الأول أقرب ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بالكفر أو بالهزيمة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 141 | ((وَ)) من فوائد تداول الأيام بين الناس أنه ((لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ))، أي يخلّصهم من المنافقين فيتبيّن المؤمن من المنافق، أو يخلّصهم من الذنوب، فإنّ بالأهوال تُذاب الذنوب، وبالشدائد تُكفَّر الخطايا ((وَ)) لـ ((يَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) يهلكهم، فإنّ الكفار ينقصون شيئاً فشيئاً حتى يهلكوا جميعاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 142 | ثم يبيّن سبحانه فائدة أخرى لتداول الأيام وهي أن المؤمن لا يدخل الجنة بمجرد إظهار الشهادتين وإنما اللازم أن يجاهد ويعمل وفي تداول الأيام يحصل هذا العمل وهذا الإمتحان المؤهِّل لدخول الجنة، لكنه جاء الكلام في صورة الإستفهام تلويناً في الكلام وتفنّناً في التعبير ((أَمْ حَسِبْتُمْ))، أي هل حسبتم وظننتم أيها المسلمون ((أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ)) بمجرد الإيمان بدون الإمتحان ((وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ))، أي لم يقع منكم جهاد جتى يتعلّق علم الله به ((وَ)) لما ((يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) فلم يقع منهم صبر حتى يتعلّق به علم الله سبحانه ودخول الجنة بدون الجهاد والصبر لا يكون، فتداول الأيام يوجب جهاد المؤمنين وصبرهم حتى يتأهلوا لدخول الجنة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 143 | ثم يشير القرآن الحكيم الى تأنيب المؤمنين في موقفهم يوم أُحُد، حيث أن جماعة منهم قبل الغزوة كانوا يتطلّعون الى الجهاد ويتمنّون الإستشهاد ثم فرّوا منهزمين، وفوق ذلك أن إيمان بعضهم كانت بمثابة من الوهن حتى إنهم لما سمعوا بموت الرسول أرادوا أن يرتدّوا ((وَلَقَدْ كُنتُمْ)) أيها المؤمنون ((تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ)) ولقاء الموت كناية عن لقاء مقدماته والوقوع في الأهوال المنتهية إليه ((فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ)) في الغزوة إذ رأيتم غَلَبة الكفار وقتل جماعة من المؤمنين ((وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ))، أي تشاهدون المعركة، وهذا تأكيد لمعنى "رأيتموه" حتى لا يتوهّم أحد أن الرؤية كانت بالقلب، فإن "رُأي" يستعمل بمعنى علم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 144 | ((وَمَا مُحَمَّدٌ)) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِلاَّ رَسُولٌ))، أي ليس هو إلهاً لا يموت وإنما هو بشر إختاره الله للرسالة فيجري عليه ما يجري على البشر من الموت والقتل، وليس بدعاً جديداً بل ((قَدْ خَلَتْ))، أي مضت وتقدّمت ((مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ)) الذين جرت عليهم سُنّة الله من الموت ومفارقة الحياة ((أَفَإِن مَّاتَ)) موتة إعتيادية ((أَوْ قُتِلَ)) واستشهد ((انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) إستفهام إنكاري توبيخي، أي لم يكن حالكم هكذا، حتى ترتدّوا بموت النبي، وكنّى عن الإرتداد بالمشي القهقري الذي هو رجوع نحو الوراء ((وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ))، أي من يرتدّ عن دينه ((فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا)) إذ الله سبحانه غني مطلق لا يحتاج الى إيمان أحد حتى يضره إرتداده ((وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)) الذين يشكرون نعمة الإيمان ويثبتون عليه فإن الإرتداد من أعظم أقسام الكفران كما قال (بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 145 | وهنا تلميح الى عتاب آخر موجّه نحو المسلمين في إنهزامهم يوم أُحُد خوف الموت، فلِمَ الفرار؟ أمِن خوف الموت؟ وليس الموت إلا بإذن الله تعالى، وما قُدّر من الأجل للإنسان، فالفرار وعدمه شيئان بالنسبة الى الوقت المحدّد لحياة الإنسان ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ)) أن النفوس ليست هملاً حتى تموت من تموت وتبقى من تبقى بأسباب عادية من غير توسّط مشية الباري سبحانه فإن الموت لا يكون ((إِلاَّ بِإِذْنِ الله)) ومشيئته ((كِتَابًا مُّؤَجَّلاً))، أي كتب الله ذلك الوقت في اللوح المحفوظ كتاباً ذا أجل ومدة محدودة معلومة ((وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا)) وخيرها وتعب وعمل لأجل المنافع الدنيوية ((نُؤْتِهِ مِنْهَا)) فإن الإنسان الذي عمل يرى نتيجة عمله ((وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ)) وخيرها وعمل لأجل ثواب الآخرة ((نُؤْتِهِ مِنْهَا)) بقدر ما عمل فارغبوا أيها المسلمون في ثواب الله وأجره الأخروي بالجهاد والثبات ولا تفرّوا كما فررتم في أُحُد ((وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)) جزاءً حسناً، ومن الشكر أن يعرف الإنسان قيمة ما خوّله الله سبحانه من الإسلام ووفّقه للجهاد بين يدي رسوله لإعلاء كلمة الله، فمن شكر ذلك يُجزى جزاء الشاكرين.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:53 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 146
| وما لكم أيها المسلمون وهنتم في غزوة أُحُد وفررتم، أليس لكم الإقتداء بالمؤمنين السابقين الذين كانوا مع الأنبياء يصمدون في وجه الباطل ((وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)) فإن كثيراً من الأنبياء قاتل وجاهد معه وتحت لوائه أُناس من المؤمنين منسوبون الى الرب تعالى بالطاعة والعبادة والإيمان، أو بمعنى أخيار فقهاء ((فَمَا وَهَنُواْ))، أي ما فتروا ((لِمَا أَصَابَهُمْ)) من القتل والسلب والجروح والقروح ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) للتنبيه على أن شدائدهم كانت في سبيل الله سبحانه ((وَمَا ضَعُفُواْ)) عن عدوهم ((وَمَا اسْتَكَانُواْ))، أي ما خضعوا ولا تضرعوا لعدوهم ((وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) الذين يصبرون في الشدائد وفي الحروب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 147 | ((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ))، أي قول أولئك الربّيّون عند الجهاد وملاقات الأعداء ((إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) فكانوا يستغفرون عند اللقاء مما فات منهم من الذنوب إستعداداً للقاء الله سبحانه طاهرين ((وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا))، أي تجاوزنا الحدود وتفريطنا وتقصيرنا ((وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)) حتى لا تزل أمام الأعداء فتنهزم ((وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) فهم جاهدوا وجلين من ذنوبهم لم يطلبوا إلا العفو في تواضع وخشوع، ولم يقصدوا إلا نصرة الدين على القوم الكافرين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 148 | ((فَـ)) جزاءً على ما سلف منهم من الصبر والثبات والجهاد في خشوع وتواضع ((آتَاهُمُ اللّهُ))، أي أعطاهم الله سبحانه ((ثَوَابَ الدُّنْيَا)) بالفتح والغلبة والعزة والرفاه ((وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ)) بجنات تجري من تحتها الأنهار، أي ثواب الآخرة الحسن، والإتيان بكلمة "حسن" هنا دون "ثواب الدنيا" لعله للإشارة الى أن ثواب الآخرة هو الذي يوصف بالحسن، أما الدنيا فإنها زائلة فلا قيمة معنوية لثوابها، أو المراد أحسن أقسام ثواب الآخرة الذي لا يُعطة إلا المجاهدون، بخلاف الدنيا فإن ثوابها عام للبَر والفاجر ((وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) ومحبة الله سبحانه فوق كل ثواب كما قال (ورضوان من الله أكبر).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 149 | لما إشتدّ الأمر يوم أُحُد أخذ جماعة من المنافقين يدعون الناس الى الإرتداد عن دينهم حتى يستريحوا فأنزل الله فيهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) من المنافقين، أو من اليهود والنصارى الذين أخذوا يشيعون أن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قُتل فارجعوا الى دينكم وعشائركم ((يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) كفاراً كما كنتم ((فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ)) قد خسرتم الدنيا والدين، فإن دنيا الجاهلية كانت فوضى وفقراً ورذيلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 150 | ((بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ))، أي هو أولى بأن تُطيعوه من الكفار والمنافقين، وهو ينصركم على أعدائكم ((وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)) لأن في نصرته خيراً للدارين بخلاف نصرة غيره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 151 | ((سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ))، أي نقذف الخوف والفزع حتى تغلبوهم وهكذا ينصركم الله تعالى ((بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ))، أي بسبب شركهم ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا))، أي برهاناً وحجّة، فإن شركهم كان عن تقليد لا عن دليل وحجّة ((وَمَأْوَاهُمُ))، أي محلهم ومستقرهم ((النَّارُ)) في الآخرة ((وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ))، أي أن الناس بئس مقام الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر وقد ورد أن الآية نزلت حين همّ المشركون -يوم أُحُد- بالرجوع الى المسلمين لاستئصالهم عن آخرهم فلما عزموا ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما همّوا به، ولا يخفى أن إلقاء الرعب في قلب الكافر أمر طبيعي فإن المسلم يستمد القوة من الله سبحانه أما الكافر فحيث لا يعتقد به سبحانه يكون قلبه هواءً فيتسرّب إليه الخوف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 152 | ثم بيّن سبحانه أن هزيمتهم يوم أُحُد لم يكن إلا بسبب مخالفتهم أوامر الله والرسول، وإلا فالله سبحانه نصرهم كما وعد حتى هزموا المشركين ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ)) وَفى لكم بما وعد من نصرتكم على الكفار ((إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ))، أي تقتلوهم، فإن حسّه بمعنى قتله وأبطل حسّه وحياته، ومعنى "بإذنه" : بأمره، فإن الله أذِن لهم في القتال كما قال (أُذِن للذين يُقاتَلون بأنهم قد ظُلموا) ((حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ)) جبنتم وكففتم وخالفتم أمر الرسول ((وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ)) هل يبقى الرماة الخمسون في الشِعب كما أمرهم الرسول أم يخرجوا يجمعون الغنائم -كما تقدّم- ((وَ)) بالآخرة ((عَصَيْتُم)) أمر الرسول في لزوم أماكنكم فتخلّيتم عن الشِعب، فقد تخلّى من الخمسين سبع وثلاثون ((مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم)) الله سبحانه ((مَّا تُحِبُّونَ)) من هزيمة الكفار ونصرة المسلمين ((مِنكُم)) أيها المسلمون ((مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا)) وهم الذين خالفوا الرسول طلباً للغنيمة ((وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ)) وهم عبد الله رئيس الرماة في الشِعب وإثنى عشر من أصحابه الذين ثبتوا في أماكنهم ((ثُمَّ صَرَفَكُمْ)) أيها المسلمون ((عَنْهُمْ))، أي عن الكفار، بل توجّهتم الى الغنائم عوض أن تحتفطوا بأماكنكم، فإن في حفظ المكان كان توجهاً نحو الكفار لئلا يرجعوا الى المسلمين من ورائهم، بخلاف التوجيه نحو الغنيمة فإنه كان صرفاً عن الكفار، وإضافته إليه سبحانه كسائر الإضافات نحو "ومن يُضلِل" أو باعتبار أن الصرف كان عقوبة لهم على إرادتهم للدنيا ((لِيَبْتَلِيَكُمْ))، أي يمتحنكم ويختبركم حتى يظهر ما أنتم عاملون ((وَلَقَدْ عَفَا)) الله سبحانه ((عَنكُمْ)) خطيئتكم بمخالفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) ينصرهم على أعدائهم ويعفو عنهم ذنوبهم، ومعنى الفضل المنّ والنعمة فإنه يعطيهم فضلاً، أي فوق إستحقاقهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 153 | ولقد عفى عنكم ((إِذْ تُصْعِدُونَ))، أي تذهبون في وادي أُحُد للإنهزام، فإن الإصعاد الذهاب في الأرض ((وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ))، أي لا تلتفتون الى أحد من ورائكم بل كل همّكم السرعة في الفرار حتى لا يأتيكم الطلب ((وَالرَّسُولُ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يَدْعُوكُمْ)) يناديكم ((فِي أُخْرَاكُمْ))، أي من ورائكم، يُقال جاء فلان في آخر الناس أي من ورائهم ((فَأَثَابَكُمْ))، أي جازاكم الله على فراركم ((غُمَّاً)) متصلاً ((بِغَمٍّ)) غم الهزيمة وغم القتلى الذين قُتلوا منكم -ويحتمل في اللفظين أمور- ((لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ)) من الخير ((وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ)) من الضرر، فإن الإنسان إذا وقع في الشدائد وجرّبها ومارسها تصلب نفسه وتقوى روحه فلا تتزحزح بمصيبة ولا تهتز بكارثة، وهكذا كانت هزيمة أُحُد درساً وعبرة حتى يصغر في نفوس المسلمين كل ما يفوتهم من خيرات وكل ما يصيبهم من شرور وآلام ((وَاللّهُ خَبِيرٌ)) ذو خبر وإطّلاع ((بِمَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم على حسب أعمالكم.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:53 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 154
| ((ثُمَّ أَنزَلَ)) الله ((عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ)) الذي غشيكم لهزيمتكم ((أَمَنَةً))، أي أمناً ((نُّعَاسًا))، أي نوماً، وهو بدل إشتمال لـ "أمَنة" فإنهم ناموا من شدة التعب والنصب بعدما ذهب خوفهم وذهب الكفار، و"أمَنة" مصدر كالعظمة والغلبة لكن هذا النعاس كان ((يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ)) فقط الذين كانوا يعلمون أن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حق وأن الله لا يتركه وأن ما أصابهم يوجب الثواب والفائدة لهم ((وَ)) هناك ((طَآئِفَةٌ)) ثانية كانوا مع النبي منافقين ((قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ)) يفكرون في هزيمتهم لا ينامون من الحزن والخوف حين إنتشر بينهم أن الكفار عازمون على الرجوع وكانوا يشكّون في نصرة الله، ولذا لم يتمكنوا من الخوف أن يناموا ((يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ)) وأنه لا ينصر نبيّه ((ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)) من الكفار المكذبون بوعد الله سبحانه ((يَقُولُونَ)) ما في نفوسهم من الظنون الجاهلية ((هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ)) أمر الغلبة والنصرة ((مِن شَيْءٍ)) في مقام الإستنكار والتعجب أن ينتصروا على الكفار إذا رجعوا ((قُلْ)) لهم يارسول الله (( إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)) ينصر من يشاء فللمسلمين النصر والغلبة بإعطاء الله لهم إياها ((يُخْفُونَ)) هؤلاء المنافقون ((فِي أَنفُسِهِم)) النفاق والكفر ((مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ))، أي لا يتجرئون على إظهاره ((يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ))، أي من النصرة والغلبة ((شَيْءٌ)) وكنا حقيقة منصورين ((مَّا قُتِلْنَا))، أي ما قُتل أصحابنا ((هَاهُنَا)) في غزوة أُحُد ((قُل)) يارسول الله في جوابهم أن كون الأمر لنا لا يلازم أن لا يُقتل منا أحد فإن الإنسان يموت إذا جاء أجله ولو كان في داره ومنزله ((لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ))، أي خرج الذين كُتب عليهم القتل بأن رقم موتهم في اللوح المحفوظ الى مصارعهم، ومضاجع جمع مضجع بمعنى محل المنام ((وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ)) يختبر الله ما في صدوركم، فإن ما في الصدور من الإخلاص والنفاق، والثبات والوهن إنما يظهر لدى الشدائد والمحن، وهذا عطف على قوله "ليبتليكم" أو مستأنفة، أي فعل الله سبحانه ما فعل ليبتلي ((وَلِيُمَحَّصَ))، أي يخلص ((مَا فِي قُلُوبِكُمْ)) بأن يكشفه للناس ولكم حيث أن الإنسان يظن أشياء فإذا حدث الحادث يظهر له خلاف ما كان يظن بنفسه ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) فليس الإمتحان لأن يعلم هو تعالى، بل لأن يظهر ما يعلمه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 155 | ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ)) أدبروا وانهزموا ((مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)) يوم أُحُد الذي إلتقى جمع المسلمين بقيادة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بجمع المشركين بقيادة أبي سفيان ((إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ)) طلب زلّتهم وعصيانهم ((بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ))، أي بسبب بعض المعاصي التي كانوا يعملونها فأخذتهم عاقبتها وشُؤمها ((وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ)) بعدما ندموا ورجعوا ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يغفر للمذنب إذا تاب ((حَلِيمٌ)) لا يعجل بالعقوبة بل يمهل الذنب كي يتوب ويئوب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 156 | ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ)) إعتقاداً وهم الكفار الذين لا يدينون بما وراء الغيب، أو كفروا عملاً وهم المنافقون ومن أشبههم ((وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ)) في العقيدة، أو في الإنسانية، حتى يشتمل قول الكافرين للمؤمنين، وقوله "لإخوانهم" أي قالوا بانسبة الى الأخوان الذين سافروا فماتوا أو حاربوا فقُتلوا ((إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ))، أي ذهبوا لأجل التجارة ونحوها، يُقال ضرب فلان في الأرض إذا سافر، وتخصيص الأرض بالذكر لكون السفر غالباً من طرق البر ((أَوْ كَانُواْ غُزًّى)) جمع غازي، أي حاربوا الأعداء ((لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا)) مقيمين في أوطانهم ((مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ)) فقد حسبوا أن الموت والقتل لا يكونان إلا بتقدير وقضاء وليس يفيد في ذلك البقاء، وفي هذا ردّ لإرجاف المنافقين الذين كانوا يلقون تبعة قتل المؤمنين في أُحُد على النبي وأنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخرجهم فقُتلوا، ومعنى القضاء والقدر في الأمور في الأمور التكوينية التخطيط وتهيئة الأسباب، فكما أن المهندس الذي يريد بناء دار يخطط شكل الدار المراد بنائها ثم يحضّر مواد البناء من آجر وجص وحديد وخشب، كذلك ما في العالَم من الأمور التكوينية خطّطت وعلّمها الله سبحانه وأحضرت موادها لكن ليس معنى ذلك أن الأمور خارجة عن أيدي البشر وإنما جُعل الدعاء والصدقة والأسباب الظاهرة مستثنيات للتخطيط والآلات والأسباب وكل ذلك أيضاً بعلمه سبحانه، وعلى كلٍّ فليس الموت والقتل مما يكون سببهما السفر والغزو كما زعمه الكفار بل هناك أسباب خفيّة تدير هذين الأمرين الى جنب الأسباب الظاهرة، فليس كل سفر وغزو موجباً للموت كما ليس كل إقامة موجباً للبقاء، والكفار إنما قالوا ذلك يريد تثبيط الناس عن الجهاد ((لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ)) الإعتقاد - المفهوم من الكلام- ((حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)) لما حصلت لهم من الخيبة حيث رأوا رجوع إخوانهم من السفر والجهاد بالربح والظفر ومن الطبيعي أن يحزن ويخسر الشخص الجامد لما ناله الشخص المتحرك المتحتم من الخير والتقدم، واللام في "ليجعل" أما لام الأمر لبيان التأكيد، أو لام العاقبة، أي كانت عاقبة هذا الإعتقاد الحسرة والحزن ((وَاللّهُ يُحْيِي)) الأرض والجماد إنساناً ((وَيُمِيتُ)) فليس السفر والغزو تمام سبب الموت ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فارغبوا في الطاعة والجهاد، واحذروا من المخالفة والفرار، فإن الله سبحانه يعلم أعمالكم يبصر صُنعكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 157 | ثم لنفرض أن السفر والغزو سبب الموت فهل الموت مع المغفرة خير أم الحياة لجمع الأموال التي يحياها الكافر الذي يبقى في بلده ((وَلَئِن قُتِلْتُمْ)) أيها المؤمنون ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) وجهاد أعدائه ((أَوْ مُتُّمْ)) في سبيل إكتساب الرزق والتجارة والضرب في الأرض ((لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ)) حيث يغفر لكم ويرحمكم حيث كنتم مطيعين له ممتثلين أمره ((خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))، أي يجمع هؤلاء الكفار الباقون في بلدهم خوفاً من الخروج فإنّ مَن يبقى يكتسب ويجمع مالاً.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:54 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 158
| ثم أن الموت والقتل لا يسبّبان إنقطاع الحياة حتى يخشاهما الإنسان ويرفع اليد عن مقاصده العالية من خشيتهما ((وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ)) فيجازيكم على أعمالكم فخير لكم أن تطيعوه حتى تكونوا مردّاً لثوابه وفضله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 159 | وهنا يلتفت السياق ليثير في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عاطفته الكامنة نحو المؤمنين حتى يعفو عن عملهم في أُحُد، حيث أخلوا الشِعب حتى سيطر المشركون على المعركة، وفعلوا تلك الأفاعيل بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه من جرح وقتل وتمثيل ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)) "ما" زائدة، أي بسبب رحمة الله من الله سبحانه على المؤمنين ((لِنتَ لَهُمْ))، أي كنت ليّناً رحيماً بهم فقد جعله الله سبحانه رحيماً بهم ليّناً عليهم ((وَلَوْ كُنتَ)) يارسول الله ((فَظًّا)) الجافي اللسان القاسي القلب ((غَلِيظَ الْقَلْبِ)) غلظاً معنوياً وهو الذي لا يلين ولا يحنو ((لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ))، أي تفرقوا عنك ((فَاعْفُ عَنْهُمْ)) إذا أخطأوا ((وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ))، أي أطلب لهم من الله الغفران لما صدر من ذنوبهم، والله سبحانه وإن كان أرحم بهم لكن ذلك لزيادة عطف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنّ من يطلب المغفرة لأحد لابد وأن يزول من قلبه ما علقت به من الكراهية، ولتكثير محبة المؤمنين له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث يعلمون بأنه يستغفر لهم ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) لتأليف قلوبهم ولتعليمهم المشورة في أمورهم، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)كان في غِنى عنهم بما كان يسدّده الله سبحانه بالوحي ((فَإِذَا عَزَمْتَ)) بعد المشورة على فعل ((فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)) ولا تهتم بمن خالف رأيه رأيك يارسول الله ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) الواثقين به المعتمدين عليه الذين يكِلون أمورهم إليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 160 | ((إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ)) أيها المؤمنون، وذلك إذا إستحققتم ذلك بإيجاد أسباب النصر وإطاعة أوامره سبحانه ((فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ))، أي لا يقدر أحد على أن يغلبكم ((وَإِن يَخْذُلْكُمْ)) وخذلان الله سبحانه أن لا يكلهم الى أنفسهم ولا يعينهم في أمورهم ((فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ)) إستفهام إنكاري، أي لا يكون ناصر لكم ينصركم من بعده سبحانه ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) يثقون به ويعتمدون عليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 161 | لقد كان من أسباب تخلّي المسلمين مكانهم من الجبل -يوم أُحُد- خوفهم ألا يُقسّم لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الغنائم، وقد تكلّم بعض المنافقين في وقعة بدر حول قطيفة حمراء فُقدت فقالوا بأن الرسول أخذها، ولذا نزلت الآية نافية أن يغلّ الأنبياء ويخونوا ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ))، أي لا يجوز للأنبياء الغلول أي الخيانة، والخيانة محرّمة مطلقاً لكن المورد خاصاً حيث أن الكلام كان حوله ((وَمَن يَغْلُلْ)) شريفاً كان أو وضيعاً قليلاً كان غلاله أو كثيراً ((يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وفي الحديث يأتي به على ظهره ((ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ))، أي يُعطى جزاء كسبه كاملاً غير منقوص ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) فلا ينقص من أجورهم شيء ولا يعذّبون فوق إستحقاقهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 162 | ((أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ)) باتباع أوامره واجتناب نواهيه ((كَمَن بَاء))، أي رجع ((بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ)) فكأنه رجع الى أعماله الدنيئة بعد أن ذهب الى الله سبحانه فعلم ماذا يريد، فقد رجع مع السخط بينما رجع غيره مع الرضوان ((وَمَأْوَاهُ))، أي مرجعه ومصيره ((جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي أن المحل الذي صار إليه محل سيء، فعلى الإنسان أن لا يفر من الحرب ولا يتخلّف عن أمر الله والرسول حتى يبوء بالغضب والسخط ويكون مصيره النار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 163 | ((هُمْ))، أي هؤلاء الذين بائوا بالسخط والذين اتبعوا رضوان الله، ذوو ((دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ)) فللمؤمنين درجات رفيعة ولغيرهم درجات بذيئة، أو أن لكل فريق درجات من حيث القُرب والبُعد، وحذف كلمة "ذووا" لما تعارف من المجاز في هذه التعبيرات بعلاقة الحال والمحل فيُقال عند العد : زيد الدرجة الأولى، عمرو الدرجة الثانية، وهكذا ((واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) فيجازيهم حسب أعمالهم فلا يزهد الإنسان في الإحسان لأنه لا يُقدِّر ولا يجزي العاصي في المعصية لأنه لا يرى.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 164 | إن النعمة التي أنعم الله على المسلمين مما يوجب شكرها والتضحية في سبيلها فهي نعمة كبيرة جداً لا تماثلها نعمة ولا يبلغ شأنها إحسان ومنّة ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ))، أي أنعم الله، فإن المنّ القطع، وتسمى النعمة منّة لأنها تقطع الإنسان عن البليّة والفاقة ((عَلَى الْمُؤمِنِينَ)) إنما خُصّوا بالذكر مع أن المنّة عامة لأنهم هم الذين إستفادوا منها دون سواهم ((إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً)) فإنه أعظم النعم، ولذا لم يمنّ الله على الإنسان بأية نعمة سواها، فإنّ في الإرسال صلاح الدين والدنيا والآخرة وإكمال البشر حسب قابلياته ((مِّنْ أَنفُسِهِمْ)) تذكير بنعمة أخرى، إذ كون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جنس البشر -لا الملائكة والجن- تشريف لهم وإظهار لفضل هذا النوع، وحيث أن السياق حول مؤمن الإنس لا يستشكل بأن المؤمنين أعم من الجن وليس الرسول من أنفسهم ((يَتْلُو)) الرسول ((عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)) تلاوة كما يتلو المعلم الدرس على التلميذ ((وَيُزَكِّيهِمْ)) يطهّرهم من الأدناس الظاهرية بأوامر النظافة وما أشبه والأقذار الخلقية والإعتقادية بإرشادهم الى الحق والفضيلة ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ)) يفهّمهم معانيه وهو غير التلاوة ((وَالْحِكْمَةَ)) وهو علم الشريعة أو مطلقاً بمعنى أنه يعلّمهم مواضع الأشياء خيرها وشرها فإنّ الحكمة كما قالوا : وضع الشيء موضعه ((وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ))، أي قبل أن يأتيهم الرسول ((لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))، أي إنحراف واضح في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم فعلى المؤمنين أن يضحّوا في سبيل هذه النعمة بكل غالِ ورخيص، فما فعلوا يوم أُحُد كان خلاف الشكر، وما ضحّوا فيه لم يكن كثيراً مقابل هذه النعمة العظمى.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:54 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 165
| ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ))، أي هل أنتم بحيث لما أصابتكم مصيبة في أُحُد والحال أنكم في بدر ((قَدْ أَصَبْتُم)) من الكفار ((مِّثْلَيْهَا)) فإنه قُتل منكم في أُحُد سبعين، وقد أصبتم من الكفار مائة وأربعين إذ قتلتم منهم سبعين وأسرتم منهم سبعين في واقعة بدر ((قُلْتُمْ : أَنَّى هَذَا))، أي من أيّ وجه أصابنا هذا ونحن مسلمون، وهذه الجملة "أوَلَمّا .." إستنكارية، أي كيف تستنكرون إصابتكم بأُحُد والحال أنكم قد أصبتم في بدر مثلي ما أصابتكم، ثم إن هذه الإصابة كانت لضعف نفوسكم حيث أغراكم المال وأخليتم أماكنكم في الجبل ((قُلْ)) يارسول الله ((هُوَ))، أي ما أصابكم ((مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)) الجشعة الى حب الغنيمة والمال ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) يقدر أن ينصركم على أعدائكم كما يقدر أن يخذلكم حين تتركون أوامره، وفي بعض الأحاديث أنهم في بدر خُيِّروا بين أخذ الفدية من الأسرى على أن يُقتل منهم في العام القابل سبعون بعدد الأسرى وبين أن يقتلوا الأسرى ولا يا×ذون الفدية فطلبهم للمال أوجب إختيار الأول، وعلى هذا كان ما أصابهم في أُحُد "من عند أنفسهم".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 166 | ((وَمَا أَصَابَكُمْ)) أيها المسلمون ((يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ))، أي حين تلاقى المسلمون والكفار في يوم أُحُد ((فَبِإِذْنِ اللّهِ))، أي بعلمه أو بأنه لم يحل بين الكفار وبينكم حتى أصابوا منكم وهذا كالإذن تكويناً، وقد أذِنَ سبحانه لفائدة التمييز بين المؤمن والمنافق ((وَلِيَعْلَمَ))، أي يتحصّل علمه في الخارج ((الْمُؤْمِنِينَ)) الذين جاهدوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 167 | ((وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ)) أظهروا الإسلام وأبطنوا النفاق وهم إبن أبي سلول وجماعته حيث أنهم إنخذلوا يوم أُحُد نحو اً من ثلثمائة رجل قالوا : علام نقتل أنفسنا ((وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) فإنّ عمرو بن حزام الأنصاري قال لهم هذه المقالة ((أَوِ ادْفَعُواْ)) عن حريمكم وأنفسكم فإنّ الكفار إذا غلبوا نكّلوا بكم ((قَالُواْ))، أي قال أولئك المنافقون في جواب المؤمنين ((لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ)) فإنّ هذا الذي تخوضونه ليس بقتال إذ لو كان قتالاً لأخذتم رأينا فيه، أو يريدون إلقاء النفس في التهلكة فليس قتالاً يتكافئ فيه الجانبان ((هُمْ))، أي هؤلاء المنافقون ((لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ)) فكلما عمل المنافق بالخلاف كان أقرب الى الكفر وكلما عمل بالوفاق كان أقرب الى الإيمان ((يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)) فأفواههم تنطق بالإيمان وقلوبهم تضمر الكفر والعصيان ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)) في قلوبهم فيجازيهم حسب نفاقهم المضمر،..، أقول : الظاهر أن قوله "وليعلم.." ليس عطفاً على "بإذن الله" إذ فيكون المعنى حينئذ أن الإصابة علّة للتمييز والحال أن إعلان الجهاد كان علّة ذلك، فقوله "ليعلم" جملة مستأنفة، أي إن حرب أُحُد كان لأجل التمييز بين المؤمن والنفاق، في جملة فوائده الأُخر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 168 | ثم ذكر سبحانه صفة أخرى للذين نافقوا بأنهم ((الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ))، أي قالوا حول إخوانهم الذين ذهبوا الى ساحات الجهاد فقُتلوا ((وَقَعَدُواْ))، أي قعد هؤلاء المنافقون عن القتال ((لَوْ أَطَاعُونَا)) في تركهم الخروج ((مَا قُتِلُوا)) جملة "لو أطاعونا ما قُتلوا" مقول قولهم ((قُلْ)) لهم يارسول الله ((فَادْرَؤُوا))، أي ادفعوا ((عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالكم أن البقاء في البيت موجب لعدم موت الإنسان، فمن أين لكم أنّ مَن يبقى في بيته لا يموت فكم بقوا في بيوتهم وماتوا وكم خرجوا في القتال ورجعوا سالمين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 169 | ولو فرضنا أن الخارج الى الجهاد قُتل، فما يضلره ذلك، فإنّ من إستشهد في سبيل الله لا تنتهي حياته بل يبقى حياً يُرزق ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا)) فكما أن هذه الحياة المادية ذات مراتب فمرتبة منها كاملة فيمن كان سعيداً فرحاً مرتبة منها ناقصة فيمن كان شقياً حزيناً كذلك من مات يكون على قسمين -بعد بقاء كليهما في حياة من لون آخر- قسم يكون حياً هناك، أي سعيداً فرحاً، وقسم يكون ميتاً هناك، أي شقياً حزيناً، فليس للآية الكريمة مفهوم أن غير المقتول لا حياة له هناك ((بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) حياة غير مادية بل حياة عند ربهم ولهم رزقهم فيها بُكرة وعشيّا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 170 | في حال كونهم ((فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) من الحياة الباقية والسعادة والخير ((وَيَسْتَبْشِرُونَ))، أي يسير هؤلاء المقتولون في سبيل الله ((بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم)) من المؤمنين الذين بقوا في الحياة وبقوا ((مِّنْ خَلْفِهِمْ)) واستبشارهم بهؤلاء من جهة ((أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) إذ الله سبحانه يتولّى أمورهم ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) بالنسبة الى من خلفهم، فهؤلاء المقتولون جمعوا بين خيرين خير أنفسهم حيث تنعّموا بنعمة الله سبحانه وخير أخوانهم الذين من خلفهم حيث علموا بأنهم لا خوف عليهم وذلك بخلاف من بقي ولم يجاهد فإنهم جمعوا بين شرّين مشاكل حياة أنفسهم ومشاكل حياة أخوانهم حيث لا يعلمون ماذا تكون عاقبة أمر أنفسهم وأمر إخوانهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 171 | ((يَسْتَبْشِرُونَ))، أي هؤلاء المقتولون يُسرّون ويفرحون ((بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)) ينعمها عليهم في الآخرة ((وَفَضْلٍ))، أي الزيادة على قدر إستحقاقهم أو على ما يترقّبون ((وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)) فإنّ مَن عَلِم أنّ حقه وأجره مضمون فرح واستبشر فهؤلاء يرون عياناً أنّ حقهم محفوظ بخلاف الإنسان في الدنيا فإنه يعلم ذلك دون أن يراه، وفي تكرار المطلب زيادة تمكين المعنى في النفس، ومثله كثير في التحذيرات والترغيبات المستقبلية وبالأخص إذا لم يشاهد الإنسان أمثاله بل كان غيباً محضاً فإنّ في التكرار تركيز المطلب في النفس حتى تعمل تلقائياً كالذي شاهد وحضر.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:55 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 172
| لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أُحُد وبلغوا الروحاء ندموا على إنصرافهم عن المسلمين وتلاوموا فيما بينهم قائلين بعضهم لبعض : لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد تركتموهم فارجعوا فاستأصلوهم، فبلغ ذلك الخبر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأراد إرهابهم فخرج (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعه مَن به جرح من الأُحُد حتى بلغ [حمراء الأُسد] وبلغ الخبر المشركين فخافوا خوفاً شديداً وولّوا منهزمين، ووجه إتصال الآية أنه سبحانه بعد ما بيّن أجر الشهداء وأنهم يستبشرون بالأحياء ذكر وصف الأحياء الذين يستبشر بهم المقتولون أنهم أولئك الذين لم تزلزلهم المحنة ولم تقعدهم الجراحات عن مواصلة الكفاح ولم يرهبهم تجمع الأعداء وإرجاف بهذا التجمع وهم مثخنون بهذه الجراحات ((الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ)) أطاعوهما في أمرهما، وقد ذكرنا سابقاً أن ذكر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للتشريف وأن بيان أمره أمر الله سبحانه وإلا فالأمر واحد ((مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ))، أي نالتهم الجراحات يوم أُحُد ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ)) بعد الإستجابة ((وَاتَّقَواْ)) معاصي الله سبحانه ((أَجْرٌ عَظِيمٌ)) لأنهم أطاعوا في ثلاث دفعات حضورهم واستجابتهم ثانياً وإحسانهم وتقواهم ثالثاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 173 | ثم وصفهم سبحانه بوصف آخر وأنهم هم ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ)) فقد قال الناس لأصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد رجوعهم من أُحُد أن الناس -وهم أبو سفيان والمشركون- قد جمعوا لكم، أي جمعوا المشركين لأجل محاربتكم ((فَاخْشَوْهُمْ))، أي خافوا منهم لأنهم إذا رجعوا إليكم وأنتم -أيها المسلمون- مُثخنون بالجراح من أُحُد لم يُبقوا منكم باقية ((فَزَادَهُمْ)) تجمع الناس عليهم ((إِيمَاناً)) فإنّ عند كل كارثة يتذكّر المؤمن الله سبحانه فتقوى نفسه بمعونته وتشتد عزيمته بنصره ((وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ))، أي كافينا الله يكفينا شر أعدائنا ((وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) فإنه خير من جعله الإنسان وكيلاً لعلمه بمواقع النفع والضرر وقدرته على جلب النفع ودقع الضرر عن الموكّل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 174 | ((فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ))، أي رجع هؤلاء المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول، تصحبهم نعمة الله وفضله ((لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)) فهم بعدما خرجوا في طلب أبي سفيان هرب أبو سفيان فرجه المسلمون وهم مرهوبوا الجانب أشداء النفوس ((وَ)) قد ((اتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ)) باتباع أمره في تعقيب المشركين ((وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) على من إتّبع أمره فهو يسعده في الدنيا وفي الآخرة، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : (عجبتُ لمن خاف كيف لا يفزع الى قوله "حسبنا الله ونعم الوكيل" فإنّي سمعتُ الله يقول بعقبها "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء").
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 175 | ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ)) "كُم" خطاب، و"ذا" إشارة الى التخويف من الأعداء، أي أن التخويف الذي صدر عن بعض الناس بالنسبة الى المسلمين من عمل الشيطان فإنه ((الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ)) فإنّ المؤمنين لا يخافون وإنما أولياء الشيطان يخافون لأنهم بانقطاع صلتهم من الله سبحانه يخافون من كل شيء كما قال سبحانه في وصف المنافقين "يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم" ((فَلاَ تَخَافُوهُمْ))، أي لا تخافوا الناس الذين جمعوا لكم، أو لا تخافوا الشيطان وأوليائه ((وَخَافُونِ)) والخوف من الله سبحانه بمعنى إطاعته وترك عصيانه فإنّ في ترك ذلك النار والعقاب ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) فإن الإيمان يوجب أن لا يخاف الإنسان إلا من الله سبحانه، وليس المراد عدم الخوف مطلقاً فإنه قهرّ للإنسان وإنما المراد ترتيب الأثر على الخوف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 176 | ((وَلاَ يَحْزُنكَ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ))، أي يتسابقون في أعمالهم الكافرة كأنهم في سباق من كثرة نشاطهم ((إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ)) فإن دعوتك التي هي مرتبطة بالله سبحانه لابد وأن تنجح وتتقدم وهذه المسارعات لا يضرّها، فقد نسب موقف الدعوة الى الله سبحانه إفادة لعلوّها وقوة المُدافِع والمتولّي لها ((شَيْئاً)) أصلاً لا صغيراً ولا كبيراً، بل إنهم يضرّون بذلك أنفسهم فإن إعطاء الله القدرة لهم في أن يفعلوا ما يشائون لأنه ((يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ)) وإنما أراد ذلك لأنهم أعرضوا عن الحق كما أنك إذا أدّيت الى عبدك مالاً ليتاجر ثم ذهب به يقامر وأمهلته فلم تضرب على يده تقول : أريد أن أُبدي سوأته وأعاقبه بعقاب كبير ((وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) بكفرهم ومسارعتهم ونشاطهم ضد الإسلام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 177 | ((إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ))، أي بدّلوا ((الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ)) ((لَن يَضُرُّواْ اللّهَ)) بتبديلهم الكفر بالإيمان ((شَيْئًا)) أيّ شيء أبداً ((وَلهُمْ))، أي للذين بدّلوا الكفر بالإيمان ((عَذَابٌ أَلِيمٌ)) بما بدّلوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 178 | ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ))، أي لا يظنّنّ ((الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ)) الإملاء الإمهال، أي إن إطالتنا لأعمارهم وإمهالنا إياهم وتوفير المال والجاه لهم ليس خيراً لهم فإن الخير هو الذي لا سيبب شراً وعقاباً ((إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ)) نطيل عمرهم ونعطيهم ما نعطيهم ((لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا)) ومعصية فإنهم بإعراضهم عن الحق وخبث بواطنهم استحقوا العقاب والعذاب لكن حيث لا عقاب على الخبث الباطني فقط كان الإمهال مظهراً لذلك الخبث فبقائهم موجب لزيادة عقوبتهم ((وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) يُهينهم علاوة على ألَمِه وكربه, وربما يُقال أن اللام في قوله "ليزدادوا" لام العاقبة كقوله تعالى "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 179 | ثم يرتد السياق الى قصة أُحُد حيث إنكشف هناك المؤمن الذي إتّبع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحرب من المنافق الذي تخلّف عن الجهاد كعبد الله بن أُبيّ بمن تخلّف معه ((مَّا كَانَ اللّهُ))، أي ليس من سُنّته سبحانه أن لا يمتحن ((لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ))، أي يدعهم ويتركهم ويتركهم ((عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ)) من ظاهر الإيمان الذي يتساوى فيه المؤمن والمنافق ((حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)) كي يُظهر ما يُضمره كل فريق، وفي بعض التفاسير أن المشركين قالوا لأبي طالب إن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صادقاً فليخبرنا مَن يؤمن مِنّا ومن يكفر فإن وجدنا خبره صدقاً آمنّا به فنزلت الآية، وعلى هذا فمعنى "على ما أنتم عليه" أي حالكم قبل الإيمان، فليس يترك سبحانه المؤمن جوهره على كفره بين سائر الكفار ((وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)) حتى تعلموا أن هذا مؤمن وهذا منافق، بدون الإختبار الخارجي المظهر للضمائر ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي))، أي يختار لإطّلاعه على الغيب ((مِن رُّسُلِهِ)) وأنبيائه ((مَن يَشَاء)) وهذا كقوله تعالى (لا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) ولا ينافي ذلك إطّلاع بعض الملائكة والأئمة وبعض المؤمنين بعض المغيّبات إذ الملائكة خارج عن المستثنى منه والباقون أما بتعليم النبي أو بإلهام منه سبحانه وعدم إستثنائه لندرته خارجاً، والقضايا الطبيعية -كما نحن فيه- لا تنافيها النوادر، وحيث عرفتم قيمة الإيمان ((فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ)) إيماناً حقيقياً لا يشوبه نفاق وخبث ضمير ((وَإِن تُؤْمِنُواْ)) إيماناً صادقاً ((وَتَتَّقُواْ)) المعاصي وتعملوا الصالحات ((فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) يبقى الى الأبد في جنة عرضها السموات والأرض ورضوان من الله.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:55 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 180
| وحيث تقدّم الكلام حول الجهاد والتضحية عقّبه سبحانه بذكر المال فهما يُذكران غالباً مقترنين إذ الجهاد يحتاج الى بذل المال، والدين إنما يُقام ببذل النفس وبذل المال معاً، فقال سبحانه ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ))، أي أعطاهم سبحانه فضلاً وإحساناً فإن المال وإن إجتهد الإنسان وكدّ في تعبه إنما هو فضل من الله سبحانه لأنه من خلقه وصنعه فالنقدان مثلاً معدنان مخلوقان له وسائر الأموال من نبات الأرض وما أشبه كله له هذا بالإضافة الى أن أجهزة الإنسان التي بها يتمكن من كسب المال كلها منه سبحانه، والمراد بالبخل هنا هو الحرام منه مما يجب إعطائه فيمتنع ((هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ)) حيث يزعمون أن البخل يوفّر عليهم المال فيبقى عندهم ولا يخرج من أيديهم و"خيراً" مفعول "يحسبنّ" ((بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ)) إن ذلك البخل شرّ لهم يعود إليهم في الدنيا بالشر حيث أن ذلك موجب لسوء السمعة الذي بدوره يوجب عدم التمكن من إكتساب المزيد من المال ويوجب ذهاب الكائن منه بمصاردات الحكّام وثروات الفقراء والأسوء من ذلك أنهم ((سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ))، أي يجعل المال الذي بخل به طوقاً في عنقه ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وهذا كناية عن لزومه تبعة المال، كما يُقال المرأة في عنق الإنسان، والدَين طوق في عنق المدين، وهكذا، وفي الأحاديث الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) أنه ما من أحد يمنع من زكات ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفزع من الحساب، وفي بعضها تفسير الآية الكريمة بذلك،..، ثم ما بال هؤلاء يبخلون؟ فإنه لا يبقى المال عندهم الى الأبد، بل يذهبون ويذرون المال ((وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) فكل من يموت فيهما ويخلف شيئاً فلابد وأن يرثه الله سبحانه حيث تبقى الأموال له وحده بعد فناء الجميع فما بخله عنه سبحانه ولم يصرفه في سبيله لابد وأن يرجع إليه، وليس احتقب إلا الإثم ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) فما أنفقتم من نفقة يعلمها الله سبحانه فيجازيكم عليه جزاءً حسناً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 181 | وقد كان من بخلاء اليهود من لا ينفق مما آتاه الله، ثم يزيد على ذلك فيقول أن الله فقير لأنه يستقرض كما قال سبحانه "من ذا الذي يقرض الله" وأنا غني لما لديّ من الأموال ((لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء)) ويكفيه تهديداً أن الله سمع قوله فلينتظر الجزاء العادل والعقاب الأليم ((سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ)) حتى يكون كتاباً مسجلاً عليهم لا مجال لإنكاره يوم يُعطى كل إمرء كتابه، وقد كان منطق اليهود منحرفاً الى أبعد الحدود وكيف يكون الله سبحانه فقيراً وهو الذي يملك كل شيء حتى روح هذا القائل، وإنما إستقراضه إمتحان وطلبه المال إبتلائ وإختبار، وكيف يكون هو غنياً والحال أنه لا يملك روحه فكيف بماله ((وَ)) سنكتب ((قَتْلَهُمُ))، أي قتل هؤلاء اليهود ((الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ)) وإنما عيّرهم الله سبحانه مع أن آبائهم هم الذين فعلوا لرضاهم بذلك أولاً ولبيان أن هؤلاء خلفاً عن سلف مجرمون فلا عجب أن يقول الخلف كفراً بعدما عمل السلف أفظع من ذلك ثانياً، ودخول السين في "سنكتب" لعله لبيان أن الكتابة لا تثبت إلا بعد أن يموتوا غير مؤمنين بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلا فالكتابة لا تضر إذا مُحيت بالإيمان، وهذا يصح بالنسبة الى قولهم، أما بالنسبة الى قتل أسلافهم، وقد كتب قتلهم، فلأن كتابه عاد ذلك على الأخلاف إنما تكون إذا بقوا على الكفر، ولعل العطف على المعنى، أي "وكتبنا قتلهم الأنبياء" من قبيل "نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ" وقوله "علفته تبناً وماءاً بارداً" ((وَنَقُولُ)) حين عقابهم في الآخرة ((ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)) الذي يحرق أجسادكم بفعلكم وقولكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 182 | ((ذَلِكَ)) العذاب إنما يكون ((بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)) من الكفر والعصيان، وإنما عبّر بتقديم الأيدي لأن الإنسان غالباً يقدّم الأشياء بيده، فيكون ذلك من باب التشبيه للمعقول بالمحسوس ((وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)) فأنتم عبيده خالفتم أوامره فاستحققتم هذا العقاب، و"ظلاّم" ليس لفظ المبالغة على غرار "علاّم" وإنما للنسبة نحو "تمّار" بمعنى ذي تمر، كما قال إبن مالك : ومَعَ فاعل وفعّال في نَسب أغنى عن اليا فقُبِل
ولعل إختيار هذه الكلمة لردّ التوهّم وهو أن الإحراق بالنار إنما يصدر من إنسان كثير الظلم، فيكون الإتيان به للمجانسة اللفظية كقوله : قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخة قُلت اطبخوا لي جُبّة وقميصاً
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 183 | إن الذين قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء، والذين قتلوا أنبيائهم، هم الذين لم يؤمنوا بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحجّة مكذوبة، فقد قالوا : يامحمد أن عَهِدَ الله إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجِئنا بالقربان حتى نصدّقك فنزلت الآية ((الَّذِينَ قَالُواْ)) للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والذين في موضع الجر عطفاً على الذين قالوا أن الله فقير ((إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا)) أمَرَنا ووصّانا في الكتب المُنزَلة ((أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ)) بأن لا نصدّق بنبوّته ((حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ))، أي ما يُتقرّب به الى الله سبحانه ((تَأْكُلُهُ النَّارُ)) تأتي نار من الغيب فتحرقه، وقد كان ذلك علامة لصدق نبوّة أنبياء بني إسرائيل ((قُلْ)) يارسول الله في جوابهم ((قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ)) الأدلة الواضحة ((وَبِالَّذِي قُلْتُمْ)) من القربان الذي أكلته النار ((فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ)) فإنهم قتلوا زكريا ويحيى وغيرهما ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في دعواكم أنكم تؤمنون بالرسول إذا جائكم بقربان تأكله النار، وإنما يُنسب فعل الأسلاف الى الأخلاف لأن الطبيعة فيهم واحدة والإتجاه واحد فلا يمكن أن يُقال أن معاصر الرسول لم يكونوا يظهرون الرضا بفعل أسلافهم في قتل الأنبياء.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:56 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 184
| ((فَإِن كَذَّبُوكَ)) يارسول الله ولم يؤمنوا برسالتك ((فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ)) فلستَ بِدعاً في ذلك ولا يضيق صدرك بتكذيبهم، فإن الناس قد كذّبوا رُسُلاً قبلك والحال أنهم ((جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ)) الأدلة الواضحة ((وَالزُّبُرِ))، أي الصحف التي فيها الأحكام والشرائع ((وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)) وهو الكتاب الجامع للأحكام والفرق بينهما أن الزُبر صحائف متفرقة فيها أحكام متشتّتة بخلاف الكتاب الذي هو الجامع المتسلسل، كما أنه نزل على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأحاديث القدسية والقرآن الحكيم.. وهنا سؤال هو أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِمَ لَم يأتِ لهم بقربان تأكله النار، والجواب أنهم سألوا ذلك تعنّتاً لا إسترشاداً، وإلا فلقد كان يكفيهم سائر الأدلة، وليس شأن الأنبياء أن يفعلوا فوق اللازم من المعجزة لكل متعنّت ومجادل، وهذا هو السر في ردّ كثير ممن سأل المعجزة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 185 | إن عدم الجهاد لخوف الموت، وعدم الإيمان لخوف ذهاب الرئاسة، وعدم الإنفاق لخوف الفقر، مما له عاقبة سيئة هي النار، فكل إنسان يموت وتذهب حياته ورئاسته وماله، فما أجدر أن يفعل ما يسبّب له حُسن العاقبة ((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ)) تذوقه وتلاقيه ((وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ)) أيها الناس ((أُجُورَكُمْ)) الحسنة أو السيئة ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فهنا عمل ولا حساب وغداً حساب وجزاء ((فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ))، أي بوعِدَ عنها ((وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) لأنه سرور وراحة لا إنقطاع لهما ولا تكدّر فيها ((وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) بلذاتها وشهواتها ((إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)) تسبّب غرور الإنسان وغفلته عن الخير الدائم الباقي فمن الجدير بالإنسان أن يحصّل بحياته ورئاسته وماله تلك الدار الباقية لا أن يغترّ بالدنيا ويعصي الله سبحانه حتى يدخل النار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 186 | إن الدنيا دار محنة وابتلاء لا دار راحة وسعادة فاعلموا أيها المسلمون ((لَتُبْلَوُنَّ))، أي تقع عليكم المحن والبلايا بكل تأكيد ((فِي أَمْوَالِكُمْ)) بذهابها ونقصانها ووجوب الإنفاق منها ((وَ)) في ((أَنفُسِكُمْ)) بالأمراض والشدائد والقتل في الجهاد ونحوه ((وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)) اليهود والنصارى والمجوس ((وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) من سائر أقسام الكفار ((أَذًى كَثِيرًا)) سباً وشتماً وتهمة ووقيعة واستهزاء ((وَإِن تَصْبِرُواْ)) في البلايا والأذى ((وَتَتَّقُواْ)) فلا تحملنّكم البليّة والأذيّة على الإبطال عن الدين وعمل المحرّم ((فَإِنَّ ذَلِكَ)) الصبر والتقوى ((مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))، أي الأمور التي يجب العزم عليها والمضي فيها، وفي الكلام مجاز إذ نسب العزم الذي هو للإنسان الى الأمر، مثل الإصرار الى الأمر في قولك "أصرّت الأمور عليّ" لبيان أن الأمر قد صار عزماً، من شدة لزومه، وفرض وجوبه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 187 | ثم يأتي السياق الى ذكر صفة أخرى من أهل الكتاب مناسبة للمقام حيث أنهم يعلمون رسالة الرسول وفي كتبهم موجودة لكنهم بدل أن يؤمنوا ويظهروا ذلك للناس يصرّون على الجدال والعناد ويخفون الكتاب على الناس ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) أخذ عهدهم الأكيد بواسطة الأنبياء ((لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ))، أي تبيّنون الكتاب الذي فيه الأحكام والبشارة برسالة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَلاَ تَكْتُمُونَهُ))، أي لا تخفونه ((فَنَبَذُوهُ))، أي طرحوا الميثاق ((وَرَاء ظُهُورِهِمْ)) كناية عن إهمالهم له وعدم إعتنائهم به كما أن الذي يريد إهمال متاع يلقيه وراء ظهره ((وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً))، أي بدّلوا بأحكام الكتاب رئاسة قليلة في الدنيا وأموالاً قليلة كانوا يتقاضونها من سائر اليهود ((فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) من الثمن حيث يستحقون بذلك العذاب الدائم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 188 | ومن الناس من لا يدخل في عمل الخير مع العاملين، فإذا خسر العاملون ما أرادوا وصفوا أنفسهم بالحصافة والعقل، وإذا ربحوا جعلوا أنفسهم من المؤيِّدين لهم، وتوقّعوا أن يُثنوا ثناء العاملين، إنّ أمثال هؤلاء الذين لا يشتركون فيما يجب الإشتراك فيه، لابد وأن ينالهم العذاب لتركهم الواجب، وغالباً يكونون من المنافقين ومن الذين يقعدون عن الجهاد وعن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهؤلاء ميزة أخرى وهي أنهم يفرحون بما يأتون من الأعمال حقاً كان أو باطلاً، بخلاف المؤمنين الذين إذا عصوا استغفروا وإذا أحسنوا خافوا كما قال سبحانه "والذين يُؤتون ما آتوا وقلوبهم وَجِلة" ((لاَ تَحْسَبَنَّ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ)) من الأعمال صالحة كانت أو طالحة ((وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ))، أي يحمدهم الناس ((بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ)) من الأعمال الخيرية ((فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ)) يارسول الله ((بِمَفَازَةٍ)) من الفوز، أي النجاة ((مِّنَ الْعَذَابِ)) فإنهم يُعذَّبون بكل تأكيد لهذه الأفعال والصفات ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم، وهذه الآية كما تراها عامة، فتفسيرها بالمنافق أو نحوه من باب ذِكر المصداق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 189 | أين المفر لهؤلاء من عذاب الله ((وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) فلا يمكن لأحد الفرار من حكومته ((وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يفوته ما يريد ويفعل ما يشاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 190 | وهنا ينتهي السياق بأدلة الإيمان وأحوال المؤمنين وأن أعمال الكافرين في إنهيار، مناسبة للجو العام من السورة الذي كان في الإيمان والعقيدة وأحوال المؤمنين والكافرين، ومرتبطة بالآية السابقة "ولله مُلك السماوات" ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي في إيجادها بما تشتملان عليه من العجائب ومختلف صنوف الخلق والإبداع ((وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) تعاقبهما ومجيء أحدهما خلف الآخر بكل إتقان وإنتظام ((لآيَاتٍ)) دلالات وبراهين على وجود الله سبحانه بقوله سبحانه ((لِّأُوْلِي الألْبَابِ))، أي أصحاب العقول، فإن كلّ من نظر الى الأثر لابد أن يعقل وجود المؤثِّر، وكلما كان الأثر أتقن وأجمل دلّ على كمال علم المؤثِّر وقدرته وإرادته وغيرها من الصفات الجمالية.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:57 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 191
| ثم بيّن صفات أولي الألباب بقوله سبحانه ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ)) ذِكراً بالقلب، أي تذكّراً له سبحانه ((قِيَامًا)) جمع قائم ((وَقُعُودًا)) جمع قاعد ((وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ))، أي في حال الإضطجاع، يعني أنهم دائماً في فكر الله سبحانه وذكره سواء كانوا قائمين أو قاعدين أو مضطجعين ((وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) كيف خُلِقَتا بهذا النحو المتقن المدهش، وكيف جَرَيَتا، وكيف كانتا، وكيف ستكونان، وفي حال التفكّر والدهشة لسان حال هؤلاء يقول ((رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا)) الكون والخلق ((بَاطِلاً)) عبثاً ولغواً، بلا غاية ومقصود ((سُبْحَانَكَ))، أي أنت منزّه عن الباطل واللغو، وهو مفعول لفعل مقدّر، أي نسبّحك سبحانك ((فَقِنَا))، أي احفظنا ((عَذَابَ النَّارِ)) ولعل دخول الفاء في "فقِنا" لبيان أنهم يطلبون ذلك جزاء تصديقهم وإيمانهم وتفكّرهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 192 | ويقولون أيضاً ((رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)) فضحته وأهلكته ((وَمَا لِلظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا أنفسهم في دار الدنيا بالكفر والعصيان ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرهم من عذاب الله سبحانه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 193 | ((رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ)) هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكل من نادى الناس للإيمان بالله سبحانه، فإنّ أولي الألباب يعترفون لله سبحانه بأنهم استجابوا منادي الإيمان ولم يلووا عن نداء الحق فقد سمعوا المنادي ينادي ((أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ)) ولا تكفروا ولا تُشركوا ((فَآمَنَّا)) بك ياسيدنا ((رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) التي صدرت منّا ((وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)) وربما يُقال بأن الفرق أن الذنوب هي الكبائر لأنها ذات أذناب وتبعات والسيئات هي الصغائر لأنها تُسيء الى الإنسان وإن لم تكن ذات تبعة لأنها مُكفَّرة لمن اجتنب عن الكبائر، وهناك في الفَرق أقوال أُخر، ولعل التكرار للتأكيد إظهاراً لكمال الخوف من الذنوب ((وَتَوَفَّنَا))، أي اقبضنا إليك عند موتنا ((مَعَ الأبْرَارِ)) في جملتهم، والأبرار جمع بِر وهو الذي برّ الله بطاعته إياه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 194 | ((رَبَّنَا وَآتِنَا))، أي اعطنا ((مَا وَعَدتَّنَا)) من الخير والسعادة في الدنيا ((عَلَى)) لسان ((رُسُلِكَ)) وأنبيائك ((وَلاَ تُخْزِنَا))ن أي لا تفضحنا ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) على رؤوس الأشهاد ((إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) الذي وعته للمؤمنين بسعادة الدنيا وخير الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 195 | ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ))، أي لهؤلاء المؤمنين الذين دعوا بالأدعية السابقة ((رَبُّهُمْ))، أي لبّى دعوتهم وقَبِلَ كلامهم، قائلاً ((أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم)) أيها المؤمنون ((مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)) فكل المؤمنين محفوظة عمله ليُعطى جزائه ((بَعْضُكُم)) أيها المؤمنون ((مِّن بَعْضٍ)) فكلكم من جنس واحد في نصرة بعضكم لبعض ولستم كالكافرين الذين ليس بعضهم من بعض بل بعضهم يباين بعضاً فلكل فئة منهم لون وصبغة ((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ)) الى المدينة ((وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ)) أخرجهم المشركون من مكة، والآية عامة لكل مهاجر عن دياره ومُخرَج من بلاده ((وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي)) لأنهم آمنوا وأطاعوا ((وَقَاتَلُواْ)) لأجل الله سبحانه ((وَقُتِلُواْ)) قتلهم الكفار ((لأُكَفِّرَنَّ))، أي أمحونّ ((عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ)) فلا آخذهم بها ((وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي تحت نخيلها وقصورها -كما تقدّم- ((ثَوَابًا))، أي جزاءاً لهم ((مِّن عِندِ اللّهِ)) على أعمالهم ومشاقّهم في سبيله ((وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ))، أي الجزاء الحسن، وليس كغيره ممن لا يقدر ولا يملك الثواب الحسن.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 196 | وهنا يتأمل الإنسان كيف يكون الكفار في هذه النعمة والراحة والسياحة والأسفار والثمار، والمسلمون مضطهدين يُخرجون من ديارهم ويُؤذَون، مع أن الله سبحانه ناصرهم وظهيرهم؟، ويأتي الجواب ((لاَ يَغُرَّنَّكَ)) وأصل الغرور إيهام حال السرور فيما الأمر بخلافه، فالمعنى : لا يهومنّك يارسول الله أن الكفار في سرور ((تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ)) فإنّ تقلّبهم لا يعود إليهم بالنفع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 197 | فإن ذلك ((مَتَاعٌ قَلِيلٌ))، أي يتمتعون بذلك في زمان قليل ((ثُمَّ مَأْوَاهُمْ)) مصيرهم ((جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ))، أي ساء المستقر لهم تلك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 198 | ((لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ)) بأن آمنوا وأطاعوا فإنهم وإن كانوا في أذيّة وضغط فعلاً ((لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) الجارية ((خَالِدِينَ فِيهَا)) أبداً إلا متاع قليل كمتاع الكفار في الدنيا ((نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ)) النُزُل ما يُعدّ للضيف من الكرامة والبر والطعام والشراب ((وَمَا عِندَ اللّهِ)) من الثواب والكرامة ((خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)) من تقلّب الكفار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 199 | ثم يرجع السياق الى أهل الكتاب الذين تقدّم أنهم يكفرون ويمكرون ((وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ)) يصدّق بوحدانيته ويعترف بما يعترف به المؤمنون ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ)) من القرآن الحكيم ((وَ)) بـ ((مَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ)) بخلاف سائر أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بما أُنزل إليهم إذ أنهم يحلّون ويحرّمون ويخالفون كتابهم في أحكامه، في حال كونهم ((خَاشِعِينَ)) خاضعين ((لِلّهِ)) سبحانه فيما أمر ونهى ((لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ))، أي بمقابل آيات الله ودلائله وبراهينه ((ثَمَنًا قَلِيلاً)) كما كان يفعل ذلك رؤساهم الذين كانوا يرتشون ويخفون الكتاب لئلا تزول رئاستهم ((أُوْلَئِكَ)) الذين لهم هذه الصفات الخيّرة من أهل الكتاب ((لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ)) يجازيهم بما فعلوا من الخيرات وآمنوا وصدّقوا ((إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) فليس أجرهم بعيداً عنهم فإن أمد الدنيا ولو طال قليل كما قال الشاعر: ألا إنما الدنيا كمنزل راكبٍ أناخ عشيّاً وهو في الصبح يرحل |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:58 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 200
| وأخيراً يتوجه الخطاب للمؤمنين وتنتهي السورة بهذه العِظة البليغة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ)) على الإيمان والمكاره ((وَصَابِرُواْ))، أي غالبوا في الصبر، ولعل المراد مصابرة الأعداء فكلما صبر الكفار زاد المؤمنون صبراً على صبر أولئك حتى يغلبوا ويأخذوا المعركة ((وَرَابِطُواْ)) وهو المرابطة في ثغور المسلمين للتطلّع على أحوال الكفار ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أعمالكم فلا تأتوا بالمعاصي ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي كي تفوزوا وتنجحوا في الدنيا والآخرة. |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:59 pm | |
| فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 4
| ((وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ))، أي مهورهنّ ((نِحْلَةً))، أي عطيّة فإنّ الله سبحانه أعطاها إياهنّ في مقابل الإستمتاع منهنّ لا على نحو الإبتياع ونحوه ولعل المراد في كلمة "نِحلة" إشارة الى تقدير المرأة وترفيعها عن مستوى المعاملة ((فَإِن طِبْنَ لَكُمْ)) أيها الأزواج ((عَن شَيْءٍ مِّنْهُ))، أي من المهر ((نَفْسًا)) تميز لـ "طِبنَ"، أي أعطين عن طيب النفس لا بالجبر والإكراه ((فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)) الهنئي الطيب المساغ والمريء المحمود العاقبة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 5 | ولما تقدّم الأمر بدفع أموال الأيتام إليهم عقّب ذلك بعدم الدفع الى السفيه ((وَلاَ تُؤْتُواْ))، أي لا تعطوا ((السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ)) وغنما أضاف المال إليهم لأنّ المال إنما هو للإجتماع بصورة عامة فإذا دُفع الى السفيه تلفه وكان نقصاً بالنتيجة عن الإجتماع وليس المراد بكون المال للإجتماع عدم الملكية الفردية بل المراد أنّ هذا المجموع من الأموال لإنتفاع المجموع فإذا تلف منه شيء كان نقصاً على المجموع ((الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً)) فإنّ بالمال يقوم أمر البشر إذ لولا المال لم تقم أمور الناس ولم تستقم الراحة والمعاملة بينهم ((وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا))، أي في تلك الأموال، ولعل عدم ذكر "من" مع أنه الأنسب لإفادة لزوم أن لا يقتطع من المال قطعة ثم قطعة حتى تفنى بل يكون الرزق في المال بأن يبقى المال على أصله وذلك لا يكون إلا بتدبيره باتّجار ونحوه حتى لا ينقص منه ((وَاكْسُوهُمْ)) وذكر هاذين من باب المثال وإلا فاللازم القيام بجميع نفقاتهم ((وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)) بأن تتلطّفوا لهم في القول، وذلك لأن اليتيم والسفيه معرّضان للمخاشنة والنهر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 6 | ((وَابْتَلُواْ))، أي امتحنوا ((الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ))، أي السن الذي يتمكنون من النكاح والمواقعة فيه وهو سن البلوغ الشرعي ((فَإِنْ آنَسْتُم))، أي وجدتم ((مِّنْهُمْ رُشْدًا)) والرُشد عبارة عن تمكّن الشخص من إصلاح أمواله بلا سرف ولا تبذير ولا سَفَه ((فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)) المودعة عندكم ((وَلاَ تَأْكُلُوهَا))، أي لا تأكلوا أموال اليتامى ((إِسْرَافًا))، أي زيادة على قدر أجرتكم في حفظها فإن الإسراف التعدّي عن الحد ((وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ))، أي لا تأكلوا أموالهم سريعاً من جهة خوف أن يكبروا فيأخذوها منكم فقد كان بعض الأولياء يتلف مال اليتيم قبل أن يكبر حتى إذا كبر قال له صرفته عليك ((وَمَن كَانَ)) من الأولياء ((غَنِيًّا)) يجد مؤونة سنة كاملة ((فَلْيَسْتَعْفِفْ)) يُقال استعفف من الشيء إذا إمتنع منه، والمعنى الولي الغني لا يأخذ شيئاً لنفسه من مال اليتيم بعنوان الأجرة والعوض ((وَمَن كَانَ)) من الأولياء ((فَقِيرًا)) لا يملك مؤونته لاقوة ولا فعلاً ((فَلْـ)) ـه الحق في أن ((يَأْكُلْ)) من مال اليتيم ((بِالْمَعْرُوفِ)) الذي هو قدر أجرته على حفظ أمواله لا أزيد من ذلك ((فَإِذَا دَفَعْتُمْ)) أيها الأولياء ((إِلَيْهِمْ))، أي الى الأيتام الذين بلغوا ورشدوا ((أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ)) حتى لا ينكروا في المستقبل فإنّ الشهود حينئذ يكونون في جانبكم لدى الإنكار ((وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا))، أي محاسباً وشاهداً، فارقبوه في أعمالكم فإنه يعلم ما تفعلونه بأموال الأيتام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 7 | وقد كان أهل الجاهلية لا يورّثون البنات فكان الولي يدفع المال كلّه الى أولاد الميت دون بناته فنهى الله عن ذلك بقوله ((لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ))، أي أقرباء الرجال فلا يُعطى الرجل أكثر من حظه ونصيبه ((وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)) فلا تُحرم من نصيبها كما لا تُعطى أكثر من حصّتها ((مِمَّا قَلَّ مِنْهُ))، أي مما ترك ((أَوْ كَثُرَ)) فالمهم أن يُعطى كل أحد نصيبه لا أن يكون ما يُعطى كثيراً أو قليلاً ((نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)) فرضه الله سبحانه وأوجبه فلا يُزاد عليه ولا يُنقص.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 8 | ((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ))، أي شهد وقت قِسمة التركة ((أُوْلُواْ الْقُرْبَى)) أقرباء الميت الذين لا يرثون ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ)) من غير أقربائه ((فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ))، أي اعطوهم شيئاً من المال الموروث ((وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)) حسناً غير خشن حتى يطيب خاطرهم ويجبر كسر عدم إرثهم وكسر يُتمهم ومسكنتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 9 | ثم بيّن سبحانه أنّ مَن يأكل مال اليتيم أو ظلمه لابدّ وأن يفعل بيتيمه ذلك من بعده ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ))، أي يجب أن يخاف ولي اليتيم من أكل ماله فإنّ الولي لو خلّف يتيماً من بعده كيف يخاف أولياء يتيمه أن يأكلوا أمواله كذلك فليجتنب هو عن ذلك، والحاصل أنّ مَن كان في حِجره يتيم فليفعل به ما يجب أن يفعل بذريته، ولا يُردّ على هذا المعنى أنه كيف يزر وازرة وزر أخرى، إذ الجواب أن معنىذلك أنّ الله سبحانه لا يرعى يتيمه حتى لا يقع في مخالب أولياء ظلمه بل يتركهم يفعلون به ما فعل أبوه بأيتام الناس وهكذا يفسّر ما ورد من عقوبة الأبناء فعل الآباء، وضعاف جمع ضعيف ((فَلْيَتَّقُوا اللّهَ)) في أمر الأيتام فلا يأكلوا أموالهم ولايؤذوهم ((وَلْيَقُولُواْ)) للأيتام ((قَوْلاً سَدِيدًا)) صحيحاً موافقاً للعدل والشرع، فلا ينهروا الأيتام ولا يخاشنوا معهم في الكلام كما جرت عادة كثير من الأولياء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 10 | ثم هدّدهم سبحانه بعذاب الآخرة بقوله ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)) بلا مبرّر واستحقاق، والقيد توضيحي لإفادة أن أكل أموالهم ظلم وجور ((إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ))، أي يملئون في بطونهم ((نَارًا)) فإنّ مال اليتيم ينقلب ناراً ((وَسَيَصْلَوْنَ)) يُقال صَلى الأمر إذا قاسى شدته وحرّه ((سَعِيرًا))، أي ناراً مسعّرة مؤجّجة، والأكل في الآية كناية عن التصرّف ولو كان مثل الدار واللباس فإنّ الأكل يُستعمل بهذا المعنى كثيراً.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 5:59 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 11
| ((يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ)) والوصية منه سبحانه فرض، كما قال سبحانه (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ذلكم وصّاكم به)، والمعنى "في أولادكم" أي في ميراث أولادكم ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)) فالإبن يرث ضعف البنت، وقد كان هذا التقدير دقيقاً جداً حيث أن كلفة الرجل أكثر من كلفة البنت لوجوب نفقة المرأة على الرجل غالباً وفي كثير من الأحيان هو يقوم بالنفقة وإن لم تجب عليه ((فَإِن كُنَّ)) المتروكات الوارِثات للميت ((نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ))، أي إثنتين فما فوقها، فإنّ ذلك يُعبّر غالباً بمثل هذه العبارة، يُقال مَن له فوق العشرة يُؤخذ منه ومن له دونها لا يُؤخذ منه يُراد العشرة فما فوقها ((فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)) فإذا كانت للميت بنتان فما فوقهما وكان هناك وارث آخر في طبقتهنّ كالأم والأب كان لهنّ الثلثان والبقية لسائر الورثة، ((وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً))، أي أولاد الميت منحصرة في بنت واحدة ((فَلَهَا النِّصْفُ)) من التركة ((وَلأَبَوَيْهِ))، أي الأب والأم للميت الذين اجتمعا مع الأولاد ((لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ)) فنصيب كليهما الثلث ((مِمَّا تَرَكَ)) الميت ((إِن كَانَ لَهُ))، أي للميت ((وَلَدٌ)) سواء كان الولد واحداً أو متعدداً ذكراً أو أنثى أو بالإختلاف وأما تفصيل ميراثهم فموكول الى كتب الفقه ((فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ))، أي للميت ((وَلَدٌ)) لا صلبياً ولا حفيداً ((وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ)) الأب والأم للميت ((فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ)) والثلثان الباقية للأب ((فَإِن كَانَ لَهُ))، أي للميت الذي خلّف الأبوين بدون الأولاد ((إِخْوَةٌ)) من الأبوين أو الأب، والمراد بالأخوة اثنين فما فوق والأختان تقومان مقام الأخ فلو كان للميت أب وأم وأخوان لأو أخ وأختان أو أربع أخوات فما فوق ((فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)) وذلك لأن الأخوة تمنع الأن عن السدس وتوفره للأب، فلا ترث الأم الثلث مع وجود الأخوة، وتقسيم التركة هكذا إنما هو ((مِن بَعْدِ)) إنفاذ ((وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا)) الميت ((أَوْ دَيْنٍ)) على الميت فأولاً يُخذ الدَين من التركة ثم تنفّذ الوصية من التركة -الى حد الثلث- ثم يُقسّم الباقي بين الورثة كما ذُكر، فلو كان للميت عشرة دنانير وكان عليه دَين قدره أربعة دنانير ووصّى بالإنفاق في الخيرات مقدار ثلثه كان للوارث مقدار أربعة دنانير فقط لأن أربعة خرجت ديناً ودينارين ثلثاً فلم يبق إلا أربعة ((آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً)) فلا تميلوا الى توريث الآباء أكثر من الأبناء بظن أنهم أحق من جهة الأبوّة ولا الى العكس بظن أنهم أحق من جهة الضعف الفطري الموجود في الأبناء فإنكم لا تعلمون أن أيهم أقرب نفعاً، والله الذي هو يعلم الأشياء يقرّر الحق كما تقدّم فلا تخالفوا تحديده في أنصبة الميراث جرياً وراء العاطفة والأوهام، فإنكم لا تعلمون أنكم بأيهما أسعد في الدنيا والآخرة ((فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ))، أي فرض الله هذه الأنصبة فريضة واجبة ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا)) فهو عالم بالمصالح حكيم فيما يفعل ويقرّر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 12 | ((وَلَكُمْ)) أيها الأزواج ((نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ))، أي زوجاتكم فإن ماتت زوجة أحدكم فللزوج النصف ((إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ))، أي للزوجات ((وَلَدٌ)) سواء كان من هذا الزوج أو من غيره ((فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ)) واحداً أو متعدداً ((فَلَكُمُ)) أيها الأزواج ((الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)) من ميراثهن ((مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)) فأولاً يُخرج الدَين ثم تُخرج الوصية الى حد الثلث ثم تقسّم التركة فللزوج الربع والبقية للأولاد ((وَلَهُنَّ))، أي للزوجة التي بقيت بعد وفاة زوجها ((الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)) من الميراث ((إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ)) أيها الأزواج ((وَلَدٌ)) وقد دلّت الشريعة أن الزوجة لا ترث من الأرض ((فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ)) واحداً أو متعدداً ذكراً أو أنثى من تلك الزوجة الباقية أو من غيرها ((فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم)) من الميراث ((مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا)) أيها الأزواج ((أَوْ دَيْنٍ)) ولعل تقديم الوصية في الآيات مع أن الدين مقدّم في الإخراج أن الغالب وجود الوصية بخلاف الدّين، ((وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً)) الكلالة هم الأخوة سواء كانوا من الأب أو الأبوين أو الأم، والمعنى أنه إن كان الوارث كلالة بأن لم تكن المرتبة الأولى موجودة فإن الأبوين والأولاد في المرتبة الأولى، والأخوة والأجداد في المرتبة الثانية، والأعمام والأخوال والعمات والخالات في المرتبة الثالثة، والزوجان يرثان مع كل مرتبة، وكلالةً في الإعراب منصوب على الحاليّة، فالمعنى إن وُجد رجل يرثه قريب له في حال كون ذلك القريب كلاله له ((أَو)) إن كان ((امْرَأَةٌ)) تورث كلالة، أي وُجدت إمرأة يرثها قريب لها في حال كون ذلك القريب كلالة لها، والحاصل أنه لو مات رجل أو إمرأة ((وَلَهُ))، أي لكل واحد من الرجل والمرأة الذين ماتا ((أَخٌ أَوْ أُخْتٌ)) والمراد هنا كلالة الأمي خاصة بأن كان الوارث شريكاً مع الميت في الأم فقط، بأن بقي أخوه أو أخته الأمّيان ((فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ)) من تركة الميت ((فَإِن كَانُوَاْ))، أي كانت الكلالة ((أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ)) الواحد بأن كانت الكلالة نفرين فصاعداً ((فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ)) يقسمونه بينهم بالسوية فإن الكلالة الأمي يرثون متساوين للذكر مثل حظ الأنثى ((مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ)) الميت ((أَوْ دَيْنٍ)) فإن الدّين والوصية يُخرجان من المال ثم يُعطى للواحد من الكلالة السدس وللإثنين فصاعداً الثلث ((غَيْرَ مُضَآرٍّ))، أي لا يُضار الكلالة بأن يحرموه من الثلث، أو يكون المعنى إنما تنفّذ الوصية إذا كان الموصى غير مضار بأن لم يوص بأكثر من الثلث وإلا لم تنفّذ الوصية فيما زاد على الثلث ((وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ))، أي هذه الأنصبة يوصيكم الله بها وصية ((وَاللّهُ عَلِيمٌ)) فيقدّر الأنصبة حسب ما يعلم من المصالح ((حَلِيمٌ)) لا يعاجل العصاة بالعقوبة فمن خالفه في الإرث ولم يَرَ عقوبة عاجلة فذلك لحلمه سبحانه فلا يغرّه ذلك.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:00 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 13
| ((تِلْكَ)) التي بيّنت في أوامر الإرث ((حُدُودُ اللّهِ))، أي الحدود التي جعلها الله سبحانه لمقادر الإرث فلا يجوز التجاوز عنها ((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ)) بتطبيق أوامرهما والإجتناب عن مخالفتهما ((يُدْخِلْهُ)) الله سبحانه ((جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي من تحت قصورها وأشجارها ((خَالِدِينَ فِيهَا)) فلا زوال لهم عنها بالموت أو الإخراج أو ما أشبه ((وَذَلِكَ))، أي نيل الجنة والخلود فيها ((الْفَوْزُ)) الفلاح ((الْعَظِيمُ)) الذي لا يماثله شيء فلا يحسب أحد أن الفوز ببعض التركة ظلماً شيء يُعتدّ به فإنه لا فوز كفوز الجنة الدائمة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 14 | ((وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ)) بمخالفة أوامرهما وارتكاب نواهيمها ((وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)) فيتجاوز ما حُدّ له من الطاعات ((يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا))، أي دائماً، ومن المعلوم أن ذلك لمن خالف جميع الأوامر لا بعضها التي دلّ الدليل على عدم خلوده، ولعل عموم "حدوده" حيث أنه جمع مضاف يدل على ذلك ((وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) فيُهان في العذاب حتى يجتمع عليه عذاب الروح وعذاب الجسد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 15 | وحيث بيّن سبحانه حكم الرجال والنساء في باب النكاح والميراث بيّن حكم الحدود فيهنّ إذا ارتكبن الحرام فقال سبحانه ((وَاللاَّتِي)) جمع التي، أي النساء اللاتي ((يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ))، أي الزنا، وإنما سميت بالفاحشة لأنه أمر يفحش ويتجاوز الحد ((مِن نِّسَآئِكُمْ)) سواء كنّ ذوات أزواج أو لا ((فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ))، أي اطلبوا شهادة أربعة رجال رأون الزنا كالميل في المكحلة ((فَإِن شَهِدُواْ)) أربعة عدول على ذلك ((فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ))، أي فاحبسوهنّ فيها وقد كان ذلك حكم الإسلام بالنسبة الى الزانية إبتداءً ((حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ))، أي حتى تموت ((أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً))، أي يجعل لهنّ أمراً آخر غير الحبس، وقد نزلت آية الحدود وهي قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فارتفع حكم الحبس في البيت، وما ورد في الأخبار من أن آية الحد ناسخة لآية الحبس يُراد به أن حكم الحبس ارتفع لانقضاء أمدها لأنها مؤقتة بجعل السبيل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 16 | ((وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ)) لعل المراد ب"اللذان" اللاطي والملوطفالضمير يرجع الى الفاحشة لا بمعناها الأول بل بالمعنى المنطبق، أما تفسيره بالزانيين -فإن لم يرد بذلك حديث عن المعصوم (عليه السلام)- فبعيد (( فَآذُوهُمَا)) الأذيّة أعم من الحد فلا حاجة الى القول بنسخ الحكم -إن لم يرد بذلك حديث معتبر- ((فَإِن تَابَا)) من فعلهما ((وَأَصْلَحَا)) والمراد بالإصلاح الإتيان بالأعمال الصالحة ((فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا)) ولا تتعرضوا لهما بسوء ((إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 17 | ثم بيّن سبحانه أن التوبة ممن تُقبل وممن لا تُقبل لمناسبة قوله "فإن تابا" ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ))، أي إن قبول التوبة حق عليه سبحانه -جعله على نفسه- أو المراد توبة الله، أي رجوعه الى المعاصي فإنّ كلاًّ من الله والعبد تواب بمعنى راجع الى الآخر، فإنّ رجوع العبد بمعنى إقلاعه عن الذنب ورجوع الله بمعنى لطفه واحسانه وإعادة نظره على العبد ((لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ)) العمل المحرّم ((بِجَهَالَةٍ)) الظاهر أنه ليس المراد بالجهالة الجهل مقابل العلم بل المراد مطلق العصيان فإنها وإن صدرت عن عمل لكن حيث أنها يدعو إليها الجهل بما يترتب على الذنب يصح أن يُقال أنها عن جهل، وليس القيد إحترازياً حتى يُقال فما هو السوء بغير جهالة، بل فائدته أن السوء لا يصدر إلا عن جهل ((ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ)) قبل أن يروا علائم الموت ((فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ)) يرجع عليهم بمحو ذنوبه وإعادة لطفه عليهم ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً)) بمصالح العباد فيحكم بمقتضى علمه ((حَكِيماً)) يضع الأشياء في مواضعها حسب ما تقتضيه الحكمة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 18 | ((وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ)) المقبولة النافعة ((لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)) المعاصي، وإنما سميت سيئة لأنها تُسيء الى صاحبها ((حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ)) بأن رأى آثاره من مشاهدة ملك الموت ونحوه ((قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ)) فإنه توبة المضطر الذي يريد الخلاص من العقاب لا توبة النادم المطيع كما قال سبحانه في قصة فرعون (الآن وقد عصيت من قبل) ((وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)) فقد إنقطعت الحياة التي هي محل العمل وجائت دار الحساب التي فيها حساب ولا عمل ((أُوْلَئِكَ)) الطائفتان ((أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا))، أي هيّئنا لهم عذاباً يؤلمهم بسبب ما فعلوا من المعصية، ولا يخفى أن بالنسبة الى من عمل السيئات حتى جائه الموت لا يكون العصيان سبباً موجباً للعقاب فإنّ ذلك معلّق بعدم الشفاعة والعفو.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 19 | ثم إنتقل السياق الى حكم آخر من الأحكام المربوطة بالعائلة، وهو حكم المهر، فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) والحكم وإن كان عامّاً للمؤمن وغير المؤمن لكن الإصغاء حيث كان خاصاً بالمؤمنين توجّه الخطاب إليهم ((لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا)) فقد كان أهل الجاهلية إذا مات بعض ذويهم حبسوا زوجته حتى تموت عندهم ويرثونها، أي يأخذون ميراثها ولم تكن المرأة تريد ذلك بل تريد الزواج من رجل آخر فيمنعونها عن ذلك ((وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)) العضل هو إمساك المرأة في البيت دون تزويج، فإنه لغة بمعنى المنع ((لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)) فقد كان الجاهليون إذا لم يرغبوا في زوجاتهم لم يطلّقوهنّ وتركوهنّ ومنعوهنّ عن الزواج حتى تفتدي ببعض مهرها أو سائر أموالها ((إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ))، أي بمعصية ظاهرة من زنا أو غيره فإنه يحق حينئذ لكم أن تضيّقوا عليهنّ حتى يفتدين ببعض ما آتيتموهنّ ((وَعَاشِرُوهُنَّ))، أي عاشروا النساء -مطلقاً- ((بِالْمَعْرُوفِ)) الذي يعرفه أهل العقل والدين ((فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ)) فلا تعجلوا بالطلاق ((فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) من إئتلاف وحب في المستقبل أو أولاد صالحين أو نحو ذلك، فإنه كثيراً ما تقع نفرة بين الزوجين وتنتهي بؤئام وسلام ووداد وحب وأُلفة.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:00 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 20
| ((وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ)) بأن أردتم طلاق إمرأة وأخذ إمرأة أخرى مكانها ((وَآتَيْتُمْ))، أي أعطيتم من باب المهر ((إِحْدَاهُنَّ)) وهي المرأة السابقة ((قِنطَارًا)) ملاء مسك ثور ذهباً ((فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا))، أي من ذلك المعطى لها مهراً فقد كان الرجل في الجاهلية إذا أراد طلاق إمرأة وأخذ أخرى مكانها ضيّق على زوجته الأولى أو بهتها بفاحشة حتى يجبرها أن تفتدي نفسها فدائها مهراً للزوجة الثانية ((أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً)) هو مصدر في مكان الحال، وهذا إستفهام إنكاري، أي هل تأخذون بعض مالها بالبهتان ((وَإِثْماً مُّبِيناً))، أي بالإثم الواضح.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 21 | ((وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)) تعجب من أخذ بعض مهر المرأة بهذا النحو المشين ((وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)) هو كناية عن الجماع، أي والحال أنتم إقتربتم منهنّ فذهب المهر لما حصلتم عليه من البضع، والإفضاء هو الوصول الى شيء بالملامسة ((وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)) والميثاق هو العهد الذي أخذته الزوجة من الزوج بالعقد لأن العقد معناه مقابلة المهر بما تستحل من نفسها له، وقد كان لازم العقد الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 22 | ((وَلاَ تَنكِحُواْ)) أيها المؤمنون ((مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء)) فقد كان أهل الجاهلية ينكحون زوجات آبائهم بعد وفاتهم فنهى الله سبحانه عن ذلك سواء دخل الأب بها أم لا ((إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)) قبل إسلامكم فلا تؤاخذون بذنب ذلك فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله، يعني أنّ ذنب أخذِكم نساء آبائكم قبل الإسلام معفو عنه ((إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً))، أي زنا فإنّ زوجة الأب من محارم الإبن فمقاربتها زنا ((وَمَقْتًا))، أي موجباً لمقت الله وغضبه ((وَسَاء سَبِيلاً)) فإنه سبيل الكفار والعصاة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 23 | ثم ذكر سبحانه سائر أصناف المحرّمات من النساء، ومن المعلوم أن التحريم يقوم بالطرفين فكما تُحرم المرأة على الرجل كذلك يُحرم الرجل على المرأة، وقد كانت هذه المحرّمات محلّلات عند بعض الناس كالمجوس، ولذا صرّح القرآن الحكيم بتحريمها، فقال ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)) وهي كل إمرأة يرجع نَسَبَكَ إليها بالولادة كالأم والجدّة من الطرفين ((وَبَنَاتُكُمْ)) وهي كل إمرأة يرجع نَسَبَها إليك بالولادة بنتاً أم بنت أولادك الذكور أو الإناث ((وَأَخَوَاتُكُمْ)) وهي اللاتي جمعك وإياهنّ رحم أُم أو صُلب ذكر ((وَعَمَّاتُكُمْ)) وهي اللاتي يكنّ أخوات لذكر يرجع نَسَبَك إليه من طرف الأب كأخت الأب وأخت الجد الأبي أم من طرف الأُم كعمة الأم التي هي أخت لأب الأم ((وَخَالاَتُكُمْ)) وهي اللاتي يكنّ أخوات لأنثى يرجع نَسَبَك إليها من طرف الأُم كأخت الأم وأخت الجدّة الأُمّيّة أم من طرف الأب كأخت أم الأب التي هي خالة أبيك ((وَبَنَاتُ الأَخِ)) بلا واسطة أم مع الواسطة كحفيدة الأخ ((وَبَنَاتُ الأُخْتِ)) بلا واسطة أم مع الواسطة كحفيدة الأخت، وهذه السبعة هي أصناف المحرّمات بالنَسَب ثم بيّن سبحانه المحرّمات بالسبب فقال ((وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)) بلا واسطة كأُمّك الرضاعي أم مع الواسطة كأم الرضاعي للأب والأم الرضاعي للأم وهكذا ((وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)) ولم يذكر الأصناف الأُخر من المحرّمات بالرضاع كالعمة والخالة أما لفهم ذلك من السياق أو لدخولهنّ في "أخواتكم" فإنّ العمة أخت الأب والخالة أخت الأُم، وإذا تحققت حُرمة الأخت تحققت حُرمة بنت الأخ وبنت الأخت ((وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ)) أُم الزوجة مباشرة كانت أم لا كأُم أب الزوجة وأُم أُم الزوجة، وحيث أطلق سبحانه تبيّن أنه بمجرد العقد على المرأة تُحرم أُمها سواء دخل بالزوجة أم لا ((وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم)) الربائب جمع ربيبة وهي بنت زوجة الرجل من غيره سواء كانت قبل هذا الزوج أم بعد هذا الزوج، وقيّد "اللاتي" للغلبة فإنّ الغالب أنّ الرجل إذا تزوج بإمرأة لها بنت رباها في حِجره، والحجور جمع حِجر، ثم أنه لا فرق في الربيبة بين أن تكون بلا واسطة كبنت الزوجة، أم مع الواسطة كبنت الربيبة، أو بنت إبنها، أو أخت بنتها ((مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ))، أي حصل منكم جماع لهنّ، فإنّ الربيبة لا تُحرم بمجرد العقد على أمها وأنها تحرم لو دخل بأُمها، فلو تزوج بإمرأة ولم يدخل بها ثم فارقها بطلاق أو فسخ أو إنقضاء مدة في العدة أو نحو ذلك، حلّ أن يأخذ ربيبتها، وهذا هو الفارق بين (أم المرأة) و(بنت المرأة) ((فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) في نكاح بناتهنّ بعد خروج الأمهات عن حبالتكم ((وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ)) حلائل جمع حليلة وهي الزوجة، أي زوجات أبنائكم سواء كان الإبن بلا واسطة أم مع الواسطة كإبن الإبن وإبن البنت ((الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ)) وذلك مقابل "الدعيّ" وهو من يتبنّاه الإنسان فإنه لا يحرم على الأب المتبنّي زوجة الإبن الذي تبنّاه لقوله سبحانه (ما جعل أدعيائكم أبنائكم) أما الإبن الرضاعي فإنه بمنزلة الإبن النَسَبي لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (الرضاع لحمة كلحمة النَسَب) ((وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ))، أي يُحرم الجمع بين الأُختين بأن تكونا في حبالته معاً، ويجوز أخذ واحدة ثم إخراجها عن حبالته ونكاح الأخرى ((إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)) فإن أعمالكم في الجاهلية بالنسبة الى نكاح المحرّمات غير مؤاخّذين عليها في الإسلام لأن الإسلام يجبُّ ما قبله ((إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا)) يغفر ذنوبكم السابقة ((رَّحِيمًا)) يرحم بكم فلا يجازيكم بسيّئاتكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 24 | ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء))، أي النساء اللاتي أُحصِنَّ بالأزواج، أي حُرّمت عليكم النساء ذوات الأزواج، يُقال أحصن الرجل زوجته، أي حفظها من الفجور ((إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) وهُنّ الإماء ذوات الأزواج التي سبيهنّ المسلمون، فإنّ السبي يقطع عصمتهنّ بأزواجهنّ الكفار ويحلّ للمسلم إيقاعهنّ ((كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ))، أي كتب الله -تحريم النساء المذكورات- عليكم كتاب، فهو منصوب على المصدر بفعل محذوف ((وَأُحِلَّ لَكُم)) أيها المؤمنون ((مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ)) المذكور فإنّ كل إمرأة لا يقع عليها أحد العناوين المذكورة سابقاً قريبة كانت أم لا فهي محلّلة على الشخص أن يتزوجها ((أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم))، أي تطلبوا بأموالكم التي تجعلونها مهراً لهنّ نكاحهنّ في حال كونهم ((مُّحْصِنِينَ))، أي تحصنون إياهنّ بالزواج ((غَيْرَ مُسَافِحِينَ)) السفاح هو الزنا بأن لا تبتغوا بالأموال السفاح كما يفعله الزانون حيث يسافحون بالنساء في مقابل المال، ففي ما وراء ذلك التحريم المتقدّم حلال أن تبتغوا النساء بالمال لكن من طريق الزواج لا عن طريق السفاح ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ)) "ما" موصوله يُراد به المرأة، والضمير في "به" عائد الى "ما"، أي النساء اللاتي إستمتعتم بهن ((مِنْهُنَّ))، أي من النساء، وهذا بيان "ما" والمراد الإستمتاع طلب المتعة، أي اللذة ((فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ))، أي فالنساء اللاتي إستمتعتم بهنّ من طريق الإحصان والزواج يجب عليكم إعطائهنّ أجورهنّ، وهذه الآية وردت في نكاح المتعة والمعبّر بالنكاح المنقطع كما ورد بذلك الروايات، والفرق بينها وبين الدائم أنها محددة بمدة طالت أم قصرت فإذا إنتهى أمده إنفسخ من نفسه بخلاف الدائم الذي يحتاج فسخه الى الطلاق أو نحوه، ويؤيد كون الآية في النكاح المنقطع لا الدائم ذِكر كلمة (الإستمتاع) الذي هو ظاهر في المتعة وذِكر الأجور، فإنّ المنصرف من الأجر ما يُعطى لقاء الإستمتاع لا النكاح الدائم، ولا ينافي أن يكون السابق على هذه الجملة عاماً يشمل الدائم والمنقطع، وهذه الجملة خاصة للمنقطع، فإنه كثيراً ما يُذكر الخاص بعد العام، فالمنقطع مصداق من مصاديق "مًحصنين غير مسافحين" وفي ذلك فائدة لطيفة، حيث تنبّه الآية على عدم الإحتياج الى الزنا والحال أن النكاح المنقطع بمكان من الإمكان ((فَرِيضَةً))، أي فُرضت ووُجبت الأجور فريضة فلا يجوز للرجل عدم إعطاء الأجور للمستمتَع بها ((وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها المستمتِعون ((فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ))، أي المقدار الذي تراضيتم بذلك المقدار ((مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ))، أي المقدار السابق من المهر، فإذا تراضيتم بزيادة المدة بعقد جديد أو نقصانها بالهبة، بزيادة المهر أو نقصانه جاز لكما ذلك، والحاصل أن ما تبانيا عليه سابقاً فريضة، لا يجوز العدول عنها إلا برضا جديد ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا)) بالمصالح ((حَكِيمًا)) فيما شرّع من الأحكام التي منها المتعة التي تفيد المسافرين والغرباء ومَن لا يتمكن من الدائم، فإنّ ذلك وقاية للمجتمع عن الزنا والسفاح واللواط والسحق وما أشبه مما لابد وأن ينفتح أبوابها إذا سُدّ باب المتعة.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:01 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 25
| ((وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((طَوْلاً))، أي من جهة الغنى والثروة بأن لم يكن له مال يكفيه ((أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ))، أي الحرائر ((الْمُؤْمِنَاتِ))، وإنما قيل لهنّ "مُحصَنات" لإحصانهنّ أنفسهن عن البِغاء كما قال سبحانه (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) فالمرأة العفيفة مُحصِنة بالكسر ومحصَنة بالفتح بالإعتبارين، والمعنى أنّ الرجل لو كان فقيراً لا يقدر على مهر الحر ونفقتها ((فَـ)) لينكح ((مِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم)) ينكح أَمَة ملكتها يمين أخيه المسلم ((مِّن فَتَيَاتِكُمُ)) جمع فتاة وهي المرأة الشابة، والمراد بها هنا الأَمَة، فقد ورد أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى -تنزيهاً- أن يقول أحد (عبدي) و(أَمَتي) بل يقول (فتاي) و(فتاتي) جبراً لخاطرهما ((الْمُؤْمِنَاتِ)) فإنّ مهر الأَمَة أقل وتكاليفها يسيرة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ)) فليس المراد التنقيب عن حقيقة إيمان الأَمَة المراد تزويجها بل يكفي الظاهر أما الإيمان الراسخ القلبي فليس الى ذلك سبيل بل الله أعلم بذلك الإيمان ((بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)) فليس الرجل الحر بأعلى إيماناً من الأَمَة المؤمنة بل المؤمنون سواءً كانوا أحراراً أم عبيداً أُمّة واحدة بعضهم من بعض من طبقة أعلى من طبقة الآخرين، وإنما شُرّعت أحكام العبيد والإماء لمصالح خاصة، كما شُرّعت أحكام الرجال والنساء مختلفة لمصالح خاصة ((فَانكِحُوهُنَّ))، أي تزوجوا بالفتيات المؤمنات ((بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ))، أي سادتهنّ ومواليهنّ فإنه لا يجوز نكاحهنّ بدون رضى السادة ((وَآتُوهُنَّ))، أي أعطوا الفتيات المؤمنات ((أُجُورَهُنَّ))، أي مهورهنّ، وإعطاء الفتيات لا يُراد به إلا الدفع في تلك الجهة، وإن كان المولىيستحق المهر ((بِالْمَعْرُوفِ)) من دون عطل وأضرار، وليكن نكاحكم إياهن بإذن أهلهن في حال كونهن ((مُحْصَنَاتٍ)) عفائف ((غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ))، أي غير زانيات، وإنما قيّد بذلك لأن "النكاح" يُطلق على الوطي كما يُطلق على العقد الشرعي، قال سبحانه (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك)، أي لا يُزنى بها ولا تُزنى به، وقد كان في الجاهلية من يجبر إمائه على الزنا، فكان نكاحاً -أي جماعاً- بأجر، بإذن أهلهنّ كما قال سبحانه (ولا تُكرهوا فتياتكم على البِغاء إن أردن تحصّناً) ولعل ذلك لمقابلة قوله سبحانه بالنسبة الى الحرائر "محصنين غير مسافحين" ((وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ))، أي لتكن الفتاة عفيفة غير متّخذة لصديق، فإن الأخدان جمع خدن وهو الصديق، والحاصل أن تكون الأَمَة التي تريدون زواجها غير زانية ولا صديقة لأحد، وقد كُنّ بعض الإماء في الجاهلية كذلك فنهى الله سبحانه عن التزويج بهنّ ((فَإِذَا أُحْصِنَّ))، أي تزوجن فأحصنهن أزواجهن ((فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ))، أي بالزنا ((فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ))، أي إن حدّهنّ نصف حدّ الحرة الزانية وهو خمسون جلدة نصف حدّ الحرة، وقد كان من حكمة الإسلام أن جعل المحاربين مع المسلمين إذا فتحوا عليهم عبيداً وإماءاً -لا أن يقتل الجميع أو يسجنهم- ثم جعل العبودية تمشي في أعقابهم حتى لا يجرء أحد من محاربة المسلمين خوفاً من ذلك، أو على الأقل يحدّ من نشاط الحروب، فأي إنسان يسيغ العبودية، مع العلم أن كثيراً من الناس يستسيغون القتل والسجن، ثم بعد ذلك جعل للعبيد أحكاماً خاصة تشديداً تارة وتخفيفاً أخرى -ليقابل التخفيف التشديد- ثم ليكون لهم بصورة عامة ميزة خاصة يُعرفون عن الأحرار، وتفصيل فلسفة الأمرين يُطلب من الكتب الخاصة بهذا الشأن (*) ((ذَلِكَ)) النكاح للإماء ((لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)) العَنَت هو الجهد والشدة، أي خاف أن يقع في جهد وشدة من جهة ترك الزواج، أو خاف الوقوع في الزنا لشدة رغبته الجنسية ((وَأَن تَصْبِرُواْ)) فلا تتزوجوا بالإماء ((خَيْرٌ لَّكُمْ)) فإنه لو إعتاد نكاح الإماء بقيت الحرائر بلا أزواج لقلة الكلفة بالنسبة الى الأَمَة وكثرة الكلفة بالنسبة الى الحرة، فيُقبل الناس على تزويجهنّ، وليس أمر العبيد والإماء والفروع المتصلة به قصة تاريخية لظروف خاصة، كما يقوله بعض من بهرته الإنهزامية الغربية، ولو جاز ذلك في هذا الحكم لجاز في كل حكم إسلامي، ولم يبقَ الإسلام إلا شمعاً بيد المصورين يصوغونه كيف شائوا ((وَاللّهُ غَفُورٌ)) لذنوبكم ((رَّحِيمٌ)) بكم فلا تيأسوا بالنسبة الى ما اقترفتم من المحرّمات المرتبطة بهذا الباب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 26 | ثم بيّن سبحانه أن هذه المحرّمات إنما حُرّمت لمصلحة البشر لا إعتباطاً فقال ((يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)) أحكام دينكم ودنياكم ((وَيَهْدِيَكُمْ)) يرشدكم ((سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) السُنن جمع سُنّة وهي الطريقة، أي طريقة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ((وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ))، أي يرجع عليكم بلطفه ومنّه حيث أنكم تعملون بطاعته -بعد ما كنتم في زمان الجاهلية تعملون بالمعاصي والآثام- فبيّن لكم الأحكام لتعملوا فيتوب عليكم ((وَاللّهُ عَلِيمٌ)) بمصالحكم ((حَكِيمٌ)) فيما يأمر وينهي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 27 | ((وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)) كرّر لفائدة المقابلة بقوله سبحانه ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ)) في مواقعة كل إمرأة من غير نظر الى الحِل والحُرمة والمصلحة والمفسدة ((أَن تَمِيلُواْ)) عن الحق ((مَيْلاً عَظِيمًا))، أي إنحرافاً فإن إقتراف محرمات النكاح من أكبر الآثام، والآية وإن كانت عامة لكل مبطِل ولكل ميل إلا إن قرينة السياق تخصصهما بما ذكرنا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 28 | ((يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ)) في أمور دينكم ودنياكم ولذا أحلّ كل النساء إلا ما فيه مضرة، ويقبل توبتكم، ولو أراد التشديد لم يقبل توبتكم، وحرّم عليكم أقساماً أُخر من النساء كما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليكم طيّبات ..) وفيه إفادة أنه ليس تحريم من ذكر تثقيلاً وإنما هو تخفيف، فإنّ التخفيف قد يكون بالنسبة الى الشيء وقد يكون بالنسبة الى نتائجه وتحريم المحرّمات المذكورة تخفيف بالنسبة الى النتائج لما يشتمل عليه المحرّمات من وخامة العاقبة في الدنيا والآخرة التي منها ضعف النسل بالنسبة الى نكاح المحرّمات كما ثبت في الطب الحديث ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) فهو لا يصبر عن شهواته ويريد إقتراف آثام الزنا مما يضره في دنياه وآخرته |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:01 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 29
| ولما بيّن سبحانه محرّمات النساء مما يتعلّق بالفرج بيّن محرّمات الأموال مما يتعلّق بالبطن فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن من وقى شر أجوفيه وقى الشر كله، والمراد بالأجوفين البطن والفرج، فقال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) تقدّم أن الحكم وإن كان عاماً للمؤمن وغيره إلا إن إصغاء المؤمن فقط أوجب توجيه الخطاب إليه فقط ((لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)) والمراد بالأكل مطلق التصرّف وأُتي بلفظ الأكل لشيوع هذا النوع من التصرّف، فهو من إستعمال الخاص وإرادة العام، وكلمة "بينكم" إنما أُتي بها لإفادة أن الأكل بالباطل إنما يعود ضرره إليهم أجمع فليس الأكل لمال غيرهم، وإنما أكل لأموالهم فيما بينهم، ويعود ضررهم الى مجتمعهم، والباطل هو خلاف الحق الذي لا يقرره الشرع والعقل، أما أخذ الخمس والزكاة وسائر الحقوق المالية والواجبات فليس أكلاً بالباطل ((إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)) الإستثناء منقطع لأنه ليس أكلاً للمال بالباطل وكثيراً ما يأتي مثل هذا الإستثناء في الكلام لإفادة الواقع حيث ينتظر السامع الإستثناء فيقول لا تجالس الأشرار إلا الأخيار ولا تأكل المضر إلا المفيد، وقوله "عن تراض" يفيد عدم جواز أكل المال مقابل التجارة الجبرية بدون رضا ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ))، أي لا يقتل بعضكم بعضاً فإن القتل مهما وقع على العدو فإنه واقع على الجنس البشري، والمناسبة بين القتل وأكل المال، إنّ الله سبحانه حرّم إنتهاك الأعراض، وأكل الأموال وإراقة الدماء، فحيث ذكر الأولين أشار الى الثالث ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)) ومن رحمته بكم أن جعل أموالكم وأعراضكم ودمائكم محترمة لا يجوز لأحد أن يتصرّف فيها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 30 | ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ)) القتل، أو أكل المال والقتل، أو إنتهاك العرض وأكل المال والقتل، والسياق يؤيد المعنى الثالث، وإن كان قرب اللفظ يؤيد المعنى الأول ((عُدْوَانًا وَظُلْمًا)) فإنه تعدّ للحدود وظلم للنفس وللغير، وفي ذلك إخراج للسهو والنسيان والخطأ ((فَسَوْفَ نُصْلِيهِ)) من أصلاه، أي ادخله ((نَارًا)) في الآخرة ((وَكَانَ ذَلِكَ)) الإدخال في النار لمن فعل ذلك ((عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)) فلا يمنعه عنه مانع ولا يُسأل عما يفعل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 31 | إن الإنسان لابد وأن تقع منه مخالفات، وحيث أن المخالفات مختلفة من كبيرة كقتل النفس، وصغيرة ككذبة عفوية ونحوها، ولذا يختم الله سبحانه تلك الآيات المحذِّرة عن المحرّمات المذكورة بقوله سبحانه ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)) كانتهاك العرض وأكل أموال الناس بالباطل وإراقة دماء الأبرياء ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) ومعنى التكفير الستر والغفران أن يغفر سائر السيئات لكم، ولا نؤاخذكم بما لابد وأن يقع من الإنسان في الحياة ((وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا))، أي مكاناً حسناً طيباً يُكرم صاحبه فيه، وكريم صفة الإنسان يُطلق على المحل، بعلاقة الحال والمحل، والمراد بالمدخل الكريم الجنة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 32 | وحيث سبق الكلام حول أكل الأموال بالباطل، جرى السياق موضوع في موضوع أدق وهو تمنّي بعض الناس أن يكون نصيبهم كنصيب الآخرين، والتمنّي قد يكون مقروناً بطلب زوال النعمة من الآخر، وهذا هو الحسد المذموم الذي نهى عنه في هذه الآية، وقد يكون طلباً لأن يكون للإنسان مثل ما لأخيه وهذه هي الغبطة، وهذه وإن كانت خلاف الأدب -بالنسبة الى الأمور الدنيوية- لأنه يكشف عن ضِعة في النفس، لكنه ليس بمحرّم، وذكر مجمع البيان في سبب النزول ما لفظه، قيل جائت وافدة النساء الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالت : يارسول الله أليس الله رب الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعاً فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكرنا نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة فنزلت هذه الآية وقيل أن أُم سلمة قالت : يارسول الله يغزوا الرجال ولا تغزوا النساء وإنما لنا نصف الميراث فليتنا رجال فنغزوا ونبلغ ما يبلغ الرجال فنزلت الآية عن مجاهد، وقيل لما نزلت آية المواريث قال الرجال نرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكونوا أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فنزلت الآية، وعلى أي حال فقد كان هناك تمنّي من أحد الجانبين فنهى الله عن ذلك بقوله ((وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فإن التمنّي مع قطع النظر عن عدم جدواه يكشف عن ضعف النفس وعدم تبصر الإنسان بالأمور إذ التفضيل لم يقع إعتباطاً، وإنما خلقة كل واحد من الرجال والنساء وسائر الملابسات الإجتماعية، أوجبت هذه المفاضلة من عليم حكيم، فلا يقل أحدكم ليت ما أعطى فلاناً من المال والجاه والتشريع كان من نصيبي ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ)) من المال والجاه والعمل ((وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)) من الأمور المذكورة، ثم ليس كل ما اكتسبه الرجل له بل قسم منه لله سبحانه يجب صرفه في سبيله من مال أو جاه أو طاقة، ولذا قال "مما اكتسبوا" وكذلك بالنسبة الى النساء، فهذا النصيب الذي قدّره سبحانه هو الذي ينبغي لكل منهما أن يقع به ولا يتوقع أن يكون له مثل ما للصنف الآخر ((وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ)) أن يعطيكم ما تريدون لا أن تحسدوا وتتمنوا زوال نعمة الآخرين وانتقالها إليكم فإنه سبحانه هو القاسم والمعطي ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) فيعلم ما تضمرونه من التمنّي والحسد، أو ما تنوون في قلوبكم من الإلتجاء إليه سبحانه في أن يوفّر عليكم الناقص الذي تريدون كما له ثم أن ظاهر قوله سبحانه "للرجال .." أن التمنّي كان بالنسبة الى الأمور الإكتسابية لا الأمور التكوينية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 33 | وذكر سبحانه أن للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، أما القسم الآخر من الكسب، أي بعض ما إكتسب الرجال وبعض ما اكتسبن النساء، فإنهمن نصيبالوارث، وليسذلك على وجه الفريضة وإنما على نحو القضية الطبيعية فإنالطبيعة الغالبةجرت علىأنيتنعّمالإنسان بقسم مما اكتسبهويخلّف قسماً آخر من كسبه للوارث ((وَلِكُلٍّ)) من الرجال والنساء ((جَعَلْنَا مَوَالِيَ)) هو جمع مولى من ولي الشيء يليه ولاية وهو إتصال الشيء بالشيء من غير فاصل، يعني جعلنا للصنفين أشخاصاً وراثاً هم أولى بالتصرف في ما تركا إرثاً، وهؤلاء الموالي الورّاث يرثون ((مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)) كل حسب تشريع الله له قسماً خاصاً من الإرث، فلكل من الرجال والنساء حق في الكسب وحق في الإرث فلا يتمنى أحد ما لغيره فإنّ الله سبحانه جعل ذلك ((وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)) لعل المراد أن الذين تعاقدتم معهم بالأيمان لإعطائهم حصة من تركتكم فاللازم إعطائهم نصيبهم المشروع من دون الثلث إذا كان عقد اليمين غير مُلزم، وما زاد عن الثلث إذا كان العقد ملزماً، وعلى أي حال فليس لهؤلاء إرث إذ لكل موالي خاصة فلا يُزاد عليهم بعقد الأيمان ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا))، أي حاضراً شاهداً، فلا تخالفوا أوامره بجعلغير الوارث وارثاً بعقد اليمين، أو عدم إعطاء "الذين عقدت أيمانكم" نصيبهم المقرر في الشريعة.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:01 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 34
| وحيث تقدّم أن لكل من الرجال والنساء نصيب أراد سبحانه أن يبيّن علّة زيادة الرجل في نصيب الإرث ونصيب الأمر والنهي على المرأة، فقال ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ)) جمع قوّام وهو القائم بالأمر المسلّط على الشيء ((عَلَى النِّسَاء)) ومن المعلوم أن المراد قوامية الرجل في الجملة، لا أن كل رجل قريب قوام على كل إمرأة قريبة ((بِمَا فَضَّلَ اللّهُ))، أي إن القوامية بسبب تفضيل الله سبحانه ((بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فإن الله سبحانه فضّل الرجل على المرأة عقلاً وجسماً وتحمّلاً -كما هو واضح وقد ثبت في العلم الحديث- ولم يكن تفضيل الله سبحانه إعتباطاً فقد خُلقت المرأة لغاية غير ما خُلق لها الرجل فمثلهما مثل سيارتين : صغيرة تحمل الركاب وكبيرة تحمل الحديد والأخشاب ((وَبِـ)) سبب ((مَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) فإن نفقة الزوجة واجبة على الزوج ومن المعلوم أن هذا الواجب يُلزم أن يعوّض بحق فأعطى للزوج القوامية في قبال ما وجب عليه من النفقة، وكذلك بالنسبة الى المهر ((فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ))وإذ ثبت هذه القوامية فالنساء الصالحات الخيّرات سيحافظن على الهدوء والسكون والموافقة لأزواجهن ويتجنبن الشغب والتمرد والإستعلاء وتجاوز الحدود والنشوز، والقنوت بمعنى الإطاعة، أي فهنّ مطيعات للأزواج يحفظنهم في حضورهم ومغيبهم كما إن ذلك مقتضى كونهنّ مولى عليهنّ، والمراد بالغيب حالة غيبوبة الزوج بخروج أو سفر أو نحوهما، فلا يخنّهم في أنفسهم أو أموالهم أو نحو ذلك، ويكون هذا الحفظ منهن لهم ((بِـ)) سبب ((مَا حَفِظَ اللّهُ)) لهنّ من الكرامة والحقوق أو مستعينات بحفظ الله تعالى فإن الإنسان لا يتمكن من حفظ شيء إلا إذا شاء الله حفظه، أو بمقابلة حفظ الله، كان حفظ الله عوض لحفظهنّ إياهم، فالباء سببية، أو إستعانة أو مقابلة، أما المرأة التي لا تقنت وتريد الإستعلاء على الزوج ولا تراعي حقوق الرجل، فلها حكم خاص بيّنه سبحانه في قوله ((وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)) من نشز إذا إرتفع، أي عصيانهنّ، فكأنها إرتفعت عن حدّها ((فَعِظُوهُنَّ)) من الوعظ بالنصح والإرشاد وما أشبهها ((وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)) إن لم يفد الوعظ، والمضاجع جمع مضجع وهو محل النوم وفراشه وذلك بتحويل الظهر أو بعزل فرشه عن فرشها ((وَاضْرِبُوهُنَّ)) وفي بعض الأخبار أن الضرب بالسواك، ولا يخفى أن هذه المراتب بالتدرّج وإن كان الواو العاطفة لا تفيد ذلك كما قالوا، كما إن المرأة كثيراً ما تتأدب بالهجر والضرب الخفيف لأنهما يبعثان فيها العاطفة نحو الزوج ويتطلبان منها تحسين سلوكها ليرجع إليها قلب الزوج ((فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ)) ومن المقرر في الشريعة أن الإطاعة الواجبة على المرأة ليست إلا عدم الخروج بدون إذنه واستعدادها لتلبية الإستمتاعات متى أراد ((فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً))، أي لا تطلبوا لضررهن طريقاً بإيذائهنّ وعدم القيام باللطف والعطف المترقب من الزوج، بل سامحوهنّ، فقد قال الرسول (صلّة الله عليه وآله وسلّم) : (إنّ من حق المرأة على الرجل أن يغفر لها إذا جهلت) ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا)) فلا يتعال عليه أحد بقوته ((كَبِيرًا)) فلا أكبر منه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 35 | ((وَإِنْ خِفْتُمْ)) أيها الناس المحيطون بالزوجين ((شِقَاقَ بَيْنِهِمَا))، أي المخالفة والعداوة بين الزوجين، كان كل واحد منهما في شق وجانب غير شق الآخر وجانبه ((فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا)) فإن الحكمين حيث يعرفان ملابسات الزوجين يتمكنان من فصل الأمر على أحسن الوجوه وللحكمين الإصلاح وليس لهما الطلاق إلا برضى الزوج أو وكالة سابقة ((إِن يُرِيدَا)) يعني الحكمين ((إِصْلاَحًا)) بينهما ((يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا)) والضمير عائد الى الحكمين لقرب اللفظ، وربما يُقال عائد الى الزوجين ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا)) بمصالح العباد ((خَبِيرًا)) بما يضمره الحكمين ويفعلانه في أمر الإصلاح والإفساد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 36 | ثم يتوجّه البيان الى العلاقات الإنسانية العامة بما فيها الأقربون وغيرهم، بعدما يفرغ من نظام الأسرة ويربطها بعبادة الله سبحانه الذي أمر بذلك، ويبيّن ما يجب على الإنسان تجاه الخالق وتجاه المخلوق ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ)) ومعنى العبادة منتهى الخضوع مما يُطلب من العبد قبال سيده، فإن العبادة والعبد من مادة واحدة ((وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ))، أي بالله ((شَيْئًا))، أي لا تجعلوا له شريكاً من حجر أو مدر أو جماد أو نبات أو ملائكة أو بشر، فإنه هو الإله الواحد الذي لا شريك له ((وَ)) أحسنوا ((بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) فإنهما واسطة خلقكم، وكثيراً ما يُقرن الإحسان إليهما بعبادة الله سبحانه في القرآن الكريم، الإفادةتأكّد لزوم الإحسان إليهما ((وَ)) أحسنوا ((بِذِي الْقُرْبَى)) القربى كاليسرى من اليُسر، أي أصحاب القرابة، وهذا تعميم بعد التخصيص ((وَالْيَتَامَى)) وهم الذين مات آبائهم، أو الأعم منهم وممن ماتت أمه ((وَالْمَسَاكِينِ)) هم الفقراء بصورة عامة ((وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)) ولمثله حقّان : حق الجوار وحق القرابة ((وَالْجَارِ الْجُنُبِ)) جُنُب بضم الأولين كعنق صفة بمعنى الغريب وكأنه باعتبار أن كلاً من الطرفين في جنب ((وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ))، أي صاحبك الذي بجنبك، سواء كان في مدرسة أو دكان أو سفر أو حضر أو غيرهما ((وَابْنِ السَّبِيلِ))، أي المنقطع عن بلده سواء كان ثرياً أم لا، ويسمى "إبن السبيل" لأنه لا يعرف شيء من ملابساته إلا السفر، يُقال "إبن البلد" و"إبن السبيل" و"إبن العمل"لمن يرتبط بهذه الأمور ((وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) من العبيد والإماء، وقد أطلق سبحانه الإحسان الى هؤلاء ليشمل صنوف الحفاوة والإكرام، وقد كان تأكيد الإسلام بالإحسان الى هؤلاء تمشياً مع روحه العام في توثيق صلة البشر بعضهم مع بعض، وجمعهم في رباط الود والحب والوئام ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)) المختال المتبختر المتكبر والفخور الذي يفخر بمناقبه كبراً واعتزازاً وتطاولاً، ذكر هذه الجملة هنا بمناسبة إن من أمَرَهُ سبحانه بالإحسان الى الأصناف المذكورة كثيراً ما يتطاول ويتكبر فلا يخضع للإحسان كما هو المشاهَد الى الآن فنهى سبحانه عن ذلك بعد ما أمر بالإحسان ليؤكده إثباتاً ونفياً.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:02 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 37
| وحيث إن الإحسان الى هؤلاء كثيراً ما يحتاج الى بذل المال، ذمّ سبحانه الذين لا يبذلون أموالهم في سبيل الله بقوله ((الَّذِينَ)) صفة "من كان مختالاً فخورا" ((يَبْخَلُونَ)) فلا ينفقون الأموال في سبيله سبحانه ((وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)) وكان هذا ملازم لصفة البخل فإن البخيل حيث جُبل على حب المال لا يتمكن أن يرى غيره ينفق ماله، وقد تشتد هذه الصفة حتى لا يتمكن البخيل أن يرى الإنفاق حتى على نفسه، فلو أنفق على البخيل مُنفق نهاه وأمَرَهُ بالكف ((وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) فإن البخلاء يكتمون أموالهم لئلا يُعرفون فيذمّهم الناس بعدم إنفاقهم في سبيل المعروف أما ما اشتُهر مِن "إستر ذهبك وذهابك ومذهبك" فإنه في محل الخوف لا مطلقاً ((وَأَعْتَدْنَا))، أي هيّئنا ((لِلْكَافِرِينَ)) الذين يكفرون بنِعَم الله سبحانه ولا يعملون بما أمرهم الله سبحانه من إنفاق أموالهم ((عَذَابًا مُّهِينًا)) يهينهم ويكسر كبريائهم كما تكبّروا في الدنيا ولم يحسنوا الى من وجب الإحسان إليه، إختيالاً وافتخاراً، كما قال سبحانه (ذُق إنك أنت العزيز الكريم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 38 | وهناك صفة أخرى ملازمة لعدم الإحسان الى الأصناف اليابقة، فإن المختال الذي لا يُحسن ويبخل لابد وأن يكون إنفاقه رئاءاً وسمعة لأن كبريائه يجبره على أن يشوب إنفاقه بما يلائم صفته، فقال سبحانه ((وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ)) وهذه الجملة عطف على قوله "الذين يبخلون" يعني أن إنفاقهم لأجل رؤية الناس حتى يعظمون في نفوسهم ويُمدحون بأنهم أهل خير وإنفاق، والمراد بالرئاء المثال وإلا فالسمعة كذلك ((وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) حتى يكون مخفزهم على الإنفاق أمر الله سبحانه ورضاه ((وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ)) حتى يكون باعثهم على البذل رجاء الثواب وخوف العقاب، ثم إنه كثيراً ما يعبّر بهذا التعبير عن عدم الإيمان الكامل لا مطلق الإيمان أو عدم الإيمان من هذه الجهة، وإن كان هناك إيمان من سائر الجهات، إذ الإيمان الكامل والإيمان من جميع الجهات يقتضي أن يكون باعث كل حركة وسكون هو الإيمان لا غيره، وذلك كما يُقال : فلان لا يطيع أباه، إذا لم يطع إطاعة كاملة أو إطاعة من جميع الجهات، فإنه لا يُراد بذلك عدم الإطاعة مطلقاً بل عدم الإطاعة الكاملة من جميع النواحي ((وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا)) مقترناً، بأن صاحبه ولازمه وائتمر بأوامره في البخل والرياء وعدم الإيمان ((فَسَاء قِرِينًا)) لأنه يدعوه الى المعصية الموجبة لذهاب دينه ودنياه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 39 | ((وَمَاذَا عَلَيْهِمْ))، أي أيُّ شيء يكون وأيُّ ضرر يتوجه الى هؤلاء الذين لا يؤمنون ولا ينفقون ((لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ)) فإنه بالعكس مما يظنون من أن الإيمان والإنفاق يسببان أضراراً ومشاكل، إذ الإيمان يوجب الهدوء والسكينة والإطمئنان وخير الدارين، والإنفاق يوجب تقدّم المجتمع وازدهاره مما يعود الى المُنفق بأكثر مما أنفقه ((وَكَانَ اللّهُ بِهِم))، أي بهؤلاء، أنفقوا وآمنوا أم لا ((عَلِيمًا)) فيجازيهم بأعمالهم إن خيراً فخيرا، وإن شراً فشرا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 40 | ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)) المثقال الثقل، والذرة هي الهباءة التي تُرى إذا دخلت الشمس من الكوّة، فمن أنفق لا يظن أن إنفاقه يذهب هباءاً، فإن الله سبحانه يجازيه على إنفاقه ولا يظلمه قدر ثقل ذرة ((وَإِن تَكُ)) الذرة التي أتى بها العبد ((حَسَنَةً)) عملاً خيراً ((يُضَاعِفْهَا)) فإن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ((وَيُؤْتِ)) لمن أحسن ((مِن لَّدُنْهُ)) دلالة على صدق الوعد وعظمه حيث أنه من لدن صادق كريم ((أَجْرًا عَظِيمًا)) وهو الثواب الباقي أبد الآبدين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 41 | وإذ كان الله تعالى بهذه المثابة من العلم والعدل ((فَكَيْفَ)) بحال الناس الذين إنحرفوا عن الجادة وكفروا وبخلوا وعصوا ((إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ)) يشهد على أعمالهم، وهم أنبيائهم ومن جعله الله سبحانه واسطة بينه وبينهم في التبليغ وبلاغ الأحكام ((وَجِئْنَا بِكَ)) يارسول الله ((عَلَى هَؤُلاء)) القوم الذين أنت فيهم ((شَهِيدًا)) تشهد على أعمالهم في ذلك الموقف الرهيب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 42 | ((يَوْمَئِذٍ))، أي في يوم القيامة ((يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ)) الوار أما للتقسيم أي يودّ كل واحد منهما، أو للجميع أي يودّ الكافر العاصي ((لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ))، أي يُجعلون متساويين مع الأرض كما قال سبحانه (ويقول الكافر ياليتني كُنتُ تُرابا) ((وَ)) في ذلك اليوم ((لاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ))، أي لا يُخفون عن الله ((حَدِيثًا)) بل تشهد عليهم ألسنتهم وجوارحهم بكل ما عملوا من الكفر والسيئات والشرور، ففي مقابل كبرهم في الحياة يتمنّون بلع الأرض لهم هناك، وفي مقابل كتمانهم الحق في الدنيا لا يتمكنون من الكتمان هناك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 43 | قد تقدّم الأمر بعبادة الله سبحانه فارتدّ السياق هنا الى بعض مصاديق العبادة وهو الصلاة والغسل فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى)) والنهي به النهي عن نفس الشيء لكن للمبالغة في التنزيه يُنهى عن الإقتراب عن القرب إنما يُراد كما قال سبحانه (لا تقربوا مال اليتيم)، و"سُكارى" جمع سكران ومن المعلوم أنه لا منافات بين السُكر الخفيف والصلاة وإنما السُكر الشديد المزيل للعقل تماماً لا يجتمع مع الصلاة ((حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)) فإن الصلاة إنما شُرعت للإقبال والسكران لا يعلم ما يقول ولا يحضر قلبه فيما ينطق به لسانه، و"حتى" هنا تصلح علّة للحكم كما تصلح غاية، فإذا شرب أحد الخمر -والعياذ بالله- فلا يُقبل على الصلاة إلا وقد زال أثرها بحيث يعلم ما يقول ((وَلاَ)) تقربوا الصلاة ((جُنُبًا)) بالإدخال أو الإنزال ((إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ))، أي في حال السفر فإن الغالب أن المسافر -قديماً- كان لا يجد الماء فيصلِّ جُنُباً بتيمّم إذ التيمّم لا يرفع جميع أثر الجنابة ولذا لو وجدوا الماء بطل تيمّمه ويلزم عليه الغُسُل ((حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ))، أي لا تقربوا الصلاة جُنُباً حتى تغتسلوا والإغتسال غسل للرأس والرقبة ثم الطرف الأيمن ثم الأيسر مع النيّة، أو الإرتماس في الماء دفعة واحدة بالنيّة ((وَإِن كُنتُم مَّرْضَى)) جمع مريض والمراد به المرض الذي يضره الماء وإن كان جرحاً أو نحوه ((أَوْ)) كنتم ((عَلَى سَفَرٍ))، أي مسافرين وكان الإتيان بلفظة "على" لما يكون المسافر عليه من الركوب على شيء، وقد تقدّم أن الكون على السفر لا يُبيح بنفسه التيمّم وإنما لغلبة صعوبة الماء فيه -في السابق- ((أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم)) أيها المريدون للصلاة ((مِّن الْغَآئِطِ)) الغائط هو المكان المنخفض من الأرض وسمي المدفوع به لعلاقة الحال والمحل والمراد أن أحدكم لو قضى حاجته ثم أراد الصلاة ((أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء))، أي جامعتم معهنّ فإن الملامسة كناية عن الجماع ((فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء)) مرتبط بالثلاثة المتقدمة المسافر والمُحدِث والملامِس ((فَتَيَمَّمُواْ))، أي اقصدوا ((صَعِيدًا))، أي أرضاً سواء كان عليها تراب أم لا ((طَيِّبًا))، أي طاهراً حلالاً إذ كل واحد من النجس والمغصوب خبيث غير طيب، والتيمّم هو معناه التقصّد ثم غلب في الشريعة على الأعمال المخصوصة حتى إذا قيل "تيمّم" لا يتبادر منه إلا الأعمال المخصوصة ((فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ)) وقد دلّت الشريعة على أن كيفيتها أن يضرب الإنسان بيديه معاً وجه الأرض -ما لم يخرج عن إسم الأرضية لكونه معدناً أو نحوه- ثم يمسح بهما جبهته من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى ثم يمسح بباطن الكف اليسرى ظهر الكف اليمنى من الزند الى رؤوس الأصابع ثم يمسح بباطن الكف اليمنى ظاهر الكف اليسرى من الزند الى رؤوس الأصابع وهناك إحتياط بالضرب ثانياً ومسح اليدين وقد ثبت في الطب الحديث أن الأرض تطهّر الجراثيم في مرتبة نازلة من تطهير الماء فقد كان من حكمة الشارع أن جعلها مطهِّرة في المشي عليها والتعفير بها في النجاسة الخبيثة، والتيمّم بها في النجاسة الحديثة ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا)) يعفوا عن الذي الذي له حرج في إستعمال الماء ويظهر جمال العفو إذا قايس الإنسان أحكامه سبحانه بأحكام الملوك والحكومات والسادة الذين لا يبالون بالناس فهم يريدون أوامرهم مهما كلّف الأمر ((غَفُورًا)) يغفر الذنوب التي يتعرض لها الإنسان في تكاليفه وهذا كالتسلية لمن أفلت منه ذنب لئلا ييأس من مغفرته سبحانه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:03 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 44
| ثم يعود الى الذين كفروا وعصوا الرسول وأن قسماً منهم أهل الكتاب يملكون أنفسهم بالضلالة ويحرّفون الكلم ويؤذون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألا تتعجّب يارسول الله وتنظر ((إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ))، أي قسماً منه، وهم اليهود الذين أعطاهم الله التوراة وإنما ذكر "نصيباً" لأنهم لم يُعطَوا الكتاب -أي الأحكام- كاملاً، وإنما أُعطوا قسماً من الأحكام، وبقية الباقية للمسيح والرسول (عليهم الصلاة والسلام) ((يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ)) يبيعون أنفسهم بالضلالة فعوّض أن يصرفوا أعمارهم وطاقاتهم ليشتروا الهداية بالإيمان بالرسول والعمل الصالح يبيعون أنفسهم وطاقاتهم بمقابل الكفر والأعمال السيئة والحال أنهم من أهل الكتاب ويعلمون الحق ((وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ)) أنتم المسلمون ((السَّبِيلَ)) فتنحرفوا عن جادة الهداية الى السُبُل الملتوية المؤدّية الى الهلاك والدمار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 45 | ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ)) منكم فلا تتخذوا هؤلاء أولياء ظنّاً منكم أنهم أحبّاءكم واغتراراً بظاهرهم وزعماً بأنهم ظهركم وسندكم ((وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا))، أي أن ولاية الله لكم تُغنيكم عن ولاية الكفار ((وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)) فنصرته إياكم تكفي من نصرة الكفار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 46 | ثم ذكر سبحانه بعض صفات هؤلاء الكفار الذين أوتوا نصيباً من الكتاب "ألَم تَرَ الى الذين أوتوانصيباً من الكتاب" ((مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ)) واتخذوا اليهودية ديناً ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ)) جمع كلمة والمراد بها أحكام الله سبحانه ((عَن مَّوَاضِعِهِ)) فيضعون الحلال مكان الحرام والحرام مكان الحلال وهكذا ((وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا)) كلامك واحتجاجك يامحمد و((وَعَصَيْنَا)) أوامرك لأنّا لا نعتقد بك نبيّاً صادقاً وربما يحتمل أن يكون المراد عصيانهم عملاً لا قولاً فإنّ "القول" يُراد به تارة الكلام وتارة العمل يُقال "قال بيده كذا" أي أشار ((وَ)) يقول هؤلاء اليهود للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)) يقصدون الدعاء على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنه لا يسمع كما يُقال "إسمع لا أسمَعَكَ الله" فإنهم كانوا يقصدون بهذا الكلام السب والدعاء عليه ويُظهرون أنهم يريدون معنى آخر وهو إسمع غير مأمور بالسمع فإنه يُقال الكلام للرجل العظيم إحتراماً وإشعاراً بأن أمره بـ "إسمع" ليس أمراً فهو لا يُؤمر بالإستماع لأنه أجلّ من الأمر ((وَ)) يقول هؤلاء اليهود للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((رَاعِنَا)) يقصدون بذلك السب باطناً ويُظهرون أنهم يتأدبون حيث أن ظاهر لفظة "راعنا" طلب المراعات ((لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ)) من لَوى يلوي إذا حرّف وأمالَ، والألسنة جمع لسان، وليّ اللسان قد يكون ظاهرياً بأن يحرّف لسانه وقد يكون باطنياً بأن يقول شيئاً ظاهره أمر وهو لا يريد ظاهره ((وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)) فإن الطعن في رئيس الدين طعن في الدين لوهنه بسبب وهنه رئيسه ((وَلَوْ أَنَّهُمْ))، أي إن هؤلاء اليهود ((قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)) ما جئتَ به بأن صاروا متدينين بالإسلام ((وَاسْمَعْ)) بدون أن يُضيفوا "غير مُسمَع" ((وَانظُرْنَا)) عوض قولهم "راعِنا" مما فيه إيمان وأدب واستقامة ((لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)) في دنياهم حيث ينعمون براحة المسلمين ورفاههم وتقدّمهم وفي آخرتهم حيث يسعدون بجنات النعيم ((وَأَقْوَمَ))، أي أكثر عدلاً واستقامة ((وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ))، أي بعّدهم عن رحمته ولطفه وفضله ((بِـ)) ((كُفْرِهِمْ)) فإن الإنسان إذا لم لم يقبل الإيمان بعد ما عرفه طرده الله سبحانه عن فضله كما أن الأب إذا رأى ولده لا يقبل نُصحه طرده عن ألطافه ((فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وهذا ليس إستثناءاً من قوله سبحانه "لعنهم الله بكفرهم" بل من أصل الكتاب، وقد ذكرنا سابقاً أن الإستثناء قد يُراعي فيه أصل المطلب من دون نظر الى قيوده كقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ) و(ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) ومن المحتمل مراعات القيد في "إلا قليلا" أي إن إيمان هؤلاء ممكن تقبّله حتى بعد لعن الله إذا تيّقظ ضميرهم وأبوا عن الغفلة الى الحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 47 | ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ))، أي نزل على نبيّهم الكتاب السماوي والتزموا به، وتخصيص الخطاب بهم مع أن الأمر بالإيمان عام لكونهم محل الحوار والبحث ((آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا)) من الفرقان على رسولنا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم)) فإن القرآن يصدّق بالكتب السماوية السابقة ((مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا)) طمس الشيء إذهاب أثره ((فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا)) جمع دُبُر وهو الخلف والظاهر من الآية أنه في يوم القيامة إذ تُطمس فيه الوجوه من بعض الناس حتى يتساوى جميع أجزائه فلا نتو فيه، ثم يجعل الوجه الى الخلف كما ورد في بعض الأحاديث وفي بعض الروايات : طَمَسَها عن الهدى وردّها على أدبارها في ضلالتها ((أَوْ نَلْعَنَهُمْ)) عاجلاً قبل يوم القيامة فنجعل منهم القردة والخنازير ((كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ)) وهم اليهود الذين إعتدوا في السبت باصطياد السمك (فقُلنا لهم كونوا قِرَدَةً خاسئين) وفي بعض الأحاديث أن في آخر الزمان يُبتلى بعض الفُسّاق بالمسخ -والعياذ بالله- ((وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً)) كائناً فلا تظنوا أنه لا يكون ذلك وإنما هذا مجرد تهديد وتوعيد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 48 | ولا يظنّنّ أهل الكتاب أنهم إن بقوا على شركهم حتى ماتوا يشملهم غفران الله سبحانه فيبقوا على كفرهم وشركهم فـ ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) فإن الإنسان إذا مات مشركاً لم يكن له خلاص ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ))، أي دون الشرك من المعاصي ((لِمَن يَشَاء)) ممن يكون أهلاً للغفران فلا يُقاس الشرك بسائر المعاصي والذنوب ((وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ))، أي يجعل له شريكاً ((فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) فإنه إفتراء على مقام الإلوهية بأن له شريكاً وأيّ إثم أعظم من ذلك.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:03 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 49
| ((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله، وهو إستفهام تعجّبي ((إِلَى)) اليهود ((الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ))، أي يمدحونها ويصفونها بالطهارة والزكاة والنزاهة فقد كانوا يقولون عن أنفسهم أنهم نزيهون وأنهم أبناء الله وأحبائه ((بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء)) فإن الطهارة بيد الله فمن شاء غفر ذنوبه وبرّئه من العيوب ومن شاء لم يغفر ذنبه فبقى في أدران المعصية أنه سبحانه هو الذي يختار أمة ولا يختار أمة ((وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) الفتيل هو ما في شق النوات من خيط ضعيف، والمعنى أنه سبحانه بعدم تطهيرهم لا يظلمهم وإنما ذلك بسبب عدم إيمانهم وعصيانهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 50 | ((انظُرْ)) يارسول الله وليس المراد النظر بالعين بل ملاحظتهم فإن النظر كما يقع للنظر بالعين كذلك يقع على ملاحظة الأشياء بسائر القوى والحواس ((كَيفَ يَفْتَرُونَ))، أي يفتري هؤلاء اليهود ((عَلَى اللّهِ الكَذِبَ)) في قولهم نحن أبناء الله وشعبه المختار وأحبائه ولن تمسّنا النار إلا أياماً معدودة وأنهم المُزَكَّون من عنده وفي تحريفهم أحكامه ((وَكَفَى بِهِ))، أي بكذبهم عليه سبحانه ((إِثْمًا)) معصية ((مُّبِينًا)) واضحاً، وأيّ عصيان أعظم من التجرّي نحو ساحة الله سبحانه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 51 | كانت اليهود تفضّل المشركين على المسلمين وقد قال كعب -وهو أحد رؤساهم- لأبي سفيان : أنتم والله أهدى سبيلاً مما عليه محمد، فنزل قوله تعالى ((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله، وهو إستفهام تعجّبي ((إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ))، أي أُعطوا ((نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ)) وهم اليهود الذي أنزل الله على نبيّهم الكتاب فبقي بعضه في يدهم ((يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)) هما صنمان لقريش فقد سجد كعب للصنمين إستمالة لقلوب المشركين ((وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ))، أي أبو سفيان وأصحابه ((هَؤُلاء)) المشركون ((أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً))، أي أن سبيل المشركين أحسن من سبيل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه فقد أوجب حقده على الإسلام أن يفضّل الكفار الذين لا يعترفون حتى بموسى (عليه السلام) على المسلمين الذين يشتركون معهم في كثير من الأصول والفروع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 52 | ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ))، أي أبعدهم عن رحمته وطردهم عن الخير ((وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)) ينصره فيدفع اللعنة عنه ويُنجّيه من عقاب يوم القيامة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 53 | إن اليهود الذين حكموا بأن المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلا لا قيمة ولا وزن لحكمهم هذا فإنهم لا يملكون تفضيلاً حتى يفضّلوا الكفار على المؤمنين ولو فُرض أنهم ملكوا أتفه شيء من الأمور المادية لحرموا الناس جميعاً من أقل الأشياء وأبخسها ((أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ)) إستفهام إنكاري، أي هل لهم من شيء من مُلك التفاضل حتى يهبوا من يشاؤون فضلاً؟ كلا إنهم لا يملكون ذلك وإذا فُرض أنهم ملكوا شيئاً ((فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)) النقير هو النقرة الصغيرة التي تكون في ظهر النوات.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 54 | ثم إن تفضيل هؤلاء اليهود للمشركين ليس إلا حسداً للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)) الرسول وأصحابه المؤمنين ((عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) حيث إختار الرسول للرسالة وهدى المؤمنين الى الإيمان فلا موقع للحسد فإن الفضل قد يُؤتيه من يشاء وقد منّ سابقاً على إبراهيم (عليه السلام) وآل إبراهيم لا بالنبوّة فحسب بل بالمُلك والنبوّة ((فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ)) وقد ذكرنا سابقاً أنه قد يُقال "آل فلان" ويُراد الأعم منه ومن آله -تغليباً- ((الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) علم الشرائع مما يفيد الدنيا والآخرة فهو أعم من الكتاب ((وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) حيث جعل بأيديهم أزِمّة الحياة وجعلهم ملوكاً وأنبياء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 55 | ((فَمِنْهُم))، أي من الناس المعلوم من الكلام كقوله (لأبويه لكل واحد منهما السُدُس)، أو من آل إبراهيم (عليه السلام) ((مَّنْ آمَنَ بِهِ))، أي بإبراهيم (عليه السلام) وصدّق نبوّته، والمراد من "آل إبراهيم" مرجع الضمير أما قومه الذين بُعث إليهم أو عشيرته وأحفاده ((وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ))، أي أعرض عن الإيمان أو عن إبراهيم (عليه السلام) وهؤلاء اليهود كأولئك في أن بعضهم آمن بالرسول وبعضهم صدّ عنه ((وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا))، أي يكفي هؤلاء الصّادّين سعير جهنم، والمراد بالسعير الإشتعال واللهب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 56 | ثم ذكر سبحانه عاقبة كل واحد من المكذّب والمصدّق ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا))، أي بدلائلنا التي أقمناها على رسولنا وما جاء به ((سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا)) من أصلى يُصلي يُقال أصلاه النار إذا ألقاه فيها ((كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ)) واحترقت بالنار ((بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا))، أي جعلنا جلوداً جديدة مكان الجلود المحترقة ((لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ)) ولا ينقطع عنهم والجلود الجديدة هي الجلود القديمة التي صُنعت من جديد إذ الشيء المحترق تتفرق أجزائه في الفضاء فيجمعها سبحانه ويُعطيها الصورة الجلدية من جديد هذا بالإضافة الى أنه لو خُلقت جلود جديدة لم يكن بذلك بأس إذ المتألم هو الروح فلا يُقال بِمَ إستحق الجلد الجديد العذاب؟ ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا)) فلا يفوته شيء ولا يمتنع عليه شيء فإن العزّة تلازمه الغلبة والقدرة ((حَكِيمًا)) يصنع كل شيء بحِكمة ويضع الأشياء في مواضعها فليس تعذيب هؤلاء بهذه الكيفية خارجاً عن نطاق قدرته ولا مخالفاً للحكمة والمصلحة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 57 | ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ)) بالله ورسوله وما جاء به ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ))، أي الأعمال الصالحة ((سَنُدْخِلُهُمْ)) ولعل دخول السين هنا و"سوف" هناك للدلالة على أن الجنة أقرب الى المؤمنين من النار الى الكافرين فإن الكفار حيث أنهم يقضون برزخاً مؤلماً يطول عليهم الأمد بخلاف المؤمنين الذين يقضون برزخاً مريحاً فإن الإنسان إذا كان في راحة زعم أن الوقت إنقضى بسرعة بخلاف من كان في تعب وأذيّة فإنه يطول عليه الوقت ((جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) البساتين ذات القصور التي تجري من تحت أشجارها أنهار الماء ((خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)) كما إن الكفار خالدون في النار وكلما نضجت جلودهم بُدّلت بغيرها ((لَّهُمْ فِيهَا))، أي في الجنات ((أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ)) من القاذورات الخَلقية والقاذورات الخُلقية ((وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ)) هو الوقاية من نور الشمس ونحوه ((ظَلِيلاً))، أي ليس فيه حر ولا برد أو هو مبالغة حسن الظل كقولهم ليل الليل.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:04 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 58
| ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ)) أيها الناس ((أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)) تامة غير ناقصة ولعلّ الإرتباط بين هذه الآية وما سبقها أن أهل الكتاب خالفوا ما أُمروا به وخانوا الأمانة الإلهية كما قال سبحانه (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) بينما إن الله تعالى يأمر بأداء الأمانة المادية فكيف بأعظم الأمانات الروحية، كما إنهم حكموا بالجور حين قالوا إن المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلا بينما يحكم الله تعالى الحكم العدل ((وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ)) في أمور دينهم أو دنياهم ((أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)) فلا تميلوا الى ناحية دون ناحية لمجرد الهوى أو الرشوة أو العاطفة أو ما أشبه ((إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ))، أي نعم شيئاً يعظكم في أداء الأمانة والحكم بالعدل وضمير "به" راجع الى "ما" ((إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا)) يسمع كلامكم ((بَصِيرًا)) يبصر حركاتكم وأعمالكم فإنكم إذا خنتم الأمانة أو حكمتم بالجور فإنه لا يذهب ذلك على السميع البصير.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 59 | وحيث بيّن سبحانه ما يجب على الحاكم من العدل بيّن ما يجب على الأمة تجاه الحاكم العادل من الإطاعة والسمع وبيّن الحاكم الذي يحق له أن يحكم بقوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ)) بالإئتمار بأوامره والإنزجار عن زواجره ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)) قد تقدّم سابقاً أن إطاعة الرسول هي إطاعة الله وإنما يذكران معاً تبجيلاً للرسول ولإفادة أن أوامره كأوامر الله سبحانه ((وَ)) أطيعوا ((أُوْلِي الأَمْرِ))، أي أصحاب السلطة الذين بيدهم الأمر ((مِنكُمْ)) وقد عيّن أولوا الأمر في غير واحد من الأحاديث أنهم الأئمة الهداة الإثنى عشر عليهم الصلاة والسلام وهم علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والمهدي، أما إطاعة العلماء المراجع فهي طاعة لأولي الأمر، إذ هم نوّابهم، أما مَن زعم أن المراد بأولي الأمر كل حاكم فهذا يستلزم التناقض فكيف يمكن الجمع بين من يبيع الخمر والله سبحانه الذي يحرّمها، وهكذا، ولذا إشترطت الشيعة في النبي والأئمة العصمة وفي العلماء العدالة ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ))، أي حدثت بينكم المنازعة والمخاصمة ((فِي شَيْءٍ)) من أمور دينكم ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) حتى ترون أن القرآن والسُنّة مع أيّ جانب، ومن حسن الحظ أنه ليس شيء يحتاج إليه الأمة في أيّ دور أو مصير يخلو منه الكتاب والسُنّة أما بالخصوص أو بالعموم، ومن المعلوم أن الرد الى أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ردّ الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما إن الردّ الى العلماء النوّاب لهم ردّاً لهم كما قال (عليه السلام) : (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله) ((إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) أما الرد الى غيرهما فذلك من مقتضيات الكفر كما قال سبحانه (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ((ذَلِكَ)) الردّ الى الله والرسول في صورة التنازع ((خَيْرٌ)) لأن إرشاداتهما لصلاح دينكم ودنياكم ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))، أي من جهة الأول والعاقبة فإن عاقبة الحق خير من عاقبة الباطل، والعاقبة تُسمى تأويلاً لأنه مآل الأمر ومرجعه ويحتمل أن يكون المراد أنه أحسن من تأويلكم إياه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 60 | ولما بيّن سبحانه وجوب الرجوع في موارد النزاع الى حكم الله والرسول أبدى التعجّب من الذين يدّعون الإيمان ثم يراجعون في قضاياهم الى أحكام مخالفة لأحكام الله والرسول بقوله ((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله ((إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) لتعديد أنفسهم في زمرة المسلمين ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ)) فإنهم يُظهرون الإيمان بكل رُسُل الله وكتبه إتباعاً لقوله "وما أُنزل الى إبراهيم .." وهذا لتأكيد أنهم في سمات المؤمنين بكل مقوماته ((يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ))، أي يرفعوا مشاكلهم وقضاياهم المُتنازَع فيها ((إِلَى الطَّاغُوتِ)) مبالغة في الطغيان وكل حكم غير حكم الله سبحانه فإنه للطاغوت لأن حكم الله هو العدل وما سواه زيغ وانحراف وطغيان فهم ينتحلون الإيمان ويسلكون غير طريق الإيمان يريدون بذلك أن يوّفروا على شهواتهم فيُظهرون الإيمان ليُحقن دمهم وعرضهم ومالهم ويرجعون الى الطاغوت ليُعطي الحكم لهم حينما علموا أن العدل لا يُعطيهم الحكم -إذ هم على الباطل- ((وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ)) كما قال سبحانه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) ((وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ)) بما يُزيّن لهم ((أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)) عن الحق فإن مراجعة الطاغوت ضلال وزيغ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 61 | في المجتمع أنه كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال ايهودي : أحاكم الى محمد -لأنه عَلِم أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقبل الرشوة ولا يجور في الحكم-، فقال المنافق : لا بيني وبينك كعب بن الأشرف -لأنه عَلِم أنه يأخذ الرشوة- فنزلت الآية ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ))، أي إئتوا للمحاكمة ((إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ)) من الأحكام ((وَإِلَى الرَّسُولِ)) ليحكم بيننا ((رَأَيْتَ)) يارسول الله ((الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ))، أي يعرضون ((عَنكَ صُدُودًا))، أي إعراضا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 62 | ((فَكَيْفَ)) يكون حال هؤلاء المنافقين ((إِذَا)) اضطروا الى الرجوع إليك وأنهم كيف يكون لهم وجه يراجعونك في تخليصهم من مصائبهم بعدما أعرضوا عنك في منازعاتهم فيما إذا ((أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ))، أي بسبب أعمالهم فإن الأعمال السيئة قد تورث المصائب والنكبات ((ثُمَّ جَآؤُوكَ)) يارسول الله يريدون إسعافك في مصيبتهم معتذرين عن مراجعتهم الى الطاغوت ((يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا))، أي ما أردنا في مراجعتنا الى الطاغوت ((إِلاَّ إِحْسَانًا)) إليك حتى لا نزاحمك ونأخذ من وقتك ((وَتَوْفِيقًا)) بين أمورنا ولم يكن لنا غرض في الإعراض عنك.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:04 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 63
| ((أُولَئِكَ)) المنافقون ((الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)) وأن قصدهم لم يكن الإحسان والتوفيق وإنما الإعراض عنك لأنك تحكم بالحق ولا تقبل الرشوة ((فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)) ولا تُظهر لهم القبول حتى يتمادوا في غيّهم ويظنّون أنهم تمكّنوا من إغوائك ((وَعِظْهُمْ)) بأن تبيّن لهم خطأ طريقتهم ((وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ))، أي قل لهم قولاً يبلغ قرارة نفوسهم، فإن من الأقوال ما يُقال ولا ينفذ الى القلب لعدم وجود حرارة وحماس في القول ليعيه القلب، ومن الأقوال ما يُقال وينفذ في النفس فكان النفس محل إيداع القول ((قَوْلاً بَلِيغًا)) يبلغ نفوسهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 64 | ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ)) فليس الرسول لمجرد الوعظ حتى يراجعه الناس مهما شائوا ويراجعوا غيره إذا لم يشاءوا مراجعته، بل إن الرسول أُرسل لإطاعة الناس له في جميع شؤونهم فهو المأذون من قِبَل الله سبحانه في أن يُطاع، أي ليس لأحد أن يطيع أحداً جبراً إلا إذا كانت السلطة ناشئة من قِبَل الله وإذنه وإلا فأية سيطرة لأحد على أحد، مع العلم أن الأشياء كلها مُلك لله سبحانه، ثم إن الله سبحانه لا يقطع صلته بهؤلاء المنافقين بل يفتح لهم مجال الرجوع والإنابة ((وَلَوْ أَنَّهُمْ))، أي هؤلاء المنافقين والعصاة ((إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ)) بالنفاق والمعصية فإن العصيان يعود ضرره الى العاصي ((جَآؤُوكَ)) تائبين معتذرين ((فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ))، أي طلبوا غفرانه وعفوه ((وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)) بأن وجدهم أهلاً لطلب المغفرة من الله لهم ((لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا))، أي كثير التوبة وقد تقدّم أن معنى كون الله تواباً أنه كثير الرجوع الى عبده العاصي كلما تاب العبد ورجع ((رَّحِيمًا)) يرحم بهم ويغفر ذنوبهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 65 | وهنا يتردد سؤال هو أنه كيف يُقال عن هؤلاء أنهم "يزعمون أنهم آمنوا بك" ؟ أليس إيمانهم حقيقياً فإنهم آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر والتزموا بشرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصيام؟ والجواب ((فَلاَ وَرَبِّكَ))، أي ليس بمؤمنين حلفاً بربك يارسول الله ((لاَ يُؤْمِنُونَ)) إيماناً مرضياً أمَرَ به الله ورتّب عليه الجنة والثواب ((حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ))، أي يجعلوك حاكماً ((فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ))، أي فيما وقع بينهم من الخصومة ((ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا))، أي لا يجدوا في قلوبهم صعوبة من قضائك كما هو شأن المغلوبين في القضاء حيث لا يتقبّلون الحكم بسهولة بل يظنون أن الحاكم بَخَسَهم حقّهم ((مِّمَّا قَضَيْتَ)) وحكمت ((وَيُسَلِّمُواْ))، أي ينقادوا لقضائك وحكمك ((تَسْلِيمًا)) مطلقاً بلا صعوبة ولا حرج حتى في نفوسهم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : "لو أن قوماً عبدوا الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا شهر رمضان وحجّوا البيت ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله ألا صنع خلاف ما صنع؟ أو وجدوا من ذلك حَرَجاَ في أنفسهم لكانوا مشركين" ثم تلا هذه الآية، وفي بعض التفاسير أن الآية نزلت في الزبير وابن أبي بلتعة حيث تنازعا فحكم الرسول للزبير فخرجا وقال ابن أبي بلتعة متهماً الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قضى لابن عمته وعيّرهم بذلك يهودي فقال : كيف تعتقدون أنه رسول الله ثم تتهمونه في قضاء قضى؟.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 66 | كيف أنهم يجدون حرجاً من قضاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحال أنه يجب إطاعة الرسول في كل شيء حتى لو قال بأنهم يقتلون أنفسهم -كما أمر موسى قومه- (توبوا الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) فتابوا وفعلوا ما أَمَرَهم به ((وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا))، أي أوجبنا ((عَلَيْهِمْ))، أي على هؤلاء الذين يجدون حرجاً في أنفسهم مما قضيت ((أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)) بأن يقتل بعضكم بعضاً أو يقتل الشخص نفسه ((أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم)) بأن تهاجروا مساكنكم الى بلاد الغُربة، كما خرج قوم موسى الى التيه من منازلهم التي كانت في مصر ((مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)) لما في ذلك من إهلاك النفس والمشقة ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ)) من عدم الحرج في قضاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واتباع أوامره وأحكامه ((لَكَانَ )) فعلهم ذلك ((خَيْرًا لَّهُمْ)) في دنياهم وآخرتهم ((وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)) فإن الإنسان كلما أطاع أثبت دينه وأقوى مَلَكة وعقيدته فإن العقيدة بتكرار العقل وتكرار التذكّر والإستسلام تقوى وتشتد، فما أمروا ليس فيه جهد قتل النفس وإخراجها من الديار ومع ذلك خير لهم وتثبيت اعقيدتهم المؤدية لكل سعادة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 67 | ((وَإِذاً ))، أي إذا فعلوا ما يوعظون به ((لَّآتَيْنَاهُم ))، أي أعطيناهم ((مِّن لَّدُنَّا ))، أي لدن أنفسنا وهذه الكلمة تفيد تأكيد الوعد إذا الله تعالى عاجزاً لا يتمكن من إنجاز وعده ولا بخيلاً أو مخلفاً لوعده حتى لا يفي بما قال ((أَجْراً عَظِيمًا))، أي كبيراً، وفي الأحاديث أن نعيم الجنة بنحو "لا عين رأت ولا أُذُن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 68 | ((وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا))، أي ثبّتناهم وقد تقدّم في سورة الحمد (إهدنا الصراط المستقيم) أن المعنى ثبِّتنا بالتقريب الذي سبق أو المراد هدايتهم صراط يوم القيامة الذي هو جسر على جهنم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 69 | ثم يُنهي السياق الى القاعدة العامة التي توجب خير الدنيا والآخرة ((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ)) باتباع أوامرهما ونواهيهما بصورة عامة ((فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم )) في الدنيا بالمكانة الرفيعة في القلوب والذِكر الرفيع والنُصرة كما قال تعالى (إنّا لننصر رُسُلُنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) ((مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ )) الصدّيق هو الملازم للصدق في أقواله وأعماله أو هو المداوم على التصديق بما يوجبه الحق ((وَالشُّهَدَاء )) الذين استشهدوا في سبيل الله ويُسمى الشهيد شهيداً لشهادة الملائكة والناس له بأنه من أهل الجنة ((وَالصَّالِحِينَ )) الفاعلين للصلاح الملازمين له ((وَحَسُنَ أُولَئِكَ )) الأشخاص ((رَفِيقًا))، أي مرافقين لمن يطع الله والرسول.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:05 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 70
| ((ذَلِكَ )) التوفيق للإطاعة المُعقِب لكون رفقاء الإنسان النبيّين وسائر من ذُكِر ((الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ))، أي تفضّل منه سبحانه لمن إهتدى بمثل هذه الهداية ((وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا))، أي يكفي الله سبحانه عالماً بما يفعله الإنسان من خير وشر فإنه إذا علم شيئاً رتّب عليه الأثر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 71 | وإذا إنتهى الكلام حول الإطاعة المطلقة لله والرسول يلتفت السياق الى حكم شاق من أحكام الإسلام هو القتال لتدريب المؤمنين على هذا العمل الجهدي العظيم وتقرير الواجب عليهم فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) ذكرنا سابقاً أن أحكام الإسلام عامة لكل شخص وتخصيص المؤمنين بالخطاب لأنهم المستفيدون من ذلك ((خُذُواْ حِذْرَكُمْ )) يُقال خُذ حِذرك أي تأهّب لملاقات الأمر بالمكروه، أو المراد بالحذر الأسلحة مجازاً لأنه آلة الحذر فيكون من باب المجاز ((فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ ))، أي أخرجوا الى الجهاد، والثبات الجماعات في تفرقة مفردة "ثِبة"، أي ليكن خروجكم فِرقة بعد فرقة كما تخرج السرايا سرية الى هنا وسرية الى هناك أو جماعة أثر جماعة ((أَوِ انفِرُواْ )) وأخرجوا ((جَمِيعًا)) في عسكر واحد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 72 | ((وَإِنَّ مِنكُمْ )) أيها المسلمون ((لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ))، أي يتأخر عن الخروج إستثقالاً للجهاد وإرادة للفرار كما كان ذلك حال المنافقين فإنهم كانوا لا يريدون الجهاد ولذا كانوا يستثقلون رجاء الفرار ((فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ )) من هزيمة أو قتل بعض أفرادكم ((قَالَ )) ذلك المنافق المُبطئ وهو مسرور جذلان ((قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا))، أي شاهداً حاضراً في القتال حتى يصيبني ما أصابهم، وهذا دائماً عادة المنافقين في كل حركة إنهم يُبطِئون حتى يذهب الناس ويترقبون الأنباء حتى إذا وجدوا في الذاهبين كسراً سرّوا بأنهم كانوا بُعداء عن المعركة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 73 | ((وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ )) في جهادكم ((فَضْلٌ مِّنَ الله )) بالفتح والغنيمة ((لَيَقُولَنَّ )) ذلك المُبطِئ متحسراً ((كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ )) جملة معترضة ليست مقولة للقول، وإنما هي حكاية حال المنافق الذي لا يريد إلا النفع والمادة ولا يخلص للدين والدعوة ((يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ)) حاضراً في الجهاد لأنال مالاً وفخراً ((فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)) فإنه يتمنى الحضور لا لنصرتكم بل لأن يفوز هو بشرف الجهاد وغنيمة الفاتحين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 74 | ولما تقدّم ذِكر المنافقين الذين يُبطئن عن القتال، بيّن سبحانه ما هو واجب المسلم بالنسبة الى هذا الأمر المهم فقال ((فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))، أي لأجل أمره وإعلاء كلمته ((الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ))، أي يبيعون الحياة القريبة الفانية بالحياة الآخرة الباقية فإنّ من أقدم على الحرب كان كمن باع نفسه وكل ما يملك تجاه الآخر ((وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) بأن تكون مقاتلته لأجل إعلاء أمر الله وتنفيذ حُكمه ((فَيُقْتَلْ )) يستشهد ((أَو يَغْلِبْ )) يظفر على الأعداء ((فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) فهو بين إحدى الحُسنَيَين : الإستشهاد والجنة أو الغَلَبة والفتح.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 75 | ((وَمَا لَكُمْ )) أيها المسلمون ((لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) لإعلاء كلمته وتطبيق حُكمه في البلاد ((وَ)) في سبيل نُصرة ((الْمُسْتَضْعَفِينَ )) بإنقاذهم من براثن الحكام الجائرين والسادة الظالمين ((مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ )) الذين بقوا محصورين في أيدي الجائرين فإنه يحق للمسلم أن يقاتل لأجل أحد الأمرين، ولا يحق له أن يقاتل لأجل نشر السيطرة والإستثمار والسيادة -كما هي العادة عند غير المسلم من المحاربين- ((الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ))، أي المدينة التي هم فيها مما لا يجدون محيصاً عنها فلا يتمكنون من الخروج عنها لضعفهم ومنع الظالمين لهم من الخروج ولا لهم حول لدفع ظلم الظالمين عن أنفسهم ((وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ ))، أي من عندك ((وَلِيًّا )) يلي أمورنا ويسير بنا بالعدل والإحسان ((وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ )) عندك ((نَصِيرًا)) ينصرنا على الظالمين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 76 | ثم شجّع سبحانه المجاهدين بأنهم أقوى من أعدائهم فإن ((الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) ولمرضاته وإعلاء كلمته ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ )) الذي هو طاغً متجاوز للحد، فإن الذين كفروا لا يريدون بقتالهم إلا الظلم والطغيان وإبقاء الأنظمة الفاسدة والعادات والتقاليد الزائفة ((فَقَاتِلُواْ )) أيها المؤمنون ((أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ )) وأحبائه الذين يتولّونه ((إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ )) ومكره وحيلته في سبيل إبقاء أمره وتقوية جيشه ((كَانَ ضَعِيفًا))فيغلبه نصر الله وولاية للمؤمنين ولا مجال لأن يُقال فكيف نرى غَلَبة الكفار في كثير من الأحيان، فإن الجواب أن ذلك لعدم توفّر شروط المقاتلة في المؤمنين، إذ الله سبحانه لم يعد النصر مطلقاً بل مشروطاً بأن يعدّوا لهم ما استطاعوا من قوة وأن يصدّقوا في الجهاد والمثابرة الى غير ذلك، نعم مع توفّر الشروط لا يفيد الأعداء جمعهم وكثرتهم كما دلّت التجارب على ذلك وصدّق الخبر الخبر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 77 | كان المسلمون وهم بمكة يطلبون من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الإذن لهم في قتال الكفار حينما يلاقون منهم الأذى ولما جاء دور القتال في المدينة تولّى بعضهم كما هي العادة عند الناس غالباً حيث أنهم يحرّضون الرؤساء على الإقدام فلما أن أقدموا كانوا أول المنهزمين ((أَلَمْ تَرَ )) يارسول الله -إستفهام تعجبي- ((إِلَى )) المسلمين ((الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ )) بمكة والقائل هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ ))، أي امسكوها واقبضوها عن القتال ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ )) فإنه لا يجب عليكم الجهاد حالاً وكان النهي عن الجهاد لقتلهم وعدم تمكنهم من مقابلة العدو وأنهم إن قاتلوا أُبيدوا واجتُثّت جذور الإسلام، بالإضافة الى إرادة رسوخ الإيمان في قلوبهم، فإن الإنسان مهما إبتلى بالمشقات والشدائد يصفو جوهره وتنصقل نفسه ((فَلَمَّا )) أتوا الى المدينة و((كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ))أي فُرض عليهم ((إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء المسلمين الذين كانوا يطلبون الإذن بالقتال ((يَخْشَوْنَ النَّاسَ )) الكفار أن يقتلوهم إذا بارزوا ((كَخَشْيَةِ اللّهِ )) كما يخافون من الله سبحانه أن يُميتهم ((أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً)) إذ خوف الإنسان من الموت غالباً أقل من خوفه من القتل، إذ القتل يكتنف في الأغلب بالأهوال والمرعبات بخلاف الموت ((وَقَالُواْ ))، أي قال هؤلاء الفريق ((رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ ))، أي لأيّ علّة فرضتَ علينا أن نقاتل فعلاً ((لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ))، أي لماذا لم تؤخّر الأمر بالقتال الى زمان آخر قريب حتى نستعد للحرب، فقد ورد في بعض التفاسير أنه كان بالنسبة الى حرب بدر حيث كان بعض المسلمين يكرهون ذلك لأنهم لم يستعدوا ويطلبون التأخير الى أجل قريب ليستعدوا ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء إن كان خوفكم من الحرب لأجل إحتمال القتل فما فائدة البقاء في الدنيا بـ ((مَتَاعُ الدَّنْيَا ))، أي ما يستمتع به في الدنيا ((قَلِيلٌ)) الأمد يفنى بعد مدة ((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى )) المعاصي وعمل بالواجبات ((وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً))، أي مقدار فتيل، وهو ما في شق النواة، فإذا قُتلتم لا تُهدر أتعابكم وأعمالكم.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:05 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 78
| ثم لماذا الفرار من القتال؟ ألِخوف الموت؟ فإنّ الموت لا محالة يدرك الإنسان ((أَيْنَمَا تَكُونُواْ)) من الأماكن ((يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ ))، أي يلحقكم وينزل بكم ((وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ )) البروج جمع بُرج، وهو القصر أو البناء المستحكم الذي يُرصد فيه للأعداء ويشرف منه على القادم والذاهب، والمشيّدة هي التي شُيّدت وبُنيت بإحكام، أي أن الموت لا يهاب البروج والقلاع والحصون والمراصد، ثم وصف سبحانه حالة هؤلاء الضِعاف الإيمان من المسلمين الذين قالوا (لو كُتِبَ علينا القتال) فإن دخائل نفوسهم تتلوّن ولا تبقى في جهة واحدة وإيمان راسخ ((وَ)) ذلك لأنه ((إِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ )) من نماء وزرع وبركة وتقدّم في الحرب وصحة وما أشبه ((يَقُولُواْ هَذِهِ )) الحسنة ((مِنْ عِندِ اللّهِ )) فإنه المتفضّل المُحسن ((وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ )) من غلاء وقحط وتأخّر ومرض وما أشبه ((يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ )) يارسول الله، فإن أصابنا بسببك، كما حكى الله سبحانه عن قدم ذلك، حيث قال سبحانه (وإن تُصيبهم سيّئة يطّيّروا بموسى ومن معه) ((قُلْ )) يارسول الله ((كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ )) فهو الذي يجذب وهو الذي يخصب وهو الذي يشفي وهكذا فليس مصدر الكوارث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ ))، أي ما شأن هؤلاء الضعاف الإيمان ((لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا))، أي بُعَداء عن فهم ما نحدّثهم به من القرآن الكريم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 79 | وحيث تبيّن أن مصدر الخير والشر هو الله سبحانه يبقى سؤال أن الشر ما يكون سببه، ولماذا يبتلي الله تعالى الإنسان بالشر والحال أنه سبحانه لا يريد بعباده إلا الخير؟ ويأتي الجواب ((مَّا أَصَابَكَ )) أيها الإنسان ((مِنْ حَسَنَةٍ )) كالزرع والرخص والصحة والغنى ((فَمِنَ اللّهِ )) أنه يتفضّل عليك بلا سبب وإن كان قسم منها أيضاً بسبب الأعمال الصالحة ((وَمَا أَصَابَكَ )) أيها الإنسان ((مِن سَيِّئَةٍ )) قحط وغلاء ومرض وما أشبه ((فَمِن نَّفْسِكَ )) فإنّ أعمالك الشريرة هي التي سبّبت إبتلائك بالسيئات والمصائب ((وَأَرْسَلْنَاكَ )) يارسول الله ((لِلنَّاسِ رَسُولاً )) فمهمتك تخص في التليغ ولا يرتبط وجودك بالمصائب والآفات -كما يزعم هؤلاء- بل العكس إنك منبع الخير ومبعث الهداية والصلاح ((وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا))، أي يكفي كون الله شاهداً على رسالتك وأنك لا ترتبط بالشرور، لا يُقال كيف يمكن إثبات أن الله يشهد على رسالته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحال أن أحداً لم يسمع من الله ذلك لأنّا نقول الشهادة التكوينية بإجراء المعجزة على يديه الكريمتين من أكبر أقسام الشهادة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 80 | ((مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ )) في أوامره وزواجره التي منها أمره بالجهاد -كما سبق في بعض الآيات- ((فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ )) لأن أمر الرسول هو أمر الله سبحانه (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) ((وَمَن تَوَلَّى )) وأعرض عن أوامر الرسول فلا يهمّك ذلك يارسول الله ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ((فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)) تحفظهم عن المخالفة والتولّي كما قال تعالى في آية أخرى (فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 81 | ثم حكى سبحانه حال المنافقين الذين تقدّم بعض أحوالهم من أنهم يُبطئنّ عن الجهاد ويقولون "لولا أخّرتنا الى أجل قريب" وما أصابتهم من سيئة يطّيّروا بالرسول ((وَيَقُولُونَ )) هؤلاء أمرك ((طَاعَةٌ )) إنّا مستعدون لتنفيذه ومستسلمون له ((فَإِذَا بَرَزُواْ ))، أي خرجوا ((مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ ))، أي قدّر ليلاً ((طَآئِفَةٌ ))، أي جماعة ((مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء المنافقين ((غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ )) فيتشاورون بينهم بالليل ليخالفوك وينقضوا أمرك ((وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ))، أي ما يتواطئون عليه ليلاً من نقض أمرك فيجازيهم على المخالفة والعصيان ((فَأَعْرِضْ )) يارسول الله ((عَنْهُمْ )) فلا تؤاخذهم بأعمالهم حتى تنشق صفوف المسلمين فإنهم إن أظهرتَ خباياهم شقّوا الصفوف وخالفوا علينا ((وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ )) فهو الذي ينصرك ويُعينك في جهاد الأعداء ((وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً)) فمن وكل إليه سبحانه أمره أنجزه أحسن إنجاز وأكمله أحسن إكمال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 82 | أفهل يظن هؤلاء العصاة الذين يخالفون الرسول ويبيّتون غير ما يقول أن الرسول يأمر وينهى عن نفسه دون أن يكون كلامه من الوحي، وأن القرآن من كلامه لا من كلام الله سبحانه، ولذا يسهل مخالفته، فإن كان هذا ظنّهم فهو خطأ محض إذ القرآن الذي يقرأه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما هو من عند الله لا من كلام الرسول ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )) تدبّراً عميقاً حتى يعرفوا أنه فوق كلام البشر ولا يمكن للبشر أن يأتي بمثله ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ)) حتى لو كان من عند الرسول -على عظمته- ((لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)) لأن البشر مهما أوتي من الموهبة لابد وأن تختلف تعبيراته وتتفاوت أفكاره حسب الأزمان والظروف، فعدم الإختلاف في القرآن من جهة من الجهات أدلّ دليل على أنه ليس من كلام البشر وإنما هو من عند إله حكيم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 83 | ويعود السياق الى حالة هؤلاء المنافقين الذين تقدّمت بعض صفاتهم فقال سبحانه ((وَإِذَا جَاءهُمْ ))، أي جاء هؤلاء ((أَمْرٌ ))، أي شيء ((مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ )) من ظهور المؤمنين على عددهم الموجب للأمن أو إنهزام المسلمين الموجب للخوف ونحو ذلك من كل شيء يوجب أمناً أو خوفاً ((أَذَاعُواْ بِهِ ))، أي أفشوه في الأوساط فقد كانت الأخبار المختلفة تُذاع وتُنشر في المدينة لغرض الدعاية للمسلمين أو عليهم فكان هؤلاء الضعاف الإيمان يتلقفونها فوراً ويأخذون في إشاعتها من دون نظر الى عاقبة الأمر والى أن الخبر هل هو صحيح أم لا، ومن الأمور الضرورية بالنسبة الى الحركات أن تكون أخبارها طي الدرس للقادة ليروا هل من الصلاح إشاعتها أم لا إذ كثيراً ما يكون الخبر مكذوباً وكثيراً ما يكون إشاعة الخبر المؤمّن ضد المصلحة -ولو كان صادقاً- حينما يقتضي الحال الحذر والإستعداد، وكثيراً ما يكون إشاعة الخبر المخوّف ضد الصلاح -ولو كان صادقاً- حينما يقتضي الحال التأمين لئلا يجبن الناس عن الإستعداد والحركة ((وَلَوْ رَدُّوهُ ))، أي أرجعوا ذلك الخبر الذي سمعوه ((إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ )) والمراد به الأئمة عليهم الصلاة والسلام والذين هم معنيون من قِبَل الرسول والأئمة، فإنه لا أولي الأمر إلا هؤلاء كما تقدّم ذلك ((لَعَلِمَهُ ))، أي لعَلِم ذلك الأمر صدقه وكذبه وكون الصلاح في نشره أو كتمانه ((الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ ))، أي يستخرجونه ((مِنْهُمْ ))، أي من أولي الأمر فلا يبقى الخبر مردداً بين الصدق والكذب ولا بين الصلاح في إشاعته وعدمه ولم يكن محل للظنون والأوهام ولم يرج -بعد- الأكاذيب لأنها تحت الرقابة ولم يقل "لعلموه" للإشارة الى علّة علمهم وأنهم بسبب إستنباطهم يعلمونه ((وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ )) أيها المسلمون، حيث يرشدكم الى مواقع الزلّة ومهاوي الخطأ ((لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ )) في ما يُلقيه عليكم من ما يوجب بلبلة صفوفكم وإنشطار كلمتكم ((إِلاَّ قَلِيلاً)) من الذين قويت عقولهم فلا يتّبعون خطوات الشيطان حتى إذا لم يكن رسول كما كان كذلك في زمن الجاهلية حيث أن بعضهم لم يكن يتّبع الشيطان بما أوتي من قوة العقل وسداد الرأي، فليس المراد -لولا فضل الله إطلاقاً- بل المراد الفضل الخاص.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:06 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 84
| وعندما بيّن القرآن سلوك القوم في الجهاد وأن الله هو الذي يتفضّل على المؤمنين، يتوجّه السياق الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قائلاً ((فَقَاتِلْ )) يارسول الله ((فِي سَبِيلِ اللّهِ )) ولإعلاء كلمته وتنفيذ حكمه ((لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ )) فإنك لا تتضرر بفعل المنافقين وإرجافهم وما يبدو منهم، فإنك لست مكلّفاً بأفعالهم وأعمالهم كما إنك لست مسؤولاً عن المؤمنين إلا بقدر نطاق التبليغ والإرشاد ((وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ))، أي حثّهم على القتال ((عَسَى اللّهُ ))، اي لعل الله ((أَن يَكُفَّ )) ويمنع بسبب قتالك ((بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ))، أي شدة الكفار وقوتهم بأن يغلبك عليهم فيعودوا خائبين ((وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا )) فأنتم بقوة الله وشدته تتقدّمون وهو أشد من الكفار قوة ((وَأَشَدُّ تَنكِيلاً))، أي أشد من حيث العقوبة والنكال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 85 | وحيث تقدّم أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يكلّف إلا نفسه إستدرك الأمر الى ما توسّط فيه بل ((مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً ))، أي يكون قد شفع صاحبه في الأمور الخيرية ويحصل كون الإنسان شفعاً أما بالتوسّط أو بالتحريض أو بالإرشاد ((يَكُن لَّهُ ))، أي للشفيع ((نَصِيبٌ )) وحصة ((مِّنْهَا ))، أي من تلك الحسنة فإن الدال على الخير كفاعله ((وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً)) بأن توسّط في الأمر السيء أو حرّض أو دلّ على ذلك (( يَكُن لَّهُ ))، أي للشفيع ((كِفْلٌ ))، أي نصيب ((مِّنْهَا )) لأنه قد تعاون على الإثم والعدوان ((وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا))، أي مقتدراً فهو القادر في أن يعطي الشفيع نصيباً من الحسنة أو كِفلاً من السيئة، أو معنى "المُقيت" أي المجازي على الأمرين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 86 | وقد ناسب الكلام الذي هو حول القتال والجهاد، الكلام حول السلام والكف لتقابل الضدّين بين الأمر، ويأتي الجو عاماً لا يخص بسلام الحرب بل السلام المطلق فقال سبحانه ((وَإِذَا حُيِّيْتُم )) أيها السملمون ((بِتَحِيَّةٍ )) والتحية السلام، يُقال "حي يحيي" إذا سلّم ((فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا ))، أي من تلك التحية، والآية عامة تشمل كل تحية، قال في المجمع : فلما أمر سبحانه بقتال المشركين عقّبه بأن قال مَن مالَ الى السلم وأعطى ذاك من نفسه وحيّ المؤمنين بتحية فأقبلوا منه ((أَوْ رُدُّوهَا )) بمقدارها فإذا قال أحد لك "السلام عليكم" فالرد الأحسن أن تقول "السلام عليكم ورحمة الله" والرد المساوي أن تقول "السلام عليكم" ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا))، أي حفيظاً حسيباً فيحسب ردّكم إن كان بالأحسن أو بالمساوي ليُجازيكم عليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 87 | ((اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )) فهو المالك المطلق ذو الصفات الكمالية ((لَيَجْمَعَنَّكُمْ )) ببعثكم بعد الممات ويحشرنكم ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))، أي الى موقف الحساب ليجازيكم بأعمالكم فما عملتم في دنياكم من حرب وسلم أو غيرهما لابد وأن تُجازون عليه هنالك ((لاَ رَيْبَ فِيهِ ))، أي ليس محلاً للريب وإن إرتاب فيه المبطلون أو أنه بالنظر الى الواقع ليس فيه ريب وشك فهو أمر واقع لا محالة ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا)) فحديثه صادق لا خلف فيه، وليأتيّنكم يوم القيامة وتُجازون بما عملتم في الدنيا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 88 | ثم يرتد السياق الى الجهاد وما يتخلله من الإختلاف والإنشقاق، ويذكر الله سبحانه المؤمنين بأنه لا ينبغي لهم أن يختلفوا في جهاد الكفار والمنافقين لأعذار واهية فقال سبحانه ((فَمَا لَكُمْ)) أيها المسلمون صرتم ((فِي )) أمر ((الْمُنَافِقِينَ )) ((فِئَتَيْنِ )) فئة تؤيد محاربتهم لأنهم كفار واقعاً وفئة لا تؤيد لأنهم أظهروا الإسلام في يوم ما ((وَ)) الحال أن ((اللّهُ أَرْكَسَهُم ))، أي ردّهم الى حكم الكفر ((بِمَا كَسَبُواْ ))، أي بسبب كسبهم للنفاق والشقاق ((أَتُرِيدُونَ ))، أي هل تريدون أيها المسلمون ((أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ ))، أي أتطمعون في هداية هؤلاء المرتدّين وقد أضلّهم الله، وقد تقدّم أن معنى إضلال الله تركهم وضلالهم بعد أن عرفوا الحق فأعرضوا عنه ((وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ )) فيتركه على كفره وضلاله ((فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)) لإنقاذه، وكيف يمكن إنقاذه وهو معاند يتعامى عن الحق عمداً، وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن هذه الآية نزلت في قوم قدموا المدينة من مكة فأظهروا للمسلمين الإسلام ثم رجعوا الى مكة لأنهم استوخوا المدينة فأظهروا الشرك ثم سافروا ببضائع المشركين الى اليمامة فأراد المسلمون أن يغزوهم فاختلفوا فقال بعضهم لا نفعل فإنهم مؤمنون وقال آخرون إنهم مشركون فأنزل الله فيهم هذه الآية، وهذا عام دائماً في كثير من الحركات فإن قسماً من الذين يؤمنون لابد وأن ينقلبوا ثم يختلف فيهم الباقون، هل إنهم خارجون حقيقة أم لا، والآية تبيّن وجوب وحدة الصف أمام هؤلاء بعدما ظهر منهم الإرتداد ثم لا يخفى أن تعبير الآية بالمنافقين لا يدل على أنهم لم يكفروا إذ النفاق أعم من الكفر، ومن المحتمل أن تريد الآية بيان وجوب وحدة الصف أمام المنافقين حتى يكون التجنّب عنهم عامّاً وليقرّوا بالعزلة، وهذا أقرب الى ظاهر الآية بمناسبة ما سبق من أحكام المنافقين كما أن صريح الرواية وظاهر الآية اللاحقة "ودّوا لو تكفرون .." يدل على المعنى الأول وأنه أُريد بالنفاق الكفر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 89 | ((وَدُّواْ ))، أي أحبّ هؤلاء المنافقين الذين إرتدّوا عن الإسلام وأظهروا الشرك ((لَوْ تَكْفُرُونَ )) أنتم أيها المسلمون ((كَمَا كَفَرُواْ )) هم ((فَتَكُونُونَ سَوَاء )) في الكفر ومثل هؤلاء لا ينبغي أن ينقسم المسلمون بالنسبة إليهم قسمين ((فَلاَ تَتَّخِذُواْ )) أيها المسلمون ((مِنْهُمْ أَوْلِيَاء )) أحباء وأخلاء، فإن المسلم لا يصادق الكافر كما قال سبحانه (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله) ((حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ )) من دار الكفر الى دار الإسلام ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) وذلك يلازم الإيمان إذ الهجرة لا تكون إلا بعد الإيمان ((فَإِن تَوَلَّوْاْ )) وأعرضوا عن الإيمان الملازم للهجرة ((فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ ))، أي أين أصبتموهم من حل أو حرم، ولا إشكال في محاربة الجاني في الحرم، أو المراد أين كانوا من الأرض ((وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا ))، أي صديقاً خليلاً ((وَلاَ نَصِيرًا))، أي ناصراً ينصركم على أعدائكم، فإن الكافر لا ينصر المسلم ولو نصره في الظاهر فإنه لا يؤمن شره.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:07 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 90
| ثم إستثنى سبحانه عن وجوب مقاتلة هؤلاء من كان داخلاً في حلف قوم بين ذلك القوم وبين المسلمين معاهدة فإن دخوله في ذلك الحلف يحقن دمه، ومن لا يريد محاربة المسلمين وإنما يريد معاهدتهم فقال سبحانه -مستثنياً من قوله فخذوهم الآية- ((إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ))، أي لهم مواصلة وأحلاف مع قوم ((بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم ))، أي بين ذلك القوم ((مِّيثَاقٌ ))، وفي الحديث أن هلال بن عويمر السلمي واثق من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يتعرّض هو لأحد أتاه من المسلمين ولا يتعرّض الرسول لمن أتى هلال بن عويمر فأنزل الله هذه الآية ناهياً أن يُمسّ من يأتي هلال من الكفار بسوء ((أَوْ )) الذين ((جَآؤُوكُمْ ))، أي أتوا إليكم أيها المسلمون ((حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ))، أي ضاقت صدورهم، والسبب أن من يهمه أمر تنتفخ رئته لتجلب أكبر قدر ممكن من الهواء ليرفّه على القلب الذي حمى بواسطة غليان الدم فيضيق الصدر لتوسّع الرئة ((أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ ))، أي يضيق صدورهم من قتالكم وقتال قومهم فلا يكونون لكم ولا عليكم، في المجمع قال : إنما عنى به "أشجع" فإنهم قدموا المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخيلة فأخرج إليهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحمال التمر ضيافة، وقال : نعم الشيء الهدية أمام الحاجة، وقال لهم : ما جاء بكم؟ قالوا : لقرب دارنا منك وكرهنا حربك وحرب قومنا -يعنون بني حمزة الذين بينهم وبينهم عهد- لقلّتنا فيهم فجئنا لنوادعك، فقَبِلَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك منهم ووادعهم فرجعوا الى بلادهم ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ ))، أي سلّط هؤلاء الكفار ((عَلَيْكُمْ )) بأن لم يُلقِ في قلوبهم رعبكم أيها المسلمون حتى يخافوكم فيسالموكم، فقد كان هذا من فضل الله سبحانه أن يجعلكم محل هيبة ومِنعة، مع أن عددكم وعُددكم لا يقتضيان ذلك ولو لم يلطف بكم ((فَلَقَاتَلُوكُمْ )) لكن حيث أنعم الله عليكم بذلك فلا تمدّوا إليهم يد المحاربة ((فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ )) هؤلاء الذين ذُكروا وهم "الذين يصلون" "وجاؤوكم" ((فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ )) أيها المسلمون ((السَّلَمَ )) يعني صالحوكم واستسلموا لكم ((فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)) فلا تُباح نفوسهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، وما في بعض التفاسير من أن الآية منسوخة لم يظهر وجهه، إذ الجملة الأولى لا تقبل النسخ فإن المعاهدات تبقى الى أمدها، والجملة الثانية في مورد خاص ومثله لا يقبل النسخ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 91 | ((سَتَجِدُونَ )) أيها المسلمون جماعة ((آخَرِينَ )) من يبطن الكفر ويُظهر الإسلام ((يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ ))، أي يأمنوا من طرفكم ((وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ ))، أي يأمنوا من طرف قومهم الكافرين، وهؤلاء ((كُلَّ مَا )) أتوكم أظهروا الإسلام وإذا ((رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ )) بأن رجعوا الى قومهم ودعوهم الى الكفر -وهو المراد بالفتنة هنا- ((أُرْكِسُواْ فِيِهَا ))، أي وقعوا فيها وارتدوا عن إسلامهم والإسلام لا يعترف بهكذا أُناس فإنّ مثلهم خطرون على سلامة المسلمين فلابد وأن يحدد هؤلاء موقفهم أما أن يعلنوا سلمهم العام واعتزالهم -حيادياً- عن المشاركة في التحركات ضد المسلمين ولا يشتركوا في حرب عليهم فهم في أمان من جانب الدولة الإسلامية وأما أن يحاربهم المسلمون كسائر الكفار لا فضل لهم ولا حُرمة ((فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ ))، أي لم يعتزل هؤلاء الكفار عن المؤمنين ((وَ)) لم ((يُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ )) بأن يسالموكم ويصالحوكم ((وَ)) لم ((يَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ )) بأن لا يشاركوا في حرب أو تحرك ضدكم ((فَخُذُوهُمْ ))، أي أسروهم ولا ترعوا نفاقهم في إظهار الإسلام إذا جائوكم ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ ))، أي أين وجدتموهم ((وَأُوْلَئِكُمْ ))، أي هؤلاء المذبذبون ((جَعَلْنَا لَكُمْ )) أيها المسلمون ((عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا))، أي برهاناً واضحاً، فإنه لا واسطة بين الحرب والحياد فإن أخذوا جانب الحياد فهو وإلا فالحرب حالهم حال سائر الكفار، ومن المحتمل أن لا يكون المراد من "يأمنوكم" إظهارهم الإسلام بل إظهارهم الموادعة والمسالمة، وسوق الآية الى آخرها -على هذا المعنى واضح- وهذا هو الذي يؤيده ما في بعض التفاسير من أن الآية نزلت في عينيه بن حصين الغزاري أجدبت بلادهم فجاء الى رسول الله ووادعه على أن يقيم ببطن نخل ولا يتعرّض له وكان منافقاً ملعوناً وهو الذي سماه رسول الله "الأحمق المطاع" وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين ما تقدّم في قوله سبحانه "أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم" أن الأولين جائوا بحسن نيّة وصدق طويّة بخلاف هؤلاء حيث جاءوا نفاقاً فقَبِلَ من أولئك دون هؤلاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 92 | هذا كان حول معارك المسلمين مع غير المسلمين، وحكم إراقة الدماء بالنسبة الى الطرفين، أما المسلمون بعضهم مع بعض فلا يحق لأحد أن يريق قطرة دم أحد ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا )) الإستثناء منقطع، أي لا يجوز لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا أن يخطأ في قتله كما لو أراد قتل حيوان فأخطأ وأصاب الرمي مؤمناً أو نحو ذلك ((وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَـ)) عليه أن يكفّر بـ ((تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ))، أي أن يعتق إنساناً عبداً مؤمناً، ويُقال للعبد "رَقَبة" بعلاقة الجزء والكل، باب إستعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل، كما يقال للجاسوس "عين" ((وَ)) عليه ((دِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ )) الدِيّة من ودي يدوِ، أي عطى المال المقابل للدم ويجب أن تكون مسلّمة أي يسلّمها الى أهل المقتول كاملة غير منقوصة، والمراد بكون الديّة عليه وجوب الديّة في الجملة لا أنها عليه بالذات فإنها في الخطأ على العاقلة وهذه الديّة تقسم بين أولياء المقتول ((إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ))، أي يتصدّق أولياء المقتول بالديّة على القاتل فلم يأخذوها منه، ولا يخفى أن أصل "يصّدّقوا" يتصدّقوا فادغمت التاء في الصاد لقرب مخرجهما على ما هو المعروف في باب التفعّل ((فَإِن كَانَ )) المقتول ((مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ ))، أي كان من طائفة هم أعداء للمسلمين بأن كانوا كفاراً محاربين ((وَهُوَ ))، أي القتيل ((مْؤْمِنٌ )) وكان قتله له خطأ -كما يقتضيه العطف على الجملة الأولى- ((فَـ)) على قاتله كفّارة هي ((تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ )) أما الديّة فلا تجب إذ ليس للمقتول أهل مسلمون ومن المعلوم أن الحربي لا يرث المسلم ((وَإِن كَانَ )) المقتول كافراً ليس بمسلم ولكنه كان ((مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ )) ومعاهدة وقتله المسلم خطأ ((فَـ)) على القاتل ((دِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ))، أي أهل المقتول ((وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً)) وذلك لأنه لا يجوز قتل المعاهدة كما لا يجوز قتل المؤمن (( فَمَن لَّمْ يَجِدْ )) العبد ولا ثمنه ((فَـ)) عليه ((صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ))، أي متواليين فلا يصح التفريق في أيام الشهرين، لكن إذا صام شهراً ويوماً كفاه في التتابع وجاز أن يصوم البقية بعد زمان غير متصل بالأول ((تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ ))، أي شرع ذلك في القتل لأجل التوبة والرجوع من الله سبحانه على العبد القاتل، والقاتل وإن كان مخطأ مما يوجب عدم الذنب عليه إلا إن بُعده الطبيعي بسبب هذا العمل القبيح فإنّ بعض الأعمال لها آثار وضعية كمن شرب الخمر جهلاً فإنه يسكر وتصيبه الأمراض الملازمة للخمر ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا )) يعلم مصالحكم ((حَكِيمًا)) فيما يأمر وينهي.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:07 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 93
| قد تقدّم حُكم قتل الخطأ ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا )) ظاهر الآية أن القتل وقع عمداً مقابل قتل الخطأ ((فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا )) أبد الآبدين، وإلا أن تدركه شفاعة أو عفو، وهذا الإستثناء بدليل قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ((وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ )) والمراد في مثل هذه الصفات نتائجها، وإلا فالله سبحانه ليس محلاً للحوادث ((وَلَعَنَهُ))، أي طرده عن رحمته (( وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) وفي آية أخرى (ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 94 | ثم أشار القرآن الحكيم الى بعض الإحتياطات اللازمة على المجاهدين لئلا يقتلوا مسلماً خطأ، وذلك إثر وقوع حادثة وهي أن أسامة بن زيد وأصحابه بعثهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سريّة فلَقوا رجلاً قد انحاز بغنم له الى الجبل وكان قد أسلم فقال لهم : السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فَبَدَرَ إليه أسامة فقتله واستاقوا غَنَمَه فلما رجع الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبره بذلك فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : "أفلا شققتَ الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما في نفسه علمت" ونزلت الآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))، أي خرجتم للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الإسلام فإن الضرب بمعنى السفر لأن المسافر يضرب برجله الأرض ((فَتَبَيَّنُواْ ))، أي ميّزوا بين الكافر والمؤمن ليكون أمركم واضحاً مبيناً ولا تفعلوا شيئاً بدون التثبّت والتبيّن والتّأني ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ ))، أي حيّاكم بتحية الإسلام وأظهر لكم أنه مسلم واعتزلكم فلم يقاتلكم ((لَسْتَ مُؤْمِنًا )) حقيقة وإنما إيمانك صرف لقلقة لسان خوفاً من القتل ((تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، أي هل تطلبون الغنيمة والمال؟، حيث تنكرون إسلام مَن ألقى إليكم السلام فيكون الكلام على الإستفهام التوبيخي، أي لماذا تقتلون مُظهِر الإسلام لغنيمته الزائلة التي هي عرض الحياة الدنيا، أو إن الإستفهام ليس توبيخياً بل على ظاهره، أي إن كنتم تطلبون المال ((فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ)) جمع مغنم وهي الغنيمة ومغانمه في الدنيا بما ستحوزونه من الكفار وفي الآخرة، وقد فُسّرت الغنيمة في اللغة بأنها الفائدة ((كَذَلِكَ )) الذي ألقى إليكم السلام ((كُنتُم مِّن قَبْلُ )) فإنكم كنتم كفاراً كما كان هو كذلك ((فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ )) بأن هداكم للإيمان فكما لم يصح لأحد أن يقول أن إيمانكم عن خوف كذلك لم يصح لكم أن تقولوا أن إيمان من ألقى إليكم السلام عن خوف، وإذا علمتم خطأكم في هذه المرة ((فَتَبَيَّنُواْ )) من بعد، وقد كرّر اللفظ تأكيداً، ولأنه يقع الكلام موقع القبول بعد قيام الحجّة، فكان "تبيّنوا" في الأول مجرد أمر و"تبيّنوا" هنا بعد الدليل والبرهان على لزوم التبيّن عقلاً ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) فهو يعلم أعمالكم وبواعثها فراقبوا الله في كل عمل تقومون به.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 95 | ثم يأتي السياق ليبيّن فضل المجاهدين تحريضاً على الجهاد وتحفيزاً للقاعدين على النهوض ((لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) الذين يقعدون في محلهم ولا ينهضون لمقاتلة الأعداء ((غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ )) يعني القاعدين الذين ليس بهم ضرر يمنعهم عن الجهاد كالأعمى والأعرج ونحوهما، أما مَن بهم ضرر فهم معذورون ليس عليهم حرج، ولعل المفهوم من الآية أن من به ضرر إذا كانت نفسيته بحيث كان يجاهد لولا الضرر كان له أجر المجاهدين حسب الحديث المأثور (نيّة المؤمن خير من عمله) ((وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ )) بأن أنفقوا أموالهم للجهاد وقدّموا أنفسهم للقاء الكفار في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، وسُمّي الجهاد جهاد لما يستلزمه من الجهد والمشقة، فإن في بذل المال والنفس أعظم المشقّات ((فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً )) إذ المجاهد يفضل على القاعد بالجهاد بعد أن كلاً منهما له فضل بالإيمان والصلاة والصيام وسائر شرائع الإسلام ((وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ))، أي المجاهد والقاعد، فإن الجهاد فرض كفاية فإذا قام به البعض سقط عن الآخرين ولذا فكلاهما موعود له بالصفة الحسنى من الخير والسعادة وإن كان المجاهد أفضل، في تفسير الأصفى ورد : لقد خلفتم في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم وهم الذين صحّت نيّاتهم ونضجت جيوبهم وهوت أفئدتهم الى الجهاد وقد منعهم من المسير ضرر أو غير ضرر، أقول : هذا كان في غزوة تبوك ((وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) فقد ورد أن فوق كل برّ بِر إلا الجهاد في سبيل الله، كما ورد أن الأجر بقدر المشقّة، وورد : ما أعمال البر كلها بالنسبة الى الجهاد إلا كنفثة في بحر لجّي، وكان قوله "وفضّل" لدفع وهم ربما يتوهّم من قوله "درجة" فيُقال أنه لا أهمية للدرجة في مقابل تعب الجهاد ومشقته.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 96 | ثم بيّن سبحانه الأجر العظيم بقوله ذلك الأجر هو ((دَرَجَاتٍ مِّنْهُ ))، أي من قِبَل الله سبحانه، وهذا تعظيم للأمر فإن الدرجة لو كانت من غيره لكانت هيّنة إذ الدنيا عرض زائل أما التي منه سبحانه فإنه شيء عظيم باق، بين كل درجتين مسيرة سبعين خريفاً للفرس الجواد المضمر ((وَمَغْفِرَةً ))، أي غفراناً لذنوب المجاهد ((وَرَحْمَةً ))، أي يرحم الله المجاهد بإعطائه النعم الكثيرة ((وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) فيغفر للمجاهد ذنوبه السابقة ويرحمه برحمته الواسعة، قال بعض أن المراد بالدرجة الأولى علوّ المنزلة كما يُقال فلان أعلى درجة عند الخليفة من فلان، وأراد بالثانية الدرجات في الجنة التي بها يتفاضل المؤمنون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 97 | ثم يأتي السياق الى طائفة أخرى من القاعدين الذين لم يعدهم الله الحسنى، بل وَعَدَهم العذاب لأنهم هم السبب في ظلم الكفار لهم وهضمهم حقوقهم ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ))، أي تقبض الملائكة أرواحهم، فإن لملك الموت أعواناً كما ورد في السُنّة ودلّت عليه هذه الآية ((ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ))، أي في حال كونهم ظالمين لأنفسهم لأنهم بقوا في دار الهوان حيث يسومهم الكفار العذاب ويمنعونهم من الإيمان بالله والرسول، وقد كان بإمكان هؤلاء أن يهاجروا الى دار الإيمان ويؤمنوا، ولعل الآية أعم منهم ومن المؤمنين الذين بقوا في دار الكفر ولا يتمكنون من إظهار واجبات الإسلام والعمل بما أوجبه الله سبحانه ((قَالُواْ ))، أي قالت الملائكة لهم عند قبض أرواحهم ((فِيمَ كُنتُمْ ))، أي في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم، وهو إستفهام تقريري توبيخي ((قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ )) ليستضعفنا أهل الشرك في بلادنا فلا يتركوننا لأن نؤمن، أو لا يتركوننا لأن نعمل بالإسلام ((قَالْوَاْ ))، أي قالت الملائكة لهم ((أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا )) حتى تخرجوا من سلطنة الكفار وتتمكنوا من الإسلام أو من العمل بشرائعه ((فَأُوْلَئِكَ )) الذين سبق وصفهم ((مَأْوَاهُمْ )) الى مرجعهم ومحلهم ((جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا))، أي إنها مصير سيء لعذابها وأهوالها.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:08 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 98
| ثم استثنى سبحانه من هؤلاء مَن لا يتمكن من المهاجرة فإنه ليس مكلّفاً وإنما أمره الى الله تعالى ((إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ )) الذين إستضعفهم الكفار في بلادهم ((مِنَ الرِّجَالِ )) العجزة ((وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ )) وهاتان الطائفتان في طبيعتهم العجز عن الفرار والهجرة ((لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ))، أي علاجاً لأمرهم وفكّاً لأنفسهم عن سُلطة المشركين ((وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)) للفرار والهجرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 99 | ((فَأُوْلَئِكَ )) العاجزون من المستضعفين ((عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ))، أي لعل الله سبحانه يغفر لهم ذنبهم، ودخول "عسى" في مثل هذه الآية للدلالة على كون الأمر بيد الله سبحانه وأنه كان قادراً أن يأمرهم بما يحرجهم من وجوب خروجهم وإظهار دينهم وإن بلغ الأمر ما بلغ ولا يُقال إن كان المراد بالمستضعفين الكفار فكيف يُعفى عن الكفر؟ لأن الدليل العقلي والنقلي قد دلّ على إمتحان الضعفاء والعجزة والبَلَه ومن إليهم في الآخرة، وذلك بخلاف الكافر المعاند الذي مصيره النار حتماً ((وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا )) يعفوا عمن يشاء ((غَفُورًا)) يغفر الذنوب، ولعل الفرق بين العفو والغفران أن العفو غفران بلا ستر والغفران عفو مع الستر فإنّ عدم العقاب لا يلازم الستر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 100 | وقد يمنع عن الهجرة خوف أن لا يجد الإنسان في محله الجديد ما يلائم مسكنه ومكسبه، ولكنه ليس إلا توهّماً فإن الأرض واسعة والكسب ممكن في كل مكان ((وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) لأمره سبحانه ومن أجله ((يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا )) المراغم مصدر بمعنى المتحول وأصله من الرغام وهو التراب ((وَسَعَةً ))، أي في الكسب وسائر شؤون الحياة ((وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا )) يهاجر وطنه ومحله ويقطع عنه ((إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ )) والهجرة الى الله بمعنى محل أمره والهجرة الى الرسول أما حقيقي كما في زمان حياته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأما مجازي كما إذا هاجر الى بلاد الإسلام حسب أمر الرسول ((ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ ))، أي يموت في طريقه ((فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ )) لأنه خرج في سبيله وحسب أمره فأجره وثوابه عليه سبحانه ((وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا )) يغفر ذنوب المهاجر ((رَّحِيمًا)) يرحمه بإعطائه الثواب، وفي الحديث : "من فرّ من أرض الى أرض وإن كان شبراً من الأرض إستوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام"، وقد ورد في بعض التفاسير أن السبب في نزول هذه الآية أنه لما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من المسلمين كان بمكة يسمى "جندب بن حمزة" فقال : والله ما أنا مما استثنى الله أني لأجد قوة وأني لعالم بالطريق، وكان مريضاً شديد المرض فقال لبنيه : والله لا أبيت بمكة حتى أخرج منها فإني أخاف أن أموت فيها، فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ التنعيم مات فنزلت الآية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 101 | ولما أمر سبحانه بالجهاد والهجرة بيّن كيفية الصلاة في السفر والخوف إشفاقاً على الأمة ورحمة بهم وتفضلاً عليهم، والآية وإن كانت ظاهرة في الخوف فقط لأنه سبحانه قال "إن خِفتم" لكن القيد غالبي في ذلك الزمان عند نزول الآية، وإنما الإعتبار بالضرب في الأرض وقد كثر في القرآن الحكيم مع إن كونهن في حجورهم غير شرط وكقوله (ولا تُكرهوا فتياتكم على البِغاء إن أردتن تحصّناً) وغيرهما ((وَإِذَا ضَرَبْتُمْ ))، أي سافرتم أيها المسلمون ((فِي الأَرْضِ )) ومن المعلوم إشتراط السفر بأمور أُخر مذكورة في الكتب الفقهية ((فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ )) ليس لفظ "ليس عليكم جُناح" للإباحة كما هو ظاهر منه بل في مقام دفع توهّم الحضر كقوله (فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما) فقد كان التمام واجباً، وفي السفر حيث يتوّهم بقائه على الوجوب نفى سبحانه وجةبه وأجاز القصر، وذلك لا ينافي وجوب القصر على ما دلّ الدليل عليه، والمراد بالقصر تنصيف الرباعية بأن يصلّي الظهر والعصر والعشاء ركعتين فإذا تشهّد التشهّد الوسط سلّم ولم يقم للركعتين الباقيتين، أما الصبح والمغرب فتبقيان على ما كانتا عليه ((إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ))، أي خفتم فتنة الذين كفروا والفتنة العذاب والقتل وما أشبه، فإنهم إذا أرادوا الصلاة أربعاً طال الأمد عليهم وأمكن أن يهجمهم الكفار ويعذبوهم أو يقتلوهم فمنّ الله عليهم بالتقصير ليقلّ الأمد ولا يبقى للكفار -في ساحة الحرب- مهلة ينتهزونها للهجوم، ولصلاة السفر والخوف والمطاردة تفصيل مذكور في الكتب الفقهية، ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ )) ليس معنى "كان" الماضي بل مجرد الربط في مثل (كان الله عليّا) وما أشبهها ((لَكُمْ )) أيها المسلمون ((عَدُوًّا مُّبِينًا))، أي واضحاً لظهور عداوتهم للمسلمين فإذا لم تقصروا من الصلاة إنتهزوا مدة إشتغالكم بها فرصة لفتنتكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 102 | ثم بيّن سبحانه صلاة الخوف إذا أرادوا أن يصلّوها جماعة فإن المجاهدين ينقسمون الى طائفتين : طائفة تقتدي بالإمام وطائفة تبقى في الميدان، فإذا سجد الإمام السجدتين من الركعة الأولى تقوم الطائفة المقتدية للركعة الثانية وتأتي بها فرادى وتتشهّد وتسلّم والإمام بعد لم يركع، فتذهب هذه الطائفة الى الميدان وتأتي الطائفة الثانية وتقتدي بالإمام في الركعة الثانية حتىإذا جلس الإمام للتشهّد قامت وأتت بالركعة الثانية فرادى ولحقت بالإمام في التشهّد وأتمّت الصلاة معه فتطول صلاة الإمام بمقدار صلاتيهما ((وَإِذَا كُنتَ )) يارسول الله ((فِيهِمْ )) فيمن ضرب في الأرض لأجل الجهاد، ومن المعلوم أن الحكم لا يخص الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل هذا عام لكل إمام في المجاهدين يريدون الصلاة جماعة ((فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ )) ((فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ )) يقتدون بك في الصلاة وتقوم طائفة ثانية من المجاهدين في وجه العدو ((وَلْيَأْخُذُواْ ))، أي الطائفة الذين يصلّون معك ((أَسْلِحَتَهُمْ )) لئلا يستسهل أمرهم العدو فيهجم عليهم ويكونون عُزّلاً فيحرج موقفهم، وقد استثنى من كراهة حمل السلاح في الصلاة هذا الموضع ولم يبيّن أخذ الطائفة المقاتلة إسلحتهم لوضوح ذلك ((فَإِذَا سَجَدُواْ)) وقمت أنت ااركعة الثانية أتمّوا صلاتهم فرادى وذهبوا مكان الطائفة المقاتلة وهذا المراد بقوله سبحانه ((فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ )) وإنما قال بصيغة الجمع ولم يقل "من ورائك" باعتبار صلاة الطائفة الثانية مع الإمام، وهذا لا ينافي قوله بعد ذلك "ولتأتِ طائفة أخرى" إذ المراد كونهم وراء المصلّين باعتبار الأول ((وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ )) وهم الذين كانوا في الميدان ((فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ))، أي ليكونوا حذرين متأهبين للقتال آخذين اسلحتهم، ولعل إضافة كلمة "حذر" هنا بخلاف الجملة الأولى أن هجوم العدو على هؤلاء أقرب من هجومهم على الطائفة الأولى لأنه بمجرد الإنقسام الى الطائفتين وانسحاب طائفة من الحرب لأجل الصلاة لا يدرك العدو الأمر، ولذا لا يأخذ إستعداده الكامل للهجوم -بظن كون الجميع في حال القتال- بخلاف الأمر إذا طال الأمد وتبيّن الأمر وأن قسماً من المسلمين رفعوا أيديهم عن الحرب لأجل الصلاة، وإنما حكم بانقسام الجيش طائفتين لما بيّنه سبحانه بقوله ((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) من المحاربين لكم، أي تمنّوا ((لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ)) فلا تحملوها ((وَأَمْتِعَتِكُمْ )) فتبتعدون عنها ((فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ))، أي يحملون عليكم جملة واحدة وأنتم متشاغلون بأجمعكم بالصلاة فيقضون عليكم قضاءً حيث أصابوكم على غرّة بلا سلاح يقيكم ولا متاع يمدّكم، ولذا فقد أُمروا بأن ينقسموا طائفتين حالة الصلاة ويحملوا أسلحتهم وهم في الصلاة ((وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ))، أي لا حرج ولا إيجاب لحمل السلاح ((إِن كَانَ بِكُمْ )) أيها المجاهدون الذين تريدون الصلاة جماعة ((أَذًى )) وصعوبة ((مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ )) فلا تحملوها في حال الصلاة للإستراحة بقدر الصلاة من ثقل السلاح، أما المريض فواضح أذيّة السلاح له، وأما المطر فلأن هطوله يُثقل على الإنسان فإذا إجتمع مع السلاح كان أثقل وأتعب، وهكذا بالنسبة الى حمل الدرع الوحل حال السجود ونحو ذلك ((وَ)) لكن إذا وضعتم سلاحكم لجهة الأذى فـ ((خُذُواْ حِذْرَكُمْ ))، أي احترسوا عن هجوم الكفار حتى إذا هاجموكم تكونون على إستعداد لا أن تكونوا غافلين ((إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ ))، أي هيّء لهم ((عَذَابًا مُّهِينًا))، أي يذلّهم عذاباً في الدنيا بأيديكم وفي الآخرة بالنار والجحيم، قال في المجمع : وفي الآية دلالة على صدق النبي وصحّة نبوّته وذلك أنها نزلت والنبي بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلّى النبي وأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود فهمّ المشركون بأن يُغيروا عليهم فقال بعضهم أن لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من هذه -يعنون صلاة العصر- فأنزل الله عليه هذه الآية فصلّى بهم العصر صلاة الخوف.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:08 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 103
| ((فَإِذَا قَضَيْتُمُ ))، أي أدّيتم أيها المجاهدون ((الصَّلاَةَ )) المأتي بها على نحو الخوف ((فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا ))، أي في حال كونكم قائمين وقاعدين، وهما جمعان لقائم وقاعد ((وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ))، أي في حال الإضطجاع ((فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ )) وذهب الخوف ((فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ )) كاملة بحدودها وشروطها ((إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا ))، أي كُتبت كتاباً بمعنى فُرضت فريضة ((مَّوْقُوتًا))، أي ذات وقت محدود لأدائها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 104 | ثم كرّر سبحانه الحثّ على لزوم الجهاد فقال ((وَلاَ تَهِنُواْ )) من وَهَن يهن بمعنى ضعف، أي لا تضعفوا ولا تكاسلوا ((فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ ))، أي طلب الكفار ومحاربتهم ((إِن تَكُونُواْ )) أنتم أيها المسلمون ((تَأْلَمُونَ )) مما ينالكم من الجرح والمشقة في الحرب ((فَإِنَّهُمْ ))، أي القوم الكفار ((يَأْلَمُونَ )) مما ينالهم من الجرح والمشقة ((كَمَا تَأْلَمونَ )) فكلاكما سواء في التألّم ((وَتَرْجُونَ)) أنتم أيها المؤمنون ((مِنَ اللّهِ ))، أي من قِبَل الله سبحانه الفتح والظفر والثواب ((مَا لاَ يَرْجُونَ)) هم فأنتم أولى وأحرى أن تطلبوهم وتجدوا في قتاالهم من أولئك حيث ليس لهم وعد بالنصر ولا بالثواب ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا )) بكم فأنتم بعلم الله سبحانه -كما تعتقدون- وهم وإن كانوا بعلم الله لكنهم لا يعتقدون بذلك ((حَكِيمًا))فأوامره ونواهيه عن تدبير وتقدير، ورد أن المسلمين قالوا يوم أُحُد للمشركين : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فقال أبو سفيان : نحن لنا العُزّى ولا عُزّى لكم، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمسلمين : (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم)، فقال أبو سفيان : أُعلُ هُبَل -بعد ما رفعوه فوق فرس وأخذوا يتظاهرون حوله، فقال رسول الله للمسلمين : (قولوا الله أعلى وأجل)، وروى القمّي أن الآية نزلت بعد رجوع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من واقعة أُحُد فإن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما رجع الى المدينة نزل جبرئيل (عليه السلام) فقال : يامحمد إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها على ما بهم من الألم والجراح.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 105 | وذكر جملة من الأحكام المتعلقة بالحرب والجهاد يرجع السياق الى ما تقدّم من لزوم العدل في الحكم كما قال (إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) فإن الجهاد لم يُشرّع إلا للعدل، والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يُبعث إلا لإقامة العدل ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ )) يارسول الله ((الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ))، أي إنزالاً مقارناً بكونه بالحق فإن الإنزال قد يكون بالباطل إذا كان من غير المستحقّ وبما هو باطل ((لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ )) من الشريعة العدلة ((وَلاَ تَكُن )) يارسول الله ((لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا))، أي لأجل الخائنين خصيماً على الأبرياء بمعنى لا تأخذ جانب الخائن على البريء فتُعطي الحكم للمجرم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 106 | ((وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ ))، أي أُطلب غفرانه، وهذا تنبيه للأمة حيث يريدون القضاء، فإنّ القضاء يحتاج الى ستر الله سبحانه حتى لا يزلّ القاضي ((إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)) يستر العيوب ويرحم المسترحم، وقد ورد في سبب نزول هاتين الآيتين وما بعدهما ما مجمله أن بني أُبيرق المسمون بشيراً ومبشراً وبشراً وكانوا منافقين نقّبوا على عم قتادة بن النعمان فأخرجوا طعاماً وسيفاً ودرعاً، فشكى قتادة ذلك الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال بنو أبيرق : هذا عمل لبيد بن سهل، وكان لبيد مؤمناً فخرج عليهم بالسيف وقال : أترمونني بالسرق وأنتم أولى به منّي وأنتم المنافقون تهجون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتنسبون الهجاء الى قريش، فداروه ثم جاء رجل من بني أبيرق وكان منطقياً بليغاً الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : إن قتادة عمد الى أهل بيت منّا اهل شرف وحسب ونسب فرماهم بالسرق، فاغتمّ رسول الله وعاتب قتادة عتاباً شديداً، فاغتمّ قتادة وكان بدرياً، فنزلت الآيات تبرّئ قتادة وتُدين بني أبيرق، فبلغ بشير ما نزل فيه من القرآن -وأنه الخائن- فهرب الى مكة وارتدّ كافراً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 107 | ((وَلاَ تُجَادِلْ )) يارسول الله، وكون النهي للرسول لا ينافي مقام العصمة، إذ النواهي تتوجّه الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما تتوجّه الى سائر المسلمين، والأوامر تعنيه كما تعني غيره ((عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ )) إختان بمعنى خان، أي لا تخاصم عن طرف الخائنين الذين يخونون ((أَنفُسَهُمْ )) فإن الإنسان إذا صرف نفسه في المعصية فقد خانه لأنها وديعة يجب أن تُردّ، وردّها بصرفها في الطاعة شيئاً فشيئاً حتى ينتهي الأمد ويأتي الأجل ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا)) هو فعّال من الخيانة ((أَثِيمًا))، أي عاصياً، ومعنى "لا يحب" يكره لأنه لا واسطة فالعاصي مكروه والمطيع محبوب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 108 | ((يَسْتَخْفُونَ )) من "استخفى" بمعنى كتم، أي يكتمون أعمالهم السيئة ((مِنَ النَّاسِ )) فإن السُرّاق في قصة بني أبيرق كانوا يكتمون عملهم من الناس خوف الفضيحة ((وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ ))، أي لا يكتمون عملهم الإجرامي من الله، ومعنى الإستخفاء من الله عدم العمل لا العمل مكتوماً عنه، إذ لا يخفى عليه سبحانه خافية، وإنما جاء لفظة "يستخفون" للمقابلة نحو (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) ((وَهُوَ مَعَهُمْ ))، أي والحال أن الله تعالى معهم بالإحاطة والعلم فهو يعلم أقوالهم وأعمالهم ((إِذْ يُبَيِّتُونَ ))، أي يدبّرون بالليل ((مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ )) فإن أبناء أبيرق دبّروا بالليل أقوالاً وطبخوها ليتظاهروا بتلك الأقوال عند الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمين ((وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)) فهو مطّلع على أقوالهم محيط بأعمالهم، ومعنى الإحاطة العلم الشامل بحيث لا يفوته شيء كالمحيط بالشيء الذي لا يخرج منه جانب من جوانب الشيء المُحاط.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:09 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 109
| ((هَاأَنتُمْ )) "ها" للتنبيه هنا، وفي "هؤلاء" ((هَؤُلاء ))، أي أنتم الذين دافعتم و((جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ))، أي عن أولئك المجرمين الذين سرقوا ((فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) هنا حيث يمكن الإخفاء والمجادلة بما يظن الناس أنه حق وفي الواقع باطل ((فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) إستفهام إنكاري، أي ليس هنالك من يجادل عن جانبهم في محضر عدل الله سبحانه الذي يطّلع على السرائر والواقعيات ((أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)) يتوكّل عنهم في إنقاذهم من عملهم الذي صنعوه خُفية، والإستفهام في معنى الإنكار، أي ليس هناك وكيلاً يدافع عنهم، ولعل الفرق بين "من يجادل" و"من يكون" أن المجادل لا يلزم أن يكون وكيلاً فقد يوكل الإنسان من يدافع عنه وقد يدافع عنه شخصياً تبرعاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 110 | ثم بيّن سبحانه أن لا يأس من روح الله وأن الآثم لا يظن أنه إنقطعت الصلة بل باب التوبة مفتوحة ((وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا )) باتيان معصية تتعداه الى غيره كالزنا والسرقة ((أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ )) بمعصية لا تتعجاه كشرب الخمر وترك الصلاة، ومن المعلوم أن كل ظلم للنفس وكل سوء ظلم، لكن حيث تقابلا في التعبير فرّقنا بينهما بما لعله المستفاد من السياق ((ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ )) يطلب غفرانه بما أمر من التوبة والتدارك إن كان العصيان له تدارك ((يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)) يغفر ذنبه ويتفضّل عليه بالرحمة والمنّ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 111 | ((وَ)) لا يظن الآثم أنه أضرّ الغير وربح بنفسه بل بالعكس فإنه ((مَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ )) إذ كل خير يفعله الإنسان يعود الى نفسه، وكل عصيان يأتي به يعود على نفسه (وإنما تُجزون ما كنتم تعملون) ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا )) بما يكسبه الإنسان ((حَكِيمًا)) في عقابه وثوابه يضع الأشياء مواضعها، فلا يظن أحد أنه يعصي ثم يفرّ من عدل الله أو أنه ما الفائدة من الخير الذي لا يعود نفعه إليه أنه سبحانه حكيم، وقد تقدّم أن الحكمة وضع الأشياء مواضعها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 112 | ((وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا )) لعل الفرق بينهما كون الأول لا عن عمد والثاني عن عمد، وهذا الفرق إنما هو في المقام حيث تقابلا وإلا فالخطيئة تُطلق على كل إثم ((ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا )) من رمى يرمي، أي ينسب ذنبه الى إنسان بريء -كما سبق في قصة ابن أبيرق- ((فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا ))، أي إثم البهتان وهو النسبة الى الناس كذباً ((وَإِثْمًا مُّبِينًا))، أي معصية واضحة، فهو يتحمّل إثمين إثم العمل وإثم البهت، وهذا لا ينافي ما احتملناه في الخطيئة إذ الخطأ ينقلب إثماً إذا تمادى الإنسان في توابعه ولم يتداركه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 113 | في بعض التفاسير أن وفداً من ثقيف قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقالوا : يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جئناك نُبايعك على أن لا نكسر أصنامنا بأيدينا وعلى أن نمتّع بالعزّى سنة، فلم يقبل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طلبهم وإنما قَبِلَ منهم الإسلام بجميع شرائطه فأنزل الله سبحانه ((وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ )) بتأييدك من لدنه وتثبيتك على الصحيح الحق ((لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ ))، أي قصدت وأضمرت جماعة من هؤلاء -والضمير عائد الى المقدّر نحو (لأبيه لكل واحد منهما السُدُس) ((أَن يُضِلُّوكَ )) بأن تُجيز لهم ما أرادوا، وقيل أن الآية من تتمّة قصة إبن أبيرق وما أراده المزكّى من تزكية السرّاق وإلقاء التهمة على البريء ((وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ )) إذ وبال كلامهم يعود الى أنفسهم، فهم يُزيلون أنفسهم عن الحق ويهلكونها لا أنهم يزيلونك ويهلكونك، ثم المراد بقوله "لولا" نفي تأثيرهم أولئك في الرسول لا نفي همهم، فالمراد أنه لولا فضل الله لأضلّوك، لا إن المراد لولا فضل الله لهمّت ((وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ )) فإنهم لا يضرّونك -بكيدهم- في الدنيا لأن الله ناصرك ولا في الآخرة ((وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ )) يارسول الله ((الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ))، أي علم وضع الأشياء مواضعها وتقدير الأشياء بأقدارها فأنت العالم بالأشياء الحكيم في التطبيق، فكيف يمكن إضلالك -كما هم أولئك- فإن الإضلال لمن لا يعرف الأشياء أو لا يتمكن من وضع الأشياء مواضعها ((وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ )) من الأمور الخارجية عن نطاق الكتاب، فإن الكتاب خاص بعلم بعض الأشياء -حسب الظاهر- ((وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ )) يارسول الله ((عَظِيمًا)) وارتباط الآية بما قبلها على القول الأول -أي كونها حول وفد ثقيف- كون القصتين من واد حيث حفظ الله الرسول في قصته السرقة وفي قصة الوفد حتى لا يقول ولا يعمل إلا بالحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 114 | وبمناسبة الحديث عن المؤامرات التي تجري في السر ويتناجى في شأنها المبيّتون، وحيث أن في مثل هذه القضايا لابد وأن يكثر النجوى وغالبه حول النقد والردّ والطعن، يذكر القرآن حكم النجوى وأنه ((لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ))، أي حديث بعضهم مع بعض سراً، وذكر "كثير" أما من باب المورد فإنه في مثل الموارد السابقة يكثر النجوى، وأما أن المراد الكثير ممن النجوى لا خير فيه، أما القليل الذي لابد لكل أحد حيث عنده بعض الأسرار التي لا يجب الإعلان بها فلا بأس به لكن الظاهر الأول وإن المفهوم مطلق النجوى كما قال سبحانه (إنما النجوى من الشيطان) ((إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ )) بأي قسم منها من المال على الفقراء أو الوقف أو الإحسان ((أَوْ )) أمر بـ ((مَعْرُوفٍ )) من أبواب البِر الذي يعرفه الناس -ومنه سُمّي المعروف معروفاً مقابل المنكر الذي هو ما ينكره الناس- ((أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ )) فإن الحاجة غالباً تدعوا الى إسرار بهذه الأمور لتكمل ولا يمنع عنها مانع ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ))، أي النجوى في هذه الأمور، أو المراد من فعل أحد هذه الأمور ((ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ))، أي طلب رضاه سبحانه ((فَسَوْفَ )) في القيامة ((نُؤْتِيهِ ))، أي نعطيه ((أَجْرًا عَظِيمًا)) مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر -كما هو كذلك في كل طاعة-.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:10 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 115
| وحيث تقدّم في القصتين مخالفة الجماعتين للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيما أرادوا بيّن سبحانه أن عاقبة المخالفة وخيمة ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ))، أي يخالفه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعنى المشاقّة أي يكون كل واحد في شق غير شق الآخر ((مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى))، أي ظهر له الحق وأن الرسول لا يقول ولا يعمل إلا بالحق -أما من قبل التبيين فالمشاق معذور لعدم تمام الحجة عليه- ((وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ))، أي غير طريقهم الذي هو دينهم، وهذا أعمّ من الأول وإن كان في مخالفة للدين مشاقّة للرسول بالنتيجة ((نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ))، أي نخلّي بينه وبين معتقده وعمله فلا نجبره على الرجوع لأن الدنيا للإختبار والإمتحان، والجبر ينافي ذلك كما قال سبحانه (لا إكراه في الدين) ((وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ )) من أصلاه يصليه، أي أدخله النار، أي نتركه في الدنيا على حاله وندخله يوم القيامة النار ((وَسَاءتْ )) جهنم ((مَصِيرًا))، أي محلاً يصير إليه المجرمون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 116 | وبمناسبة ذكر مشاقّة الرسول يبيّن سبحانه أنه لا يأس من رحمة الله تعالى، فمن تاب كان الله غفوراً فإذا أخطأ أحد فليرجع الى الله تعالى ليغفر ذنبه ويتوب عليه ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) إذا مات مشركاً كما دلّ الدليل ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ))، أي دون الشرك ((لِمَن يَشَاء )) إن تاب وإن لم يتب ذلك رهن إرادته سبحانه، والإرادة ليست إعتباطاً بل حسب النفسيات والأعمال والقابليات وما أشبه ((وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ ))، أي يجعل له شريكاً ((فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا))، أي عن طريق الحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 117 | ثم بيّن سبحانه وجه ضلال المشركين بصورة فردية قبيحة فقال تعالى ((إِن يَدْعُونَ ))، أي ما يدعون ويعبدون ((مِن دُونِهِ ))، أي من دون الله ((إِلاَّ إِنَاثًا )) جمع أنثى فإنهم كانوا يعبدون اللات والعزّى ومنات وأساف ونائلة، وكان لكل قبيلة صنم تعبده، وكانوا يسمّون الأصنام أنثى فيقولون أنثى قريش وأنثى تميم، وكان الشيطان يكلمهم منها أحياناً كما أن قسماً منهم كان يعبد الملائكة ويقول أنها بنات الله كما حكى سبحانه عنهم (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) ((وَإِن يَدْعُونَ ))، أي ما يدعون ((إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا))، أي مارداً، فإن المريد والمارد والمتمرد بمعنى واحد وهو العاصي العاتي، وكان عبادتهم للشيطان عين عبادتهم للأصنام إذ هي من صنع الشيطان وأمره فلا يستشكل بأنه كيف يجمع النفيين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 118 | ((لَّعَنَهُ اللّهُ ))، أي طرد الله الشيطان عن رحمته وقُربه، فهؤلاء يعبدون ويطيعون المطرود عن رحمة الله ((وَقَالَ )) الشيطان لله سبحانه حين طرده ((لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ ))، أي عبيدك ((نَصِيبًا مَّفْرُوضًا))، أي معلوما، والمراد من إتخاذه لهم إضلالهم وإغوائهم عن الإيمان والعمل الصالح، وقد كان يعلم الشيطان ذلك حين قال له سبحانه (فمن تَبِعَك منهم) و(لأملأنّ حهنّم منك وممن تَبِعَك).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 119 | ((وَلأُضِلَّنَّهُمْ )) عن طريق الهداية، وهذا أما عطف بيان لقوله "أتخذنّ" أو المراد من الإختصاص أي أختص بجملة من عبادك فأضلّهم ((وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ )) من الأُمنية، أي أُمنّيهم طول البقاء في الدنيا وحب الرئاسة والمال حتى يعصون ((وَلآمُرَنَّهُمْ )) بالوسوسة والإلقاء في قلوبهم ((فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ )) من بتّك ويبتّك بمعنى قطع يقطع، فقد كان المشركون يقطعون آذان الأنعام علامة على حُرمة ركوبها وأكلها وشرب لبنها، وكان ذلك حراماً إذ هو من المُثلة وقد قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (لا يُمثّل ولو بالكلب العَقور) كما إن تحريمهم كان بدعة وتشريعاً محرماً ((وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ )) من التغيّرات المحرّمة كخصاء العبد وفقئ عين الدابة والتمثيل بالأحياء والأموات وما أشبه ذلك، ومن الآية يُستفاد أن كلّ تغيير في الخلق حرام إلا ما دلّ عليه الدليل،، وبعد ما ذكر سبحانه بعض أقسام أمر الشيطان التي كانت دارجة في ذلك الزمان والى زماننا هذا جعل الكل في إطار عام وأعطى القاعدة الكلية المنطبقة على كل جزئي بقوله سبحانه ((وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا )) يلي أموره ويطيع أوامره ((مِّن دُونِ اللّهِ)) قيد توضيحي للتهويل لا أنه من الممكن الجمع بين إتخاذ الشيطان وإتخاذ الله سبحانه ((فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا))، أي خسراناً ظاهراً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 120 | ((يَعِدُهُمْ ))، أي يَعِد الشيطان أوليائه النصر والسعادة إن إتّبعوه ((وَيُمَنِّيهِمْ )) بالأماني الكاذبة الباطلة حتى يركنوا الى الدنيا ويتركوا الآخرة ويرجّحوا الشهوات على الأعمال الصالحة ((وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)) كل وعده غرور وكذب يغرّ به البسطاء الغافلين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 121 | ((أُوْلَئِكَ )) الذين اتخذوا الشيطان ولياً وناصراً ((مَأْوَاهُمْ ))، أي مرجعهم ومحلهم ((جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا ))أي عن جهنم -فإنها مؤنثة سماعية- ((مَحِيصًا))، أي مخلصاً ومهرباً من حاص بمعنى عدل وانحرف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 122 | هذا لمن اتخذ الشيطان ولياً، أما من اتخذ الرحمن ولياً ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) بما يجب الإيمان به من أصول الدين ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))، أي الأعمال الحسنة ((سَنُدْخِلُهُمْ )) قيل أن السين و"سوف" بمعنى واحد، وقيل أن السين للمستقبل القريب وتُستعمل الكلمتان بالنسبة الى الجنة باعتبارين : فباعتبار أن كل آت قريب تُستعمل السين ، وباعتبار فصل البرزخ الطويل تُستعمل "سوف" ((جَنَّاتٍ )) جمع جنّة وهي البستان، سمي بها لكونها مستورة بالأشجار من جنّ بمعنى ستر ومنه الجِن والجنين والجُنّة ((تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت أشجارها وقصورها ((خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )) لا إنقطاع لها ولا زوال ((وَعْدَ اللّهِ حَقًّا ))، أي وعد الله ذلك وعداً في حال كونه حقاً أو متصفاً بكونه حقاً لا خَلَفَ فيه ولا كذب ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً))، أي من حيث القول فهو أصدق القائلين خبيراً ومُخبراً، والإستفهام في معنى النفي، أي لا أصدق من الله، والسبب أن الإنسان مهما أوتي من الصدق فإنه قد يجهل وقد لا يقدر وقد يشتبه والله منزّه عن جميع ذلك.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:10 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 123
| ثم يبيّن السياق القاعدة الكلية للعمل والجزاء بعد ما بيّن ما لمن أشرك وما لمن آمن، فقال سبحانه ((لَّيْسَ )) أمر الثواب والعقاب والسعادة والخسران ((بِأَمَانِيِّكُمْ )) جمع أُمنيّة بمعنى رغبة النفس، فلا ينال الإنسان خيراً بالأماني فيما إذا كان عمله خلاف ذلك، والخطاب للمسلمين ((وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ )) في المجمع قيل : تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نبيّنا قبل نبيّكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم، فقال المسلمون : نبيّنا خاتم النبيّين وكتابنا يقضي على الكتب وديننا الإسلام، فنزلت الآية، فقال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء فأنزل الله الآية التي بعدها "ومن يعمل من الصالحات .." ففرح المسلمون ((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ )) فإن الذي ينفع عند الله هو العمل الصالح أما الأنساب والأحساب وما أشبه فلا تنفع إلا بقدر يرجع الى العمل أيضاً كما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (المرء يُحفظ في ولده) ولذا من عَمِل سيئاً جُزي به، وبما ذكرنا تبيّن أن حفظ نسب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما يرجع الى أتعاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة عليهم السلام ((وَلاَ يَجِدْ )) العامل للسوء ((لَهُ مِن دُونِ اللّهِ )) غير الله ((وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا))فلا أحد يتولّى أمره وينصره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 124 | ولما كان الأمر محتملاً لأن يشمل أهل الكتاب إذا لم يعملوا سوءاً المفهوم من الآية السابقة، ذكر سبحانه أن من شروط قبول الأعمال الخيّرة الإيمان الكامل ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ))، أي بعض الصالحات فإن الصالحات كلها لا يمكن أن يُؤتى بها (( مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى )) ولعل التنصيص هنا لإفادة العموم ولدفع وهم جرى التقاليد الجاهلية التي كانت تقضي بأكل الرجال ثمار الأعمال الطيبة للنساء وحرمان النساء عن الحقوق ((وَهُوَ مُؤْمِنٌ )) -بما في الكلمة من معنى- لا إيمان ببعض الأصول دون بعض ((فَأُوْلَئِكَ )) العاملون المؤمنون ((يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا))، أي قدر نقير وهو النكتة الصغيرة المنخفضة في ظهر النواة التي منها ينبت.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 125 | ثم بيّن سبحانه فوائد الإيمان ومزاياه وأنه أحسن من جميع الطرق والمذاهب ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا )) الدين هو الطريقة التي يسلكها الإنسان في حياته لأجل نيل السعادة، والإستفهام في معنى الإنكار، أي ليس أحد أحسن طريقة ((مِّمَّنْ أَسْلَمَ )) وأخضع ((وَجْهَهُ لله )) والمراد بالوجه الذات والنفس، وإنما ذكر الوجه لأن خضوع الوجه كاشف عن خضوع الذات، ومعنى إسلام الوجه الإيمان بالله حيث أنه إعترف به وخضع له ((وَهُوَ مُحْسِنٌ ))، أي يُحسن الأعمال فيتّبع الأوامر والنواهي، وإنما لم يكن أحد أحسن ديناً من هذا الإنسان لأن الإيمان إعتراف بالحقيقة الكبرى، والإحسان عمل بما هو الأصلح إذ ما يقرره الإله العليم الحكيم أحسن مما يقرره البشر الجاهل ذو الطيش والسفاه ((واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ))، أي طريقته ((حَنِيفًا ))، أي في حال كون إبراهيم (عليه السلام) مستقيماً في الالطريق عقيدة وعملاً، فإيمان وإحسان وإتباع طريقة صحيحة وقد تكرر في الكتاب والسنّة لزوم إتباع إبراهيم (عليه السلام) لأن دينه لم يكن تطرّق إليه التحريف الذي تطرّق الى كتابي الكليم والمسيح (عليهما السلام) بالإضافة الى أن موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) كانا بعد إبراهيم (عليه السلام) وأنه (عليه السلام) بصفته أب المسلمين العرب كان ذكره محفّزاً لهم على الإيمان أنه طريقة جدهم كما قال سبحانه (ملّة أبيكم إبراهيم) ((وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)) من الخِلّة بمعنى الحب والوِد لإبراهيم (عليه السلام) بإطاعته لله أن صار خليل الله، فما يمنع الناس أن يتّبعوا طريقة إبراهيم كي ينالوا حب الله ورضاه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 126 | وأخيراً فمن الأحسن إتباع طريقه الإله الذي له كل شيء وهو عالم بكل شيء ((وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) فهو المالك لكل شيء وإذا أراد الإنسان إتباع طريقة للنفع فليتبّع طريقة من له كل نفع ((وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا))، أي حاطة علمية لا يعزب عنه شيء وإحاطة بالقدرة إذا المُحيط بالشيء يقدر عليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 127 | قد سبق قوله سبحانه (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراكَ الله) وقد سبق الكلام في الآيات التالية حول هذا الموضوع مع شيء من الإستطراد ثم يأتي السياق ليبيّن بعض أحكام النساء فإنه من الحكم بين الناس بما أراه الله سبحانه ((وَيَسْتَفْتُونَكَ )) يارسول الله ((فِي النِّسَاء ))، أي يسألونك الفتوى -وهو تبيين المُشكل من الأحكام- فقد سألوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الواجب لهنّ وعليهنّ وكيفية معاشرتهنّ ((قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ))، أي في النساء وإنما نَسَبَ الجواب الى الله سبحانه لتقوية إفادة أن الحكم لا يصح إلا من الله سبحانه فليس لأحد أن يحكم إطلاقاً وقد سُأل مثل هذه الأسئلة في غير الأحكام فجاء الجواب بدون النسبة إليه تعالى نحو (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) و(يسألونك ماذا ينفقون) و(يسألونك عن الأهلّة) وهكذا (( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ )) عطف على "الله"، أي أن الفتوى في باب النساء تأخذونه من الله سبحانه -بما سيأتي- وتأخذونه بما تُليَ عليكم في القرآن -سابقاً- فقد سبق في ابتداء السورة (وإن خِفتم أن لا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) و(وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم) والحاصل أن الفتوى -أي تبيين مسائل النساء- يأتي فيما يقول الله وفيما سبق، ((فِي يَتَامَى النِّسَاء ))، أي البنات الصغيرات اليتيمات ((الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ ))، أي لا تعطونهنّ ((مَا كُتِبَ لَهُنَّ )) من الصِداق، فقد كان أهل الجاهلية لا تعطي اليتيمة صِداقها لتمنع هذه العادة، فقوله "في يتامى" متعلق بـ "ما يُتلى"، أي تأخذون الفتوى في أمر النساء من الله ومما تلي عليكم سابقاً في باب النساء اليتامى اللاتي تحرمونهنّ عن مهورهنّ ((وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ))، أي تريدون نكاحهنّ لأكل أموالهن، ثم إن قوله "وما يُتلى" بصيغة المضارع للإستمرار لا الإستقبال ((وَ)) ما يُتلى عليكم في ((الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ))، أي ما تقدّم في باب أمر الأيتام وهو قوله سبحانه "واتوا اليتامى أموالهم" فإنه عام يشمل اليتيمات أيضاً ((وَ)) ما يُتلى عليكم في ((أَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل كما تقدّم في قوله "وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى" والحاصل أنّ الله يُفتيكم وما تقدّم في القرآن من آيات اليتامى يُتيكم، ثم جمع سبحانه الكل في إطار عام فقال ((وَمَا تَفْعَلُواْ )) أيها المؤمنون ((مِنْ خَيْرٍ )) عدل وإحسان بالنسبة الى النساء ((فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)) يعلمه ويُجازيكم عليه بحسن الثواب.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:11 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 128
| ثم توجّه السياق الى بعض أحكام النساء إيفاءً لقوله سبحانه "قل الله يُفتيكم فيهنّ" وذلك حكم النشوز، فقد كانت بنت محمد بن سلمة عند رافع بن خديج وكانت قد دخلت في السن وكانت عنده إمرأة شابة سواها فطلّقها تطليقة حتى إذا أبقى من أجلها يسير قال : إن شئتِ راجعتكِ وصبرتِ على الأثرة وإن شئتِ تركتكِ، قالت : بلى راجعني وأصبر على الأثرة، فراجعها فنزلت ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ))، أي من زوجها ((نُشُوزًا )) إرتفاعاً عليها بأن لا يعاملها معاملة الأزواج بل يعاملها وكأنه أرفع منها ((أَوْ إِعْرَاضًا ))، أي يُعرِض عنها إطلاقاً أو طلاقاً ولقد خافت لظهور إمارات ذلك ((فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا ))، أي على الزوجين ((أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا)) الضمير في "يُصلحا" راجع الى الزوجين، أي يصطلحا فيما بينهما ((صُلْحًا ))، أي نوع من أنواع الصلح الجائز كان، فتتنازل هي عن بعض حقوقها ليبقى النكاح على حاله ولا تحصل الفرقة أو نحوها ((وَالصُّلْحُ )) بينهما ببقاء الزواج والأُلفة ((خَيْرٌ )) من الإفتراق والشقاق ((وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ )) الشُّح البخل وعدم التنازل عن الحقوق ، أي إن الأنفس يخلطها الشُّح فلا هي ترغب أن تتنازل عن بعض حقوقها لتبقى الأُلفة ولا الزوج مستعد لأن يعاشرها معاشرة صالحة لئلا ينتهي الأمر الى الطلاق ((وَإِن تُحْسِنُواْ )) يُحسن أحد الزوجين الى الآخر ((وَتَتَّقُواْ )) فلا تفعلوا ما يوجب سخط الله، فإن الغالب أن يرتكب أحد الطرفين الحرام فيما حدث بينهما إصطدام ((فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) فيُجازيكم عليه ولا مفهوم للآية بأنه "إن لم تُحسنوا فلا يعلم الله" كما هو واضح بل الشرط أتى به للتحريض والترغيب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 129 | ثم ذكر سبحانه حكم تعدد الأزواج وأنه لا يمكن التسوية بينهنّ في الحب والوداد، فإذا كان الميل القلبي يميل كلياً الى جهة فاللازم حفظ العدالة بين الزوجات لئلا تبقى ببعضهنّ كالمعلّقة ((وَلَن تَسْتَطِيعُواْ )) أيها الرجال -أبداً- ((أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء )) عدالة في المودة والحب فإنه ليس بأيديكم، ولابد أن تكون بعض النساء أقرب الى قلوبكم من بعض ((وَلَوْ حَرَصْتُمْ )) في العدالة القلبية ((فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ )) الى جانب إمرأة من زوجاتكم المتعددة ((فَتَذَرُوهَا))، أي المرأة التي لا تميلون إليها ((كَالْمُعَلَّقَةِ )) التي علقت فلا هي مستريحة بالزوج ولا هي مستريحة بعدم الزوج فيتكون في عذاب وشقوة، وإذا لم يكن باستطاعتكم العدالة فباستطاعتكم عدم الميل الكلي، وقد روي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه كان يقسّم بين نسائه ويقول : (اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وقد ورد أنه سُئل الصادق (عليه السلام) عن الجمع بين هذه الآية وبين وقله (وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) فقال : (أما قوله "فإن خفتم ألا تعدلوا" فإنه عني في النفقة وأما قوله "ولن تستطيعوا أن تعدلوا" فإنه عني في المودة فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة) ((وَإِن تُصْلِحُواْ )) بالتسوية في القسمة والنفقة الواجبتين ((وَتَتَّقُواْ )) باجتناب المحرّمات وذلك بترك الميل الكلي الذي نهى الله عنه ((فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا )) يغفر ما صدر منكم من الذنوب ((رَّحِيمًا)) يرحمكم بلطفه ويسبغ عليكم فضله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 130 | ((وَإِن يَتَفَرَّقَا ))فيما إذا ما اصطلح الزوجان بل طالبت هذه بكل حقوقها وأراد الرجل الميل فخيّرها بين الطلاق والتنازل عن بعض حقوقها فاختارت الطلاق فتفرّقا ووقع الإفتراق ((يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ )) من الزوجين ((مِّن سَعَتِهِ ))، أي سعة فضله ورحمته فليس بابه مرتجاً في وجه أيّ من الطرفين بل الرجل يستغني عن هذه المرأة بإمرأة أخرى وعيش آخر، والمرأة تستغني عن هذا الرجل برجل آخر وسعادة هنيئة، وفي هذه الجملة لفتة مشرقة لجبر إنكسار قلب الطرفين إذ من المعلوم أن كلاً منهما ينكسر قلبه حين الإفتراق ولو كان هو السبب للفراق ((وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا)) في فضله (( حَكِيمًا)) فيما يأمر وينهي ويفعل ويريد، ونسبة السِعة إليه مريداً به السعة في فضله مجاز.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 131 | ثم ذكر سبحانه أنه يملك كل شيء فهو يقدر على إغناء الزوجين من فضله ((وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) قد تقدّم أن المراد بـ "ما في" الأعم من الظروف والمظروف ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ((مِن قَبْلِكُمْ )) إشارة الى كون الوصيّة لم تزل من القديم ((وَإِيَّاكُمْ ))، أي وصّيناكم أيها المسلمون ((أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوا عقابه فاعملوا بالأوامر والنواهي ((وَإِن تَكْفُرُواْ )) كفراً في العقيدة بانكار الأصول، أو كفراً في الفروع بالعصيان ((فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) فلا يضرّه كفركم ولا ينفعه إيمانكم وعملكم ((وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا )) لا يحتاج الى إيمانكم ولا الى أعمالكم وإنما أنتم تحتاجون الى ذلك ((حَمِيدًا))، أي مستوجباً للحمد عليكم بصنائعه الحميدة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 132 | ثم يؤكد غناه سبحانه وأنّ له كل شيء بقوله ((وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) ليس شيء لغيره حتى إذا قطع عنكم رحمته تحصلون على ما تريدون من غيره ((وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً))، أي إنه أحسن وكيل وأكفى وكيل، فلا يحتاج الإنسان الى وكيل آخر إذا وكّله سبحانه في أمره، وقد قيل في وجه التكرير في الآية ثلاث مرات أن الأول لإيجاب طاعته حيث له كل شيء والمالك يجب طاعته على المملوك، والثاني لأن الخلق محتاجون إليه وهو الحميد المطلق فإنّ ذلك لا يكون إلا بمن له كل شيء، والثالث لبيان أنه يكفي توكيله -مطلقاً- فإنّ ذلك لا يكون إلا لمن يملك كل شيء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 133 | ((إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ )) أنه في غِنى عنكم وقدرته تعمّكم فناءاً وإيجاداً، فإن أراد أذهبكم وأفناكم وأهلككم ((وَيَأْتِ بِآخَرِينَ )) أُناساً آخرين يوجدهم من العدم ((وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)) يقدر على إنقاذه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:12 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 134
| ولقد كان المنافقون يتّبعون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للغنيمة وللتحفّظ على دنياهم، وحيث تقدّم أن لله ما في السموات والأرض ذَكّرهم بأن الإطاعة توجب خير الدنيا والآخرة فلِمَ لا يسلكون أنفسهم في سلكها ((مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ))، أي منافعها فإن الثواب من "ثابَ" بمعنى رجع، فإنّ الثواب جزاء العمل الصادر من الإنسان يرجع إليه ((فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ )) إذ يملك الجميع وبيده أزمّة الكل فلِمَ لا يطيعون حتى ينالوا الأمرين ((وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا )) لأقوالهم ((بَصِيرًا)) لأعمالهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 135 | ولما ذكر سبحانه أن عنده ثواب الدنيا والآخرة عقّبه بالأمر بالعدل وعدم الجور كي ينالوا الثوابين، وقد سبق الأمر بالعدل في قوله "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" فقال
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ )) قد تقدّم أن الخطاب إنما خُصّص بالمؤمنين لأنهم المنتفعون السامعون وإلا فالأوامر والنواهي عامة للجميع ((كُونُواْ قَوَّامِينَ )) جمع قوام وهو كثير القيام ((بِالْقِسْطِ)) هو العدل، أي كونوا دائمين في القيام بالعدل بأن تكون عادتكم على ذلك قولاً وعملاً، ولعل في ذلك إشارة تنبيه على ما اعتاده الناس من أنهم لابد وأن يزيغوا عن العدل إذا تمادت بهم الأزمان، ولذا نرى من الحكام من يتنزّه عن الجور في أول مرة ثم إذا امتدّ به الزمان زاغ وانحرف ((شُهَدَاء )) جمع شهيد ((لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ))، أي اشهدوا بالحق -لأجل أمر الله ورضاه- ولو كانت الشهادة في ضرركم ونفع الغير ((أَوِ )) على ((الْوَالِدَيْنِ ))، أي في ضررهما لنفع الغير إذا كان الحق مع الغير ((وَ)) على ((الأَقْرَبِينَ ))، أي من يتقرّب بكم بنسب فلا تميلوا عن الحق لنزوات أنفسكم أو ملاحظة الوالدين أو رعاية الأقربين ((إِن يَكُنْ )) المشهود له أو المشهود عليه ((غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا )) فلا تشهدوا للغني أو للفقير باطلاً مراعاة لغناه أو رعاية لفقره شفقة عليه ((فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا )) أنه سبحانه أولى بالغني والفقير وانظر لحالهما من سائر الناس، ومع ذلك فقد أمَرَكم بالشهادة على الحق فلابد من ملاحظة أمره لا مراعاة الغني لغناه أو الفقير شفقة عليه ((فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى ))، أي هوى النفس في الحكم الجائر ((أَن تَعْدِلُواْ ))، أي لإن تعدلوا، وذلك كقولهم : لا تتّبع هواك لترضي ربك، أو المعنى : لا تتّبعوا الهوى في أن تعدلوا من الحق ((وَإِن تَلْوُواْ )) من لوى يلوي بمعنى الإنحراف، أي أن تنحرفوا أيها المؤمنون -في حال الحكم- عن الحق ((أَوْ تُعْرِضُواْ )) عن الحق إطلاقاً، ولعل الفرق أن الليّ الإنحراف اليسير والإعراض الإنحراف مطلقاً ((فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) فيعلم الإنحراف والإعراض ويجازيكم عليهما كما يعلم إقامتكم للحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 136 | ثم أنه سبحانه بعد أن ذكر لزوم القيام بالقسط بيّن لزوم الإيمان الحقيقي عن قلب وعقيدة الذي لا يكون القيام بالقسط إلا إذا توفّر في الإنسان ذلك الإيمان ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ )) في الظاهر فإن الخطاب موجّه الى كل من أظهر لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن المعلوم أن كثيراً منهم كانوا مؤمنين لفظاً فقط ((آمِنُواْ )) إيماناً راسخاً من عقيدة وجوانح ((بِاللّهِ وَرَسُولِهِ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَ)) آمنوا بـ ((الْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ )) وهو القرآن الكريم ((وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ))، أي جنس الكتاب، فقد كان من شرائط الإيمان بكتب الله جميعاً ((وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ )) بأن يجحدهم أو يعاديهم أو يُنزلهم عن المنزلة اللائقة بهم ((وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ )) وإن كان بجحد أحد من الرسل أو أحد من الكتب ((وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) بأن جحد أو شكّ في المعاد ((فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا)) عن الحق كمن يضل الطريق ويبعد عنه كثيراً وذلك في قبال من يعمل محرماً أو ما أشبه فإنه قد ضلّ ضلالاً لكن لا بذلك البُعد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 137 | وبعدما ذكر سبحانه لزوم الإيمان واقعاً بيّن حالة أولئك الذين لا يؤمنون إلا سطحاً، ولذا يميلون مع كل جانب قوي فإذا قوى الإسلام آمنوا فإذا ضعف كفروا، وهكذا يتراوحون بين الإيمان والكفر حتى يموتوت وهم كفّار لتغلّب الطبيعة الكافرة فيهم ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ )) أما كفراً باللفظ أو بالقلب، فإن كثيراً من الأشخاص الذين يقدمون على الإيمان يقدمون عليه سطحياً وبمجرد هبوب ريح يكفرون قلباً وإن بقوا في الظاهر مؤمنين ((ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ )) وهذا من باب المثال وإلا فليس للتكرر أربع مرات مزية لا توجد في المرتين أو في الست أو ما أشبه ((ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا )) بأن تطبّعت قلوبهم بالكفر فلم يؤمنوا ((لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ )) لأنهم بقوا كافرين و('ن الله لا يغفر أن يُشرك به) ((وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً))، أي طريقاً الى الجنة والخلاص كما قال سبحانه (ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم) ويحتمل أن يكون المعنى أنه يخذلهم في الدنيا ولا يلطف بهم عقوبة لهم على كفرهم فلا يهتدون الى الحق بعد ما تكرر منهم الإيمان والكفر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 138 | ((بَشِّرِ )) يارسول الله ((الْمُنَافِقِينَ )) الذين هم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر -خلافاً لما تقدّم من قوله (ياأيها الذين آمنوا آمِنوا)- والبشارة هنا مجاز للإستهزاء كما يُقال للزنجي كافور ((بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) يؤلمهم جسدياً ونفسياً، ولعل هذه الآية تدل على كون الآية المتقدمة في شأن المنافقين، وأن المراد بالكفر الكفر القلبي الذي كانوا يتراوحون بين الإذعان والكفر مع التحفّظ على ظاهرهم في الإيمان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 139 | وبمناسبة النفاق ذكر سبحانه أظهر ميزات المنافق، فقال ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء )) وأحباء عن صميم قلبهم ((مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ))، أي لا يتخذون المؤمنين أولياء بل يعاملونهم معاملة ظاهرية فقط لتأمين حياتهم وإنما قلوبهم مع الكفار وميلهم إليهم ((أَيَبْتَغُونَ ))، أي هل يطلبون ((عِندَهُمُ ))، أي عند الكفار ((الْعِزَّةَ )) الدنيوية، فإن الغالب أن المنافق إنما ينافق تحفظاً على دنياه -أي على عزته المزعومة التي يجدها في ضلال الكفر وبمؤاخات وصداقة الكافرين- ((فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا)) إذ بيده الدنيا بجميع ما فيها فلو آمنوا حقيقة لكان لهم من العزّة ما ليس للمنافقين لأن دنياهم تعمر بالإضافة الى عزّتهم الظاهرية عند المؤمنين فإنّ المنافق منفور لا عزّة له عند الكتلة المؤمنة.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:12 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 140
| ثم ذكر سبحانه خصلة أخرى للمنافقين، فقد كانوا يُجالسون أهل الكتاب فيسخر أولئك من القرآن والرسول، والمنافقون ساكتون حيث يوافقونهم قلباً بخلاف المؤمنين الذين لم يكن أهل الكتاب يجرأون لمثل ذلك أمامهم، وهذا صفة المؤمن والمنافق في كل زمان ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ))، أي في القرآن في سورة الأنعام قوله (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) بمعنى أنه إذا خاضوا في غيره حال مجالستهم ((أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ )) أيها المسلمون ((آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا )) والفرق بينهما واضح فإن الكفر بها والإستهزاء بها التمسخر منها ((فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ )) بل قوموا واذهبوا ((حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )) الخوض في الحديث الدخول فيه كالخوض في الماء، و"حتى" للغاية وهي غير داخلة في المعنى، يعني يجوز لكم مجالستهم إذا خاضوا في حديث غير الكفر بالآيات والإستهزاء بها ((إِنَّكُمْ )) أيها المسلمون إذا جالستم الكفار وهم يكفرون ويستهزؤون ((إِذًا مِّثْلُهُمْ )) حيث لم تنكروا عليهم مع قدرتكم على الإنكار، ومن رضِيَ بعمل قوم قلباً أو تظاهراً فهم منهم ((إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ )) الذين أبطنوا الكفر ((وَالْكَافِرِينَ )) الذين أظهروا الكفر ((فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)) لأن كليهما كافر وإن كان في الظاهر تجري أحكام الإسلام على المنافق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 141 | ثم وصف سبحانه المنافقين بما هي السمة الظاهرة لهم في كل حال وزمان ((الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ )) التربّص الإنتظار، يعني أنهم ينتظرون لأموركم ويراقبون أحوالكم ((فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ )) بالظفر والغَلَبة والغنيمة ((قَالُواْ ))، أي أولئك المنافقون ((أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ )) أيها المؤمنون، فإنّا آمنّا وغزونا وصلّينا وعملنا تحت لواء الإسلام يريدون بذلك التحفّظ على أنفسهم في مستوى المؤمنين جاهاً واغتناماً ((وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ )) بأن تقدّم الكفار أو دارت الدائرة على المؤمنين ((قَالُواْ )) أولئك المنافقون للكافرين الذين كان لهم نصيب ((أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ))، أي نسيطر عليكم ونرشدكم مواقع صلاحكم ((وَنَمْنَعْكُم مِّنَ )) بأس ((الْمُؤْمِنِينَ )) بدلالتكم على مواقع الهَلَكة، وكنّا نُلقي الرعب في قلوب المؤمنين منكم حتى نلتم أيها الكافرون ما نلتم بسببنا، ولذا فلنا ما لكم يريدون بذلك تشريك أنفسهم في جاه الكفار وأرباحهم ((فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ )) أيها المسلمون الذين فيكم المُخلص والمنافق (((يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) حتى يميّز بينكم ويعطي كلاًّ جزائه، ثم لا يظن المسلمون أنّ المنافقين يتمكنون بنفاقهم أن يُحدثوا ثغرة فيهم فإن الكافر لا يسلّط على المؤمن أبداً لا في الحجة ولا في غيرها ما دام المؤمنون ملتزمون بشرائط الإيمان عقيدة وعملاً ((وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ )) أبداً ((لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً))، نعم إذا خرج المؤمنون عن شرائط الإيمان عقيدة أو عملاً صار للكفار عليهم سبيل، وقد نرى في طول التاريخ أنه لم يغلب الكفار على المؤمنين إلا إذا خرج المؤمنون عن طاعة الله ورسوله كما رأينا في قصة أُحُد حين ترك الرماة مواقفهم، وهذا لا ينافي تسلّط بعض أفراد الكفار على بعض أفراد المؤمنين قتلاً ونحوه لأن قضية "لن يجعل" طبيعية كسائر القضايا الواردة في أمثال المقام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 142 | ولما ذكر سبحانه أن المنافقين يتراوحون بين المؤمنين والكافرين لإرضاء كليهما ولأن يهيّئوا لهم حياة سعيدة مهما تقلّبت الظروف والأحوال بيّن أن خداعهم هذا لا ينطلي على الله سبحانه ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ )) حيث يُظهرون الإيمان لحقن أموالهم ودمائهم وأعراضهم بينما هم كفار غير مؤمنين ((وَهُوَ خَادِعُهُمْ )) إذ يلزمهم أحكام المسلمين في الدنيا ويجزيهم جزاء الكافرين في الآخرة ((وَ)) من صفاتهم الظاهرة أنهم ((إِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى )) جمع كسلان، أي متثاقلون لأنهم لا يعتقدون بالصلاة حتى يقوموا إليها قيام نشاط وفرح كما يقوم المؤمنين إليها ((يُرَآؤُونَ النَّاسَ ))، أي إن أصل عملهم لأجل الرياء وإن يُظهروا للمؤمنين أنهم مسلمون لا لأجل الله ولذا لو تمكنوا من تركها تركوها ((وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)) في مواقع الشدة والمحنة، كما قال سبحانه (فإذا ركبوا في الفُلك دعوا الله مخلصين) بخلاف المؤمنين الذين يعتقدون بالله فإنهم دائم الذكر له.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 143 | ((مُّذَبْذَبِينَ )) يُقال ذبذبته أي حرّكته، أي إن المنافقين مردّّدين ((بَيْنَ ذَلِكَ )) المجتمع المنقسم الى المؤمن والكافر ((لاَ إِلَى هَؤُلاء )) المؤمنين، أي لا مع هؤلاء تماماً ((وَلاَ إِلَى هَؤُلاء)) الكافرين، ودخول كلمة "الى" باعتبار أن مَن يكون مع قوم ينتهي إليهم في حركاتهم وسكناتهم بخلاف المنافق الذي هو في الوسط لا ينتهي الى أحد الجانبين ((وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ)) وإضلاله بترك لُطفه الخاص به بعد ما أراه الطريق فلم يسلكه، وقد تقدّم معنى الإضلال من الله ((فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)) الى الحق لأنه وإن على قلبه ما كسبه من السيئات والإعراض عن الإيمان بالله والعمل الصالح.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 144 | ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء ))، أي أنصاراً وأخلاّء يتولّون شؤونكم ((مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )) بأن تتركوا ولاية المؤمنين الى ولاية الكافرين ((أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا)) السلطان الحُجّة ، والمبين بمعنى الواضح، فينكّل بكم حيث انحرفتم عن طريقته الى طريقة الكفار، إن المنافقين قد اتّخذوا الكافرين أولياء فأنتم أيها المؤمنون لا تكونوا مثلهم لتتم عليكم الحجّة فيصح عقابكم لأنه بعد البيان والإنذار والإستفهام بمعنى الإنكار، أي لا تجعلوا لله سلطاناً عليكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 145 | ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ))، أي في الطبق الأسفل، وذلك لأن المنافق شرّ من الكافر إذ هو كافر بإضافة أنه في المسلمين فيطّلع على عوراتهم ويُجري الأعداء عليهم، وفي آية أخرى قال تعالى بالنسبة الى المنافقين (هم العدو فاحذرهم) على نحو الحصر، ولعل السبب في قبول المنافق بعد العلم بباطنه رجاء زوال نفاقه وأنه لو وُكّل الأمر الى الناس لأخذوا كثيراً من المؤمنين بأنهم منافقون ((وَلَن تَجِدَ )) يارسول الله ((لَهُمْ ))، أي للمنافقين ((نَصِيرًا)) من بأس الله وعقابه.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:13 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 146
| ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ )) من نفاقهم ((وَأَصْلَحُواْ )) نيّاتهم وأعمالهم كسائر المؤمنين ((وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ ))، أي أخلصوا طريقهم لله بخلاف المنافق الذي يبّعض في طريقته فيعضها لله وبعضها للأصنام ((فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ )) في دنياهم وآخرتهم ((وَسَوْفَ )) في الآخرة ((يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) هو النعيم والمقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 147 | ولما ذكر سبحانه أن المنافقين في الدرك الأسفل بيّن أنه ليس من حاجة له الى عذاب أحد وإنما ذلك لسوء صنيعهم فلو بدّلوا صنيعهم لكان خيراً لهم ((مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ )) أيها الناس، والإستفهام في معنى الإنكار، أي لا حاجة الى عذابكم إذ لا ينتفع الله بذلك كما لا يتضرّر بتركه ((إِن شَكَرْتُمْ )) نعمه سبحانه ((وَآمَنتُمْ )) إيماناً صحيحاً ((وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا )) لمن شكر، ومعنى كونه شاكراً أنه يفعل فعل الشاكر من الحفاوة بالنسبة الى المشكور له ((عَلِيمًا)) بكم وبأعمالكم فلا يفوته شيء منها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 148 | وحيث تقدّم الكلام حول النفاق وهو شيء ربما إشتبه فيه الناس، ولذا نراهم يرمي بعضهم بعضاً بالنفاق بيّن سبحانه أنه لا يجوز أن يجهر الإنسان بالقول السيّء بالنسبة الى أحد إلا إذا كان الإنسان الجاهر مظلوماً فإنه يحقّ له أن يجاهر بظلامته فلا يحقّ لأحد أن يُبدي عورة غيره حتى فيما إذا عَلِم فكيف بما لو ظنّ أو وَهم، وفي آية أخرى (إجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظنّ إثم) ((لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ )) بأن يقول القول السيّء بالنسبة الى غيره جهراً أمام الناس، ومعنى "لا يحب" أنه يكره ذلك ((إِلاَّ مَن ظُلِمَ )) فإنه يحق له أن يذكر ظلامته أمام الناس ((وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا )) يسمع ما يجهر به الإنسان من القول السيّء في غيره ((عَلِيمًا)) بصدق الصادق وكذب الكاذب فيُجازي كلاًّ حسب جزائه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 149 | وإذ ذكر تعالى جواز الجهر بالسوء لمن ظلم بيّن أن إبداء الخير وإخفاء السوء أحسن فإن ذلك من صفات الله سبحانه العفوّ القدير الذي يعفو مع قدرته ((إِن تُبْدُواْ ))، أي تُظهروا ((خَيْرًا ))، أي حسناً جميلاً لمن أحسن ((أَوْ تُخْفُوهُ ))، أي تتركوا إظهار الخير، أو المعنى تعزموا عليه أي تنووه، ولعل الثاني أقرب ((أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ )) فلا تنتقموا ممن أساء إليكم مع قدرتكم على الإنتقام، ففي المقام لا تجهروا بالقول السيّء بالنسبة الى من ظلمكم ((فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا)) كثير العفو عن خلقه ممن أساء وظلم ((قَدِيرًا)) على الإنتقام منهم فما أجدر أن يتّصف الخلق بصفة الخالق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 150 | ولما ذكر سبحانه في الآيات السابقة حال المنافقين أتمّ الكلام في الآيات التالية حول حال الكافرين والمؤمنين فإنّ الشأن أن الناس ينقسمون أمام الدعوة الجديدة الى مؤمن وكافر ومنافق بين أولئك ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ )) وإن كان كفراً برسول واحد، والتكفير أما بالإنكار أو نحو ذلك ((وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ )) لعل هي أنهم طائفة أخرى حيث أنهم يؤمنون بالله ويكفرون بالرُسُل فبهذه الصفة أنهم مفرّقون بين الله والإيمان وبين المُرسَل بالكفران ((وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ )) فإن هناك المنكِر المطلق والذي لا ينكر الله ولكن ينكر أنبيائه جملة والذي يبّعض في الأنبياء ((وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ )) الحق والواقع ((سَبِيلاً)) طريقاً لا الإنكار المطلق ولا الإذعان.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 151 | ((أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ))، أي حقيقة فلا يخرج إيمانهم ببعض عن كونهم كافرين كما قد ينطلق على بعض الذين لا يعرفون معيار الكفر والإيمان، فأيّ الكفر هو إنكار أحد الأصول والإيمان هو الإقرار بها أجمع ((وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ ))، أي هيّئنا لهم ((عَذَابًا مُّهِينًا)) يهينهم ويذلّهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 152 | ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ )) جميعاً ((وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ )) لفظة "أحد" إذا دخل عليه النفي أو كان في معناه أفاد العموم ولذا صحّ إدخال "بين" عليه ولا كذلك إذا كان للإثبات ((أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ )) الله ((أُجُورَهُمْ )) في الآخرة ((وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا )) يغفر ما صدر منهم من دين ((رَّحِيمًا)) يرحم بلطفه ورحمته.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 153 | وإذا تقدّم الكلام عن الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ومَن أظهرَ مصاديق أولئك أهل الكتاب الذين آمنوا بالأنبياء السالفة ولم يؤمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحجج واهية إنتقل السياق الى هؤلاء مبيّناً أنهم كاذبون في زعم الإيمان بموسى (عليه السلام) فإنهم كانوا يرهقونه (عليه السلام) بأسئلة وأعمال بشعة ((يَسْأَلُكَ )) يارسول الله ((أَهْلُ الْكِتَابِ )) والمراد هنا اليهود ((أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء )) كما جاء لموسى التوراة جملة مكتوبة لا أن تأتي الآيات على نحو الوحي، وفي بعض التفاسير أن كعب الأشرف وجماعة من اليهود قالوا : يامحمد إن كُنتَ نبيّاً فاتِنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة جملة ((فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ )) أفَهُم آمنوا بموسى (عليه السلام) لمّّا أتاهم الكتاب من السماء؟ كلا بل سئلوه شيئاً أكبر من ذلك ((فَقَالُواْ )) له (عليه السلام) ((أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً )) حتى نشاهده بأعيننا ((فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِـ)) سبب ((ظُلْمِهِمْ )) وتجرّئهم على ساحة قدس الله وجلاله فقد جاءت صاعقة وأماتتهم جميعاً -كما تقدّم في سورة البقرة- ((ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ )) إلهاً عبدوه من دون الله سبحانه ((مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ))، أي الأدلة الواضحة على الربوبية والنبوّة من نجاتهم من بني إسرائيل وتفريق البحر لهم وما رأوه من معاجز العصى وغير ذلك ((فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ )) بما تقدّم في سورة البقرة من أمرهم بقتل بعضهم بعضاً ولكن لم ينفعهم ذلك أيضاً بل بقوا معاندين قُساة جُفاة ((وَآتَيْنَا مُوسَى ))، أي أعطيناه ((سُلْطَانًا مُّبِينًا))، أي حُجّة واضحة تبيّن صدقِه ونبوّته ومع ذلك لم يؤمنوا.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:14 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 154
| ((وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ ))، أي جبل الطور حيث إقتلع جزء منه ورفع فوق رؤوس بني إسرائيل تخويفاً لهم حتى يأخذوا الأحكام ويقبلوا التعاليم ((بِـ)) سبب ((مِيثَاقِهِمْ ))، أي عهدهم لعل المراد حين إرادة أخذ الميثاق منهم ((وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ ))، أي باب القرية ((سُجَّدًا ))، أي في حال السجود، إسجدوا وادخلوا الباب ((وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ ))، أي لا تعتدوا ((فِي السَّبْتِ)) باصطياد السمك فقد كان ذلك محرماً عليهم ((وَأَخَذْنَا مِنْهُم ))، أي من أهل الكتاب المتقدّم ذكرهم ((مِّيثَاقًا غَلِيظًا))، أي عهداً أكيداً بأن يسمعوا الأوامر وينزجروا عن النواهي، وقد تقدّم بعض الكلام حول الأمور المذكورة في سورة البقرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 155 | ثم ذكر سبحانه أن اليهود بأعمالهم القبيحة استحقّوا عقاب الدنيا وعقاب الآخرة، أما عقاب الدنيا فتحريم الطّيبات عليهم، وأما عقاب الآخرة فالنار المهيّئة لهم، فقوله سبحانه "فبِما نقضِهم .." متعلّق بقوله "حرّمنا عليهم الميتة" ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ))، أي بسبب نقض اليهود معاهدتهم مع الله بأن يعملوا بكل ما في التوراة من الأحكام فإنهم لم يعملوا بغالب أحكامها أصولاً وفروعاً ((وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ )) التي أقامها على صدق أنبيائه ككفرهم بأدلّة نبوة عيسى (عليه السلام) ((وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ )) فإنهم كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً يقتلون وفريقاً يكذبون، وكلمة "بغير حق" للتكيد لا للتأكيد إذ قتل الأنبياء لا يكون بالحق أبداً ((وَ)) بسبب ((قَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ )) جمع أغلف، أي في غلاف من دعوتك يامحمد، فلا نفهم ما تقول كالشيء المغلّف الذي لا يصل إليه شيء من الخارج، فقد كانوا يقولون ذلك للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى لا يدعوهم الى الهدى، ثم ضرب سبحانه بجملة معترضة رداً لقولهم "قلوبنا غُلف" بقوله ((بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ )) فإن الإنسان إذا رأى الحق فأنكره وتكرر منه العصيان يكون قلبه في معزل عن الحق وصار الإنكار كالمَلَكة له فإنه يعرف الحق كلما رآه لكنه ينكره لا أنه لا يرى الحق -لأن قلبه في غلاف- وعلى هذا يكون معنى "بكفرهم" لسبب كفرهم ((فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً))إذ كلما يرتدع مَن صار الإنكار مَلَكة له عن غيّه وضلاله ثم إنّ نسبة الطبع الى الله تعالى أما لأنه خلق القلب كذلك بحيث يصير الأمر المكرر مَلَكة له وأما مجاز في النسبة يُراد بذلك تركهم وشأنهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 156 | ((وَبِـ)) سبب ((كُفْرِهِمْ )) بعيسى (عليه السلام) أو المراد الكفر المطلق كرّر تأكيداً أو هو إرهاص لقوله "وقولهم على مريم" يريد بذلك أنهم صاروا كفروا بسبب هذه التهمة لعظمتها ((وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ )) الصديقة المعصومة أم المسيح (صلوت الله عليهما) ((بُهْتَانًا عَظِيمًا)) حيث نسبوها الى الزنا لما وُلد عيسى (عليه السلام) منها من غير أب، عن الكلبي أن عيسى (عليه السلام) مرّ برهط فقال بعضهم لبعض : قد جائكم الساحر بن الساحرة والفاعل بن الفاعلة، فقذفوه بأمه، فسمع ذلك عيسى فقال : اللهم أنت ربي خلقتني ولم أُتّهم من تلقاء نفسي اللهم إلعن من سبّني وسبّ والدتي، فاستجاب الله دعوته فمسخهم خنازير.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 157 | ((وَ)) بسبب ((قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )) وهذا القول موجب لسخط الله تعالى لأنه (عليه السلام) رسوله، وقوله ((رَسُولَ اللّهِ )) أما قول اليهود على وجه الإستهزاء، وأما قول الله تعالى فليس مقول قولهم، وأما أنه إعتراف منهم بأن الرسول كما إعترف أهل الكوفة بأن الحسين إمام وقتلوه لهوى النفس ثم ردّهم الله سبحانه بقوله ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ )) لأنهم كانوا يقولون قتلناه صلباً ((وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ )) بأن ألقى شبه عيسى على بعض اليهود فقتلوا ذلك الشبيه لعيسى (عليه السلام) لا أنهم قتلوا نفس المسيح ((وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ))، أي في المسيح (عليه السلام) هل أنه قُتل أم لم يُقتل ((لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ )) فإنهم صاروا فرقين قسم يقولون لم نقتله وإنما قتلنا شبيهاً له ولم يكن قولهم عن يقين وإنما عن شك وتردد ((مَا لَهُم بِهِ))، أي لهؤلاء القائلين بقتله ((مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ )) هذا الإستثناء منقطع فإنه كثيراً ما يُستثنى من أصل الكلام لا من قيوده فكأنه قال هنا : ما لهم من حالة نفسية حول هذا الموضوع إلا إتباع الظن، فمن يقول قتلناه يظن ذلك لا أنه يستيقن ولا يخفى أن الشك بمعناه اللغوي يلائم الظن وليس الشك بمعنى تساوي الطرفين حتى ينافر الظن الذي بمعنى ترجيح أحد الطرفين ((وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا))، أي باليقين والقطع لم يقتلوا عيسى (عليه السلام).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 158 | ((بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ ))، أي الى محل تشريفه وهو السماء فإنه قد ثبت في علم الكلام أنه سبحانه لا محل له ثم أن رفعه الى السماء يمكن أن يكون في بعض الكواكب فإنها -كما في الحديث- مدن كمدنكم ((وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا )) ذا عزّة وسُلطة يتمكن مما أراد وأمر ((حَكِيمًا)) يضع الأشياء مواضعها وتقديراته عن حكمة وبصيرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 159 | ((وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ))، أي ما أحد من أهل الكتاب من اليهود ((إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ))، أي بالمسيح (عليه السلام) ((قَبْلَ مَوْتِهِ ))، أي قبل موت المسيح، فقد ورد أنه (عليه السلام) ينزل من السماء ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام) فيؤمن به كل يهودي، ومن المعلوم أن المراد بكل يهودي مَن كان في ذلك الوقت لا كل يهود العالم الذين ماتوا من قبل، وهذه العبارة عُرفية فيُقال : يعرف أهل البلد الفلاني جميعهم حتى إذا خرجت منها، يريد بذلك مَن كان منهم فيها لا كل من مات أو خرج قبل رحلته ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ )) المسيح (عليه السلام) ((عَلَيْهِمْ ))، أي على اليهود ((شَهِيدًا)) بأنه قد بلّغ رسالات ربه وأنهم آذوه وطردوه ولم يقبلوا منه وهناك إحتمال أن يعود ضمير "به" الى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي هو محل البحث عن الكفار، وضمير "موته" الى الكتابي، أي كل كتابي يؤمن بالرسول قبل أن يموت حين الإحتضار حيث ينكشف له الواقع.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:14 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 160
| ولما ذكر سبحانه اليهود قال ((فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ ))، أي بسبب ظلم اليهود لأنبيائهم ولأنفسهم ولغيرهم بما تقدّم أقسام الظلم ((حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )) فقد حلّلتُ قسم من الطيبات لهم لكنهم لما ظلموا حرّمنا عليهم تلك الطيبات جزاءاً على أعمالهم والمحرمات هي ما بيّن في قوله (وعلى اليذين هادوا حرّمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم ..) ((وَبِصَدِّهِمْ ))، أي بمنعهم ((عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا)) عطف على قوله "فبظلم" فإنهم كانوا يصدّون عن سبيل الله ويمنعون الناس عن التديّن بدين المسيح ومحمد (صلوات الله عليهما) كما كانوا يحرّفون التوراة حسب رغباتهم وأهوائهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 161 | ((وَ)) بـ ((أَخْذِهِمُ الرِّبَا )) وهو أخذ الزيادة من المقترِض فقد كانوا حراماً حتى في شريعتهم ولكنهم لم يكونوا يأبهون بالشريعة ((وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ ))، أي والحال أنهم كانوا قد نُهوا عن أخذ الربا ((وَ)) بـ ((أَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ )) فقد كانوا يأخذون الرشوة في الحكم ويسيطرون على أموال الآخرين بالمكر أو القوة ((وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ )) الذين لم يؤمنوا بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((عَذَابًا أَلِيمًا)) يؤلم أجسامهم وأرواحهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 162 | ولما ذكر سبحانه "للكافرين منهم" فهم أن بعضهم ليس كذلك وقد بيّن ذلك سبحانه بقوله ((لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ )) كعبد الله بن سلام وأصحابه الذين رسخوا في العلم وثبتوا فيه وعرفوا العلم حق المعرفة ((وَالْمُؤْمِنُونَ )) يعني أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويحتمل أن المراد به المؤمنون بموسى حقيقة مقابل سائر اليهود الذين إيمانهم مزيّف مكذوب ((يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ )) يا رسول الله من القرآن الكريم ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ )) من كتب موسى وعيسى (عليهما السلام) بخلاف اليهود الذين لم يؤمنوا إطلاقاً وكان إيمانهم بالتوراة كذباً كما قال سبحانه (مَثَلُ الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمَثَلِ الحمار يحمل أسفارا)، وهنا قد يتسائل البعض : أن اليهود إن كان في طبيعتهم الإنحراف كما هو المشهور بين الناس والظاهر من وقله تعالى (فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة) وقوله (لتجدنّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود) ومن أعمالهم مع أنبيائهم وبالأخص موسى (عليه السلام) فكيف يمكن التخلّي عن هذه الطبيعة لهم وكيف يقبلون إذا أسلموا وكيف أمكن التفكيك بينهم حيث قال سبحانه "لكن الراسخون .."، والجواب : أن اليهود لهم جهتا إنحراف الأولى طبيعتهم المتحجّرة والثانية دينهم الباطل الذي يأمرهم بكل منكر وتقاليدهم البالية السخيفة، ومن المعلوم أن اليهودي إذا أسلم راضت طبيعته وصقلت بالإسلام كالجبان الذي يشجّع نفسه حتى تصبح له مَلَكة الشجاعة والفاسق الذي يسلك الصلاح حتى تحصل له مَلَكة العدالة، وكذلك تذهب تقاليده ودينه المحرّف فلا يكون هناك محفّز له على الإجرام والرذيلة بالإضافة الى أن الإنحراف ليس من طبيعة الكل مطلقاً بل الأغلب -كما لا يخفى- ((وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ)) عطف على "الراسخون"، أي الذين يقيمون الصلاة من اليهود، فإن لكل دين صلاة وإنما عطف بالنصب والقاعدة الرفع أي "المقيمون" لأنه نصب على المدح وهذا تفنّن في الكلام لإزالة الضجر النفسي الذي يحصل من سبك واحد، وقد كانت إقامة الصلاة الدائمة من أقوى العوامل للإيمان بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنها مذكِّرة مستمرة توجب مَلَكة طيّبة ((وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ )) فقد كان كل دين يأمر بالزكاة بمعناها الأعم ((وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) إيماناً حقيقياً لا صورياً -كما كان عند أغلب اليهود- ((أُوْلَئِكَ )) المتّصفون بهذه الصفات ((سَنُؤْتِيهِمْ )) في الآخرة ((أَجْرًا عَظِيمًا)) في جنات النعيم التي فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين وهم فيها خالدون، ويمكن أنّ الكلام من قوله "والمقيمين" إستئنافاً الى أن الراسخين في العلم من اليهود والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة -من المسلمين- أولئك نُعطيهم الأجر العظيم فلا يكون "المقيمين .." من صفات اليهود الراسخين في العلم وربما هذا الوجه نصب "المقيمين" كأنه أراد بيان الإنقطاع عما قبله وأنه في حُكم الضمير في "سنُؤتيهم" أي سنُؤتي المقيمين ... سنؤتيهم أجراً عظيماً كباب الإشتغال.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 163 | ثم ذكر سبحانه أن مجادلات اليهود باطلة وأن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوحِيَ إليه كما أوحي من قبله الى سائر الأنبياء، فقولهم بإنزال الكتاب عليهم بحيث إذ قد كثر في الأنبياء السابقين مَن أوحِيَ إليه فقال تعالى ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) يارسول الله، الوحي هو الإلقاء في القلب بواسطة مَلَك أو إبتداءاً بدون مَلَك في اليقظة أو المنام ((كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ))، أي من بعد نوح (عليه السلام) ثم ذكر بعض الأنبياء بالإسم تعظيماً وإن كانوا داخلين في عموم "النبيّين" ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ )) وقدّم "إسماعيل" لأنه أرفع شأناً من إيمان وإن كان الثاني أكبر سناً -كما هو المشهور- ((وَيَعْقُوبَ )) وهو حفيد إبراهيم إبن إسحاق جد اليهود كما إن إسماعيل جدّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَالأَسْبَاطِ ))، أي الأنبياء المبعوثون من أولاد يعقوب، ويُسمّون الأسباط لأنهم أحفاد يعقوب كيوسف وغيره (صلوات الله عليهم أجمعين) ((وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ )) ولم يذكر موسى (عليه السلام) لأنه نزل عليه الكتاب من السماء الذي كان محل إحتجاج اليهود -كما تقدّم- ((وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)) جمع زُبُر، أي شيئاً فشيئاً ولم ننزّل على هؤلاء الأنبياء كتاباً كاملاً بل أما وحياً وأما جزءاً -كداود (عليه السلام)-.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 164 | ((وَ)) أرسلنا ((رُسُلاً )) بالوحي إليهم ((قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ )) كيونس (عليه السلام) ((مِن قَبْلُ)) في سائر القرآن (( وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )) فقد كان عدد الأنبياء في القول المشهور مائة وأربعة عشرين ألفاً ((وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) فلم يكن كل ما أتاه بشكل الكتاب فموسى (عليه السلام الذي هو محل إحتجاج اليهود كان الله قد كلّمه والكلام قسم من الوحي ولا يخفى أن كلام الله سبحانه إنما هو بخلق الصوت في الفضاء لأنه سبحانه منزّه عن الجسمية ولوازمها.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:15 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 165
| ((رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ )) لمن آمن وأطاع بالثواب ((وَمُنذِرِينَ )) لمن كفر وعصى بالعقاب ((لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ )) إرسال ((الرُّسُلِ )) بل لله الحُجّة البالغة والمراد بـ "الناس" الغالب لا الكل إذ بعضهم لم تدركه الدعوة كما هو معلوم بالضرورة وصرّح بذلك بعض الأحاديث ((وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا )) مقتدراً للعقاب والثواب ((حَكِيمًا)) يفعل الأفعال عن مصلحة وحكمة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 166 | إن اليهود إن لم يشهدوا لك يارسول الله بالنبوّة بحُجّة مختلفة ((لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ)) وشهادة الله هو إجراء المعجزة على يد الرسول ولا يكون ذلك إلا لله وحده، والفرق بين السحر والمعجزة أن السحر توصِل بالأسباب الى مسبباتها ولو كانت الأسباب ختوماً وأوراداً والمعجزة خرق لنواميس الطبيعة بمجرد إرادة الرسول ومَن أتاه الله ذلك ولا يفرق بين الأمرين إلا أهل المعرفة فالرسول يتمكن من إحياء الميت بينما لا يتمكن الساحر من ذلك وهكذا (( أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ))، أي بعلمه أنك أهل النبوّة أو أنزله مقترناً بالعلم الذي من لدنه أو إن الإنزال كان معلوماً لله تعالى لا كما يأمر الآمر وهو غافل أو جاهل أو ناسٍ أو ساهِ، والأول أقرب (( وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ )) بما أُنزل إليك ولعل ذكر الملائكة تشريعي، أي بشهادة واقعية وإن لم يكن لها أثَر أو إن الأثَر نُصرة الملائكة كما رأوا في يوم بدر وكما ظهر بعض الآثار لنزول الملائكة ((وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا)) يشهد بأنك رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 167 | ثم ذكر سبحانه جزاء الكافرين بالرسول بقوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ ))، أي منعوا الناس عن الإيمان ومنعوا الإسلام عن التقدّم ((قَدْ ضَلُّواْ )) طريق الحق ((ضَلاَلاً بَعِيدًا)) متباعداً عن الطريق السوي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 168 | ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بالله ورُسله وما جائوا به ((وَظَلَمُواْ )) أنفسهم بالعصيان والناس بالحرمان عن طريق الهداية ((لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ )) إذا ماتوا على الكفر -كما يظهر القيد من سائر الآيات- ((وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً)) والمراد طريق الجنة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 169 | ((إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ )) جزاءً لما فعلوا من الكفر والظلم ((خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )) لا زوال للعذاب ولا إنقطاع، وقد يتسائل البعض ولِمَ العذاب الدائم مقابل العمل الذي كانت له مدة محدودة له؟ والجواب أن العذاب للشر الكامن الذي كان له مظهر وذلك باق أبداً ولذا قال سبحانه (ولو رُدّوا لعادوا لما نُهوا عنه) ((وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)) لقدرته الكاملة وسلطانه المطلق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 170 | ثم خاطب سبحانه جميع الناس بوجوب الإيمان والتنكّب عن طريق الكفر بقوله ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ )) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((بِالْحَقِّ ))، أي مجيئه بالحق أو بالدين إرتضاه الله لعباده ((مِن رَّبِّكُمْ ))، أي من طرفه وجانبه فربكم هو الباعث له وفيه تأكيد لوجوب القبول ((فَآمِنُواْ )) بما أتى به من الأصول وائتو ((خَيْرًا لَّكُمْ ))، أي خيراً يعود فائدته الى أنفسكم ((وَإِن تَكْفُرُواْ )) فلا تظنوا أن ذلك يضر الله تعالى ((فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) فلا ينقصه كفركم شيئاً ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا )) بمصالحكم ومفاسدكم فالرسول آتٍ بما هو الصلاح لكم ((حَكِيمًا)) في أمره ونهيه وتدبيره وتقديره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 171 | ثم توجّه السياق الى أهل الكتاب الذين تقدّم الكلام عنهم لكن هنا يُراد بهم النصارى فقط فقال سبحانه ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) الغلو هو مجاوزة الحد والإرتفاع ومنه غلى في دينه، أي تجاوز الحد الى الإرتفاع فقد كان المسيحيون يقولون بتعدد الآلهة الأب والإبن وروح القُدُس ويريدون بالأول هو الله وبالثاني المسيح وبالثالث جبرئيل (عليه السلام) ((وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ ))، أي لا تفتروا على الله بأن تقولوا أن الله أمَرَنا بعبادة آلهة ثلاثة أو المعنى لا تقولوا بالنسبة الى الله ما ينافي عظمته من قولكم أن له شريكاً ((إِلاَّ الْحَقِّ )) وهو أنه لا شريك له ولم يأمر إلا بذلك ((إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ )) قيل إنما سُمّي بالمسيح لأنه كان يمسح الأرض ويسيح في البلاد، و"عيسى بن مريم" بيان لقوله "المسيح" يعني أنه إبن مريم لا أنه إبن الله و"رسول الله" خبر لقوله "المسيح" ((وَكَلِمَتُهُ ))، أي كلمة الله وهذا تشبيه فكما أن المتكلم إذا قال الكلام حدث منه في الخارج شبه إلقاء كذلك الله سبحانه يلقي الأشياء الى الخارج فهي كلماته، ولذا يُقال للمخلوقات كلمات الله وإنما هنا للحصر الإضافي مقابل النبوة والإلوهية ((أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ))، أي أوجدها في رحمها الطاهرة بدون إزدواج وإقتراب من رجل ((وَرُوحٌ مِّنْهُ )) سبحانه والروح هو القوة -الطاقة- التي تتحرك وتحرّك الى أن عيسى روح من الله، ومن المعلوم أن الإضافة تشريفية نحو بيت الله ((فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ )) إيماناً صحيحاً بالإذعان بوحدته وأنه لا شريك له ولا ولد وأن المسيح رسول الكريم ((وَلاَ تَقُولُواْ)) أيها النصارى أن الإله ((ثَلاَثَةٌ )) أب وإبن وروح القُدُس ((انتَهُواْ )) عن هذا الكلام البشع وائتوا ((خَيْرًا لَّكُمْ)) في دنياكم وآخرتكم من التوحيد والتنزيه (( إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) لا شريك له فليس المسيح شريكاً له في الإلوهية فإن من كان له شريك لا يصلح أن يكون إلهاً إذ الشركة تلازم التركيب والتركيب يلازم الحدوث فإنّ كل مركّب لابد له من مركِّب وأجزاء سابقة ولو رتبة وما سبقه غيره ليس بإله ((سُبْحَانَهُ ))، أي أسبّحه سبحانه بمعنى اُنزّهه تنزيهاً ((أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ )) كما قال المسيحيون من أن المسيح إبن الله فإنه لو أُريد بالولد المعنى المتعارف مما يستلزم الولادة فإنّ ذلك من صفات الممكن لا من صفات الإله إذ لا يعتري التغيير على الإله وإلا كان حادثاً ولو أُريد المعنى التشريعي كما يقول الكبير لبعض الناس -إذا أراد تشريفهم- فلان ولدي فإن ذلك لا يجوز بالنسبة الى الله سبحانه إذ شؤونه كلها توقيفية فقد إذِنَ أن يُقال فلان خليله ولم يأذن أن يُقال إبنه أو ولده، والمراد بالآية هو المعنى الأول ((لَّهُ ))، أي الله تعالى ((مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ )) ومن يكون كل شيء مُلكه لا يمكن أن يكون شيء وَلَداً له إذ الولد جزء والجزء لا يكون مُلكاً لعدم أحقّيّة كون المالك المنفصل عنه من كونه المنفصل ((وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً)) للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في إنفاذ أمره وهو وعيد للقائلين بالتثليث.
|
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:16 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 172
| ثم ذكر سبحانه أن المسيح (عليه السلام) هو يعترف بأنه عبد الله فلِمَ يقول هؤلاء بأنه إبن الله أو شريك الله؟ ((لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ ))، أي لن يأنف عيسى (عليه السلام) ((أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ )) بل إعترف هو (عليه السلام) حين ولادته بذلك (قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب) ((وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ )) الذين قرّبهم سبحانه من ساحة لطفه ولعل هذا إشارة الى ردّ مَن زعم أنهم أولاد الله كما حكى سبحانه بقوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) ((وَمَن يَسْتَنكِفْ )) يأنف ويمتنع ((عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ )) فيرى نفسه أكبر وأعظم من أن يعترف لله بالعبودية ((فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا)) الحشر هو الجمع، أي يجمعهم يوم القيامة جميعاً ليُجازيهم باستكبارهم وإليه ليس للمكان لأنه سبحانه منزّه عنه بل المراد المحل المعدّ لقضائه وجزائه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 173 | ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ )) إيماناً صحيحاً ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))، أي الأعمال الصالحات ((فَيُوَفِّيهِمْ))، أي يُعطيهم كاملاً ((أُجُورَهُمْ )) التي وعد الله لهم ((وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ))، أي يزيدهم على ما كان وعدهم به من الجزاء على أعمالهم الحسنة تفضّلاً منه وكرما ((وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ )) عن عبادته وطاعته ((فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا ))، أي مؤلماً ((وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا )) يتولّى أمورهم ويُنجّيهم من عذاب الله ((وَلاَ نَصِيرًا)) ينصرهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 174 | ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ))، أي حُجّة ودليل يدلّكم على الحق ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا))، أي نوراً واضحاً هو القرآن فكما أن النور يهدي الإنسان الى طريقه في ظلمات الليل ونحوه كذلك القرآن يهدي الإنسان الى طرقه في ظلمات الحياة بهذا المعنى يعني (الله نور السموات والأرض).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 175 | ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ )) إيماناً صحيحاً كما أمَرَ العقل والشرع ((وَاعْتَصَمُواْ بِهِ ))، أي تمسّكوا بالله في أمورهم أو ضمير "به" يرجع الى النور ((فَسَيُدْخِلُهُمْ )) يوم القيامة ((فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ)) سبحانه سرحمهم بها ويتفضّل عليهم بالجنة ((وَفَضْلٍ ))، أي زيادة على ما استحقّوا ((وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ ))، أي يرشدهم الى نفسه كما قال سبحانه (والذين اهتدوا زادَهم هُدى) ((صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا))، أي جادة مستقيمة فهم يصلون الى الحقائق والسعادة لصراط مستقيم حيث أنهم اتّبعوا الدعوة ولبّوا الداعي، ومفهوم الآية أن الذين كفروا بالله واعتصموا بسواه فسيدخلهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً ويُضلّهم ضلالاً بعيداً، وما في بعض الأخبار من تفسير النور بأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) فإن ذلك من باب أظهر المصاديق كما قد تكرر بيانه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة النساء | 176 | في حديث أن جابر بن عبد الله الأنصاري كان مريضاً فعاده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسَألَ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قائلاً : إن لي كلالة -أي أخوات- فكيف أصنع في مالي بالنسبة الى ميراثهنّ فنزلت الآية ((يَسْتَفْتُونَكَ ))، أي يطلبون منك الفتوى يارسول الله، ولهذه الآية ربط بما سبق في حُكم الكلالة (وإن كان رجلٌ يورث كلالة) ((قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ ))، أي يبيّن لكم الحُكم ((فِي )) مسألة ((الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ))، أي مات وليس معنى الهلاك ما يتبادر غالباً من كونه هلاكاً سيئاً بل مطلقاً كما قال في قصة يوسف (عليه السلام) (حتى إذا هلك) ((لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ )) ولا أبوان حتى لا يكون هناك مَن في الطبقة الأولى كما دلّ عليه النص والإجماع ((وَلَهُ أُخْتٌ )) واحدة ((فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ )) فرضاً والنصف الآخر رداً ((وَهُوَ يَرِثُهَآ ))، أي الأخ يرث الأخت لو كانت الأخت ميّتة والأخ حيّاً يرث جميع أموالها فرضاً ((إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ )) ولا والدان وهذا مع قطع النظر عن الزوجين وإلا فهما يرِثان نصيبهما الأعلى والباقي للكلالة ((فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ))، أي كان للرجل الميت أُختان ((فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ )) فرضاً والثُلث الآخر قرابة ((وَإِن كَانُواْ ))، أي الكلالة التي ترث الميت ((إِخْوَةً ))، أي جماعة أكثر من اثنين ((رِّجَالاً وَنِسَاء )) بعضهم أخوان وبعضهم أخوات ((فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ )) لكل أنثى واحد ولكل ذكر إثنان وهذا كله في الأُخوة من الجانبين أو من جانب الأب أما الأخوة من جان بالأم فقد سبق حُكمهم في أول السورة ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ )) الأحكام ((أَن تَضِلُّواْ ))، أي لئلا تضلّوا أو كراهة أن تضلّوا بمعنى تخطئوا الحكم في مسألة الكلالة ((وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) فيعلم الصالح والفاسد ولذا يكون أمره ونهيه وتقديره عن حِكمة وصلاح، قال في المجمع : وقد تضمّنت الآية التي أنزلها الله في أول هذه السورة بيان ميراث الولد والوالد والآية التي بعدها بيان ميراث الأزواج والزوجات والأُخوة والأخوات من قِبَل الأم وتضمّنت هذه الآية التي ختم بها السورة بيان ميراث الأخوة والأخوات من الأب والأم والأخوة والأخوات من قِبَل الأب عند عدم الأخوة والأخوات من الأب والأم وتضمن قوله سبحانه (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) إن تدانى القربى سبب في استحقاق الميراث فمن كان أقرب رحماً وأدنى قرابة كان أولى بالميراث من الأبعد والله العالم. |
| |
|
| |
ابن البارون
عضو مميز
عدد المشاركات : 1123 نقاط : 1231 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمــــــــــر : 34 الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ
| موضوع: رد: تقريب القران الى الذهان الجمعة أبريل 15, 2011 6:17 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 5
| ((الْيَوْمَ )) الذي تمّ فيه بيان كل الأحكام نوجز المحلّلات فإنه ((أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )) وهذا عام يشمل الطيّب من المآكل والمناكح والمساكن والملابس وغيرها بقرينة (والمحصنات) بخلاف الآية السابقة التي كانت خاصة بالمأكل بحُكم السياق وهذه الآية تدلّ على كون الأصل في كل الأشياء الحلّ إلا ما خَبُثَ، ومن المعلوم أنّ الخُبُث لا يُميّز إلا بالشع أو بالعقل نادراً ((وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي الذين أُرسل إليهم الكتاب السماوي كاليهود والنصارى والمجوس ((حِلٌّ لَّكُمْ )) والطعام أما المراد به الحبوب كما هو المروي وهذا المتعارف إلى اليوم، فإنّ كلمة (باعة الأطعمة) أو ما أشبهها تنصرف إلى باعة الحبوب، أو المراد به العام لكل طعام وقد إستثنى من ذلك الذبائح لقوله سبحانه (وما أُهِلّ به لغير الله) والحق به غيره إجماعاً كما إسثنى ما لامَسَه الكتابي برطوبة لأنهم مُشركون لقوله سبحانه (تعالى الله عمّا يُشركون) وفي آية أخرى حُكُم بنجاسة المشرك بقوله سبحانه (إنما المشركون نَجَس) وتفصيل البحث في الفقه، وهنا سؤال يفرض نفسه وهو أنه : ما الفائدة من هذا التنصيص والحال أنّ طعام غير أهل الكتاب حِلّ أيضاً ؟ والجواب أنه من باب المورد والقيد غالبي لابتلاء المسلمين بهم غالباً كما يدلّ على ذلك ((وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ )) ومن المعلوم أنّ طعام المسلم حِلٌّ حتى للمشرِك الوثني، ثم لو قلنا أنّ الجملة عامة لكل طعام فهل معنى حلّيّة طعامنا لهم الحلّي' بالنسبة إلينا ؟، أي إنّ طعامهم حِلٌّ لنا أو الحلّيّة بالنسبة إليهم ؟، أي يجوز لهم أن يطعموه ؟، الظاهر الثاني وإن كان لا يبعد الأول أنّ قاعدة (إلزموهم بما التزموا به) تقتضي كون الحرام عندهم من أطعمتنا كذبائحنا بالنسبة إلى اليهود -مثلاً- لا يجوز لهم أن يُطعموه -وفي الكلام مناقشة- ((وَ)) حَلّت لكم ((الْمُحْصَنَاتُ ))، أي العفائف اللاتي أَحصنّ أنفسهنّ عن الحرام ((مِنَ )) النساء ((الْمُؤْمِنَاتِ)) بأن تنكحوهنّ، أما الزُنات غير العفائف فالمشهور بين العلماء جواز نكاحهنّ بالسنّة ولا مفهوم للآية حتى يمنع عن ذلك لما ثَبَتَ في الأصول من عدم حجّيّة مفهوم اللقب وإنما خُصّصن لأنهنّ الطيّبات ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أُعطوا الكتاب ((مِن قَبْلِكُمْ )) وهم اليهود والنصارى والمجوس -فإنّ للفرقة الثالثة كتاباً على الصح- وقد إختلف العلماء في جواز نكاحهنّ نكاحاً دائماً بعد كون المشهور جواز نكاحهنّ منقطعاً، ولو قلنا بعد الجواز الدائم فهو تخصيص بالنسبة وقد ثَبَتَ جواز تخصيص الكتاب بالسنّة الواردة ((إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ))، أي أعطيتموهنّ مهورهنّ وليس معنى الإعطاء الفعلي بل ذلك وإن كان في المستقبل، ولا مفهوم للآية بالنسبة إلى الحكم الوضعي حتى يكون مَن لا يريد الإعطاء إطلاقاً ولم يُعطَ تُحرم عليه المرأة المزوجة بل المراد الحكم التكليفي، أي إنّ ذلك حرام لا يجوز وهذا تحريض للإعطاء، في حال كونهم ((مُحْصِنِينَ )) بالمسلمة أو الكتابية بأن كان إقترابكم منهنّ بالإحصان والنكاح ((غَيْرَ مُسَافِحِينَ )) تأكيد لقوله (مُحصِنين) والسِفاح هو الزنا ((وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )) الخدن هو الصديق وهو أن ينفرد الرجل بالمرأة يزني بها دائماً فهي وهو خدنان، أي أنه لا يجوز للرجل بالنسبة إلى المسلمة والكتابية ذلك كما لا يجوز العكس، وقد تقدّم شبه هذا في سورة النساء، ومعنى الآية جملة أنّ إقتراب المرأة المسلمة العفيفة والكتابية العفيفة يجوز لكم ويطيب واعطوا مهورهنّ لكن اللازم أن يكون الإقتراب بالنكاح لا بالسفاح أو باتخاذهنّ أخداناً كما يكثر الأمران عند غير المسلمين، ثم إنّ ما ذكرناه من المحرّمات والمحلّلات كلها من مقتضيات الإيمان الواجب التمسّك به ((وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ )) إنه تعبير آخر عن المعصية والخروج عن الطاعة، ولعلّ الإتيان بهذه اللفظة هنا لإفادة أنّ الكفر -في باب المحلّلات والمحرّمات- ليس بالأصول وإنما هو بالفروع، وقد تقدّم في بعض الآيات أنّ الكفر قسمان كفر بالأصول وهو الموجب لخروج الإنسان عن كونه مسلماً، وكفر بالفروع -كما قال في سورة الحج (ومَن كَفَر) وقال (ولئن كفرتم) وهو الموجب لكون الإنسان فاسقاً ((فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )) معنى الحبط عدم إستحقاق الثواب على العمل كما قال سبحانه (إنما يتقبّل الله من المتّقين) ((وَهُوَ )) الكافر بالإيمان ((فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا أنفسهم حيث استحقّوا العقاب حين إستحقّ سائر المطيعين الثواب .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 6 | وفي سياق ذِكر الطيّبات والملاذ الجسدية يأتي دور الطيّبات والملاذ الروحية التي من أكثرها طيباً ولذة الصلاة بما لها من طهارة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ))،أي أردتم إياها فإنّ المريد لشيء يقوم إليه ليأتي به ألا ترى إنّ الناس يقعدون على أشغالهم فإذا أذّنَ المؤذّن يقومون إلى الصلاة ليأتوا بها ((فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ )) من قصاص الشعر إلى الذقن طولاً وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً بالماء الطاهر المباح غسلاً طبيعياً من الأعلى إلى الأسفل ((وَ)) اغسلوا ((أَيْدِيَكُمْ )) ولما كان المنصرف من اليد تمام اليد إلى الكف أخرجه بقوله ((إِلَى الْمَرَافِقِ )) فإنّ الغسل يستثنى منه غسل العضد ولذا لا يُستفاد من (إلى) هذه كونها للغسل بل المستفاد كونها غاية للمغسول فإنك لو قُلت لمصاب بالمرض : دهّن رجلك إلى الركبة، لم يُستفد عُرفاً منه لزوم كون التدهين من الأصبع إلى الركبة بل استُفيد كون الفخذ خارجاً عن التدهين، وعلى هذا فاللازم الإبتداء من الأعلى لأنه الغسل الطبيعي الذي وردت به السنّة ((وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ )) الباء للتبعيض، أي بعض رؤوسكم وهو الربع المقدّم من الرأس من المفرق إلى قصاص الشعر ((وَ)) امسحوا ((أَرْجُلَكُمْ )) والمراد بهما ظهرهما ((إِلَى الْكَعْبَينِ )) وهما قبّتا القدمين وإنما قُرء بالنصب مع أنه معطوف على المجرور باعتبار المحل وقد كان الترتيب المُجزي قطعاً في باب الوضوء غسل الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجل اليمنى ثم الرجل اليسرى والمسح ببقية بلل الوضوء ((وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا )) الجُنُب لفظ يقع على المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد هو من البُعد، كأنّ الإنسان إذا اعترته هذه الحالة يبتعد من النظافة، وحصول الجنابة بالإنزال أو الإدخال ((فَاطَّهَّرُواْ )) من تطهّر ثم أُدغِمت التاء في الطاء وجيء بهمزة الوصل لامتناع الإبتداء بالساكن، والتطهير هو الإغتسال بالإرتماس في الماء مرة واحدة أو الترتيب بغسل الرأس والرقبة ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر ((وَإِن كُنتُم مَّرْضَى )) لا تتمكّنون من إستعمال الماء للوضوء ((أَوْ عَلَى سَفَرٍ ))، أي مسافرين -وقد سبق أن ذُكر السفر لغلبة عدم وجود الماء فيه- ((أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ )) والغائط هو المحل المنخفض من الأرض وسمّي البرازية بعلامة الحال والمحل وذلك كناية عن الحدث ((أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء )) وهو كناية عن الجماع ((فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء )) هذا مرتبط بالسفر والحدث واللمس ((فَتَيَمَّمُواْ )) معنى الآية بالجملة أنّ مريد الصلاة يلزم عليه الوضوء والغُسل إن كان جُنُباً -وإن كان مريضاً يضرّه الماء أو مسافراً أو مجامِعاَ- ولم يجد الماء للغُسُل أو الوضوء فليتيمّم، ويبقى قوله (أو جاءَ أحد منكم من الغائط) فإنه ليس في رديف تلك الأمور، ولعلّ الإتيان به مراعاة غَلَبة التخلّي عند إرادة الصلاة، وقد سبق أنّ التيمّم مصدر باب التفعّل بمعنى القصد، أي إقصدوا ((صَعِيدًا ))، أي أرضاً ((طَيِّبًا )) ليس بنجس ولا مغصوب ((فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ)) الباء للتبعيض، أي بعض وجوهكم وهو من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ((وَأَيْدِيكُم )) من الزند إلى رؤوس الأصابع ((مِّنْهُ ))، أي مبتدِءاً بالمسح من ذلك الصعيد فاللازم أن يضرب باليدين على الأرض ثم يمسح بها -ليصدق (منه)- ((مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )) من ضيق فأمره بالوضوء والغُسل والتيمّم ليس لأجل التضييق عليكم ((وَلَكِن يُرِيدُ)) الله سبحانه ((لِيُطَهَّرَكُمْ )) وينظّفكم من الأدران وال,ساخ الظاهرية والباطنية، أما تطهير الغُسل والوضوء من الأدران فظاهر وأما تطهير التيمّم فقد ثَبَتَ في العلم الحديث أنّ التراب يقتل الجراثيم بمرتبة أضعف من مرتبة الماء -أنظر : الخليلي ، سلسلة منابع الثقافة الإسلامية ، إصدار كربلاء (العراق)- ((وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ )) بإرشادكم إلى مصالحكم كلها بعد ما أرشدكم إلى أكبر النِعَم وهو الإيمان ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) إياه بما أنعم عليكم وأرشدكم إلى مصالحكم وما يقرّبكم منه سبحانه .
|
| |
|
| |
| تقريب القران الى الذهان | |
|