دردشه ومنتديات الرفعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولدخول الاعضاء
تقريب القران الى الذهان B7b7fr10
تقريب القران الى الذهان B7b711
تقريب القران الى الذهان Pye75711
تقريب القران الى الذهان Aswq10
تقريب القران الى الذهان Games10
تقريب القران الى الذهان Banr410
تقريب القران الى الذهان 93910310
تقريب القران الى الذهان Kat2-010""></div

 

 تقريب القران الى الذهان

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3, 4  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:13 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

1


((بسم الله الرحمن الرحيم))
أي أستعين بالله، ولم يقل: "بالله" تعظيما، فكأن الاستعانة بالاسم، والله
عَلَم له سبحانه، والرحمن والرحيم صفتان تدلان على كونه تعالى عين الرحمة،
فلا يُرهب جانبه، كما يُرهب جانب الطغاة والسّفاكين، وتكرير الصفة للتأكيد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

2

((الحمد لله رب العالمين))
فإنه هو الذي يستحق الحمد، لأن كل جميل منه، وكل خير من عنده، وهو رب
العالمين، الذي أوجدهم ورباهم. والتربية تُطلق على الإنشاء والاستمرار،
والعالمين إشارة إلى عوالم الكون من جن ومَلَك وإنسان وحيوان ونبات وجماد
وروح وجسد وغيرها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

3

((الرحمن الرحيم)) تكرارٌ للتأكيد، لإفادةَ أن الرب ليس طاغياً كما هو الشأن في غالب الأرباب البشرية.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

4

((مالك يوم الدين)) الدين هو الجزاء، فيوم الدين: "القيامة"، والله مالك ذلك اليوم، لا يشرك فيه أحد، (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

5

((إياك نعبد)) أي عبادتنا وخضوعنا لك، وقدَّم "إياك" لإفادة الحصر. ((وإياك نستعين))
أي نطلب الإعانة، فإنه هو الذي بيده كل شيء، فالاستعانة منه. والإتيان
بالتكلم مع الغير لإفادة كون المسلمين كلهم منخرطين في هذين السلكين: سلك
العبادة لله، وسلك الاستعانة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

6

((اهدنا الصراط المستقيم))
غير المنحرف، والهداية هو إرشاد الطريق، فإن الإنسان في كل آن يحتاج إلى
من يرشده ويهديه، وإن كان مهدياً، وحيث لم يذكر مُتعلق الصراط المستقيم، دل
على العموم، فالمسلم يطلب منه سبحانه أن يهديه الصراط المستقيم في العقدية
والعمل والقول والرأي وغيرها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة الفاتحة

7

((صراط الذين أنعمت عليهم)) أنه تفسير ل: (الصراط المستقيم) أي الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعمت عليهم، بهدايتهم من النبيين والأئمة والصالحين. ((غير المغضوب عليهم)) فإن من أنعم عليه بالهداية لا يكون مغضوبا عليه، ((ولا الضالين))
أي الضال المنحرف عن الطريق. والضال يمكن أن يكون مغضوبا عليه إذا كان عن
تقصير، ويمكن أن يكون غير مغضوب عليه إذا كان عن قصور. والمسلم يطلب من
الله تعالى أن لا يكون من هؤلاء ولا هؤلاء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:14 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

2


((ذَلِكَ الْكِتَابُ)) والإشارة بالبعيد، للإشارة إلى كون القرآن سامي عالي المنزلة، ((لاَ رَيْبَ فِيهِ)) أي ليس محلاً للريب وإن ارتاب فيه الكفار، كما أن النهار لا ريب فيه وإن ارتاب فيه السوفسطائيون، و"لا ريب فيه" صفة للكتاب. ((هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) صفة بعد صفة، أي أن هذا القرآن هداية لمن اتقى وخاف من التردي، فإنه هو الذي يهتدي بالقرآن، وإن كان القرآن صالحاً لأن يهدي الكل.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

3

((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ))
صفة للمتقين، والمراد بالإيمان: الاعتقاد به، والغيب هو الذي غاب عن
الحواس الظاهرة، أي ما وراء الطبيعة، فالروح غيب، وأحوال القبر غيب، والله
سبحانه غيب، وهكذا. ((وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)) إقامة الصلاة والإتيان بها دائما على الوجه المأمور بها، ولذا تدل على معنى أرفع من معنى "صل". ((وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) والرزق أعم من المأكول والملبوس والمسكون والعلم والصحة وغيرها. وإنفاق كل شيء بحسبه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

4

((والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) من الوحي والقرآن، ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ)) فإن من شرائط الإيمان الإيمان بكل الأنبياء (لا نفرق بين أحد من رسله)، ((وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ))
واليقين بالآخرة هو الاعتقاد بها، والعمل بمقتضاها، وبعض هذه الأمور - وإن
كانت داخلة في "الإيمان بالغيب" لكنها ذكرت لزيادة الاهتمام بها. وذكر
الخاص بعد العام.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

5

((أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ)) أي على بصيرة، وهذه البصيرة أتت إليهم من ناحية الله سبحانه، ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))
الناجون، فهم في الدنيا على بصيرة، وفي الآخرة في زمرة الناجين. ثم أن
القرآن لما ذكر المؤمنين ثناهم بذكر الكافرين، ثم ثلثهم بذكر المنافقين،
فإن كل دعوة لابد وأن ينقسم الناس أمامها إلى ثلاثة أقسام: "مؤمن بها"
و"كافر بها" ومذبذب بين ذلك يجامل الطرفين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

6

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) والكفر هو الستر، كأن الكافر يستر الحقيقة، ولا يبديها ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ))
والمراد بـ"الذين كفروا" - هنا - هم المعاندون منهم، لأنهم المصداق الاجلي
<الأصلي> للكافر، وإلا فالذين آمنوا بالرسول - صلى الله عليه وآله
وسلم - من الناس كانوا كفاراً، ثم آمنوا، ومن المعلوم، أن المعاند يتساوى
في حقه الإنذار وعدمه، نعم، يجب إنذاره إتماماً للحجة. وهذا تسلية للنبي -
صلى الله عليه وآله وسلم - حتى لا تذهب نفسه عليهم حسرات.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

7

((خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ))
طبعها بالكفر، أي جعلها بحيث يصعب إيمانها، لأنها اعتادت الكفر وعدم
الاستماع إلى الحق، وإنما ختم الله لأنها لم تقبل الهداية، كمن يطرد ولده
عن داره بعد ما أرشده مرات، فلم يفد فيه النصح، كما قال تعالي: (ختم الله
عليها بكفرهم) أي بسبب كفرهم، وإنما فسرنا "الختم" بـ"يصعب" لبداهة أن
الإنسان - ولو كان معانداً - لا يخرج عن قابلية القبول والاهتداء ((وَعَلَى سَمْعِهِمْ)) بمعنى أنهم لا يستفيدون من السمع والبصر كالأصم، لأن في سمعهم خلل، ((وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ))
تشبيه للغشاوة المعنوية بالغشاوة الظاهرية، فكما أن من على بصره غشاوة لا
يرى المحسوسات، كذلك من يعاند، يكون على بصره مثل الغشاوة، وهو تنزيل لفاقد
الوصف منزلة فاقد الأصل، كما تقول لمن لا ينتفع بالعلم: "هو جدار." ((وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)) في الدنيا والآخرة، فإن من ينحرف عن قوانين الله تعالى يكون له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

8

((وَمِنَ النَّاسِ مَن)) المنافقون، وهم القسم الثالث، فهو ((يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ)) قولا باللفظ فقط، ((وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ)) حقيقة، فلا يعملون أعمال المؤمنين، وإن كانت قلوبهم أيضاً متيقنة بحقائق اللإيمان.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

9

((يُخَادِعُونَ اللّهَ)) أي يفعلون مع الله تعالى فعل المخادع - الذي يريد الخديعة، فيظهر ما لا يريده، ويريد ما لا يظهره. ((وَالَّذِينَ آمَنُوا)) فيرونهم خلاف ما يضمرونه، لكن عملهم هذا ليس خدعة حقيقة لله وللمؤمنين، فإنهما يعلمان نواياهم، فلا ينخدعون بهم، بل ((وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم))
إذ يجري عليهم أحكام المؤمنين ظاهراً، ولا يشتركون معهم في أسرارهم، كما
لا يشتركون معهم آخرتهم، فهم مخدوعون من حيث ظنوا أنهم مخادعين ((وَمَا يَشْعُرُونَ))
بأنهم خدعوا أنفسهم، لا أنهم خدعوا الله والمؤمنين، وإذ لو شعروا بأنهم
يخدعون أنفسهم لم يقدموا على ما ظنوه خدعة لغيرهم، والحال أنها خدعة لهم
حقيقة وواقعاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

10

((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ)) فإن قلب المنافق ملتو، ونفسه معوجة، لا تريد الاستقامة ((فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً)) إذ نزول الآيات ونصب الرسول أوجب أن يزيدوا في التوائهم، لئلا يسلط النور عليهم فيعرفوا ((وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)) أي مؤلم ((بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ))
أي بسبب كذبهم بمخالفة ظاهرهم لباطنهم، فإنه نوع من الكذب، وإن كان كلامهم
مطابقاً للواقع، لكنهم حيث أخبروا عن إيمانهم ولم يكونوا مؤمنين كان ذلك
كذباً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

11

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ)) أي المنافقين ((لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ)) فإن النفاق يلازم الإفساد، إذ يعمل المنافق ضد الدعوة، ويؤلب عليها، وهو إفساد حينما تريد الإصلاح والتقدم ((قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) فإنهم يظنون أن الدعوة إفساد، وأنهم بوقوفهم ضدها يصلحون في الأرض.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

12

((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ))
لأنهم بوقوفهم النفاقي ضد الإسلام يكونون مفسدين إفساداً بالغاً أكثر من
إفساد الكفار، ولذا قال تعالى في آية أخرى (هم العدو) على نحو الحصر ((وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)) بذلك، بل (يحسبون أنهم يحسنون صنعا).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

13

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ)) أي المنافقين، والقائل هم جماعة من المؤمنين الذين لا يخافون ((آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ)) إيماناً لا يشوبه نفاق ((قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء)) يعنون بالسفهاء المؤمنين الحقيقيين ((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء)) وأية سفاهة أعظم من كون الإنسان حائداً عن طريق الحق مع كونه متصفا بصفة النفاق الرذيلة، ((وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)) أنهم هم

السفهاء، لأنهم يظنون أن طريقتهم النفاقية أصلح الطرق.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:15 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

14


((وَإِذَا لَقُواْ)) من "لقى" أي التقى المنافقون بـ: ((الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ)) لهم ((آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ)) أي أشباههم من المنافقين ((قَالُواْ)) لهم ((إِنَّا مَعَكْمْ)) يريدون بذلك إرضاء الجانبين ((إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ)) بالمؤمنين في إظهار الإيمان لهم، وهذا هو دليل نفاقهم، وإلا لو كان الأمر بالعكس - بأن أظهروا الكفر تقية - لم يزيدوا على إظهاره.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

15

((اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ))
أي يفعل لهم فعل المستهزئ، فيجري عليهم في الدنيا أحكام الإيمان، وفي
آخرتهم يجازيهم بجزاء الكفار، وفي بعض الأحاديث أنه يستهزئ بهم في الآخرة
في النار ((وَيَمُدُّهُمْ)) إمداد الله سبحانه بعدم الضرب على أيديهم كما يقال: الملك يمد قطاع الطريق حيث لا يستأصلهم ((فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ))
الطغيان: تجاوز الحد - العمه والتحير - فإن المنافق كالشخص المتحير، وإنما
يمدهم الله سبحانه لأن الدنيا دار اختبار وامتحان فلا جبر ولا إلجاء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

16

((أُوْلَـئِكَ)) المنافقون ((الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى))
فكأنهم أعطوا الهداية، وأخذوا مكانها الضلالة، أو كأنهم أعطوا أنفسهم بدل
الضلالة، بينما كان الذي ينبغي أن يعطوا أنفسهم بدل الهداية، كما قال
الشاعر:
أنفاس عمرك أثمان الجنان فلا تشتري بها لهبا في الحشر تشتعل

((فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ)) المعنوية، بل خسروا رأس المال الذي هو أنفسهم ((وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)) في هذه التجارة والاشتراء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

17

((مَثَلُهُمْ)) أي مثل هؤلاء المنافقين ((كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)) استوقد بمعنى أوقد، أو بمعنى طلب الوقود الذي هو الحطب ونحوه، والمعنى أشعل ناراً ليستضيء ويدفأ بها، ((فَلَمَّا أَضَاءتْ)) النار ((مَا حَوْلَهُ)) وانتفع بها ((ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ)) بأن أرسل ريحاً فأطفأها، ((وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ))
ما حولهم، وإنما كان هذا مثلا لهم، لأن المنافق بإيمانه الظاهري يبعد
<يعد> لنفسه سبيل الحياة، وينور طريقه - فإن الإيمان نور وسبب لهداية
الإنسان إلى الحق والعدل والخير - فإذا قبض الله أرواحهم تركهم كسائر
الكفار في نار وعذاب حين يقبض الله أرواح المؤمنين إلى نور أوسع ورحمة
أكبر... فهؤلاء المنافقون.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

18

((صُمٌّ)) جمع أصم، لأنهم لا ينتفعون بالحق، فهم والأصم سواء ((بُكْمٌ)) جمع أبكم، وهو الأخرس، لأنهم لا يقولون الحق فهم والأبكم سواء ((عُمْيٌ)) جمع أعمى، لأنهم لا يبصرون الحق، فهم والأعمى سواء ((فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)) عن غيهم وضلالهم، و"ف" للإشارة إلى أنهم حيث صموا وأبكموا وعموا لم يرج فيهم الخير، فإنه (لا يسمع الصم الدعاء).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

19

((أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء))
مثال آخر لحال المنافقين، والفرق بين المثالين أن المثال الأول كان مثالاً
للمنافق نفسه، وهذا المثال مثال الحق الذي يغمر المنافق، ولكنه لا ينتفع
به، والمصيب هو المطر، فالحق الذي يغمر هؤلاء كمطرٍ ينزل من السماء ((فِيهِ ظُلُمَاتٌ)) ظلمة السحاب وظلمة المطر - لأنه يحول بين الضياء وبين الأرض - وظلمة سحاب فوق سحاب ((وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)) من الأمور المخوفة، ((يَجْعَلُونَ)) أي من ابتلي بهذا الصيب ((أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ)) خشية ((الصَّوَاعِقِ)) فإن الصاعقة إذا نزلت قرعت الأسماع صوتها الشديد، ((حَذَرَ الْمَوْتِ))،
فإن الصوت الشديد توجب انخلاع القلب فيموت الشخص، لكن هؤلاء المنافقين
الذين هم كفار في الباطن لا يظنوا أنهم يتمكنون الفرار من بأس الله تعالى ((واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)) إحاطة علم وقدرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

20

((يَكَادُ الْبَرْقُ)) اللامع في السحاب ((يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)) أي أبصار من ابتلي بالصيب، وخطف البصر كناية عن عماه، ((كُلَّمَا أَضَاء لَهُم)) بأن أبرق ورأوا طريقهم ((مَّشَوْاْ فِيهِ)) أي في البرق، بمعنى استفادتهم من نوره فيمشون، ((وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ)) بأن لم يبرق ((قَامُواْ)) في أماكنهم، أي وقفوا ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ)) بسبب صاعقة قوية فتصمهم ((وَأَبْصَارِهِمْ)) بسبب برق قوي، إذ النور إذا قوي أوجب ذهاب البصر، ((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يمنعه أن يحتمي الإنسان بإصبعه أو بغمض بصره عن أن يذهب بسمعه أو ببصره.

وهذا توضيح المثال بتطبيقه على المورد أن "الصيب" هو الحق
النازل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و"البرق" هو تقدم المسلمين
وما يسبب لهم إنارة الطريق، و"الرعد" والصاعقة إيعادات الرسل والأهوال
المكتنفة بالدعوة والمنافقون، كمن ابتلي بهذا الصيب في الصحراء، فالحق
كالمطر فيه الحياة، لكن فيه ظلمات غلبة الكفار وذهاب الأنفس والأموال
والثمرات، وفيه برق ينير طريق الحياة السعيدة، وفيه رعد وصاعقة مواعيد
الرسول وفضحه المنافقين، وهؤلاء المنافقين يكاد سرعة تقدم المسلمين تعميهم،
فإن العين إذا نظرت إلى ما لا يسرها اضطربت ودمعت - كلما أضاء لهم بأن
غلبوا في الحرب وحصلوا على الغنائم واتبعوا الرسول، وإذا أظلم عليهم - بأن
غلب عليهم الكفار - وقفوا وقاموا في مكانهم، لا يعلمون ولا يتقدمون، وهم
يخافون من الفضيحة إن نزلت آية في شأن المنافقين، فيجعلون أصابعهم في
آذانهم حتى لا يسمعونها، أو يتغافلون عنها كي لا يرى أثر الانهزام في
وجوههم، فإن الإنسان المجرم إذا سمع ما يمس إجرامه ظهرت الصفرة وآثار
الانهزام على وجهه، ولكن الله قادر على إماتتهم، كما هو قادر على فضحهم
والذهاب بسمعهم وبصرهم، فليسوا هم في راحة من نفاقهم - كما زعموا - بل هم
في أشد ابتلاء ومحنة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

21

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ)) خلق ((الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) وكان السبب في الخلق ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) أي خلقكم للتقوى والعبادة، كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:16 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

22


((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً)) كالفراش الذي يكون راحة للبدن وزينة وجمالاً، ((وَالسَّمَاء بِنَاء)) أي مبنيا، وهذا يلائم كون السماء طبقة تحطم القذائف إلى الأرض، فإن البناء ليس المراد منه أن يكون المبني من جسم كثيف، ((وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء)) والمراد بالسماء هنا جهة العلو أو المراد من تلك الناحية ((فَأَخْرَجَ بِهِ)) أي بسبب الماء ((مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ)) فإذا كان الخلق وسائر النعم من الله سبحانه ((فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً)) شركاء من الأصنام أو غيرها ((وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) أنها باطلة، وأنه ليس لله شريك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

23

((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا)) محمد بن عبد الله، وتزعمون أنه ليس من الله سبحانه ((فَأْتُواْ بِسُورَةٍ)) واحدة ((مِّن مِّثْلِهِ)) أي من مثل هذا المنزل، ولو كان قُصر سورة نحو (قل هو الله أحد) أو (إنا أعطيناك)، ((وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم)) الذين يشهدون معكم أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بنبي ((مِّن دُونِ اللّهِ)) أي كائن ما كان غير الله سبحانه، كما يقول ما دون الله مخلوق ((إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))
في ريبكم وزعمكم أن محمداً ليس بنبي وأن القرآن ليس من عند الله تعالى،
إذ لو لم يكن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبياً لكان إنساناً عادياً
فيمكن الإتيان بمثل كلامه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

24

((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ)) ولم تأتوا بسورة من مثل هذا القرآن ((وَلَن تَفْعَلُواْ))، هذا إخبار بأنهم لن يفعلوا ذلك أبداً، إذ القرآن معجز، فلا يمكن الإتيان بمثله، ((فَاتَّقُواْ)) عاقبة تكذيبكم لرسول الله ولكتاب الله التي هي ((النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا)) أي حطبها وما يسبب إيقادها ((النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ))
جمع حجر ولعل المراد بها أصنامهم، كما قال تعالى: (أنتم وما تعبدون حصب
جهنم)، وتخصيص الحجارة بالذكر للتهويل، إذ الحجارة لا تنفى، فتكون النار
دائمة ((أُعِدَّتْ)) هذه النار ((لِلْكَافِرِينَ)). هذه عاقبة من يكذب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

25

((وَبَشِّرِ)) يا رسول الله ((الَّذِين آمَنُواْ)) بقلوبهم وألسنتهم ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) بجوارحهم ((أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) الجنة باعتبار كونها بستانا ذات أشجار ونخيل، تكون أرضها من تحتها، فالأنهار الجارية من تحت الجنة على أرضها. ((كُلَّمَا رُزِقُواْ)) أي رزق المؤمنين ((مِنْهَا)) أي من الجنات ((مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً)) بأن أتى لهم بفاكهة وثمرة ((قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ))
فإنهم يألفون تلك الثمار لما رأوا منها في الدنيا، وليسوا كأصحاب الجحيم
الذين لا يألفون طعامهم الذي من ضريع ولا شرابهم الذي من حميم، ((وَأُتُواْ بِهِ)) أي بذلك الرزق ((مُتَشَابِهاً)) يشبه بعضه بعضاً في الجودة والجدة - لا كثمار الدنيا ((وَلَهُمْ فِيهَا)) أي في الجنات ((أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ)) من القذارات الخلقية كالأوساخ والدماء والقذارات الخلقية كالسب والشتم والحسد ونحوها، ((وَهُمْ فِيهَا)) أي في تلك الجنات ((خَالِدُونَ)) أبداً لا يموتون ولا يتحولون عنها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

26

وحيث
قسم الله الناس إلى أقسام ثلاثة: مؤمن وكافر ومنافق، ومثل للمنافق، ثم أمر
الناس عامة بالعبادة، ودعاهم إلى حضيرة الإيمان، وذكر فوائده، واحتج على
من أنكر الرسالة، أجاب عن سؤال سأله الكافر، ومن إليهم تعنتاً، وهو أن الله
لماذا يضرب المثل كما مثل المنافق هنا، ومثل في سورة أخرى بالعنكبوت
ونحوها؟ فإن المثال أوقع في النفوس وموجب لتقريب المطلب إلى الأذهان.

((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا))
فإن الحياء من الأشياء القبيحة أو نحوها، وليس في تمثيل الله الكبير
بالأشياء الصغيرة الحقيرة في النظر حياء - أي مثل كان، وهذا معنى قوله:
"ما" أي شيئاً من الأشياء، ((بَعُوضَةً)) وهي البقة ((فَمَا فَوْقَهَا)) ولعل ذكر البعوضة هنا لأنها أصغر حيوان متعارف يراه كل أحد ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ)) أي المثل ((الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ)) وأتى به لغرض التوضيح والتبيين، ((وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ)) معترضين ((مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً))، و"مثلاً" تمييز في معنى "بهذا المثل" ولماذا يأتي الله بهذا المثل غير المناسب لجلال الله فـ: ((يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً))
ويوجب انقسام الناس، ومن المحتمل أن يكون "يضل" جواب عن اعتراضهم، أي أن
المقصود من المثل الإضلال والهداية، لكنه ينافي السياق، فإن المقصود بالمثل
ليس كذلك وإنما التوضيح والتقريب، ((وَمَا يُضِلُّ بِهِ)) أي بالمثل ((إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)) الذين فسقوا أي خرجوا عن طاعة ربهم ومقتضى عقولهم، ثم بين الفاسقين بأبرز سماتهم بقوله:


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

27

((الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ)) الميثاق ما وقع التوثيق به، وميثاق الله هو ما أخذ عليهم في الكتب السالفة من الإيمان، أو هو ما أودع فيهم من الفطرة بعرفان الحق، ((وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ)) من صلة الأرحام، أو صلة الرسول والمؤمنين، ((وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ)) بالكفر والنفاق وإتيان المحرمات، ((أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) الذين خسروا أعمارهم، فذهبت دنياهم ضنكاً وآخرتهم عذاباً وناراً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

28

ثم عاد سبحانه إلى حال الكافر، ووجه الخطاب إليه مستدلاً على بطلان كفره بقوله: ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً))
لا روح فيكم، فإن أصل الإنسان التراب، ثم يكون نباتاً ثم يكون حيواناً وما
أشبه، فيأكله الإنسان، فيتولد المني، ثم يصير إنساناً، ثم يموت، ويرجع
تراباً، ثم يعاد يوم القيامة إنساناً ((فَأَحْيَاكُمْ)) نباتاً أو حيواناً أو إنساناً ((ثُمَّ يُمِيتُكُمْ)) وقت موتكم ((ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)) يوم القيامة ((ثُمَّ)) بعد الحياة الثانية ((إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) لتساقون للمحاكمة الكبرى، وكون الرجوع إليه - مع أن الإنسان في جميع الأحوال بدءاً وختاماً تحت سلطة الله وقدرته وعلمه - باعتبار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:18 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

29


((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم)) لمنفعتكم ((مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً))
فمن خلقها غيره، وكون الخلق للإنسان لا يدل على تحليل كل شيء، بل كل شيء
بحسبه، فالأسماك المحرمة والحيوانات المفترسة لتمتع السمع والبصر لا للأكل
ونحوه وهكذا ((ثُمَّ اسْتَوَى)) أي توجه بالخلق والأمر ((إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ))
مدارات للنجوم السيارة، فإن السماء في اللغة بمعنى المدار - هذا إذا قلنا
بالنظر الفعلي حول السماوات، ويؤيده حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام)
كما في "الهيئة والإسلام"، ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))
فلا يغيب عنه شيء، فمن كفر كان الله مطلعاً عليه لا يفوته ذلك، ولا يخفى
أن خلق الأرض كان أولاً، ثم خلق السماء، ثم دحو الأرض، كما قال: (والأرض
بعد ذلك دحاها).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

30

وحيث ذكر الله قصة خلق السماء والأرض وثم البناء، توجه الحديث إلى من استخلف فيها، ((وَ)) اذكر ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ)) الذين هم مخلوقون في الملاء الأعلى لا يرون بالعين إلا ما شاء الله ((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)) يخلفني في الأمر والنهي والإرشاد، وهذا الحوار إنما كان لأجل إظهار كوامن وبيان حقائق، ((قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا)) أي في الأرض ((مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء))
وهذا استفهام حقيقي، يريدون بذلك استيضاح السبب، ولعلهم إنما علموا بذلك
لما كانوا يدرون من كدرة الأرض وثقلها الموجبة للفساد والتكدر، أو لما رأوا
من فعل بني الجان سابقاً، ((وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ))
ففينا الكفاية، وليس هذا تزكية، بل كقول العبد المطيع لمولاه: "إني أقوم
بخدمتك، فلماذا تأتي بغيري الذي لا يقوم بالواجب؟" ومعنى التسبيح: التنزيه،
وكان المراد من التسبيح بحمده التنزيه المقترن بالحمد مقابل التنزيه غير
المقترن به، كتنزيه الجوهرة الثمينة عن النقائص، لكن التنزيه فيها لا يقترن
بالحمد، إذ ليس ذلك باختيارها بخلافة تعالى المقترن أفعاله وأعماله
بالإرادة، ((وَنُقَدِّسُ لَكَ)) أي إن تقديسنا وتنزيهنا لأجلك لا يشوبه رياء وسمعة، ((قَالَ)) الله تعالى في جواب الملائكة السائلين عن السبب ((إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ))
فإن في استخلاف البشر مصالح أهم من الفساد الواقع منهم، كما أن استخلافهم
أهم من استخلافكم، فإن منهم من الأخيار والصالحين من لا يلحقه الملك القرب،
بالإضافة إلى أنه خلق يظهر من عظمة الصانع نوعاً جديداً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

31

وإذا
أراد الله تعالى إعلام الملائكة ببعض مزايا البشر وإنه من جنس أرفع منهم
علم آدم (عليه السلام) علوماً يتمكن هو من فهمها وهضمها، بينما لا يقدر
الملائكة على ذلك، ثم قال تعالى للملائكة هل تتحملون مثل ذلك؟ فأبدوا
عجزهم، وإذ رأوا من آدم التحمل والقدرة، واعترفوا بالتفوق، وأنه أحق
بالخلافة، وتوضيح ذلك بمثال أنه إذا كان لإنسان خادم لا يقدر - فطرة - على
بناء دار جملية، ثم أراد استخدام المهندس، فقال الخادم: "لماذا تستخدم غيري
وأنا حاضر؟" يقول له السيد: "إني أعلم ما لا تعلم،" ثم يستخدم المهندس،
ويبين له ما يريده من الدار، فيقدر المهندس من بنائها، بينما لا يقدر
الخادم على النزول عند رغبة السيد، وهناك يعترف العجز وأن السيد كان عارفاً
حيث تركه إلى غيره.

((وَعَلَّمَ)) الله تعالى ((آدَمَ)) (عليه السلام) ((الأَسْمَاء كُلَّهَا))
أسماء الأشياء وعلائمها، وذلك يستلزم تعليم المسميات والمعلومات، فإذا
علّمت أحداً اسم زيد وعمرو وبكر، كان اللازم تعريفهم له أيضاً، ولذا قال ((ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ)) بإتيان ضمير "هم" تغليباً للعقلاء على غيرهم، والعرض على الملائكة ((فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ))
صدقاً خبرياً يطابق كلامكم الواقع في أنكم كافين في الاستخلاف، ولعل تعليم
آدم كان بالإلهام وخلق العلم فيه مما هو قابل له دون الملائكة، فإنهم لم
يكونوا قابلين لهذا العلم والإلهام، فلا يقال لماذا لم يعلم الله تعالى
الملائكة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

32

((قَالُواْ سُبْحَانَكَ)) أنت منزه عن القبيح والعبث ((لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا)) فليس لنا هذا العلم الذي لآدم مما هو قابل له ولسنا قابلين له، ((إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) والحكيم هو الذي يفعل الأشياء عن حكمة، بمعنى وضع الأشياء في موضعها اللائقة بها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

33

((قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ)) أي بأسماء ما عرضهم على الملائكة، ((فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ))، وعرفت الملائكة كون قابلية آدم فوق قابليتهم ((قَالَ)) الله تعالى لهم ((أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)): ما غاب عن إدراككم ((وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ)) أي تظهرون، ((وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) من حسد بعضكم - وهو الشيطان - لآدم (عليه السلام)؟

ثم إن مقتضى اللطف العام والرحمة الواسعة أن يخلق الله
تعالى أنواع المخلوقات الممكنة، التي لا يمنع عن خلقها مانع، ولذا خلق
الملائكة دون البشر، وخلق بعض - كل من الصنفين - أرفع من البعض الآخر، فلا
مجال للتساؤل: فلماذا لم يجعل الله تعالى هذه القابلية البشرية في الملائكة
وثم خلق آدم (عليه السلام) وانتهى كل شيء؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

34

((وَ)) واذكر ((إِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ))
إما بأن يكون هو قبلتهم، ويكون السجود لله سبحانه، وإما بأن يكون السجود
لآدم، ولا دليل عقلي على أنه لا يجوز السجود لغير الله تعالى، نعم ورد
الشرع بذلك بالنسبة إلى المسلمين، ((فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ)) هو الشيطان ((أَبَى وَاسْتَكْبَرَ)) أي امتنع وأنف ((وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) التفات: كما نقول نحن: "كان أبو جهل كافراً" وليس حكاية عطفاً على "أبى" حتى يستلزم كونه كافراً من قبل ذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

35

((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ)) حواء (عليها السلام)، قال لهما ذلك بعد ما خلق حواء - أيضاً - كخلق آدم من غير أب وأم ((الْجَنَّةَ))، الجنة هو البستان، وقد كانت لله تعالى جنة أسكنها آدم وحواء ((وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً)) أكلاً واسعاً بلا زحمةٍ ولا تكلف ((حَيْثُ شِئْتُمَا)) من أطراف الجنة، ((وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ))
فقد نهوا عن شجرة واحدة اختباراً وامتحاناً، وكانت الشجرة على قَوْلٍ جمع
"الحنطة"، وقد كان نهياً إرشادياً كنهي الطبيب مريضه أن لا يأكل ما يضره،
وقد كانت فائدة عدم أكلهما لها أنهما يبقيان في الجنة، كما قال سبحانه (إن
لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) ((فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)) فإن الإنسان إذا حرم نفسه من الخير كان ظالماً لها، إذِ الظلم بمعنى وضع في غير موضعه، كما أن العدل معناه وضع الشيء موضعه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:18 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

36


((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا)) أي حمل الشيطان آدم وحواء على الزلة عن الجنة بسبب أنه حملهما على الأكل من الشجرة، ((فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)) من النعيم، ((وَقُلْنَا اهْبِطُواْ))، الخطاب لآدم وحواء والشيطان، والهبوط إما حقيقي - إن كان من محلٍ أعلى إلى أسفل - أو رتبي ((بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) فإن الشيطان عدوهما، وهما عدوان له، ((وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ)) محل القرار ((وَمَتَاعٌ)) أي استمتاع ((إِلَى حِينٍ)) إلى حين انقضاء الدنيا أو موت كل أحد، وإذِ ارتكب آدم خلاف الأولى - بأكل الشجرة، وأهبطه الله تعالى من الجنة تداركته الرحمة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

37

((فَتَلَقَّى)) أي أخذ ((آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)) تُسببُ التوبة والرجوع عن الزلة، وكان ذلك بتعليم الله تعالى له أن يجري تلك الكلمات على لسانه، فأجراها ((فَتَابَ)) الله ((عَلَيْهِ)) أي على آدم ((إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ)) أي كثير قبولٍ للتوبة ((الرَّحِيمُ)) بعباده.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

38

((قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً))
إنما كرر الأمر بالهبوط توطئةً لموضوعٍ آخرٍ وهو الهداية بعد ذكر المقر
والمتاع، كما يقال: "قلت له: اذهب تربح. قلت له: اذهب تسلم." ((فَإِمَّا)) أصله "إن" الشرطية، و"ما" الزائدة دخلت عليها لتصحيح نون التأكيد، يعني فإن ((يَأْتِيَنَّكُم)) أيها البشر الذي في صلب آدم ((مِّنِّي هُدًى)) يهديكم إلى الحق ((فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) في الدنيا ولا في الآخرة ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))،
إذِ الخوف الكامل إنما يكون من أمرٍ مكروه ولا يُعوض، وكذلك الحزن ومصائب
المؤمنين تعوض، فلا خوف كامل منها، والفرق بين الخوف والحزن أن الأول لأمر
مترقب، والثاني لأمر حادث -غالباً - ولا مانع من الخطاب إلى المعدوم إذا
كان المقصود منه الوصول إليه بعد وجوده، هذا مع الغض عن عالم الذر، كاللا
مانع من الجمع بين "إن" و"نون التوكيد" إذا المعنى إن أتاكم إتياناً قطعياً
مقابل الإتيان المظنون.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

39

((وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)) فلم يؤمنوا بعد أن تمت عليهم الحجة، ولعل هذا سر قوله: "كذبوا" بعد "كفروا"، إذِ الكفر لا يلازم التكذيب إذا كان عن القصور ((أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبداً، ولا يخفى أن المقصر المعاند خالداً أبداً، أما غيره فيمتحن هناك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

40

ولما
أتم القرآن الكريم قصة آدم واستخلافه في الأرض وجّه الكلام إلى بني
إسرائيل الذين هم النموذج للجنس البشري، وقد أتتهم الأنبياء هدىً، وأنعم
عليهم الله تعالى، فكفروا بالنعم، وقتلوا الأنبياء. ليكون فذلكة لقصة آدم
ودرساً لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ))
هم اليهود، وإسرائيل اسم يعقوب النبي (عليه السلام)، نُسبوا إلى أبيهم
الأعلى كما نُسب البشر إلى أبيهم الأعلى في قوله: (يا بني آدم). ((اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) وحيث لم يذكر المتعلق أفاد العموم، فيشمل كل نعمة مادية أو معنوية، ((وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي))،
وحيث لم يذكر المتعلق أفاد كل عهدٍ عهده، سواء كان ذلك وقت أخذ موسى (عليه
السلام) عنهم العهد بالإيمان بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أم كان
وقت أخذ الله عنهم العهد في عالم الذر، ثم أودع فيهم الفطرة دليلاً عليه، ((أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)) بإعطائكم الدنيا والآخرة، فإن الله سبحانه ضمن لمن وفّى بعهده أن يعمر دنياه وآخرته، ((وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)) الرهبة هي الخوف، يعني يجب أن يكون الخوف من الله سبحانه لا من الناس.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

41

((وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ)) من القرآن ((مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ))
من التوراة، فإن التوراة الأصلية كانت مصدقة - حتى في زمان الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) - إلا ما نسخ منها، والنسخ ليس إبطالاً لها، كما أن
نسخ بعض أحكام في القرآن - على القول به - ليس إبطالاً له، ((وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ))
أي أول من يكفر بما أَنزلتُ، وإنما كانوا أول كافر لأنهم - بسبب عملهم -
كانوا مرجعاً للجهّال، فيكون كفر الجهّال في المرتبة الثانية. ((وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)) أي بمقابل آياتي، بأن تعطوا الآيات - بمعنى عدم الإيمان بها - في مقابل ثمن قليل، وهو رئاسة الدنيا، وكونها قليلاً واضح لانقطاعها. ((وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ))
فالتقوى يجب أن تكون منه تعالى، إلا أن تكون الاتقّاء من غيره، لأن الله
بيده النفع والضر دون غيره، كما قال تعالى: (قل كل من عند الله).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

42

((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ))
البس هو التعمية، أي لا تخلطوا الحق بالباطل، فتأخذوا ببعض التوراة الذي
هو في نفعكم، وتتركوا بعضها الذي يضركم، وهو بعض الأحكام التي تركوها،
ومنها التبشير بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ((وَ)) لا ((تَكْتُمُواْ الْحَقَّ))
الذي هو أوصاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعض الأحكام الأُخَرْ
كما قال سبحانه (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)، ((وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) بصنعكم وأنه تلبيس المحق بالباطل وكتمان الحق.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

43

((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)) كما يأمر الإسلام ((وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)) الذين هم المسلمون.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

44

((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ))؟ استفهام إنكاري، أي لم تأمرون الناس بالأعمال الخيرية ((وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ))
فلا تعلمون بها، والنسيان كفاية عن عدم العمل لشبهٍ به في النتيجة كما قال
سبحانه (نسوا الله فنسيهم)، فقد كان اليهود يخالفون أحكام التوراة،
ويرتشون ويفسدون ويكذبون، ((وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ)) جملة حالية، أي والحال أنتم تقرأون كتاب الله، فاللازم أن تكونوا أول العاملين به، ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أي ألا تعلمون أن ما تأتون به قبيح؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

45

((وَاسْتَعِينُواْ)) في رجوعكم عن دينكم وإلغائكم لرؤسائكم - بما يجر ذلك عليكم من سلب بعضكم دنياكم ((بِالصَّبْرِ)) فإنكم إذا صبرتم على ما تكرهون من اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاد ذلك عليكم بخير مما أنتم فيه، ((وَالصَّلاَةِ)) فإن الصلاة توجب تهدئة النفس واطمئنان الخاطر (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ((وَإِنَّهَا)) أي الاستعانة بالصبر والصلاة ((لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ))
فإن الصبر ليس أمراً هيناً، والصلاة الكاملة ليست عملاً سهلاً، إنما قيدنا
الصلاة بالكاملة، لأنها هي التي يستعان بها، أو أن المراد الصلوات
اليومية، وهي صعبة جداً إلا على الذين يخشون الله سبحانه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:19 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

46


ثم فسر الخاشعين بأنهم ((الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ))،
الظن بمعنى اليقين وإما بمعنى الرجحان، ولعل السر في هذا التعبير نون
اليقين، للإشارة إلى أن أدنى مراتب الرجحان يوجب الخشوع، فإن من يظن أنه
يلاقي الملك لعبثه <لبعثه> ذلك على التهيئة، فكيف بمن يظن أنه يلاقي
مالك الملوك؟ وملاقات الله كناية عن الحضور للمحاسبة، وإلا فالله سبحانه
ليس أدنى إلى الناس في القيامة منه إليهم في الدنيا، ((وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) والرجوع إليه معنوي كما تقدم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

47

((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ))
تكرار للتركيز والإلفات، فإن الإنسان ربما كان غافلاً حين التذكير الأول،
فيذكر ثانياً وثالثاً، بالإضافة إلى أن النفس إذا كُررت عليه الموعظة رسخت
فيها، ((وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ))
التفضيل على عالمي<ن> زمانهم لا على كل العوالم، فإن الظاهر من هكذا
تفضيلات هو الاختصاص، فلو قيل أن الدولة الفلانية أقوى الدول، لم يُفهم
منه إلا الأقوائية من الدول المعاصرة لها لا كل دولت أتت وتأتي، ثم أن
تفضيلهم على العالمين إنما كان لأجل إيمانهم بموسى، بينما كان العالم بين
كافر به عناداً - كفرعون ومن تبعه - أو جهلاً كمن كان في البلاد البعيدة
التي لم تبلغهم دعوة موسى فكانوا قاصرين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

48

((وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً))
أي لا تُغني، فلا تدفع نفس عن نفس مكروهاً، وإنما الأمر كله لله، حتى
الشفاعة تكون بإذنه، والمراد بذلك اليوم القيامة، ومعنى التقوى منه
الاستعداد له، ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا)) أي من النفس ((شَفَاعَةٌ)) إلا إذا أذن الله للشفيع ((وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا)) أي من النفس ((عَدْلٌ)) أي فدية، وإنما سميت الفدية عدلاً لأنها تعادل المُفَدّى ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ))
فإن طريق الخلاص في الدنيا إحدى هذه الأربعة، وليست شيء منها في الآخرة،
إلا إذا أذن الله في الشفاعة، وعدم الاستثناء من "شفاعة" لأجل أن المراد
منها الشفاعات الارتجالية كما هو المعتاد في الدنيا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

49

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل نعمةً أنعمناها عليكم ((إِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ))،
ومن المتعارف أن ينسب الشيء المرتبط ببعض الأمة إلى جميعها، إذ يجمعهم
العطف والهدى والانتصار، فيقال: "بنو تميم قتلوا فلانا،" وإنما قتله بعضهم،
أو "عشيرة فلان شجعان،" وإنما جماعة منهم كذلك، ولذا قال سبحانه
"نجيناكم"، وقد كان التنجية بالنسبة إلى أسلافهم، والمراد بآل الرجل وقومه
وخواصه وإنْ لم تكن بينهم قرابة، كما يقال: "آل الله" لأهل البيت (عليهم
السلام). ((يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ)) وسامه خسفاً عذباً بمعنى ألقاه فيه، ثم فسر سوء العذاب بقوله: ((يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ)) التذبيح هو التكثير في الذبح، ((وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ))
أي يدعونهن أحياء، فإن فرعون ملك القبط، لما علم من الكهان أنه يولد في
بني إسرائيل - الذين كانوا طائفة خاصة من آل يعقوب (عليهم السلام) - أمر
بذبح الأولاد، وإبقاء النساء للاسترقاق والنكاح، ((وَفِي ذَلِكُم))
"كم" خطاب فقط، و"ذلك" إشارة، فإذا كان طرف الخطاب واحد يقال: "ذلك"، وإذا
كان اثنين يقال: "ذلكما"، وإذ<ا> كانوا جماعة يقال: "ذلكم"، و"ذا"
هنا إشارة إلى سوء العذاب ((بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ))
إنها كانت النسبة إلى الله تعالى، لأنه لم يحل بين فرعون وبين هذا العمل،
كما يقال أن الأب أفسد ولده إذا لم يحل بينه وبين عمله الفاسد، وعدم حيلولة
الله تعالى لأجل الامتحان والاختبار - كما تقدم - والإنجاء إنما كان
بإهلاك فرعون وقومه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

50

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ))
أي جعلنا فواصل في البحر حتى صارت بين الماء شوارع، وكان عملنا بسببكم
ولأجلكم، والمراد بالبحر البحر الأحمر في مصر، وقد كان طول الشوارع التي
أسفرت عنها الماء ما يقرب من أربعة فراسخ، فإن موسى (عليه السلام) وبني
إسرائيل فروا من فرعون فوصلوا إلى البحر، وعقبهم فرعون وقومه، فأمر الله
موسى أن يضرب بعصاه البحر، فضرب، فانحسر الماء عن الشوارع حتى عبر بنو
إسرائيل، واتبعهم فرعون وجنوده، ولما توسطوا الماء، وخرج موسى (عليه
السلام) وقومه، رجع الماء إلى حالته الأولية، فأغرق فرعون وقومه، ((فَأَنجَيْنَاكُمْ)) من عدوكم ((وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ)) مع فرعون، ولم يذكر تغليباً للآل عليه ((وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)) كيف أغرقناهم لأجلكم، ولا يخفى أن الإعجاز هين بالنسبة إلى الله سبحانه، فتأويل بعض الناس للمعاجز انهزام مادي غربي.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

51

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً))،
واعد بمعنى أنه وعد، وأن موسى (عليه السلام) قَبِل، ولذا جيء بصيغة
المفاعلة، ولا ينافي كون الوعد هنا أربعين ليلة، وفي آية أخرى ثلاثين، فإن
هذه آية بالنسبة إلى الوعدين، وفي الآية الأخرى بالنسبة إلى الوعد الأول،
فقد كان الله سبحانه وعد موسى أولاً ثلاثين، ثم مدده وأضاف عشراً، والوعد
كان لإعطاء الثورة التي فيها أحكام الله وتنظيم أمور بني إسرائيل الذي هو
نعمة عظيمة، ((ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ))،
أي من بعد موسى (عليه السلام)، أي وقت ذهابه إلى الطور للوعد، فإنهم - بعد
ما ذهب موسى (عليه السلام) لميقات ربه - صنعوا عجلاً من ذهب، وجعلوه إلهاً
لهم، وسجدوا له، فقابلوا نعم الله عليهم بالكفران وعبادة العجل، ((وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ))، جملة جمالية، والمراد ظلمهم بأنفسهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

52

((ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ)) عبادتكم للعجل ((مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)) الاتخاذ ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) نعمنا عليكم، فتعملوا بأوامرنا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

53

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ آتَيْنَا مُوسَى)) نبيكم ((الْكِتَابَ)) وهو التوراة ((وَالْفُرْقَانَ)) أي الفارق بين الحق والباطل، فهو أهم من الكتاب، ((لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) و"لعل" ليس ترجياً من الله سبحانه بل بمعنى عاقبة الترجي.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:19 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

54


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ)) الذين عبدوا العجل وقت ذهاب موسى إلى الطور لتلقي الأوامر من الله سبحانه ((<يَا قَوْمِ> إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ)) إلهاً، فإن اتخاذه موجب للغضب والذلة في الحياة الدنيا والآخرة ((فَتُوبُواْ)) توبة ((إِلَى بَارِئِكُمْ)) الذي برأكم وخلقكم وهو إلهكم، ((فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)) بأن يقتل من لم يعبد العجل من عبده ولو كان قريباً له، فإنه كفارة للقاتل حيث سكت ولم يتكلم وللمقتول حيث عبد العجل، ((ذَلِكُمْ)) القتل ((خَيْرٌ لَّكُمْ))، إذ إن الألم القليل خير من عذاب النار الدائم ((عِندَ بَارِئِكُمْ))، متعلق بخير، أي أن هذا العمل خير عند الله وفي حكمه وإرادته، وذلك مقابل الخير عند الناس الذي هو بالبقاء والعيش في الدنيا، ((فَتَابَ عَلَيْكُمْ)) بعدما سمعتم الأمر بأن تبتم، وقتل بعضكم بعضاً، ومعنى تاب عليكم قبل توبتكم، ((إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) بكم، فلم يغضب عليكم حتى لا يقبل توبتكم أبداً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

55

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ)) بأن لنا إلهاً خلقنا وبيده أمورنا، أو لن نؤمن لك بأنك نبي مبعوث من قبل الله سبحانه ((حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً))،
أي علانيةً وعياناً، فيخبرنا بذلك، وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين
رجلاُ يحضرون معه إلى الميقات لما طلبت منه بنو إسرائيل ذلك، ولما جاؤوا
طلبوا رؤية الله تعالى، ((فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ))،
وهي نار تنزل من السماء، أو مادة مذابة من المعدن ونحوه، فتصيب الإنسان
فتقتله، إنهم لما طلبوا رؤية الله سبحانه نزلت صاعقة من السماء فقتلتهم
جميعاً ((وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ))، حال نزولها، وسبب موتكم، فكان ذلك دليلاً لكم على ذنبكم وخطأكم، ولم يكن موتاً لم يعرف سببه حتى تقولوا أنه أمر طبيعي.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

56

((ثُمَّ بَعَثْنَاكُم)) أي أحييناكم لمّا طلب موسى (عليه السلام) ذلك لئلا يقول الباقي من بني إسرائيل أنه (عليه السلام) قتلهم في الطور ((مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ)) بسبب الصاعقة، ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) نعمنا عليكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

57

((وَ))
اذكروا يا بني إسرائيل إذ كنتم في التيه حين أُمرتم بحرب العمالقة فعصيتم،
فبقيتم في الصحراء مدة مديدة، وكنتم تتأذون من حر الشمس، ولم يكن لكم مأكل
فـ((ظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ)) بأن جعلناه سترةً لكم تقيكم من حر الشمس وبرد القمر، ((وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى))،
"المن" شيء يشبه "الترنجين"، مادة حلوة، كانت تقع على أشجارهم فيأكلوها،
والسلوى طير سماني، وإنزال السماني إما بكون هذه الطير - كان - كثيراً في
التيه، فكانوا يصطادونه، أو بأنه كان ينزل عليهم الطير المشوي، وقلنا لكم: ((كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)) طيبٌ مذاقاً وحقيقة، لكونه حلالاً، لكنهم كفروا بعد كل هذه النعم، ((وَمَا ظَلَمُونَا)) بكفرانهم، فإنهم لن يضروا الله شيئاً، ((وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) لأنهم أورثوا لأنفسهم ذلة في الدنيا وعذباً في الآخرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

58

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قُلْنَا)) لكم بعد أن خرجتم عن التيه ((ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ)) بيت المقدس أو "أريحا"، وهي بلدة قريبة من بيت المقدس، ((فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ)) من الأماكن أو المأكل ((رَغَداً)) واسعا، ((وَادْخُلُواْ الْبَابَ))، أي باب القرية ((سُجَّداً)) جمع ساجد، أي في حال كونكم ساجدين، ((وَقُولُواْ حِطَّةٌ))، أي سجودنا لله حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا، فإن فعلتم ذلك ((نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ)) السالفة، ((وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)) منكم من خير الدنيا وخير الآخرة على ما يستحقون، كما قال سبحانه (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

59

((فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)) فقالوا "حنطة حمراء خير لنا" عوض "حطة "، كما أنهم دخلوا باستاههم عوض أن يدخلوا سجدا، ((فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ)) فيما فعلوا ((رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء))، الرجز العذاب ((بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)) أي بسبب عصيانهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

60

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ)) أي سأل موسى من الله تعالى أن يسقيهم، وذلك حين كانوا في التيه، ولم يكن لهم ماء فظمئوا ((فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ))، وعصاه هي التي صارت ثعبانا، والحجر إما كان حجراً خاصا أو مطلق الحجر ((فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً)) بعدد أسباط بني إسرائيل، فانهم كانوا إثنتا عشرة قبيلة، فكانت تجري لكل قبيلة عين ((قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ)) أي كل قبيلة ((مَّشْرَبَهُمْ)) أي موضع شربهم، ((كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ)) الفساد ((مُفْسِدِينَ)) حال مؤكدة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

61

((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى)) حين كنتم في التيه وينزل عليكم المن والسلوى ((لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ))، أي قسم واحد من الطعام ولو كان ذا لونين، فالمراد بالوحدة التكرر في كل يوم، ((فَادْعُ))، أي فاسأل ((لَنَا))، أي لأجلنا ((رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ))، أي من نباتها ((مِن بَقْلِهَا)) البقل أنواع الخضر ((وَقِثَّآئِهَا)) الخيار ((وَفُومِهَا)) الحنطة ((وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)) حتى نتقوت بها ونأكلها عوض المن والسلوى.

((قَالَ)) له<م> موسى (عليه السلام): ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))،
أي تتركون ما هو الأفضل مما اختاره الله لكم إلى ما هو الأدون مما ترغبون
إليه، وكونها أفضل وأدون إما باعتبار السهولة والصعوبة أو باعتبار الطعم
واللذة أو باعتبار التقوية والتغذية، وعلى أي حال، دعا موسى واستجاب الله
دعاءه، وقال لهم: ((اهْبِطُواْ مِصْراً)) من الأمصار ((فَإِنَّ لَكُم)) في المصر ((مَّا سَأَلْتُمْ)) من الأطعمة، ((وَ)) لكن اليهود - بسبب تمردهم وعصيانهم ولجاجتهم المستمرة - ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)) فهم أذلاء في الأرض، لا حكومة لهم مستقلة، ولا عزة لهم عند الناس ((وَالْمَسْكَنَةُ))
فإنهم مع ثروتهم أحيانا لا يفارقون المسكنة، حيث أنهم دائمو التبؤس
لمخافتهم من الفقر، وهذه الآية من معاجز القرآن الكثيرة، فان اليهود لم تقم
لهم حكومة من تاريـخ القرآن إلى هذا اليوم إلا بحبل من الناس، واتصال
بالحكومات القوية، ((وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ))، "باء" أي رجع، والمراد أنهم بعملهم السيئ غضب الله عليهم، ((ذَلِكَ)) المذكور من ضرب الذلة والمسكنة والرجوع بالغضب ((بِ)) سبب ((أَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)) المنزلة على موسى (عليه السلام)، حيث لم يكونوا يطيعون، ((وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ))، فإن الأنبياء تواترت إليهم لكثرة لجاجتهم، فكانوا يقتلونهم، وقوله تعالى ((بِغَيْرِ الْحَقِّ)) قيد توضيحي، إذ لا يكون قتل النبي حقا أبدا، وذلك بخلاف ما لو قيل يقتل البشر بغير الحق، ((ذَلِكَ)) المذكور من كفرانهم وقتلهم الأنبياء، ((بِمَا عَصَواْ))، أي بسبب عصيانهم للأوامر العقلية والشرعية ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) فإن عصيانهم واعتداءهم صار سبباً للقتل والكفر، وهما سببا ضرب الذلة والمسكنة والغصب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:20 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

62


((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) من المسلمين ((وَالَّذِينَ هَادُواْ)) أي صاروا يهوداً باليهودية ((وَالنَّصَارَى)) المؤمنين بعيسى (عليه السلام) ((وَالصَّابِئِينَ)) وفيهم غموض وخلاف، وربما قيل أنهم عبدة النجوم ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) حقيقةً، ((وَعَمِلَ صَالِحاً)) مما أمر به الله سبحانه ((فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) لا في الدنيا ولا في الآخرة- كما تقدم- ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) فلا ييأس أحد من روح الله ما دام في الدنيا، وإنما قيدنا "من آمن" بـ"حقيقة" لئلا ينافي ما في صدر الآية "إن الذين آمنوا".


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

63

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ)): العهد الشديد، وقد تقدم مكان أخذ العهد، ((وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ))
وذلك أن موسى (عليه السلام) لما جاءهم بالتوراة لم يقبلوها، فقطع جبرائيل
(عليه السلام) قطعة من جبل طور ورفعها فوق رؤوسهم مهدداً، أنهم إن لم
يقبلوا التوراة قذفها على رؤوسهم، فقبلوا قبول التوراة مجبرين، وقلنا لكم ((خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ)) أي بجد ويقين وشدة لا تحسدوا عنه، ((وَاذْكُرُواْ)) أي احفظوا واعملوا بـ((مَا فِيهِ)) أي في "ما آتيناكم" وهو التوراة ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) أي تخافون، فإن العامل بأوامر الله يكون خائفاً متقياً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

64

((ثُمَّ تَوَلَّيْتُم))، أي أعرضتم أيها اليهود ((مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)) الميثاق الأكيد، فلم تعملوا بما في التوراة، ولم تتمثلوا أوامرنا، ((فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)) حيث تفضل عليكم بالتوبة، ((وَرَحْمَتُهُ)) بأن رحمكم فلم يؤاخذكم بسيئات عملكم، ((لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ)) في الدنيا والآخرة، فأي <أي> من ينسلخ عنه الإيمان يكون من أخسر الناس.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

65

((وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ))، أي عرفتم أيها اليهود ((الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ))،
أي جاوزوا حدود الله فيه، وذلك أنهم حُرّم عليهم اصطياد السمك في السبت،
فكانت الأسماك تأتي وتتجمع في هذا اليوم لشعورها بأمنها في هذا اليوم، فكان
اليهود يحتالون لأخذها بإيصال الماء إلى أحواضهم، فلما تأتي إليها الأسماك
يوم السبت سدوا طريقها، ثم يصطادونها يوم الأحد، وكان هذا خرقا لحرمات
الله، ((فَقُلْنَا لَهُمْ))، أي للمعتدين ((كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ))،
أي مبعدين عن الخير دنيا وآخرة، لأنكم أيها اليهود الذين شاهدتم هذا المسخ
بالنسبة إلى المعتدي فكيف تعملون خلاف أوامر الله سبحانه؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

66

((فَجَعَلْنَاهَا))، أي جعلنا المسخة التي مسخوا بها والعقوبة التي عوقبوا فيها ((نَكَالاً))، أي عبرة ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا))، أي من كان في زمانهم من سائر اليهود والأمم ((وَمَا خَلْفَهَا))
الذين <الذي> يأتي من بعدهم مما يسمع بأخبارهم، أو يكون معنى
"نكالا" عقوبة، فالمعنى جعلنا المسخة عقوبة للمعاصي التي ارتكبوها مما كانت
بين يدي المسخة، وهو "الاعتداء" وما خلف المسخة من سائر المعاصي التي
كانوا يرتكبونها بعد اعتدائهم في السبت، ((وَ)) جعلناها ((مَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)) لئلا يرتكبوا خلاف أمر الله سبحانه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

67

((وَ))
اذكروا أيها اليهود قصة البقرة، وهي أنهم وجدوا قتيلاً لم يُعرف قاتله،
فرجعوا إلى موسى (عليه السلام)، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ثم
يضربوا القتيل بها ليحيى القتيل ويخبرهم بالقاتل، وكان هذا اختبارا
لإيمانهم، حيث أن كون ضرب ميت بميت موجبا للحياة مما لا يصدقه ضعفاء
الإيمان، ولهذا جعلوا يسألون أسئلة تافهة من موسى (عليه السلام) حول
البقرة.

((إِذْ قَالَ مُوسَى)) (عليه السلام) ((لِقَوْمِهِ)) بني إسرائيل: ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً)) لإحياء القتيل، ((قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً))، أي أتسخرنا وتتخذنا سخرية، فما الربط بين القتيل وبين ذبح البقرة، أو كيف تكون البقرة الميتة سبباً لإحياء القتيل؟ ((قَالَ)) موسى (عليه السلام) ((أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) الذين يستهزئون بالناس، فإن السخرية من شأن الجهال والسفهاء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

68

((قَالُواْ ادْعُ لَنَا))، أي اطلب من أجلنا ((رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ))، أي ما هي البقرة من حيث سنها وعمرها، ((قَالَ)) موسى (عليه السلام): ((إِنَّهُ)) تعالى ((يَقُولُ إِنَّهَا))، أي البقرة يلزم أن تكون ((بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ))، الفارض الكبيرة الهرمة والبكر الصغيرة، ((عَوَانٌ)) أي وسط العمر ((بَيْنَ ذَلِكَ))، أي المذكور بين الصغير والكبير ((فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ)) من ذبح هكذا بقرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

69

((قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ))، أي اسأل من ربك لأجلنا ((يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا))، أي ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها، ((قَالَ)) موسى (عليه السلام): ((إِنَّهُ)) تعالى ((يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء)) اللون ((فَاقِعٌ لَّوْنُهَا))، أي حسنة الصفرة لا تضرب إلى السواد لشدتها، ولا إلى البياض لمقلتها، ((تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)) إليها، أي تعجب الناظرين، وتفرحهم بسبب حسن لونها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

70

ولما بين سبحانه سن البقرة ولونها سألوا عن صفتها، ((قَالُواْ)) يا موسى ((ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ)) البقرة؟ أتكون من العوامل أو من السوائم التي لا تعمل؟ فـ((إِنَّ البَقَرَ)) الذي أمرتنا بذبحه ((تَشَابَهَ))، أي اشتبه ((عَلَيْنَا))، وإنه كيف ينبغي أن يكون؟ ((وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ)) إلى صفة البقرة بتعريف الله سبحانه لنا كيف يجب أن يكون، وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنهم لما شددوا على أنفسهم، شدد الله عليهم، ولو لم يستثنوا ما بينت لهم إلى آخر الأبد."


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

71

((قَالَ)) موسى (عليه السلام): ((إِنَّهُ)) سبحانه ((يَقُولُ إِنَّهَا))، أي البقرة التي أمرتم بذبحها ((بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ)) يذلها العمل، ((تُثِيرُ الأَرْضَ))، أي تعمل وتكرب لإثارة الأرض، ((وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ)) الحرث الزرع، فلا تسقيه بالناعور، والدلاء، والمعنى أن لا تكون عاملة، ((مُسَلَّمَةٌ))، أي سالمة لا نقص فيها، فهي بريئة من العيوب ((لاَّ شِيَةَ)) من الوشي بمعنى اللون ((فِيهَا))، أي لا لون فيها يخالف لونها، وهذا ليس تأكيد لما سبق، إذ كونها صفراء لا تدل على عدم الوشي فيها، ((قَالُواْ)) لموسى (عليه السلام): ((الآنَ)) وبعد هذه التوضيحات لصفات البقرة ((جِئْتَ بِالْحَقِّ)) الواضـح، أو بما هو حق الكلام مقابل الإجمال الذي قاله (عليه السلام) سابقا بقوله "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"، ((فَذَبَحُوهَا))، أي ذبح اليهود تلك البقرة المأمور بذبحها، ((وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ))، أي كاد أن لا يذبحوا تلك البقرة لغلاء ثمنها، فإنها انحصرت في بقرة واحدة، لم يعطها صاحبها إلا بثمن فاحش.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:20 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

72


((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا)) ادارأتم بمعنى اختلفتم، وأصله تدارأتم، ((وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) من أمر القاتل، وإنه مَنِ القاتل، ولماذا قتل.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

73

((فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ))، أي اضربوا القتيل ((بِبَعْضِهَا))، أي ببعض البقرة المذبوحة التي أمروا بذبحها، ((كَذَلِكَ)) أي مثل هذا الإحياء ((يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى)) في يوم القيامة، فإن القتيل لما ضرب بالبقرة قام حيا وأوداجه تشخب دما، وأخبر بسبب قتله وبالذي قتله، ((وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ)) في الكون وفي أنفسكم، أو بمعنى يريكم معجزاته، ((لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، أي كي تستعملوا عقولكم.

ولعل وجه تأخير آية "وإذ قتلتم" على الآيات السالفة - مـع
أن النظم يقتضي تقديمها - إن السياق لبيان لجاجة اليهود وعدم إطاعتهم
الأوامر، فكان المقتضى تقديم ما يدل على ذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

74

((ثُمَّ)) من بعد ما رأيتم هذه الآيات أيها اليهود ((قَسَتْ قُلُوبُكُم))، أي غلظت ((مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)) المذكور من آيات الله تعالى، أو من بعد ذبح البقرة، وما رأيتم من إحياء الله الميت، ((فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ)) في القسوة للمعقول بالمحسوس ((أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً))، وبين سبب أشديتها قسوة بقوله: ((وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا)) اللام للتأكيد، و"ما" موصولة، أي الحجر الذي ((يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ)) فيكون مبعثا للخير نافعا، بخلاف قلوبكم التي لا يأتي منها إلا الشر، ((وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ)) أصله تشقق ((فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء))، فيكون عينا وإن لم يجْرِ، وبهذا يفترق عن السابق، وهو ما يتفجر منه الأنهار، ((وَإِنَّ مِنْهَا))، أي من الحجارة ((لَمَا يَهْبِطُ))، أي ينزل من الجبل ويسقط ((مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ))،
فإن كل حجارة تسقط، لابد وأن تكون سقطتها بإذن الله ومن خشيته خشية واقعية
أو تشبيه، كالذي يخشى كثيرا فيسقط على وجهه، وقلوبكم أيها اليهود أقسى من
تلك الحجارة، إذ لا تخشى من الله سبحانه، ولا تتواضع لعظمته ((وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) أيها اليهود، فيجازيكم بسيئات أعمالكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

75

((أَفَتَطْمَعُونَ)) أيها المسلمون ((أَن يُؤْمِنُواْ))، أي يؤمن اليهود ((لَكُمْ))،
أي لنفعكم، إذ كل من آمن يكون في نفع المؤمنين السابقين، أو بمعنى الإيمان
بمبادئكم، وهذا استفهام انكاري، أي لن يؤمن هؤلاء اليهود بالإسلام، ((وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ)) أي من هؤلاء، وهم أسلافهم، وإنما صحت النسبة إليهم، أن الأمة الواحدة والقبيلة الواحدة تكون متشابهة الأعمال والأفعال والأقوال، ((يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ)) الذي يتلوه الأنبياء عليهم، ((ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ))
بالزيادة والنقصان لفظاً أو معنىً، كما هو المتعارف عند من يريد نقل كلام
لا يرتضيه، فإنه إما أن ينقص فيه أو يزيد - لو وجد إلى ذلك سبيلا - وإما أن
يفسره بغير ما أراد المتكلم ((مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ))، وفهموه ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، فكيف يؤمن هؤلاء الذين كانوا يعملون بكلام الله بعد تعقل هذا العمل.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

76

((وَإِذَا لَقُواْ)) من الملاقاة، أي لقي اليهود، وكانت هذه خصلة بعضهم نسبت إلى الجميع، كما هو المتعارف من نسبة ما يقوم به البعض إلى الجميع، ((الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا))
بأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا موجود في كتبنا بوصفه وحليته،
ولم يقصدوا الإيمان الحقيقي كسائر المسلمين، ولا الإيمان الظاهري
كالمنافقين، وإنما أريد الإيمان بمعناه اللغوي، وهذا ذم لهم، حيث أنهم
اتصفوا بصفات المنافقي،ن ((وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ)) وجمع هؤلاء اليهود وغيرهم من سائر اليهود مجلس خال عن المؤمنين ((قَالُواْ))، أي قال من لم يكن يظهر الإيمان لمن أظهره: ((أَتُحَدِّثُونَهُم))، أي لماذا تحدثون المسلمين ((بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ)) أي بما عرفكم الله في كتابكم، بأن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حق؟ يقال فتح عليه باب العلم إذا أرشده إليه وعلمه به ((لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ))،
أي إذا أظهرتم أنتم أيها اليهود للمسلمين أن في كتابكم صفات محمد (صلى
الله عليه وآله وسلم) حاجوكم يوم القيامة عند الله فيقول المسلمون لليهود
المظهرين أنتم ذكرتم أن في كتابكم صفات النبي، فلم لم تؤمنوا به ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أيها اليهود المظهرين للمسلمين، إن إظهاركم سبب لغلبة المسلمين عليكم في الحجة عند الله.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

77

((أَوَلاَ يَعْلَمُونَ))، يعني اليهود المنافقين، ((أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ)) يسر بعضهم إلى بعض ((وَمَا يُعْلِنُونَ))، وما الفائدة في أن لا يظهروا صفات النبي؟ فإن الله يعلم أنهم يعلمون صفاته ولا يؤمنون به عناداً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

78

((وَمِنْهُمْ))، أي من اليهود ((أُمِّيُّونَ))، منسوب إلى الأم، بمعنى من لا يقرأ ولا يكتب كأنه نشأ تحت تربية أمه، لا تحت تربية المعلم ((لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ))،
الأماني جمع أمنية، كالأغاني جمع أغنية، والأماني الأحاديث المختلفة، أي
أنهم لا يعرفون ما في التوراة من صفات النبي وغيرها، وإنما هم جهلاء،
يأخذون أمور الكتاب عن علمائهم محرفه مختلفة، فلا يميزون بين الحق والباطل ((وَإِنْ هُمْ))، أي ما هم ((إِلاَّ يَظُنُّونَ)) بصحة ما يسمعون، ولا يتيقنون لأنهم لم يطالعوا الكتب بأنفسهم حتى يعرفون ما فيه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

79

((فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ))، أي لعلمائهم الذين ((يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ))، أي التوراة ((بِأَيْدِيهِمْ))، كنايـة عن أنها غير منزلة، وإنما مكتوبة، مبعثها الأيدي لا الوحي والإلهام ((ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا)) المكتوب ((مِنْ عِندِ اللّهِ))، وإنه منزل منه، ((لِيَشْتَرُواْ بِهِ))، أي بما يكتبونه ((ثَمَناً قَلِيلاً))،
لأنهم لو كانوا يظهرون ما في التوراة حقيقة رجع مقلدوهم إلى النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)، فلم يكونوا يبذلون لهم الأموال والاحترام، ((فَوَيْلٌ لَّهُم))، أي للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ((مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ))، فإنه يوجب عذاباً، لأنه تحرير لكلام الله تعالى، ((وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ))
من الأموال إزاء تحريفاتهم، فإن ثمن الحرام حرام آخر، وذلك موجب للعذاب
فإنه أكل للأموال بالباطل، والويل أصله الهلاك والعذاب، ثم استعمل في كل
واقـع في الهلكة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:21 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

80


((وَقَالُواْ))، أي قال قسم من اليهود: ((لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً))، فلن نعذب في جهنم إلا سبعة أيام أو ما أشبه على تقدير كفرنا وعصياننا، فلماذا نترك رئاسة الدنيا خوفاً من عذاب قليل؟ ((قُلْ)) يا رسول الله لهم: ((أَتَّخَذْتُمْ))، أي هل اتخذتم ((عِندَ اللّهِ عَهْدًا)) بذلك؟ ((فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ)) كذبا وزورا ((عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ))؟ ومن أدراكم، إن العذاب أيام معدودة؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

81

((بَلَى)) ليس الأمر كما قالوا، لكن ((مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَ)) لم ينقلع عنها، بل ((أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)) كالإنسان الذي يقع في دخان حيث يحيط به الدخان، حتى لا يتنفس ولا يبصر ولا يسمع إلا في الدخان، وكذلك المشرك المنحرف في الخطيئة، ((فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) إلى الأبد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

82

((وَالَّذِينَ آمَنُواْ)) بقلوبهم وألسنتهم، ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) التي أمر بها الإسلام، ((أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) بها لا انقطاع لها ولا زوال.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

83

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ))، عهدهم الأكيد على لسان أنبيائهم، بأن ((لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ)) وحده ((وَ)) بأن أحسنوا ((بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً))، ولا تسيئوا إليهما ((وَ)) أحسنوا إلى ((ذِي الْقُرْبَى)) أقربائكم ((وَالْيَتَامَى)) الذين مات والدهم ((وَالْمَسَاكِينِ)) الفقراء، ((وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)) وذلك يشمل جميع أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد ورد الاعتداء بالحسن، ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ)) وهما في سائر الأمم لم يكونا بهذا الشكل الموجود فعلا في هذه الأمة، ((ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ))، أعرضتم، ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ)) الذين عملوا بأوامرنا، ((وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)) تأكيداً لقوله "توليتم".


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

84

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ))، عهدكم الأكيد على لسان الأنبياء ((لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ))، أي لا يسفك بعضكم دماء بعض، ((وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ))، أي لا يخرج بعضكم بعضاً من الديار، بأن يسفرهم ويبعدهم، ((ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ)) بذلك الميثاق بأن أعطيتمونا العهود بذلك ((وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)) أيها اليهود بوقوع هنا الميثاق بيننا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

85

((ثُمَّ)) بعد ذلك الميثاق ((أَنتُمْ هَؤُلاء)) الذين ((تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ)) مخالفه لأوامرنا، ((تَظَاهَرُونَ)) أنتم، أي يتعاون بعضكم مع بعض في إخراجكم لهم تظاهراً ((عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) لا إخراجا بالحق، ((وَ)) الحال ((إِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ))
أي كيف يخرج بعضكم بعضا، ويقتل بعضكم بعضا مع إنكم إذا وجدتم بعضكم أسيرا
في أيدي غيرهم تعطون الفدية لخلاصهم، فإن كان بينكم عداء، فما هذه الفدية؟
وإن كان بينكم وداد فما هذا القتل والإخراج، روي عن ابن عباس أن قريظة
والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج، فافترقوا فكانت النضير مـع الخزرح،
وكانت قريضة مع الأوس، فإذا اقتتلوا عاونت كل فرقة حلمائها، فإذا وضعت
الحرب أوزارها فدوا أسراها تصديقا لما في التوراة، وروي عن آخر أن اليهود
كان إذا استضعف جماعة آخرين أخرجوهم من ديارهم ((<وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ > أَفَتُؤْمِنُونَ)) أيها اليهود ((بِبَعْضِ الْكِتَابِ))، أي التوراة القائل بوجوب إعطاء الفدية لأسراكم، ((وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)) القائل بحرمة القتل والإخراج والتظاهر بالإثم والعدوان؟ ((فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ))، احكموا أنتم بانفسكم، ((إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) بالتفرقة والضعف والمهانة عند سائر الأمم، ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) بمخالفتهم أوامر الله سبحانه، ((وَمَا اللّهُ))، أي ليس الله ((بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ))، فإنه يعلم أعمالكم، فيجازيكم عليها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

86

((أُولَئِكَ)) اليهود الذين خالفوا الأوامر بتلك الأفعال، ((الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ)) فباعوا الآخرة، وأخذوا الدنيا بدلها، ((فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ)) يوم القيامة، ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) هناك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

87

((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ))، أعطينا التوراة إياه، ((وَقَفَّيْنَا))، أي أردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض ((مِن بَعْدِهِ))، أي بعد موسى، ((بِالرُّسُلِ))، رسولا يتبـع رسولا، ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ))، جمع بينة، أي الدلالة الواضحة، وهي المعجزات التي أعطيت لعيسى (عليه السلام) من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ((وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))،
التأييد التقوية وروح القدس إما جبرائيل (عليه السلام) أو روح قوية من
الله سبحانه فيه تقوية على التبليغ والإرشاد مـع كثرة أعدائه، ((أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ)) أيها اليهود ((رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ)) ولا يمثل إليه من الأحكام ((اسْتَكْبَرْتُمْ)) وتكبرتم عن قبول أحكام الله سبحانه، ((فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ)) - كعيسى ومحمد صلوات الله عليهما، ((وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)) - كزكريا ويحيى (عليهما السلام)؟ وهذا استفهام إنكاري عليهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

88

((وَقَالُواْ))، أي قالت اليهود للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ((قُلُوبُنَا غُلْفٌ)) جمع أغلف، بمعنى إنها في غطاء وغلاف عن هدايتكم، فلا تصل الهداية إليها، كما في آيه أخرى (وقالوا قلوبنا في أكنة)، ((بَل)) ليس كذلك، وإنما ((لَّعَنَهُمُ اللَّه)) وأبعدهم عن الخير ((بِـ)) سبب ((كُفْرِهِمْ))، فإنهم لما كفروا ولم يمتثلوا أوامر الله أبعدهم الله عن الخير، كمن لا يسمع شخص أمره، فيتركه، ولا يعتني به ((فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ)) لما ران على قلوبهم، وأظلمت نفوسهم بالكفر.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:21 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

89


((وَلَمَّا جَاءهُمْ))، أي اليهود ((كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ))، هو القرآن، ((مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ))،
أي الكتاب الذي مـع اليهود، وهو التوراة، فإن القرآن يصدق التوراة الحقيقي
المنزل على موسى (عليه السلام)، (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور)، ((وَكَانُواْ))، أي اليهود ((مِن قَبْلُ))، أي قبل أن يأتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ينزل القرآن ((يَسْتَفْتِحُونَ))، أي يطلبون الفتح من الله ((عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ))، فإنهم كانوا يدعون الله أن يبعث الرسول حتى يكونوا أرجـح كفة من الكفار، ((فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ))، أي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي عرفوه بصفاته ومزاياه ((كَفَرُواْ بِهِ))، وأخذوا يحاربوه، بل فوق ذلك أنهم كانوا يرجحون الكافرين على الرسول والمؤمنين قائلين (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)، ((فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى)) اليهود ((الْكَافِرِينَ)) بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالقرآن، وهم يعرفون ذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

90

((بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ))، أي بئس الشيء الذي باع اليهود بذلك أنفسهم، فأعطوا أنفسهم للعذاب الأبدي، واشتروا الكفر ((أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ))
بدل "ما"، أي بئس الكفر الذي أخذوه مقابل أنفسهم، وذلك تشبيه، فكأن الكفر
والإسلام سلعتان فمن اختار أحدهما باع نفسه بذلك الشيء، إذ يصرف نفسه في
سبيل ذلك، فإذا باع نفسه مقابل الإسلام كان نعم ما اشترى به نفسه، وإذا باع
نفسه مقابل الكفر كان بئسما اشترى به نفسه، واشترى هنا بمعنى البيـع، كما
قال: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)، ((بَغْياً))،
أي حسداً، وهو علة لاشترائهم السيئ، أي كان سبب شرائهم الكفر الحسد الذي
كان فيهم لمحمد (صلى الله عليه وآله سلم)، حيث أنه من ولد إسماعيل لا من
ولد جدهم إسحاق (عليهما السلام)، ((أَن يُنَزِّلُ اللّهُ)) الدين ((مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ))، و"أن ينزل" متعلق بـ"بغيا"، أي أن الحسد من جهة نزول القرآن على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دون غيره، ((فَبَآؤُواْ))، أي رجع اليهود ((بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ))،
فإنهم كانوا مغضوباً عليهم من جهة تعدياتهم في زمان موسى وعيسى وسائر
الأنبياء (عليهم السلام)، فغضب الله عليهم مرة أخرى من جهة كفرهم بمحمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) ((وَلِلْكَافِرِينَ)) الذين من أظْهَر مصاديقهم اليهود ((عَذَابٌ مُّهِينٌ))، وهو العذاب الذي يذل صاحبه ويهينـه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

91

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ))، أي لليهود ((آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ)) على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا)) من التوراة، ((وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ))، أي وراء ما نزل عليه من كتاب عيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((وَهُوَ))، أي ما وراء كتابهم ((الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ)) والجملة حالية، ((قُلْ)) إنكم تكذبون في قولكم "نؤمن بما أنزل علينا"، فإنك<م> لستم بمؤمنين حتى بالتوراة، وإلا ((فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ)) في السابق ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالتوراة، فإن كتابكم حرم قتل الأنبياء، فأنتم لستم بمؤمنين لا بكتابكم ولا بما بعد كتابكم من الإنجيل والقرآن.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

92

((وَ)) كيف تقولون "نؤمن بما أنزل علينا" وعملكم يدل على خلاف ذلك؟ فـ((لَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ))، أي بالحجج الواضحة، ((ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ)) إلهاً لكم ((مِن بَعْدِهِ))، أي بعد رواحه إلى الطور، ((وَ)) الحال ((أَنتُمْ ظَالِمُونَ)) لأنفسكم في عبادة العجل، فلو كنتم مؤمنين بما نُزِّل عليكم لم تتخذوا العجل إلها؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

93

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ)): عهدكم الشديد بالعمل بالتوراة، ((وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ))، أي قطعة من جبل الطور- كما تقدم - وقلنا لكم ((خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ))، أي بشدة، بمعنى العمل بكل ما في الكتاب عملاً مستمراً قوياً، ((وَاسْمَعُواْ)) أوامر الله سبحانه. ((قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا))، حكاية حالهم، ويحتمل أنهم قالوه بلفظهم استهزاء، ((وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)) فكما أن من شرب الماء يدخل الماء في جوفه كذلك اليهود دخل العجل- أي حبه - في قلوبهم ((بِـ)) سبب ((كُفْرِهِمْ)) بالله سبحانه، ((قُلْ)) يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: ((بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ)) الذي قلتم (نؤمن بما أنزل علينا)، فإن الإيمان الذي يأمر باتباع العجل ليس إيمانا وإنما هو كفر، ((إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ))،
وهذا استهزاء لهم، ثم إنه إنما كرر "رفـع الطور" للدلالة على أنهم عكسوا
الميثاق الذي أخذ منهم - حال الرفـع - بل اتخذوا العجل إلهاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

94

((قُلْ)) يا رسول الله لهؤلاء اليهود، الذين يقولون أن الآخرة هي لهم وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من النصارى والمسلمين وغيرهما: ((إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ)) عند الله، صفة للدار الآخرة، أي الدار التي هي عند الله، ومن دون الناس صفة لخالصته، أو لقوله "لكم" ((فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ))، لأن من يدري أن مصيره إلى الجنة لابد وأن يتمنى الموت، حتى يخلص من آلام الدنيا وأتعابها ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالكم وكنتم تعتقدون ما تقولونه بألسنتكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

95

ثم أخبر سبحانه بأنهم ليسوا صادقين ((وَ)) الدليل على ذلك أنهم ((لَن يَتَمَنَّوْهُ))، أي الموت ((أَبَدًا)) في حين من الأحيان ((بِـ)) سبب ((مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)) من المعاصي والمنكرات والكفر، وإنما نسب التقديم إلى اليد لأنها الآلة الظاهرة في تقديم الأشياء المحسوسة غالباً، ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ))، فلا يفتر بمقالهم إن لهم الآخرة وإنهم أحباء الله، دون من سواهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

96

((وَ)) كيف أنهم يتمنون الموت، والحال أنك يا رسول الله ((لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ))، فإنهم أشد حرصاً من سائر الناس على البقاء في الدنيا، لأنهم يعلمون أن آخرتهم إلى النار والعذاب، ((وَ)) حتى أنهم أحرص ((مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) إذ المشرك يزعم أنه لا شيء وراءه، فيكون حريصا على البقاء لئلا يفنى، وهؤلاء حيث يعلمون العقاب، يكونوا أحرص من المشركين، ((يَوَدُّ))، أي يحب ((أَحَدُهُمْ))، أي كل واحد منهم ((لَوْ يُعَمَّرُ)) ويطول عمره ((أَلْفَ سَنَةٍ)) حتى لا يذوق العذاب عاجلاً، ((وَ)) الحال ((مَا هُوَ))، أي ليس التعمير ألف سنة ((بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ))، زحزحه أي نحاه، وقوله ((أَن يُعَمَّرَ)) بدل "هو"، أي ما التعمير بمزحزحه من العذاب، فما الفائدة في البقاء ألف سنة لمن عاقبته النار، ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) من الكفر والسيئات، فيجازيهم عليها يوم القيامة بالنار والعذاب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:22 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

97


((قُلْ))
يا رسول الله لليهود الذين جاؤوك وقالوا لك لو أن الملك الذي يأتيك
ميكائيل لامنا بك، فإنه ملك الرحمة يأتي بالسرور والرخاء وهو صديقنا،
وجبرائيل ملك العذاب ينزل بالقتل والشدة والحرب وهو عدونا، فإن كان ينزل
عليه جبرائيل لا نؤمن به. ((مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ)) ليس سببا فيما يعمل حتى تتخذونه عدواً، بل إنه ((نَزَّلَهُ))، أي القرآن ((عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ)) لا من عند نفسه ((مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ))، أي للكتاب الذي قبله وهو التوراة ((وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ))، فأي ذنب لجبريل (عليه السلام) حتى تتخذونه عدواً ولا تؤمنون بالكتاب الذي يأتي به.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

98

((مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ))، أي يفعل فعل المعادي من الإتيان بما يكرهه سبحانه ((وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ))، وإنما خصهما بالذكر لأنهما موضع البحث مـع اليهود ((فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ))، إذ كل من يعادي أحد هؤلاء يكون كافرا والله عدو لمن كفر، أي يفعل معه فعل المعادي من الإهانة والتعذيب والعقاب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

99

((وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ)) يا رسول الله ((آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)) واضحات ((وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ)) الفاسق هو الخارج عن طاعة الله سبحانه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

100

((أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ))، أي اليهود ((عَهْداً نَّبَذَهُ))، أي نقضه ((فَرِيقٌ مِّنْهُم))، أي جماعة ((بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ))
وهذا إنكار عليهم في نقضهم عهود الأنبياء السابقة بإطاعتهم ونقضهم عهود
رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم) في قصة نضير وقريضة، والمراد
بالإيمان إما الإيمان بالعهود وإما الإيمان بالله ورسله وإما الإيمان
بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما قال أكثرهم أن بعضهم آمن كعبد
الله بن سلام.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

101

((وَلَمَّا جَاءهُمْ))، أي اليهود ((رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ)) كعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ)) من التوراة ((نَبَذَ فَرِيقٌ))، أي جماعه ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) من اليهود الذين أتاهم الله التوراة ((كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ))، وتركوا أوامره باتباع الأنبياء من بعد موسى ((كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))، أي من أحكام التوراة الإيمان بالأنبياء واتباع الرسل.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

102

((وَاتَّبَعُواْ)) عوض الكتاب السحر، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، وراحوا يتعلقون بـ((مَا تَتْلُواْ)) وتقر ((الشَّيَاطِينُ)) والسحرة ((عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ))
بن داود (عليهما السلام)، حيث أن الشياطين على لسان السحرة على زمان
سليمان كانوا يتلون السحر للناس، و"على" بمعنى "في" كما قال ابن مالك: "على
للاستعلاء ومعنى في وعن"، أي أن اليهود أخذوا يتعلقون بالسحر الذي كان في
زمان سليمان يريدون بذلك جلب الأموال والتقرب إلى الناس، وكانوا يقولون أن
سليمان إنما أوتي الملك العظيم بسبب أنه كان يعمل بالسحر، فرد الله عليهم
بقوله: ((وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ))،
فإن السحر موجب للكفر ولا يخفى أن الكفر على نوعين كفر في العقيدة وكفر في
العمل، فالكفر في العقيدة هو إنكار أصول الدين، والكفر في العمل هو ترك
واجب أو فعل، ولذا شاع استعمال الكفر على ترك الأوامر <و>فعل النواهي
كقوله تعالى: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) في قصة الحـج، وقوله:
(ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) في باب الشكر، وقول النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم): " كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة" وعد منها النمام ونحوه، وعلى أي حال فسليمان ما كان ساحرا ولم ينل ما نال بالسحر، وإنما بالنبوة والموهبة الإلهية، ((وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ))
بعملهم بالسحر وتعليمهم للناس إياه، والشياطين أرواح شريرة تلقي الشر في
النفوس، كما ثبت في العلم الحديث أيضا وغيره في باب التحضير والتنويم
المغناطيسي، ((يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ))، والسحر أمور غير طبيعية تأتي بعلاج خفي ومنه التصرف في العين وفي النفس وفي العقل فيوجب عداوة بين الناس ومرضا وما أشبه، ((وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ)) عطف على قوله "ما تتلوا"، أي أن اليهود تركوا الكتاب واتبعوا سحر الشياطين وسحر الملكين.

ومن قصتهما أن بعد نوح (عليه السلام) كثرت السحرة، فأنزل
الله ملكين في "بابل" على نبي ذلك الزمان حتى يعلما الناس إبطال السحر
فكانا يقولان للناس: "هذا السحر وهذا إبطاله" كالطبيب الذي يكتب كتاب الطب
فيصف الداء وما يسببه والدواء المزيل له فيقول مثلاً أن الشيء الفلاني سم
ودوائه كذا فكان الملكان يعلمان السحر وإبطاله، ويحذران الناس أن يعملوا
بالسحر، وإنما يصران أن يبطلوا السحر، فإذا تعلم منهما الناس أخذ بعضهم
بالسحر - كما أن الشخص يقرأ كتاب الطب فيسقي الناس السم لم يكن ذلك من ذنب
المؤلف للطب وإنما هو من العامل بما يضر الناس.

فقد ترى اليهود كتاب الله وأخذوا بالعلم الذي أَنزَل - أي أنزل الله - على الملكين الذين نزلاً ((بِبَابِلَ)) وهما ((هَارُوتَ وَمَارُوتَ))، ولا يظن أحد أنهما كيف يعلمان السحر للناس وهما ملكان من قبل الله تعالى، ((وَ)) ذلك لأنه ((مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ))، أي ما يعلمان أحد السحر ((حَتَّى يَقُولاَ)) له ((إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ)) وامتحان لك، وكان تعليم للعلاج لا للإضرار، ((فَلاَ تَكْفُرْ)) بأعمال السحر، ((فَيَتَعَلَّمُونَ))، أي الناس ((مِنْهُمَا))، أي من الملكين ((مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)) وما يوجب العداوة والبغضاء بين الزوجين مما يؤول إلى الفراق والطلاق، ((وَ))
لا يتوهم أن الأمر خرج من يد الله سبحانه، كلا بل إنما شاء الله أن يختبر
عباده كما أنه حين يخلق العنب، ويعطي القدرة للبشر، فيعصره خمراً، لا يخرج
الأمر من يده سبحانه، بل إنما ذلك للامتحان والابتلاء، ولهذا قال سبحانه: ((مَا هُم))، أي الملكان ومتعلم السحر منهما ((بِضَآرِّينَ بِهِ))، أي بسبب السحر ((مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ))،
فإن شيئا لا يؤثر في شيء إطلاقا إلا بإذن الله، ومعنى إذنه أنه يخلي بين
المؤثر والمتأثر ولو لم يخل كان عالم الجبر وبطل الامتحان والاختبار،
والمراد بهذه الجملة أن شيئا لا يخرج من إرادة الله سبحانه حتى أن يتمكن من
الردع لكنه لا يردع، ((وَيَتَعَلَّمُونَ))، أي يتعلم الناس من الملكين ((مَا يَضُرُّهُمْ))، أي الشيء الذي يضرهم في دنياهم ودينهم ((وَلاَ يَنفَعُهُمْ))، أكد بذلك رداً لزعمهم أن السحر ينفعهم حيث يوصلهم إلى إعراضهم ((وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ))، أي علم هو المتعلمون للسر <للسحر> أن من اشترى السحر وباع دينه ((مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ))، أي من نصيب، ((وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ))، فإنهم أعطوا نفسهم للنار مقابل اشتراء السحر الذي زعموا إنه ينفع دنياهم، ((لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))، نّزَّل العالم بالشيء منزلة الجاهل حيث لم يعمل بعلمه فإن من لا يعمل بعلمه هو والجاهل سواء.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:23 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

103


((وَلَوْ أَنَّهُمْ))، أي اليهود بدل اتّباع السحر ((آمَنُواْ)) حقيقةً ((واتَّقَوْا)) عن فعل المعاصي ((لَمَثُوبَةٌ))، أي ثواب ((مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ)) لهم في دنياهم وآخرتهم ((لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))، لكنهم حيث لا يعملون بذلك فإنهم لا يعلمونه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

104

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ)) للرسول حين تكلمتم معه ((رَاعِنَا))،
فإن راعنا في اللغة العربية من المراعاة والرعاية، ولكنها في لغة اليهود
بمعنى "أسمعت لا سمعت"، فهو سب ودعاء على المخاطب، وقد كانت اليهود اغتنمت
هذه الكلمة المتشابهة لسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا العنوان،
فكانوا يأتون إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقولون له: "راعنا"،
يريدون بذلك سبه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنهى الله المسلمين عن هذه
النقطة حتى لا يتمكن اليهود من التكلم بهذه الكلمة، ((وَقُولُواْ)) عوض ذلك ((انظُرْنَا))، أي انظر إلينا بنظرتك الرحيمة، ((وَاسْمَعُواْ)) أيها المؤمنون أوامرنا وأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ((وَلِلكَافِرِينَ)) من اليهود الشمّاتين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ستار لفظة "راعنا" ((عَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم في الآخرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

105

((مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)) من اليهود والنصارى والمجوس ((وَلاَ)) من ((الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن)) قِبَل ((رَّبِّكُمْ))، سواء كان معنوياً كالنبوة والإرشاد والوحي أو مادياً كالغلبة والنصر والمال، ((وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء))، فليس إرادة الله تبعاً لإرادة الكفار والمشركين، ((وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ))، فليس فضله خاصاً بقوم من الكفار كما كانت اليهود تزعم أن النبوة فيهم دون غيرهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

106

((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) بأن نرفع حكمها، ونجعل مكانها حكماً آخر ((أَوْ نُنسِهَا))
بأن نرفع رسمها، ونبلي عن القلوب حفظها، والنسيان له <لا؟؟> يقع
بالنسبة إلى القرآن الكريم وإنما بالنسبة إلى الكتب السالفة، ولذا لا يوجد
كثير منها فعلاً، أما النسخ فإنه وقع بالنسبة إلى القرآن - على الأَشْهَر -
وإلى غيره، ((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا))
وإنما يقع النسخ والإنساء فيما يؤتى بالمثل، لأن المثل أصلح من المنسوخ
والمنسي، فمثلاً إذا سقطت ورقة مالية عن الاعتبار فيأتي الحاكم بورقة أخرى
مثلها في القيمة كما يأخذ درهماً من زيد ليعطيه بدله ديناراً، ((أَلَمْ تَعْلَمْ)) أيها اليهودي المنكر للنسخ ((أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))،
فإن اليهود كانوا يلقون الشبهة بأنه كيف يمكن نسخ كتابهم بالقرآن، وإنه إن
كان كتابهم صالحاً فلماذا يُنسخ، وإن لم يكن صالحاً فلماذا أنزله الله
تعالى، وقد كان الجواب أن عدم النسخ إما لعدم مثل أو أصلح وإما لعدم قدرة
الله تعالى على النسخ، وكلا الأمرين مفقودان، فالمثل والأصلح موجودان،
والله على كل شيء قدير.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان


107

((أَلَمْ تَعْلَمْ)) أيها المنكر للنسخ ((أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))؟ فيتصرف فيما يشاء من الأوضاع والأحكام كيف يشاء. ((وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ))، أي من غير الله ((مِن وَلِيٍّ)) يلي أموركم ((وَلاَ نَصِيرٍ))
ينصركم، فهو سبحانه صلاحكم في النسخ والإنساء، فإن المصالح تختلف حسب
اختلاف الأعصار والأشخاص، ولقد كان شأن آيات الله أن تنهض بالبشر مرتبة
فمرتبة حتى وصلت النوبة لرسالة الإسلام، وهذه بُدلت بعض جزئياتها قبل
تمامها وكمالها تحقيقاً للتناسق بين الرسالة وبين العصر حتى إذا كملت لم
يبق مبرر أو تحوير بل تبقى إلى الأبد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

108

((أَمْ تُرِيدُونَ)) أيها المعاصرون للرسول من مسلم وكتابي ومشرك ((أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ)) أسئلة تعنت ولجاجة ((كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ))؟
حيث كانوا يقترحون عليه اقتراحات ويسألونه مُحالات، كقولهم لن نؤمن لك حتى
نرى الله جهرة، فإن المعاصرين كانوا يسألون ما لا يعنيهم أو ما أشبه،
كقولهم (أو تسقط السماء علينا كسفاً)، فقد زجرهم الله سبحانه لهذه الأسئلة
التي لا ترتبط بمقام الرسول والرسالة من بعد ما تبين لهم الهدى، وقوله
"رسولكم" لا يختص بالمؤمنين، إذ يكفي في الإضافة أدنى ملابسة، ((وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ)) بأن يأخذ الكفر ويترك الإيمان الذي من مصاديقه الأسئلة التعنتية - إذ أنها من سمات الكفر والانحراف - ((فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))، أي وسطة الموصل إلى المطلوب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

109

((وَدَّ))، أي أحب ((كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ))، اليهود والنصارى والمجوس ((لَوْ يَرُدُّونَكُم)) أيها المسلمون ((مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً))، فتكونون مثلهم ((حَسَدًا)) منكم كيف صرتم إلى حضرة الإيمان وتقدمتم في الحياة، وهذا الحب ليس من جهة أنهم متدينون فيأسفون عليكم لماذا تركتم الإيمان، بل الحب ((مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)) تشبيهاً وحسب أهوائهم، أي أن مبدأ الحب هوى النفس لا الدين ((مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ))، فليس ذلك لجهلهم بدينكم وحقيقتكم، ((فَاعْفُواْ)) أيها المسلمون عنهم، ((وَاصْفَحُواْ)) عن أعمال الكفار، ولا تقابلوا إساءتهم بالمثل ((حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ))، فيأذن لكم في المبارزة والمقاتلة والمقابلة بالمثل، ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، فيأتي يوم يجعلكم أقوياء فتتمكنوا من محاربة هؤلاء الكفار فيأذن لكم في المبارزة معهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

110

((وَ)) أما فعلاً حيث لم يأت الله بأمره فـ((أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ))، ولا تبارزوا، ((وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم)) من إعطاء الزكاة وسائر الخيرات التي هي لأنفسكم لأنها تعود إليكم في الدنيا بالألفة وفي الآخرة بالثواب ((مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ)) يوم القيامة، ((إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))، فلا يضيع شيء يصرف في وجهه ولا عمل يؤتى لأجله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:23 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

111


((وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى))، قالت اليهود لن يدخلها إلا النصارى، و"هود" جمع "هائد" كـ"عود" جمع "عائد"، ((تِلْكَ)) المقالة ((أَمَانِيُّهُمْ))، جمع "أمنية"، أي رغبتهم الكاذبة، ((قُلْ)) يا رسول الله لهم ((هَاتُواْ))، أي أحضروا وجيئوا ((بُرْهَانَكُمْ)) ودليلكم على ما تدعون ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالتكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

112

((بَلَى)) جواب سؤال تقديره أفليس يدخل الجنة أحد، ومن هو؟ فقيل: "بَلَى" ((مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ))، وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء، فإذا أسلمه الشخص فقد أسلم جميع جوارحه ((وَهُوَ مُحْسِنٌ)) في عمله ((فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))،
فهو يدخل الجنة سواء كان يهودياً في زمان موسى أو نصرانياً في زمان عيسى
أو مسلماً في زمان محمد أو من سائر الأمم في زمان أنبيائها (عليهم الصلاة
والسلام)، وهكذا كلام معه دليله، إذ معيار الدخول في الجنة الإيمان والعمل
الصالح، فلا يقال لمن يقول ذلك: "هاتك برهانك."


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

113

((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ <وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ>)) من دين وإيمان وتقوى، فكل طائفة تجعل نفسها الناجية وغيرها الهالكة، ((وَ)) الحال أن ((هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ))،
والتالي للكتاب لا يحق له أن يقول مثل هذه المقالة، إذ كل منهم يعلم أن
صاحبه على بعض الشيء، فإن اليهود يعرفون أن النصارى لهم إيمان في الجملة،
وكذلك النصارى يعرفون أن اليهود لهم إيمان في الجملة، ((كَذَلِكَ)) القول ((قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) من الكفار ((مِثْلَ قَوْلِهِمْ))،
وهذا تأنيب للطائفتين حيث صاروا كمن لا كتاب له وهو جاهل، فإن الجاهل يمكن
أن يقول ليس اليهود أو النصارى على شيء لأنه يزعم بطلان كليهما، ((فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)) جميعاً ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وهناك يتبين لكل طائفة أنه على شيء أم لا، ((فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ))، ولعل تخصيص الحكم بهناك لأن هناك لا تبقى شبهة في الحكم، بخلاف حكمه سبحانه في الدنيا، فإن من لا يؤمن بالإسلام لا يعترف بحكمه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

114

((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ)) وهي عامة لكل مانع وإن كان ينطبق على أهل مكة الذي منعوا الرسول عن المسجد الحرام وبخت النصر الذي منع عن بيت المقدس ((أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ))، أي لا أحد أظلم من هكذا شخص، والحصر المستفاد من الآية إضافي، وإلا فمن قتل الأنبياء أظلم، ((وَسَعَى فِي خَرَابِهَا))، خرابها معنوياً بمنع المصلين عنها أو خراب العمارة والبناء، ((أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ)) من عذاب الله سبحانه، فمن يسعى في خراب المساجد كيف يدخلها آمناً، أو خائفين من المسلمين أن يعاقبوهم، ((لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)) بالعقاب الإسلامي لمن فعل ذلك، أو إخبار بخزي عن الله سبحانه بمن يسعى في خراب المساجد، ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) حيث يذوق النار مهاناُ، ولعل في هاتين الآيتين أيضاً تلميح إلى فعل اليهود بمنعهم عن المساجد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

115

((وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)) فكلتا الجهتين له سبحانه خلقها، وهما ملك له وحده، ((فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ)) وجوهكم ((فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ))،
وجه الله جانبه، أي إن الله سبحانه محيط بالعلم والقدرة على كل ناحية،
فإذا توجه الإنسان إلى المشرق فقد توجه إلى الله، وإذا توجه إلى المغرب فقد
توجه إلى الله، وليس الله جسماً حتى يكون له مكان معين يلزم التوجه إليه، ((إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ)) علماً وقدرة لأنه محيط بجميع الجهات، ((عَلِيمٌ))
بما يفعله الإنسان من التوجه إلى أية ناحية، وربما قيل بأنها نزلت في رد
اليهود الذين قالوا: كيف انصرف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قبلة بيت
المقدس إلى الكعبة؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

116

((وَقَالُواْ)): (اليهود عزير بن الله)، والنصارى قالوا: (المسيح ابن الله)، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، ((اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا)) إما بأن أولده كما زعم بعضهم أو اتخذ بعنوان التبني، ((سُبْحَانَهُ))، أي أنزهه عن ذلك تنزيهاً ((بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، فكيف يكون المملوك ولداً، إذ الولد ليس ملكاً للوالد، ثم أن الملك تحت التصرف فالتبني لماذا؟ ((كُلٌّ))، أي كل من السماوات والأرض ((لَّهُ)) تعالى ((قَانِتُونَ))، أي خاضعون ومطيعون.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

117

((بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي مبدعهما ومنشئهما وخالقهما، وهذا تأكيداً لما في الآية السابقة من أن (له ما في السماوات والأرض)، ((وَإِذَا قَضَى أَمْراً)) وأراده ((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ))، أي لذلك الأمر المراد ((كُن))، أي يأمره بأن يوجد ((فَيَكُونُ))، أي فيوجد عقيب أمره، فالكون بهذا النحو طوع إرادته وأوامره.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

118

((وَ))
بعد ذكر اختلاف أهل الكتاب ومنعهم - وسائر المشركين - عن المساجد وشركهم
في باب التوحيد، تعرض القرآن الحكيم حول كلامهم بالنسبة إلى المراسلة فقال:
و((قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) موازين الوحي والرسالة ((لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ))، أي هلّا يكلمنا ربنا بأن يأمرنا بأوامره بدون احتياج إلى الوسيط، أو يكلمنا بأنك نبي، ((أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ)) ومعجزة حسب اقتراحنا، ((كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم)) لأنبيائهم ((مِّثْلَ قَوْلِهِمْ)) ، فقال لموسى (عليه السلام) أرنا الله جهرة، ((تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)) في الإنكار والعتب في الاقتراح والتعنت، ((قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ))، فلا حاجة إلى تكليم الله، ولا إلى الإتيان بخوارق اقترحتموها، وإذ كان مرادهم غير ذلك فليس على الله إلا إتمام الحجة ((لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))، إنما خصهم لأنهم الذين يستفيدون منها وينتفعون بها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

119

((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ)) يا رسول الله ((بِالْحَقِّ)) تأكيداً للإرسال، إذ كل إرسال الله تعالى بالحق ((بَشِيرًا)) تبشر المؤمنين المطيعين ((وَنَذِيرًا)) تنذر الكافرين والعاصين، فأنت رسولنا وإن كانوا يشكون في رسالتك، ويسألونك عن أشياء تافهة، ((وَلاَ تُسْأَلُ)) أنت ((عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ))، فلست أنت مكلفاً عنهم، وإنما عليك التذكير فقط.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:24 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

120


((وَ))
حيث أن من طبيعة الحال أن كل صاحب مبدأ ليستميله الخصماء إلى ناحيتهم،
ويعدونه الرضاعة إذ مال نحوهم، بين الله تعالى لنبيه أن ذلك سراب خادع ويجب
أن لا يغتر به الإنسان، إذ ((لَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى)) إلى الأبد ((حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) وتدخل في طريقتهم، إذ كل ذي طريقة لا يرضى عن شخص إلا بدخوله في طريقته تماماً وكمالاً، ((قُلْ)) يا رسول الله ((إِنَّ هُدَى اللّهِ)) الذي هو الإسلام ((هُوَ الْهُدَى)) فقط دون ما سواه من اليهودية والنصرانية، ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم)) إشارة إلى أن دينهم ليس إلا هوى أنفسهم، وليس من عند الله سبحانه، ((بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ)) بالإسلام وشرائعه وبطلان اليهودية والنصرانية ((مَا لَكَ))، أي ليس لك ((مِنَ اللّهِ))، أي من طرف الله ((مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ))، أي فلا يلي تعالى أمورك ولا ينصرك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

121

((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ)) التوراة والإنجيل الموصوفين بكذبهم ((يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ)) بالعمل بما في الكتاب، ((أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ))،
أي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بالقرآن أو بالإسلام أو بكتابهم
إيماناً صحيحاً لا كإيمان المعاندين الذين يأخذون ببعض الكتاب دون بعض، ((وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))
في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلأن منهاج الله سبحانه هو المنهاج
السعيد في الحياة، فإذا <أ>عرض عنه الإنسان كانت معيشته ضنكاً، وأما
في الآخرة فللعذاب المعد للكافرين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

122

((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) من إرسال الرسل إليكم وإهلاك عدوكم - وجعلكم ملوكاً - وتوسيع الدنيا لكم، ((وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) في زمانكم - التي هي من أعظم النعم - وقد تقدم الكلام في مثل هذه الآية.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

123

((وَاتَّقُواْ يَوْماً))، أي يوم القيامة الموصوف بأنه ((لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً)) هناك، وإنما ترى كل نفس جزاءها العادل، فلا يحمل أحد وزر أحد، ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ))، أي فدية تعادله فيفك نفسه بالفدية والمال، ((وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ)) بدون رضى الله سبحانه، ((وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)) فلا ينصر أحد أحداً، وقد تقدمت مثل هذه الآية، لكن أُريدَ الانتقال إلى موضوع آخر كُررَ المطلب تذكيراً وتركيزاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

124

((وَ))
حيث تم بعض الكلام حول اليهود والنصارى والمشركين انتقل السياق للكلام حول
إبراهيم واسحاق ويعقوب وبناء البيت مما يشترك فيه الجميع، وأن تاريخهم قبل
تاريخ اليهودية والنصرانية، وقد اعتاد أن يتكلم المتكلم عن الظروف
المعاصرة، ثم ينتقل إلى التواريخ الغابرة.

واذكر يا رسول الله ((إِذِ ابْتَلَى)) امتحن ((إِبْرَاهِيمَ)) (عليه السلام) ((رَبُّهُ)) فاعل ابتلى، أي امتحن الله إبراهيم ((بِكَلِمَاتٍ))،
أي بأمور، فإن الكلمة تقال للأمر، ولا يبعد أن يكون المراد بالكلمة نفس
معناها العرفي، فالمعنى ابتلاه بكلمات تكلم الله أم الملك معه (عليه
السلام) حولها لينفذها ويأتي بمعناها، ولعل الكلمات كانت حول ذبح إسماعيل
(عليه السلام) أو حول مجابهة نمرود الطاغي، ((فَأَتَمَّهُنَّ)) بأن أطاع الأمر كاملاً غير منقوص، ((قَالَ)) الله تعالى بعد إتمام الكلمات: ((إِنِّي جَاعِلُكَ)) يا إبراهيم ((لِلنَّاسِ إِمَامًا))،
والإمام هو المقتدى، وحيث أن "الناس" كالجمع المحلى باللام أفاد العموم،
ولا منافاة بين كونه (عليه السلام) سابقاً نبياً ورسولاً ولم يكن إماماً
عاماً، ثم صار كذلك جزاء إتمام الكلمات، ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) سائلاً الله تعالى: ((وَمِن ذُرِّيَّتِي)) هل تجعل يا رب إماماً؟ ((قَالَ)): ((لاَ يَنَالُ عَهْدِي)) بالإمامة ((الظَّالِمِينَ)) ، وهذا جواب مع الزيادة، إذ المفهوم منه: "نعم أجعل بعض ذريتك لكن غير الظالم منهم،" وإنما خص هذا بالذكر لبيان عظم مقام الإمامة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

125

((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ)) الحرام بمكة المكرمة ((مَثَابَةً)) بمعنى مرجعاً، فإن الناس يرجعون إليه كل عام، والرجوع بمناسبة مجموع الناس وإن لم يرجع إليه كل فرد، ((لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)) فلا يحل القتال فيه، وإن من التجأ إليه يكون آمناً، فلا يجري عليه الحد، ثم صار في الكلام التفات إلى الخطاب قائلاً: ((وَاتَّخِذُواْ)) أيها المسلمون ((مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ))، وهو الحجر الذي كان يضعه إبراهيم (عليه السلام) تحت رجله لبناء أعالي الكعبة الذي هو الآن بالقرب من الكعبة ((مُصَلًّى))، أي محلاً للصلاة، فإنه تجب الصلاة للطواف حول مقام إبراهيم في الحج، ((وَعَهِدْنَا))، أي ذكرنا ((إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)) (عليهما السلام) الأب والابن ((أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ)) طهارة معنوية بعدم السماح لنصب الأصنام فيه وطهارة ظاهرية بالنظافة ((لِلطَّائِفِينَ))، أي الذين يطوفون حول البيت ((وَالْعَاكِفِينَ)) الذين يعكفون في المسجد الحرام، وللاعتكاف مسائل وأحكام مذكورة في كتب الفقه ((وَالرُّكَّعِ)) جمع راكع ((السُّجُودِ)) جمع ساجد، أي المصلين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

126

((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ)) في دعائه لله تعالى: ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا)) البلد وهو مكة التي بنى فيها البيت ((بَلَدًا آمِنًا)) عن الأخطار، أو محكوماً بحكم الأمن حكماً شرعياً وإن كان السياق يؤيد الأول، ((وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))، فإن دعاء إبراهيم (عليه السلام) كان خاصاً بهم، ((قَالَ)) الله سبحانه في جواب إبراهيم ما يدل على استجابة دعاءه مع الزيادة وهي: ((وَمَن كَفَرَ)) من أهل هذه البلد لا نقطع عنه الثمار بل ((فَأُمَتِّعُهُ))، أي أعطيه المتاع من الحياة والرزق والأمن وسائر الأمور ((قَلِيلاً))، فإن عمر الدنيا قصير وأمدها قليل، ((ثُمَّ أَضْطَرُّهُ))، أي أدفعه إلى النار باضطرار منه، فإن أحداً لا يرضى بالنار ((إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي بئس المأوى والمرجع.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:24 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

127


((وَ)) اذكر يا رسول الله ((إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ))، أي كان يبني أساس البيت الحرام، ويرفعه من الأرض، ويعاونه في ذلك ((<وَ>إِسْمَاعِيلُ)) ابنه، وهما يقولان في حال البناء: ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا)) بناء البيت، ((إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ)) دعاءنا ((الْعَلِيمُ)) بما تعمله ونقصده.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

128

((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ))
في جميع أمورنا، والدعاء بالإسلام لا ينافي كونهما كذلك قبل الدعاء، إذ
الإسلام كسائر العقائد والأعمال بحاجة إلى الاستمرار مما لا يكون إلا
بهداية الله وتوفيقه، فكما أن الابتداء لا يكون إلا بعونه سبحانه كذلك
الاستمرار، كما في (اهدنا الصراط المستقيم)، ((وَ)) اجعل ((مِن ذُرِّيَّتِنَا)) وأولادنا ((أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)) والإسلام هو تسليم الأمور إلى الله سبحانه في الاعتقاد والقول والعمل، ((وَأَرِنَا))، أي عرفنا ((مَنَاسِكَنَا))
جمع منسك، أي المواضع التي تتعلق النسك بها، والنسك العبادة، يقال: "رجل
ناسك" أي عابد، وقد استجاب الله دعاءهما حيث أراهما جبرائيل (عليه السلام)
موضع الصلاة والوقوف وغيرها، ((وَتُبْ عَلَيْنَآ))،
أي ارجع إلينا بالمغفرة والرحمة، فإن التوبة بمعنى الرجوع، ولذا يقال لله:
"التواب" أي كثير الرجوع إلى عبيده، ومن ذلك تعرف أنه لا دلالة للآية على
أنهما (عليهما السلام) كانا قد أذنبا، ((إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ)) بعبادك ((الرَّحِيمُ)) بهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

129

((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ))، أي في الأمة المسلمة التي طلبناها منك ((رَسُولاً مِّنْهُمْ)) من نفس الأمة لا من سائر الأمم، حتى يكون لهم الشرف بكون الرسول منهم، ((يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ)) دلائلك وبراهينك وأحكامك، ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ))، إما المراد القرآن أو المراد "كتابك" على نحو الكلي، ((وَالْحِكْمَةَ))
هي وضع كل شيء موضعه، والمراد بتعلمهم إياها تعليمهم العلوم الكونية
والتشريعية، فإن الجاهل لا يتمكن من وضع الأشياء مواضعها لجهله بها، ((وَيُزَكِّيهِمْ))، أي يطهرهم من الأدناس والقذرات الأخلاقية والأعمالية، ((إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ))
حقيقة، فإن العزة لا تكون إلا بقلة الوجود وكثرة الاحتياج، والله واحد لا
شريك له، وجميع الاحتياجات إليه، وتخصيص العزة هنا بالذكر للتلميح إلى كون
الاحتياج إليه، ((الحَكِيمُ))، فأفعالك صادرة عن حكمة، وما طلبناه إنما كان عين الحكمة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

130

هذه هي طريقة إبراهيم (عليه السلام) ((وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ))، أي من يعرض عن هذه الطريقة في التوحيد والتسليم وسائر ما ذكر مما يدل على أنها من أفضل الطرق ((إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ))،
أي لا يترك هذه الملة إلا من ضرب نفسه بالسفاهة والحمق، وهل هناك طريقة
أفضل من هذه الطريقة؟ والاستفهام في قوله: "من يرغب" استنكاري، ((وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ)) جملة حالية، أي إنا - بسبب هذه الطريقة المستقيمة - التي كانت لإبراهيم اخترناه نبياً ((فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)) الفائزين بالدرجات الرفيعة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

131

((إِذْ قَالَ لَهُ))، هذا متعلق بقوله "اصطفيناه"، أي اخترناه لما قلنا له: ((<رَبُّهُ> أَسْلِمْ)) في جميع أمورك لله، ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام): ((أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ))
وحده لا شريك له، ومعنى أسلم استقم على الإسلام، واثبت على التوحيد، كقوله
تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، وكما يقول أحدنا لمن كان جالساً في
مكان: "اجلس هنا حتى الساعة العاشرة." مثلاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

132

((وَوَصَّى بِهَا))، أي بالملة والطريقة التي كانت لإبراهيم (عليه السلام) ((إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ)):
أولاده، وخصهم بالذكر مع أن دعوة إبراهيم (عليه السلام) كانت عامة إشارة
إلى لزوم دعوة الأهل بصورة خاصة إلى الحق، كما قال سبحانه (قوا أنفسكم
وأهليكم ناراً)، ((وَ)) وصى بها ((يَعْقُوبُ)) حفيد إبراهيم من إسحاق بنيه أيضاً، وخص يعقوب لأنه جد اليهود، وكانت الوصية: ((يَا بَنِيَّ))، أي يا أبنائي، فهو جمع ابن، وأصله بنيني ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى))، أي اختار ((لَكُمُ الدِّينَ))
حتى تكونوا متدينين، ومعنى اختيار الله الدين لهم أنه سبحانه أعطاهم
الدين، أراد ذلك منهم مقابل بعض الأمم الوحشية التي تُركوا وشأنهم، فلم
تبلغهم دعوة الأنبياء، ((فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))، أي لا تتركوا الإسلام فيصادفكم الموت على تركه، وإنما خص الموت لأنه لو كان غير مسلم قبل ذلك ثم أسلم ومات مسلماً لم يكن عليه بأس.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

133

((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء))
أيها المدّعون أن الأنبياء كانوا يهوداً أو نصارى، فإن اليهود كانوا
يقولون أن يعقوب النبي (عليه السلام) أوصى بنيه باليهودية، فأنكر الله
تعالى عليهم، ذلك بأنكم لم تكونوا حضوراً ((إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ))؟، اقترب من الوفاة، ((إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي))؟ على طريقة الاستفهام التقريرى، ((قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ))،
إبراهيم جد يعقوب وإسماعيل عمه وإسحاق أبوه، وقدم إسماعيل لأنه كان أكبر
سناً والأعلى منزلة، وسمي العم أباً تغليباً ولأن العرب تسمي العم أباً
والخالة أماً، ((إِلَهًا وَاحِدًا)) بغير شريك، ((وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))، فكان دينهم الإسلام، والإسلام هو دين جميع الأنبياء، اليهودية أو النصرانية يراد به نفيها بالمعنى المتداول عند أهل الكتاب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

134

ثم
بين الله حقيقة هي أن الأمة الماضية ليست تهمكم أيها المعاصرون للرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما المهم أعمالكم، فكيف كانت تلك الأمم
فإنها قد ذهبت وفنت، ((تِلْكَ))، أي إبراهيم وأولاده (عليه السلام) ((أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ))، أي ذهبت ومضت، ((لَهَا مَا كَسَبَتْ))، فإن أعمالها ترتبط بها لا بكم، ((وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ))، فإن أعمالكم ترتبط بكم لا بهم، ((وَلاَ تُسْأَلُونَ)) أنتم ((عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) فأصلحوا أعمالكم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:25 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

135


((وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى))، أي قالت اليهود كونوا يهوداً، وقالت النصارى كونوا نصارى ((تَهْتَدُواْ)) للحق وترشدوا، ((قُلْ)) يا رسول الله ((بَلْ)) نتبع ((مِلَّةَ))، أي دين ((إِبْرَاهِيمَ))
الصافي عن شوائب اليهودية والنصرانية، وإنما هي الإسلام المصفى وإن كان
فرقٌ بين الإسلام وبين دين إبراهيم في بعض الخصوصيات التشريعية، فالمراد
نفي النصرانية واليهودية، ((حَنِيفًا))، أي مستقيماً عن الاعوجاج، ((وَمَا كَانَ)) إبراهيم ((مِنَ الْمُشْرِكِينَ))
كما أنتم أيها اليهود والنصارى مشركون، إذ تقولون (عزير ابن الله) أو
(المسيح ابن الله)، وعلى هذا، فالمراد بالتباع ملة إبراهيم (عليه السلام)
اتباعها في التوحيد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

136

((قُولُواْ))
أيها المسلمون ما يجب عليكم، أي تعتقدوا بها، وما هي خلاصة الأديان
السابقة واللاحقة، الذي يعين زيف العقائد النصرانية واليهودية وغيرهما، ((آمَنَّا بِاللّهِ وَ)) آمنا بـ((مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا)) من القرآن الحكيم ((وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ)): أحفاد يعقوب فإن كثيراً منهم كانوا أنبياء نزلت عليهم الصحف، ((وَ)) آمنا بـ((مَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَ)) آمنا بـ((مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ)) قاطبة ((مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ))، أي من الأنبياء ، فإنا نعترف بالجميع ((وَنَحْنُ لَهُ))، أي لله سبحانه ((مُسْلِمُونَ))
فإن دين الأنبياء كلهم يتلخص في أصول وفروع وأخلاق، فالأصول: التوحيد،
والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد، فإن كل نبي كان يصدق من سبقه ويبشر
بمن يلحقه كما أن الإمامة بمعنى الوصاية، فإن كل نبي كان له أوصياء،
والفروع هي: الصلاة والصوم والزكاة وما أشبه من العبادات وأحكام المعاملات
بالمعنى الأعم، وكل الأديان كانت مشتركة فيها مع تفاوت يسير حسب اقتضاء
الزمان والأمة، فمثلاً كان صوم الصمت في بعض الأمم وليس في الإسلام وهكذا،
والأخلاق هي: الصدق والأمانة والوفاء والحياء وما أشبه، وكلها فطريات نفسية
كانت الأنبياء تأمر بها وينهى <وتنهى> عن أضدادها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

137

((فَإِنْ آمَنُواْ))، أي آمن غير المسلمين من سائر الأديان والفرق ((بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ))، أي كما تؤمنون أنتم أيها المسلمون ((فَقَدِ اهْتَدَواْ)) إلى الحق، ((وَّإِن تَوَلَّوْاْ)) عن مثل هذا الإيمان، ولزموا طريقتهم المنحرفة ((فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ))، أي في خلاف، فهم في شق وأنتم في شق، ((فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ)) فإن الله يكفيك يا رسول الله وينصرك عليهم ((وَهُوَ السَّمِيعُ)) كلامهم ((الْعَلِيمُ)) بأعمالكم ونواياكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

138

اتبعوا ((صِبْغَةَ اللّهِ))، واصبغوا أنفسكم بها، وهي الإسلام، فإن كل طريقة يتبعها الإنسان لون له، لكنه لو غير محسوس تشبيهاً بالألوان المحسوسة، ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً))، وهذا استفهام إنكاري، أي لا أحد أحسن من الله صبغة وديناً، ((وَنَحْنُ)) المسلمون ((لَهُ عَابِدونَ))
لا لغيره من الشركاء الذين أنتم تعبدونها مع الله أو من دون الله، وربما
يقال أن وجه التسمية بـ"الصبغة" أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم بماء أصفر
يعمدونهم فيه، والآية من المشابهة، كقوله سبحانه (تعلم ما في نفسي، ولا
أعلم ما في نفسك)


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

139

((قُلْ)) يا رسول الله لهؤلاء اليهود والنصارى وغيرهم: ((أَتُحَآجُّونَنَا))، أي تباحثون معنا ((فِي)) دين ((اللّهِ)) وأنه لم ننسخ أديانكم ولم اختار من العرب رسولاً ولم أفعل كذا؟ ((وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ))، أي أن الله ليس رباً لكم فقط حتى يكون معكم إلى الأبد، ((وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ))،
فليس علمنا <عملنا> غير منظور إليه عند الله، وعملكم منظور إليه،
كما كانوا يزعمون قائلين نحن شعب الله المختار، ونحن أبناء الله وأوداؤه، ((وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ))، إذ لا نشرك به أحداً بخلافكم الذي جعلتم له شريكاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

140

((أَمْ)) تباحثون معنا في أمر الأنبياء و((تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ)) أحفاد يعقوب - كانوا أنبياء - ((كَانُواْ هُودًا)) أي يهوداً ((أَوْ نَصَارَى))،
وهذا اشتباه منهم، إذ اليهودية والنصرانية تولدتا بعد إبراهيم (عليه
السلام)، فكيف يكون إبراهيم أحدهما، كما قال سبحانه: (ما أنزلت التوراة
والإنجيل إلا من بعده)، ((قُلْ)) يا رسول الله لهؤلاء المدعين بيهودية الأنبياء أو نصرانيتهم ((أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ))، فالله سبحانه يقول لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وأنتم تقولون كانوا، ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ))،
أي لا أحد أظلم ممن يكتم الشهادة التي عنده من قبل الله سبحانه، فإن
اليهود كانوا يكتمون ما أنزل الله إليهم من البينات والهدى حول الأنبياء
السابقين وحول نبي الإسلام، ((وَمَا اللّهُ))، أي ليس الله ((بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ))، فإنه يعلم أعمالكم التي منها كتمانكم للشهادة، ثم يجازيكم عليها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

141

((تِلْكَ)) الأنبياء، وما كانوا يعملون ويتدينون لا يرتبطون بكم أيها المعاصرون للرسول، فإنها ((أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ)) ومضت، ((لَهَا مَا كَسَبَتْ)) من الأعمال والأفعال، ((وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ)) من الخير والشر، ((وَلاَ تُسْأَلُونَ)) أنتم ((عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فلم هذه المباحثة والمحاجة والمجادلة؟


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

142

((سَيَقُولُ السُّفَهَاء)) جمع سفيه وهو الغبر والجاهل وناقص العقل ((مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ))، أي أيّ شيء صرف المسلمين ((عَن قِبْلَتِهِمُ)) السابقة ((الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا))
يتوجهون في صلاتهم، وهي بيت المقدس، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم)، والمسلمون كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وهو قبلة اليهود، ثم في
المدينة حولت القبلة إلى الكعبة، وكان السبب الظاهر لذلك أن اليهود عابوا
النبي بأنه يصلي إلى قبلتهم، فحوله الله عنها إلى الكعبة، فأخذ اليهود
يهرجون حول تحويل القبلة. ((قُل)) يا رسول الله ((لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ))، فمتى شاء الله وجّه عبيده إلى حيث يشاء، وليست القبلة احتكاراً حتى لا يمكن تحويلها، ((يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))، وكما كان الصراط المستقيم قبلا بيت المقدس حال التوجه كذلك صار الصراط المستقيم فِعلاً الكعبة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:26 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

143


((وَكَذَلِكَ))، أي كما أن (لله المشرق والمغرب) وأنه لا مناقشة في ذلك ((جَعَلْنَاكُمْ)) أيها المسلمون في التأويل، إن المراد بالخطاب الأئمة (عليهم السلام)، ((أُمَّةً وَسَطًا))
متوسطاً، والإطلاق وإن كان يفيد في كل شيء في العقيدة - فلا جمود ولا
إلحاد وفي المكان فهم متوسطون بين شرق الأرض وغربها وفي التشريع فليس
ناقصاً ولا مغالياً وهكذا، إلا أن ظاهر قوله سبحانه بعد ذلك ((لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))
يفيد أن المراد بالتوسط الوسيطة بين الرسول وبين سائر الناس، فالأمة تأخذ
من الرسول ويشهد الرسول عليهم بأنهم أخذوا منه - حتى لا يقولوا ما عرفنا -
وسائر الناس يأخذون من الأمة وتشهد الأمة عليهم بأنهم أخذوا منها - حتى لا
يقول الناس لم نعرف، وهذا هو الظاهر من "لام" العلة في قوله "لتكونوا ...
ويكون"، ولعل ارتباط هذه الآية بما سبقها من حكم القبلة وما لحقها بيان أن
المسلمين لهم مكان القيادة لأنهم الآخذون عن الرسول المبلغون للناس، فالذي
ينبغي: أن تكون لهم سمة خاصة في شرائعهم حتى لا يرمون بالذيلية والاتباع
للآخرين، ثم يرجع السياق إلى حكم القبلة فقال سبحانه: ((وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا)) وهي بيت المقدس - الذي كان يتوجه النبي نحوه في الصلاة طيلة كونه في مكة المكرمة ومدة الهجرة - ((إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ))،
معنى "لنعلم" أن يتحقق علمنا في الخارج بأن يظهر المتبع من المخالف، فإنه
قد يقال: "لنعلم" ويراد به حصول العلم للمتكلم، وقد يقال: "لنعلم" والمراد
به وقوع المعلوم في الخارج، وفي بعض التفاسير أن قوماً ارتدوا على أدبارهم
لما حولت القبلة، فظهر أنهم لم يكونوا يتبعون الرسول حقيقة وإنما حسب
الأهواء، والعقب : مؤخر القدم، والمعنى التشبيه لمن يرتد كافراً بمن يرجع
القهقري، ((وَإِن كَانَتْ)) مفارقة القبلة الأولى إلى قبلة أخرى ((لَكَبِيرَةً))، إذ هو خرق لاعتياد قديم متركز، ((إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ)) إياهم بأن قوّى قلوبهم بالإيمان، ((وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ))
أيها المسلمون الراسخون الذين اتبعتم النبي، وهذا تقدير لهم في ثباتهم،
ووعد لهم بالجزاء على إيمانهم الكامل، ويحتمل أن يكون جواباً عن سؤال وقع
عن بعضهم، وهو كيف تكون حال صلواتهم السابقة التي صلوها إلى بيت المقدس،
وإن كان الظاهر من كلمة "إيمان" المعنى الأول، ((إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))، فلا يضيع أتعابهم وأعمالهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

144

وبعد
ما بين الحكم وأن القبلة تحولت بيّن الله سبحانه قصة التحويل، فإنها
كالعلة للحكم المتقدم، والعلة دائما تأتي متأخرة في الكلام وإن كانت سابقة
في التحقيق، كما يقال أنه إنسان طيب لأن تربية <تربيته؟؟> حسنة، ((قَدْ نَرَى))،
"قد" هنا للتحقيق نحو "قد يعمل الله" وإن كان الغالب في "قد" الداخلة على
المضارع أن تكون بمعنى التقليل، ولعل سر دخولها إشراب الفعل معنى التقليل،
حيث لا يريد المتكلم إظهار العمل بالبت مثله: (وإنا أو إياكم لعلى هدى)، ((تَقَلُّبَ وَجْهِكَ)) يا رسول الله ((فِي السَّمَاء))،
أي في ناحية السماء، فإن الرسول كان يقلب وجهه في أطراف السماء، فينتظر
الوحي حول القبلة، فإن اليهود عيروه (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلين له
إنك تابع لقبلتنا، فلما كان في بعض الليل خرج (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقلب وجهه في آفاق السماء، فلما أصبح صلى الغداة، فلما صلى من الظهر ركعتين
جاء جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآية، ثم أخذ بيده فحول وجهه إلى الكعبة،
وحول من خلفه وجوههم، حتى قام الرجال مقام النساء، والنساء مقام الرجال. ((فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا))، إذ الرسول كان يحب الكعبة التي هي بناء جده إبراهيم (عليه السلام)، وعندها موطنه، ((فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ))،
"الشطر": الجزء، أي حول وجهك نحو جزء من المسجد الحرام، و"المسجد" لكونه
محيطا بالكعبة يكون المتوجه إليه متوجها إليها إذا كان من بعيد، ((وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ)) أيها المسلمون ((فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ))، وذكر "الوجه" في المقامين، لأنه الشيء الذي يتوجه به في جسد الإنسان، ((وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ))
من اليهود والنصارى الذي يستشكلون عليكم قائلين: "إن كانت القبلة السابقة
حقا فهذه باطلة، وإن كانت هذه حقاً فتوجهكم في السابق إلى بيت المقدس باطل"
((لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ))،
أي أن تحويل القبلة، أو هذه القبلة حق من قبل الله، فإن الله سبحانه يعبده
عباده كيف يشاء، فمن الجائز أن يعبد الأمة بتشريع إلى مدة ثم يعبدهم
بتشريع آخر، ((وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ))، أي يعمل أهل الكتاب من الإرجاف وبث الأباطيل حول تحويل القبلة وسائر الأمور المرتبطة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

145

((وَلَئِنْ أَتَيْتَ)) يا رسول الله ((الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى ((بِكُلِّ آيَةٍ)) من الآيات الدالة على أن قبلتك حق ((مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ))، لأنهم معاندون، والمعاند لا ينفع معه الدليل، ((وَمَا أَنتَ)) يا رسول الله ((بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ)) بعد ما تعلم أن قبلتهم منسوخة، كقوله تعالى (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد)، ((وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ))، اليهود لا يتبعون قبلة النصارى، والنصارى لا يتبعون قبلة اليهود، ((وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ)) يا رسول الله ((أَهْوَاءهُم)) في باب القبلة وسائر التشريعات ((مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ)) بأن طريقتهم باطلة ((إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ))،
وهذه الجملة - وإن كانت موجهة إلى الرسول لكن - المقصود منها العموم، ولا
تنافي العصمة، فإن الاشتراط يلائم المحال، كقوله تعالى (إن كان للرحمن ولد
فأنا أول العابدين)، وقد تقرر في المنطق أن صدق الشرطية إنما هو بوجود
العلية ونحوها لا بصدق الطرفين.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:26 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

146


و((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى ((يَعْرِفُونَهُ))، أي الرسول أو هذا الحكم، أعني تغيير القبلة بأمر الله سبحانه، وإن كان الأول أقرب إلى سياق التشبيه ((كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ)) ممن لم يؤمن بالرسول ((لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، فليس عذر هؤلاء جهلهم حتى يرجى زواله، وإنما العناء الذي لا علاج له.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

147

((الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ)) يا رسول الله، أي هذا الحق من عند الله، ((فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ))،
أي الشاكين فيه، فإن المحق إذا كثرت عليه التهجمات ورمي بأنه على غير الحق
يكاد يشك فيه، ولذا يثبت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال تعالى
(لولا ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

148

((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ))، أي لكل أمة من الأمم طريقة ((هُوَ)) أي الله سبحانه ((مُوَلِّيهَا))، أي أمرهم بالتوجه إليها، فلا غرابة في أن يكون للمسلمين وجهة خاصة في قبلتهم، ((فَاسْتَبِقُواْ))، أي سارعوا إلى ((الْخَيْرَاتِ))،
تنافسوا فيها، فإن الله موليكم هذه الطرائق، ولا تبقوا جامدين على طريقة
منسوخة، فإن ذلك انصراف عن الخير إلى الشر، من المحتمل أن يكون "هو" راجعاً
إلى "كل"، أي لكل فرد أو أمة طريقة في العمل والتفكير، ذلك الشخص مولي
وموجه نفسه إياها، فليكن هم كل فريق وفرد أن يسابق غيره في الخيرات، ((أَيْنَ مَا تَكُونُواْ)) من بقاع الأرض ((يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا)) يوم القيامة، حتى يجازيكم على أعمالكم، ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، فيتمكن من جمعكم، ولا يفوته شيء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

149

كان
لتحويل القبلة نحو الكعبة أسباب وعلل، العلة الأولى رغبة الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) في أن تحول القبلة لما عيرته اليهود، العلة الثانية أن
التحويل كان للحق، وإن يكون للمسلمين ميزة خاصة يمتازون بها عن سائر الأمم،
حتى في اتجاه الصلاة، العلة الثالثة أن التحويل كان لقطع حجة الناس الذين
كانوا يتعجبون من كون المسلمين يدعون دينا جديدا ومع ذلك يتوجهون إلى قبلة
بني إسرائيل، وتبعا لهذه العلل تكرر الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام، وقال
الله سبحانه: ((وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ)) للسفر من البلاد ((فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ))، فإنه قبلة في السفر كما هو قبلة في الحضر، وفي هذا فائدة ثانية للتكرار، ((وَإِنَّهُ))، أي توجيه الوجه نحو المسجد الحرام ((لَلْحَقُّ)) الذي جاء ((مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ))، فمن أعرض عن هذه القبلة كان جزاءه سيئا، ومن اتبعها كان جزاءه حسنا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

150

((وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ)) للسفر من البلاد ((فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) هذا للسفر، ((وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ))،
وهذه الآية جمع بين الآيتين السابقتين (ومن حيث خرجت) الآية 149 و(حيث ما
كنتم فولوا وجوهكم شطره) الآية 144، وقد عرفت أنه كرر لفائدة العلة
المذكورة في الآية، ((لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ))،
أي أن تحويل القبلة، إنما هو لنقطع احتجاج الناس عليكم، حيث يقولون كيف أن
المسلمين يدعون إلى دين جديد وقبلتهم هي قبلة أهل الكتاب، ((إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ))، فإن هؤلاء لا ينفعهم المنطق، فإن المعاند لا تفيده الحجة ((فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي))،
فإن الخشية إنما تكون ممن بيده النفع والضر، وهؤلاء ليس بيدهم شيء منهما،
وإنما كل ذلك بيد الله سبحانه، ولا يخفى أن الاستثناء منقطع كقولك إنما
فعلت الفعلة الفلانية ليعرف الناس الأمر، إلا من يريد العناد، ((وَ)) بعد ذلك، فتحويل القبلة إنما كان ((لأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ)) بتمييزكم عن أهل الكتاب، وقطع تعيير اليهود، وإرجاعكم إلى بناء جدكم إبراهيم، الذي هو إحياء لذكراكم، ((وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) إلى الحق اهتداء كاملا، فإن في تشريف الإنسان بشرف سببا لتقريبه إلى الهداية الكاملة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

151

وقد أتممنا عليكم بتحويل القبلة ((كَمَا)) أنعمنا عليكم قبل ذلك بنعمة عظمى فـ((أَرْسَلْنَا فِيكُمْ)) أيها المسلمون ((رَسُولاً مِّنكُمْ)) لا من غيركم، فاخترتكم لأن تكون رسالتي بيد واحد منكم ((يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا)) وقرآننا تلاوة، ((وَيُزَكِّيكُمْ)): يطهركم من أدناس الجاهلية والقذارات الخلقية والنجاسات البدنية بإرشاده إياكم إليها، ((وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ))، ومن المعلوم أن التلاوة غير التعليم، فرب تال غير معلم، بالإضافة إلى أن التعليم فيه معنى التركيز والتثبيت، ((وَالْحِكْمَةَ)) يرشدكم بمواضع الأشياء ومواقع الخطأ والصواب، فإن الحكمة - كما عرفت - وضع كل شيء موضعه، ((وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)) بصورة عامة، فيشمل القصص والتواريخ المفيدة وأحوال الأنبياء، وأحوال المعاد مما ينفعهم في دينهم ودنياهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

152

((فَاذْكُرُونِي)) أيها المسلمون بالطاعة والعبادة، وتنفيذ الأوامر ((أَذْكُرْكُمْ)) بالنعمة والإحسان والجنان، ((وَاشْكُرُواْ لِي)) بإظهار النعمة والحمد عليها، ((وَلاَ تَكْفُرُونِ)) كفراً في الاعتقاد أو كفراً في العمل بأن لا تعملوا بأوامري.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

153

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ)) في أموركم التي تريدونها سواء كانت تحت اختياركم أم لم تكن كالصحة والغنى، ((بِالصَّبْرِ))
وتحمل النفس، فإن كثيرا من الأمور تتنجز بعد حين، فإذا صبر الإنسان تنجزت
أموره ونعم براحة البال واطمئنان النفس، وإذا لم يصبر جرى القدر وهو مضطرب
البال كئيب، ((وَالصَّلاَةِ))
فإن الصلاة توجب توجه الإنسان إلى الله سبحانه، والانصراف عن الدنيا مما
يشع في النفس الهدوء والسكينة وعدم الاهتمام بمكاره الدنيا، ((إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))
باللطف والعناية والرحمة والأجر والثواب، وهكذا يهذب الإنسان والأمة
ويرشدهم إلى مهمتهم العظيمة، ويمونهم على الصبر والتحمل، ولذا يخطو القرآن
الحكيم خطوة أخرى معهم بعد الصبر والصلاة قائلاً أنكم لابد وأن تتحملوا
مشاق القيادة من القتل وسائر أنواع المصائب التي تعترض لمن أراد الإصلاح
والإرشاد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:27 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

154


ولذا يقول سبحانه ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ)) فإن الميت من لا تأثير له في الحياة ولا امتداد، وهؤلاء ليسوا كذلك، ((بَلْ أَحْيَاء)) حياة واقعية في الدنيا بتأثيراتهم وامتداداتهم وفي الآخرة لأنهم في نعيم مقيم ((وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)) أنتم بحياتهم، إذ الحياة في نظركم الحس والحركة، مع أنها معنى سطحي للحياة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

155

((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ))، أي نمتحنكم أيها المسلمون ((بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ)) وكونه شيئاً إما باعتبار أنه لا يمتد، وإنما الخوف في زمان يسير، وإما باعتبار أنه لا يبلغ الخوف - غالباً - أشده، ((وَالْجُوعِ))، ولم يذكر العطش لأن الماء غالباً متوفر ((وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ)) المبذولة في الحرب أو ما ينهب منها في التصادم أو الضيق الاقتصادي أو ما أشبه،((وَ)) نقص من ((الأنفُسِ)) ممن يقتل في سبيل الله ((وَ)) نقص من ((الثَّمَرَاتِ))
بسبب النهب أو الحصار قبل أوانه من أجل الأعداء، كما وقع في قصة خندق حيث
أمر النبي المسلمين أن يحصدوها لئلا ينتفع بها المشركون - كما في بعض
التواريخ - أو بأسباب أخر، ((وَبَشِّرِ)) يا رسول الله ((الصَّابِرِينَ)) في هذه المكاره.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

156

((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ))، أي إنا مملوكون له سبحانه ((وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ))،
فهو مرجعنا معه حسابنا وجزائنا، وفي هذه الجملة تسلية للمصاب إذ اعترف
الإنسان بأن كل شيء له إنما هو لله يهون ذهاب بعضها، فإن صاحب المال أخذه،
كما أن اعتقاد الشخص بأن الله هو الذي يجازي يهون الأمر، فإن ما فقده سوف
يعوض، ولذا من كرر هذه الجملة في المصيبة عارفاً معناها متوجهاً إلى الله
سبحانه في التسليم والرضا يجد برد الاطمينان في قلبه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

157

((أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ)) والصلوات هي العطف، فإن صلى بمعنى عطف، وهي من الله التوجه بالبركة والإحسان، ((وَرَحْمَةٌ)) ترحم في الدنيا والآخرة، ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) الذين اهتدوا إلى واقع الأمر مما ينفع دنياهم وعقابهم <عقباهم؟؟>، فبذلوا ما بذلوا في سبيل الله راضيين مرضيين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

158

وحيث ألمع سابقاً إلى الجهاد أتى الإلماع إلى الحج، فإنهما صنوان في التعداد والمشقة - في الجملة - فقال سبحانه: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)) وهما جبلان قرب مسجد الحرام ((مِن شَعَآئِرِ اللّهِ))
جمع شعيرة، وهي مشتقة من اللباس الملتصق بشعر البدن، فكل شيء مرتبط
ارتباطاً وثيقاً يدل عليه يكون من شعائره، فالمراد أن هذين الجبلين من
الأمور المرتبطة بالله سبحانه، حيث جعلهما محلاً لعبادته بالسعي بينهما، ((فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ))، أي قصد البيت الحرام، والحج: القصد، ((أَوِ اعْتَمَرَ))، العمرة هي الزيادة، أخذ من العمارة، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته، والحج والعمرة عملان من أعمال الحج، ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا))،
أي يسعى بينهما، وإنما عبر بـ"لا جناح" لأن المسلمون تحرجوا من الطواف
بهما ظناً منهم أنه من عمل المشركين حيث كان على الصفا صنم يسمى "أساف"،
وعلى المروة صنم يسمى "نائلة"، فهو ترخيص في مقام توهم الحصر، ومن المعلوم
أن الإباحة في مقام توهم الحضر والنهي في مقام توهم الوجوب لا يدلان على
مفادهما الأولية، لأنه لإثبات أصل الطرف الآخر لا خصوصيته الإباحية
والتمويهية، ((وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا))، أي أتى بخير من الأعمال والأفعال تطوعاً، والتطوع التبرع بالشيء، من الطوع بمعنى الانقياد، ((فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ)) لعملهم، ومعنى شكره: تقديره وجزائه للعامل، ((عَلِيمٌ)) بأعمالهم، فلا يفوته شيء منها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

159

لعل
ارتباط هذه الآية بما قبلها أن اليهود والنصارى لم يفعلوا مثل فعل الرسول
حول الصفا والمروة، فإن الرسول أبطل كل باطل حول الحج، وأقام كل حق فيه،
فالصفا والمروة - حيث كانا حقاً - أثبتهما الرسول وإن ظن الناس أنهما من
الباطل، لكن أهل الكتاب حشروا كل ما أتى به الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) - مما عرفوه حقاً - في زمرة الباطل، ولذا صار الكلام السابق فاتحة
للتعريض بهم، فهو مثل أن يقول أحد: "أنا اعترفت بالحق،" لكنه لم يعترف بما
علم من الحق، والله أعلم بموارده، ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ))، فيخفون الأدلة الدالة على حقية الإسلام مما نزلت في الكتب السالفة، ((وَالْهُدَى))،
أي يكتمون الهدى الذي يرونه وإن لم يكن منزلاً وبينة <يبدوا أن هناك
نقصان في هذه النسخة، وسنتحرى عنه إن شاء الله - أصحاب صفحة القرآن
الكريم> <((مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ))((أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ)): يبعدهم عن الخير في الدنيا وفي الآخرة بتضييق الأمور عليهم هنا والعذاب هناك، ((وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)) الذين يأتي منهم اللعن من الناس والملائكة والجن.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

160

((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ)) منهم واتبعوا الحق وأظهروه، ((وَأَصْلَحُواْ)) ما فسد من عقائدهم وأعمالهم، ((وَبَيَّنُواْ)) للناس ما أنزله الله من الهدى والبينات، ((فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ))، فإن التوبة معناها الرجوع، ورجوع الله بمعنى إعادة الإحسان والرحمة عليهم بعد انقطاعها عنهم بسبب كفرهم وكتمانهم، ((وَأَنَا التَّوَّابُ))، أي كثير الرجوع، فإن العاصي إذا عصى ألف مرة ورجع ألف مرة قبلت توبته إذا تاب توبة نصوحا، ((الرَّحِيمُ)) بالعباد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

161

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) ولم يتوبوا ((وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ)) بالعقائد الصحيحة ((أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، فإن الكل يلعنون الظالم، والكافر ظالم، فإنه وإن لم يقصده اللاعن بالذات لكنه داخل في عموم اللعن.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

162

((خَالِدِينَ فِيهَا))، أي في تلك اللعنة، إذ لعنة الدنيا تتصل بلعنة الآخرة، ((لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ))، إذ لا أمد لعذاب الله بالنسبة إلى الكافرين، ((وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ))، فلا ينظر أحد إليهم نظرة رحمة وإحسان، أو لا يمهلون للاعتذار أو لا يؤخر عنهم العذاب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:27 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

163


ولما تقدم حال الكفار صار السياق لبيان التوحيد والأدلة على الوحدانية، ((وَإِلَهُكُمْ)) أيها الناس ((إِلَهٌ وَاحِدٌ)) لا شريك له ((لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) الموصوف بـ((الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))، لا كما يصور الإله بعض الكتب السماوية، من إنه إله انتقام وغضب وعذاب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

164

((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ)) بهذا النظام البديع والترتيب الرائع ((وَالأَرْضِ)) بهذا الأسلوب المنظم المتكامل، ((وَ)) في ((اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) يأتي أحدهما عقب الآخر خليفة لتنظيم الحياة على الأرض بأجمل صورة، ((وَ)) في ((الْفُلْكِ)) السفينة ((الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ)) في أسفارهم وتجاراتهم، ((وَ)) في ((مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء)) جهة العلو ((مِن مَّاء)) ببيان "ما"، ((فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ)) بالإنبات ((بَعْدَ مَوْتِهَا))، أي جمودها وركودها، ((وَبَثَّ))، أي نشر وفرق ((فِيهَا))، أي في الأرض ((مِن كُلِّ دَآبَّةٍ))
تدب وتتحرك على وجه الأرض، وكلمة "بث" عطف على "أحيا"، أي كان المطر سبباً
لإحياء الأرض وانتشار الحيوانات فيها، إذ لولا الماء لم يكن للحيوان ماء
ولا طعام، فهلك ولم يبق له نسل، ((وَ)) في ((تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ))،
أي صرفها ونقلها من مكان إلى مكان لتروح وتذهب بالأمراض والعفونات وتنقل
السحاب من هنا إلى هناك، ولو كانت الرياح راكدة لم تنفع أي شيء، ((وَ)) في ((السَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ))، فإنه بما يكونه من أطنان من الماء يبقى معلقاً بين الجهتين، ويسير إلى كل ناحية ((لآيَاتٍ)) وعلامات دالة على الله وحدته وسائر صفاته ((لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) ويعملون عقولهم في استفادة النتائج من المقدمات والمسبب عن الأسباب، وينتقلون من العلم بالمعلول إلى العلم بالعلة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

165

((وَمِنَ النَّاسِ))، أي بعضهم ((مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ))، أي غير الله ((أَندَاداً)) جمع نعد، بمعنى الأشباه، والمراد بذلك آلهة يجعلها شبيهة لله في أنه يعبدها وهي الأوثان، ((يُحِبُّونَهُمْ))،
أي يحب هؤلاء الناس تلك الآلهة، وإنما أتى بجمع العاقل لكونها ردفت مع
الله سبحانه، والقاعدة تغليب الرديف على رديفه، كقوله تعالى: (من يمشي على
بطنه)، وقوله: (اركعي مع الراكعين)، ((كَحُبِّ اللّهِ))، أي كحبهم لله، أو حباً شبيهاً بما يستحق الله، وعلى الأول، فالمراد بهم المشركون الذين يعتقدون بالله، ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)) من حب هؤلاء لأوثانهم، فإن المؤمنين حيث يعرفون أن كل خير من الله يحبونه حباً بالغاً، ((وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً))،
يعني: لو يرون هؤلاء المشركين يوم القيامة كون القوة لله جميعاً لرأوا
مضرة فعلهم وسوء عاقبة شركهم، وحذف جواب "لو" تهويلاً للأمر، كما تقول
لعدوك لو ظفرت بك، ((وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)) عطف على "أن القوة".


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

166

إن الرؤية من الظالم للعذاب إنما يكون ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ)) من القادة ((مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ)) وهم التابعون لهم، ((وَرَأَوُاْ)) جميعاً ((الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ))، أي فيما بينهم ((الأَسْبَابُ))،
فما كان في الدنيا يسبب وصلة بعضهم لبعض من المال والرئاسة والقرابة
والحلف وأشباهها تنقطع هناك، فلا داعي لنصرة الرؤساء أتباعهم الذين كانوا
يتبعونهم في الدنيا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

167

((وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ))، أي التابعين لرؤسائهم: ((لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً))، أي يا ليت لنا عودة إلى دار الدنيا، ((فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ))، أي من هؤلاء الرؤساء ((كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا)) هنا في القيامة حال حاجتنا إلى العين، ((كَذَلِكَ))، أي هكذا ((يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ))، أي أعمال كل من التابعين والمتبوعين ((حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ))، فإن صلاتهم وأعمالهم كلما <كلها> ذهبت أدراج الرياح، فيتحسرون: لماذا لم يعملوا بأوامر الله سبحانه، ((وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ))، فإن المشرك يبقى في النار إلى الأبد إن تمت عليه الحجة وعاند.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

168

وإذ تم الكلام حول العقيدة توجه إلى الحياة التي هي مقصد الإنسان، وإليها يرجع كثير من حركته وسكونه، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ)) من نباتها وحيواناتها ومائها ومعدنها ((حَلاَلاً طَيِّباً))،
أي في حال كون المأكول حلالاً طيباً إلا ما حرم منه، وفي قوله "طيباً"
إشارة إلى أن كل حلال طيب، وليس فيه خبث يوجب انحراف الصحة أو انحراف
الخلق، ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ))، فكأن الشيطان يخطو نحو الآثام ومن إثم، كأنه تتبع خطواته إذ تمشي خلفه، ((إِنَّهُ))، أي الشيطان ((لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، أي عدو ظاهر.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

169

((إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ))، أي الأعمال السيئة ((وَالْفَحْشَاء)) وهي الأعمال السيئة للغاية، فإنه مشتق من الفُحش بمعنى التعدّي، ((وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ))، أي تنسبوا الى الله ((مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) من العقائد والأحكام، وعدم العلم هنا أعم من العلم بالعدم، كما قال سبحانه (أتنبؤنه بما لا يعلم).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

170

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ)) من الأحكام وسائر الوحي ((قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا))، أي وجدنا عليه آبائنا من التقاليد، فأنكر الله ذلك عليهم بالإستفهام الإنكاري، بقوله ((أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً)) من أمور الدين والدنيا ((وَلاَ يَهْتَدُونَ)) إلى الحق فإذا ظهر لكم، أن آبائكم لا يعلمون، فكيف تتّبعونهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

171

ثم بيّن الله سبحانه، أن هؤلاء الكفار لعنادهم وتعصّبهم، قد غلّقت منافذ السمع والبصر عنهم، فلا يفيد وعظ ولا تذكير، ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) بعد ما يروا الآيات، ومثلك يا رسول الله ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ))، أي يرفع صوته ((بِمَا))، أي بالحيوان الذي ((لاَ يَسْمَعُ)) ولا يفهم الكلام، وإنما يسمع ((إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء)) فإن الحيوان، إذ صحّت به لا يفهم من كلامك إلا مجرد الدعوة والنداء، فهؤلاء الكفار كذلك إذ لا ينتفعون بكلامك أبداً، فهم ((صُمٌّ)) جمع أصم، ((بُكْمٌ)) جمع أبكم، ((عُمْيٌ)) جمع أعمى، فإنهم ولوكانت لهم آذان وألسنة وعيون لكنها كالمعطّلة، لأنها لا تؤدي وظيفتها ((فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:28 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

172


((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)): تكرار لما تقدّم لإلحاق مسئلتي الشكر والمحرمات به، ((وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))، ولا تشكروا سائر الآلهة كالمشركين الذين يزعمون أنهم يمطرون بالأنواء، ويرزقون بالآلهة المزعومة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

173

((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)) وهي التي لم تُذبح على النحو الشرعي، ((وَالدَّمَ)) وهو وإن كان مطلقاً، إلا أنه مقيّد بالمسفوح لقوله سبحانه (ألا يكون ميتة أو دماً مسفوحاً)، ((وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ)) وخصّ اللحم بالكلام، وإن كانت جملته محرّمة، لأن اللحم هو المعظم المقصود في الغالب، ((وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ))،
الإهلال في الذبيحة رفع الصوت بالتسمية، وقد كان المشركون عند ذبحهم
يرفعون أصواتهم بتسمية الأوثان، فنهى الله سبحانه عن أكل ذبيحة ذكر غير إسم
الله عليها، ((فَمَنِ اضْطُرَّ)) بصيغة المجهول، فإنّ "إضطرّ" متعد من باب الإفتعال، وحيث لم يكن المقصود، سبب الإضطرار، ذُكر مجهولاً ((غَيْرَ بَاغٍ))، أي لم يكن باغياً وطالباً للّذة في أكله وشربه ((وَلاَ عَادٍ))، أي معتد في الأكل والشرب، عن حد الضرورة، أي غير باغٍ على إمام المسلمين، ولا عاد بالمعصية طريق المحقّين ((فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)) في تناول هذه المحرّمات ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يستر العصيان إذا إضطر إليه، فإنّ غفر بمعنى ستر، وستر العصيان، عدم المؤاخذة به ((رَّحِيمٌ)) بكم، ولذا جاز تناول المحرّم حال الإضطرار.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

174

((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ))
وهم اليهود والنصارى الذين كانوا يكتمون العقائد الحقّة الموجودة في
كتابهم، وينسبون الى الكتاب أحكاماً لم يوجد فيه، كما قال سبحانه (قل
فأْتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) ولعل إرتباط هذه الآية بما قبلها
من جهة الأمور التي كانوا يحرّمونها، ولم يكن في كتبهم تحريم لها ((وَيَشْتَرُونَ بِهِ))، أي بهذا الكتاب ((ثَمَنًا قَلِيلاً)) من رئاسة الدنيا وأموالها، فإنها قليل بالنسبة الى الآخرة ((أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ))،
أي لا يجرون الى بطونهم ولعل ذكر في بطونهم للإحتراز عن الأكل في بطن
الغير، فإن العرب تقول: شبع فلان في بطنه، إذا أكله بنفسه، وتقول: شبع فلان
في بطن غيره، إذا أكله من يتعلّق به ((إِلاَّ النَّارَ)) فإنّ ما أكلوه ينقلب ناراً تحرق بطونهم في جهنم ((وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فيمهلهم ليذوقوا الهوان جزاء ما فعلوا ((وَلاَ يُزَكِّيهِمْ))، أي لا يطهّرهم عن الآثام، فإن البطن إذا مُلئ حراماً يقسو، فلا يهتدي حتى يتزكّى الإنسان ويتطهّر ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

175

((أُولَئِكَ)) الذين يكتمون ما أنزل الله هم ((الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى))، أي عوض الهداية، فكان نفس الإنسان ثمن لأحد أمرين الضلالة والهداية، فهم أعطوا أنفسهم، واشتروا الضلالة عوض أن يشتروا الهداية ((وَ)) اشتروا ((الْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ)) فعوض أن يشتروا المغفرة لأنفسهم اشتروا العذاب ((فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)) تعجب عن صبرهم على النار التي هي عاقبة عملهم، أي كيف أنهم يصبرون على النار حينما فعلوا ما عاقبته النار.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

176

((ذَلِكَ)) العذاب، إنما توجّه إليهم ((بِـ)) سبب ((أَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ))، أي التوراة ((بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ)) بكتمان بعضه وإظهار بعضه ((لَفِي شِقَاقٍ)) وخلاف عن الحق ((بَعِيدٍ))
فهم إنما إستحقوا العذاب، لأنهم خالفوا الحق، وكتموا ما لزم إظهاره، ومن
المحتمل أن يكون المراد بالكتاب "القرآن"، أي أن عذابهم بسبب كتمانهم كون
القرآن حقاً وإختلافهم فيه، بأنه سحر وكهانة أو كلام البشر.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

177

((لَّيْسَ الْبِرَّ)) كل البر أيها اليهود المجادلون حول تحويل القبلة الصارفون أوقاتكم في هذه البحوث العقيمة ((أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) فإنّ ذلك أمر فرعي مرتبط بتكليف الله سبحانه، وقد كلّفنا بأن نصرف الوجوه الى الكعبة ((وَلَكِنَّ الْبِرَّ)) فعل، أو ولكن ذل البر ((مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) فإنّ ذلك هو الأصل الذي يتفرّع عليه أحكام الصلاة وغيرها ((وَ)) آمن بـ ((الْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ)) المنزل من عند الله على أنبيائه ((وَ)) آمن بـ ((النَّبِيِّينَ)) كلهم أولهم وأوسطهم وآخرهم ((وَآتَى الْمَالَ))، أي أعطاه وأنفقه ((عَلَى حُبِّهِ))، أي مع أنه يحبه، أو على حب الله تعالى ((ذَوِي الْقُرْبَى))، أي قراباته وأرحامه ((وَالْيَتَامَى)) الذين مات أبوهم ((وَالْمَسَاكِينَ)) الذين لا يجدون النفقة لأنفسهم وأهليهم ((وَابْنَ السَّبِيلِ)) الذي إنقطع في سفره، فلا مال له يوصله الى أهله ومقصده، وسمّي إبن السبيل، لعدم معرفة أبيه وعشيرته ((وَالسَّآئِلِينَ)) من الفقراء الذين يسألون الناس ((وَ)) آتى المال ((فِي)) فك ((الرِّقَابِ))، أي إشتراء العبيد أو إعتاقهم، حتى يتحرروا عن ربق العبودية ((وَأَقَامَ الصَّلاةَ))، أي أدّاها على حدودها ((وَآتَى الزَّكَاةَ)) الواجبة والمستحبة ((وَالْمُوفُونَ)) الذين يفون ((بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ)) سواءً كان عهداً مع الله كالنذر والبيعة، أو مع الناس كالعقود، وهذا عطف على قوله "من آمن" ((وَالصَّابِرِينَ)) عطف على "من آمن" على طريق القطع بتقدير القدح، كما قال إبن مالك:
واقطع أو اتّبع أن يكـن معيّناً بدونها أو بعضها إقطـع معلـنا
وارفـع أو أنصب إن قطعت مضمراً مبتدءاً أو ناصباً لمن يظهرا

فإن عادة العرب أن يتفنن بالقطع رفعاً ونصباً إذا طالت الصفات تقليلاً للكلل وتنشيطاً للذهن بالتلوّن في الكلام ((فِي الْبَأْسَاء)) البؤس الفقر ((والضَّرَّاء)) والمضر الموجع والعلّة وكلّ ضرر ((وَحِينَ الْبَأْسِ))، أي الصابرين حين القتال ((أُولَئِكَ)) الموصوفون بهذه الصفات هم ((الَّذِينَ صَدَقُوا)) في نيّاتهم وأعمالهم، لا من يجادل في أمر كتحويل القبلة ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ))
الخائفون من الله سبحانه، وفي هذه الآية الكريمة إلماح الى حال كثير من
الناس حيث يتركون المهام ويناقشون في أمر غير مهم عناداً وعصبية.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:28 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

178


وحيث
ذكر سبحانه ما هو البر عقبه ببعض الأحكام التي ينبغي لأهل البر المؤمنين
بالله واليوم الآخر المتصفين بتلك الصفات أن يلتزموا بها ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ)) ومعنى كتابته تشريعه إذ الشرائع والأحكام تُكتب ((فِي الْقَتْلَى))
جمع قتيل، فقد ورد أنها نزلت في حيّين من العرب لأحدهما طول على الآخر،
وكانوا يتزوجون نساءاً بغير حلال، وأقسموا لنقتلن بالعبد منا الحر منهم،
وبالمرأة منا الرجل منهم، وبالرجل منا الرجلين منهم، وجعلوا جراحاتهم على
الضِعف من جراح أولئك، حتى جاء الإسلام وأبطل تلك الأحكام، فـ ((الْحُرُّ بِـ)) مقابل ((الْحُرِّ)) يُقتل لا بمقابل العبد ((وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى)) تُقتل ((بِـ)) مقابل ((الأُنثَى)) لا الذكر يُقتل في قبال الأنثى ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ)) قبل ((أَخِيهِ شَيْءٌ)) بأن عفى الأخ الولي للمقتول عن قتل القاتل، وبدله بالديّة، أو عفى عن بعض الديّة، وبقي بعضها الآخر ((فَـ)) الواجب على الطرفين، مراقبة الله في الأخذ والإعطاء، غمن طرف الولي للمقتول ((اتِّبَاعٌ)) للقاتل ((بِالْمَعْرُوفِ)) بأن لا يشدّد في طلب الديّة، ومن طرف القاتل ((وَأَدَاء إِلَيْهِ))، أي الى العافي ((بِإِحْسَانٍ)) من غير مطل وتصعيب ((ذَلِكَ)) الحكم في باب القتيل بالمماثلة، أولاً، والتخيير بين القتل والديّة والعفو ثانياً ((تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ)) عليكم ((وَرَحْمَةٌ)) منه بكم، وفي المجع أنه كان لأهل التوراة القصاص أو العفو، ولأهل الإنجيل العفو والديّة ((فَمَنِ اعْتَدَى)) عن الحكم المقرر ((بَعْدَ ذَلِكَ)) الذي قررناه من الأحكام ((فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم في الدنيا والآخرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

179

((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ)) في باب القتل، بأن يُقتل القاتل عمداً ((حَيَاةٌ))
للمجموع، لأنّ كل من إفتكر أنه لو قتل قُتل إرتدع إلا النادر، وأيضاً أن
القصاص يوجب عدم تعدّي أولياء المقتول على أقرباء القاتل، بأن يقتلوا منهم
عدداً كثيراً، كما كان هو المتعارف على زمان الجاهلية، حتى ربما فُنيت
القبيلة لأجل قتيل واحد ((يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ)) جمع لُب، بمعنى العقل، أي يأصحاب العقول ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) القتل، أي شرع القصاص، حتى تتقون من القتل.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

180

وحيث ألمح القرآن الحكيم الى حكم القتل، أشار الى ما يرتبط به من الوصية، فقال ((كُتِبَ عَلَيْكُمْ)) كتابة راجحة، فإن الكتابة تشمل الواجب والمندوب، والوصية مندوبة إلا إذا وجبت بالعارض ((إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)) بأن رأى مقدماته من مرض وهرم ونحوهما ((إِن تَرَكَ خَيْرًا))، أي مالاً فإنه إذا لم يترك الخير، لاداعي للوصية، وإن كانت مستحبة أيضاً، لكنها ليست مثل تأكيد من ترك الخير ((الْوَصِيَّةُ)) نائب فاعل "كتب" ((لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ))، أي الأقرباء ((بِالْمَعْرُوفِ))
بأن يوصي لوالديه وأقربائه، لو كانوا ورّاثاً، شيئاً من الثلث، وهذا يوجب
نشر الألفة والمحبة أكثر فأكثر، وإنما قيّده بالمعروف حتى لا يوصي بما يوجب
إثارة الشحناء، كأن يترك الأقرب ويوصي للأبعد، أو يفضّل بعضاً على بعض بما
يورث البغضاء، والمراد بالمعروف الذي يعرف أهل التميّز أنه لا جور فيه ولا
حيف، وهذه الوصية تكون ((حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) الذين يؤثرون التقوى.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

181

((فَمَن بَدَّلَهُ))، أي بدّل الإيصاء وغيّره وزوّره ((بَعْدَمَا سَمِعَهُ))، أي علمه، فإن السماع يُستعمل بمعنى العلم ((فَإِنَّمَا إِثْمُهُ))، أي إثم التبديل ((عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ))
وليس إثم على الذي يأكل المال إرثاً، بغير علم، والذي يأكله زيادة عن
حصته، من غير علم فإن الغالب أن يبدّل الجيل الأول ويتصرف سائر الأجيال بلا
علم منهم بالتبديل ((إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ)) لوصاياكم وأقوالكم ((عَلِيمٌ))
بنواياكم وتبديلكم، أو تنفيذكم للوصية، ولعل هناك نكتة أخرى في قوله
"فإنما إثمه على الذين يبدّلونه" هي إن كثيراً من الناس لا يوصون خوفاً من
أن يلحقهم إثم التبديل من بعدهم، لأنهم بوصيتهم أعانوا من بدّل ومهّدوا
الطريق له، كما رأيت ذلك متعارفاً في كلام كثير من الناس، حيث يقولون من
أوصى ألقى ورثته في المعصية، فيكفّ بعضهم عن الوصية، فأشار سبحانه الى كون
هذا الحكم غلطاً، فإن الموصي فعل خيراً، وإنما المغيّر هو الذي يتحمل
الإثم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

182

ثم
إستثنى سبحانه عن حرمة تبديل الوصة، بأنه إنما يكون حراماً إذا كان
تغيّراً من حق الى باطل، أما إذا كان من باطل الى حق فلا إثم في التغيير((فَمَنْ خَافَ)) وخشي ((مِن مُّوصٍ))، أي الذي يوصي ((جَنَفًا))، أي ميلاً عن الحق الى الباطل، بأن أوصى أزيد مما يحق له الإيصاء به ((أَوْ إِثْمًا)) بأن حرم ورثته بإيصائه، وفي الحديث أن الإثم الخطأ عن عمد، والجنف الخطأ لا عن عمد ((فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ))، أي بين الورثة والموصي، والموصي له، بأن ردّ الزائد الى الورثةوأبطل ما فيه من الإثم ((فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ))، أي على المبدّل للوصية ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) بمن يأثم، فكيف بمن لا يأثم، وقد ثبت في الشريعة أن الوصية - بما زاد عن الثلث - لا تنفّذ إلا برضى الورثة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

183

ثم
إنتقل السياق الى حكم آخر من أحكام الإسلام -لما ذكرنا من أن القرآن
الحكيم، بعد بيان أصول التوحيد، ذكر جملة من الأحكام- فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)) فإنه مفروض عليكم، فيجب عليكم أن تصوموا ((كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) فلستم أنتم وحدكم أُمرتم بالصيام، بل كان الصوم شريعة في الأديان السابقة أيضاً ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))
النار بصيامكم، فإن الصائم حيث يحسّ بالجوع والعطش والضعف يتذكّر الله
سبحانه فيخبت قلبه وتضعف فيه قوى الشر، وترقّ نفسه وتصفو روحه، وكل ذلك سبب
للتقوى وترك المعاصي.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

184

((أَيَّامًا))، أي أن الصيام في أيام ((مَّعْدُودَاتٍ))، أي محصورات، فليست أياماً كثيرة لا تعد، وإنما هي ثلاثون يوماً فقط، وفيه تسلية، وليس الصيام على كل أحد ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا)) مرضاً يضرّه الصوم ((أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) فقد شبّه السفر بمركوب لغلبة الركوب فيه، وحدّ السفر معيّن في الشريعة ((فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ))، أي فليصم في أيام أُخَر غير شهر رمضان، قضاءاً لما فاته بالمرض أو السفر ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ))،
أي يطيقون الصيام، بأن يكون آخر طاقتهم وذلك موجب للعسر- كما لا يخفى -
إذا أخّر الطاقة عُسر، أو أنّ الذي يُطيق الصوم كان في أول الشريعة مخيّراً
بين الصيام والإطعام، ثم وجب الصوم وحدهوذلك للتدرّج بالأمة ((فِدْيَةٌ))، أي الواجب عليهم الفداء بدل الصوم ((طَعَامُ مِسْكِينٍ)) واحد وهو مدٌّ من الطعام ((فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا)) بأن زاد على طعام المسكين ((فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ)) أيها المُطيقون، الذي يبلغ الصوم طاقتكم ((خَيْرٌ لَّكُمْ))
من الإطعام، فإن الإنسان أما أن يضرّه الصوم ضرراً بالغاً، وهو الذي تقدّم
أنه يفطر ويأتي بعدّةٍ من أيام أُخر، وأما أن يشقّ عليه الى حدّ العُسر،
وهو الذي يبلغ منتهى طاقته، وهذا يخيّر بين الصيام والإطعام وإن كان الصيام
خير، وأما أن لا يشقّ عليه وهو الذي يجب عليه الصيام معيّناً مما بيّن في
الآية التالية ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))
لعلمتم أن الصيام خير لما فيه من الفوائد التي ليست في الإطعام، وليس
مفهومه، إن لم تكونوا تعلمون، فليس الصوم خيراً، بل المفهوم إن لم تكونوا
تعلمون، لم تعلموا أن الصوم خير.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:29 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

185


الأيام المعدودات المفروض فيها الصيام هي ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)) مما زاد في عظمته وحرمته، إذ صار زماناً لنزول أعظم دستور للبشرية الى الأبد في حال كون القرآن ((هُدًى لِّلنَّاسِ)) يهديهم الى الحق والى صراط مستقيم ((وَبَيِّنَاتٍ))، أي أمور واضحات ((مِّنَ)) جنس ((الْهُدَى))
فليس هدىً غامضاً يحتاج الى إثبات ودليل، بل واضح لائح، ومن الهدى بيان
لبيّنات، إذ يمكن أن يكون شيء بيّناً من حيث الشهادة أو المعاملة أو نحوها ((وَ)) من ((الْفُرْقَانِ))، أي يفرّق بين الحق والباطل والضلال والرشاد ((فَمَن شَهِدَ))، أي حضر ولم يغب بالسفر ((مِنكُمُ الشَّهْرَ))، أي شهر رمضان ((فَلْيَصُمْهُ)) إيجاباً، ولما كان الحكم عاماً إستثنى منه بقوله ((وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) وإنما كرّر تمهيداً لقوله ((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) ولذا أمركم بالإفطار في السفر والمرض ((وَ)) إنما شرع عدّة من أيام أُخر ((لِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ))، أي عدّة أشهر، فإن في صيامه فوائد لا يدركها إلا من أكملها، فإن لم يتمكن من إكمالها في نفس شهر رمضان أكملها خارجه ((وَ)) إنما شرع الصوم ((لِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ))،
أي تعظّموه بسبب هدايته لكم الى دينه وشريعته، فإن الصيام سبب قرب النفس
الى الله سبحانه، فيأتي منها التكبير عفواً، وفي التأويل، المراد به تكبير
ليلة الفطر ((وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) فإن الصوم نعمة تستحق الشكر لما فيه من صلاح الدنيا والدين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

186

وحيث
إن من عادة القرآن الحكيم أن يخلّل الأحكام نفحة موجهة نحو الله تعالى،
ليربط الحكم بالخالق، وليشعّ في النفس النشاط والعزيمة، أتت آية إستجابة
الدعاء هنا بعد طول من بيان الأحكام، ثم يأتي بعده آيات ترتبط بالأحكام
ثانية، بالإضافة الى أن إستجابة الدعاء تناسب شهر رمضان، فإنه شهر دعاء
وضراعة، وقد ورد أن سائلاً سأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كيف
ندعوا؟، فنزلت ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)) إليهم، قُرب العلم والإحاطة والسمع والبصر، لا قُرب الزمان والمكان والجهة، فإنه سبحانه منزّه عن كل ذلك ((أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ)) الذي يدعوني ((إِذَا دَعَانِ)) ولعل في هذا القيد إفادة أن الإجابة وقت الدعوة مباشرة فإن "إذا" ظرف، ويفيد تكرار كلمة "دعا" لتتركّز في الذهن تركيزاً ((فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي))، أي يطيعوني في أوامري ونواهي، إذ من يجيب الدعاء يستحق له الإنسان ((وَلْيُؤْمِنُواْ بِي)) إيماناً بذاتي وصفاتي ((لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))، أي لكي يصيبوا الحق ويهتدوا إليه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

187

((أُحِلَّ لَكُمْ)) أيها الصائمون ((لَيْلَةَ الصِّيَامِ)) التي تصومون غدها ((الرَّفَثُ))، أي الجماع ((إِلَى نِسَآئِكُمْ))
وإنما عدى بـ "الى" لتعلمنه معنى الإفضاء، أي الإنتهاء الى زوجاتكم
بالجماع، وقد رُوي عن الصادق (عليه السلام) في سبب نزول هذه الآية أنه قال:
"كان الأكل محرّماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم،
وكان النكاح حراماً بالليلوالنهار في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُقال له مطعم بن جبير - أخو عبد الله بن
جبير الذي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكّله بفم الشِعب
يوم أُحد في خمسين من الرماة وفارقه أصحابه وبقي في إثني عشر رجلاً، فقُتل
على باب الشِعب- وكان أخوه هذا مطعم بن جبير شيخاً ضعيفاً وكان صائماً
فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر، فلما إنتبه قال لأهله: قد
حُرّم عليّ الأكل في هذه الليلة، فلما أصبح حضر حفر الخندق فأُغمي عليه،
فرآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فرقّ له، وكان قوم من الشباب
ينكحون بالليل سراً في شهر رمضان، فأنزل الله هذه الآية، فأحلّ النكاح
بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم الى طلوع الفجر."
((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)) فكما أن اللباس يقي البدن وكما أنه ملاصق بالبدن ومحرم عليه، كذلك كل من الزوجين بالنسبة الى الآخر ((عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ)) أيها الصائمون ((كُنتُمْ تَخْتانُونَ)) من الخيانة ((أَنفُسَكُمْ))، أي كنتم تخونونها بارتكاب المعصية فكان المرتكب لها يخونها إذ يسبّب لها خساراً، وكل خائن كذلك يسبّب لمن خانه خسارا ((فَتَابَ عَلَيْكُمْ)) ما كنتم تأتون به من المحرم في جماع أهليكم ليلاً ((وَعَفَا عَنكُمْ)) بالنسبة الى هذا الحكم ((فَـ)) من ((الآنَ بَاشِرُوهُنَّ))، أي يجوز لكم جماعهنّ ليلاً والأمر في مقام نفي لا يفيد إلا الجواز ((وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ)) من الأولاد واللذّة المحلّلة الموجبة للثواب، وهذا بالنسبة الى نسخ الحكم بتحريم الجماع ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ))، أي يُباح لكم الأكل والشرب من أول المغرب ((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)) بيان الخطين أي يتضح الفجر الصادق الذي هو في وسط الظلام كخيط أبيض قرب خيط أسود ((ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ)) بالكف عن المفطرات المذكورة في الشريعة من أول الفجر الصادق ((إِلَى الَّليْلِ)).

وهو المغرب الشرعي، وهذا بالنسبة الى نسخ الحكم بتحريم الأكل والشرب لمن نام قبل أن يفطر ((وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ))، أي لا تجامعوا النساء ((وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ))
ليلاً أو نهاراً والإعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة ويُشترط فيه
الصوم، وأقله ثلاثة أيام بتفصيل مذكور في الفقه ومن أحكام الإعتكاف حُرمة
مباشرة النساء ليلاً ونهاراً ((تِلْكَ)) التي ذكرنا من أحكام الصيام وغيرها ((حُدُودُ اللّهِ)) التي جعلها لأفعال العباد من الفعل فلا يجوز تركه، والترك فلا يجوز إقتحامه كحدود المدينة والدار ونحوهما ((فَلاَ تَقْرَبُوهَا)) نهي عن الإقتراب، مبالغة في النهي عن الإقتحام والمخالفة كقوله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ((كَذَلِكَ))، أي مثل هذا البيان الواضح الذي بيّن أحكام الصيام وغيره ((يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ)) دلائله وأحكامه ((لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ))، أي لكي يتّقوا معاصيه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:29 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

188


ثم إنتقل السياق الى تشريع آخر له مناسبة ما بـ "الأكل" الذي دار الكلام حوله في مسألة الصيام ((وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)) بالغصب وما أشبه، وكان وجه ذكر كلمة "بينكم" أن الآكلين للغصب ونحوه يتآمرون بينهم في خفاء حتى يبرروا أكلهم ((وَتُدْلُواْ)) الإدلاء أي الإلقاء والإفضاء، أي تُلقوا ((بِهَا))، أي بتلك الأموال ((إِلَى الْحُكَّامِ)) جمع حاكم، بمعنى القضاة بعنوان الرشوة والهدية ليأخذوا جانبكم في أكل المال بالباطل ((لِتَأْكُلُواْ)) علّة "لتدلوا"، أي علّة إعطائكم الرشوة أن تأكلوا ((فَرِيقًا))، أي قسماً ((مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ)) بدون حق ((وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) بأن أكلكم وإرشائكم باطل وإثم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

189

مرت
أحكام كلها تحتاج الى التوقيت من صيام وإعتكاف ومحاكمات وغيرها فناسب أن
يأتي تشريع الأهلّة هنا مع الغض عما تقدم من أن المقصود بيان جملة من
الأحكام بعد بيان أصول التوحيد ((يَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((عَنِ الأهِلَّةِ))
وعن سببإختلاف الهلال في كل شهر من الهلال الى البدر ثم الى الهلالحتى
المحاق أو عن فائدة هذا الإختلاف ولماذا لم يكن القمر كالشمس في الإنتظام ((قُلْ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في جوابهم ((هِيَ مَوَاقِيتُ)) جمع ميقات بمعنى الوقت والزمان ((لِلنَّاسِ)) في عبادتهم ومعاملاتهم ((وَ)) لـ ((الْحَجِّ))
فمن أقرض الى شهر أو باع ليقبض الثمن، أو يدفع الثمن بعد شهرين، أو أراد
الصيام والإفطار أو الحج في أشهره لابد وأن يكون له مَعْلَمْ يستند إليه
ولذلك جعل الله الأهلّة، وهذا الجواب ينطبق على السؤال بناءً على الوجه
الثاني في معنى "يسألونك" وأما بناءً على الوجه الأول وسؤالهم كان عن سبب
إختلاف الأهلّة فإن القرآن أعرض عن جوابهم لأن عقولهم ما كانت تتحمل الجواب
الفلكي، ولذا أعرض عن ذلك الى فائدة الأهلّة التي هم أحوج إليها، كما في
آية أخرى (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين) حيث أعرض عن
جواب ماهيّة المنفق، أي محل الإنفاق لأن هذا هو الذي يترتب عليه الفائدة
وهم بحاجة إليه، وحيث ذكر الحج في الكلام إنتقل السياق الى ما كان يفعله
الجاهليون من أنهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت من أبوابها وإنما يدخلونها
من ظهورها، فنهى عن ذلك، وفي هذا تلميح بأن السؤال عما لا يهمكم من
الأهلّة، مثل إتيان البيوت من ظهورها وكالأكل من القفا ((وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ))تدخلوا ((الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا)) بأن تنقبوا لبيوت وتدخلونها من النقب ((وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى)) من الله سبحانه بإتيان أوامره وإجتناب نواهيه ((وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)) ولو في حال الإحرام ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أوامره ونواهيه ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي لكي تفلحوا بالوصول الى السعادة الدنيوية والأخروية.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

190

وهنا
حكم آخر من أحكام الإسلام الكثيرة وهو القتال والجهاد، ولقد كان بين هذا
الحكم وبين "الحج" المتقدم مناسبة، إذ المشركون قد منعوا الرسول عن الحج
عام الحديبية، فكان على المسلمين أن يتهيّئوا للجهاد إن إقتضت الظروف ((وَقَاتِلُواْ)) أيها المسلمون ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) لا لحب السيطرة والغلبة كما هو شأن ملوك الدنيا وزعمائها بل في سبيل إعلاء كلمة الله التي فيها سعادة البشر ((الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ)) لا كل آمن، فمن ألقى سلاحه وسكن الى محله فإن في قتاله إيجاد فوضى وإضطراب لا داعي إليهما ((وَلاَ تَعْتَدُواْ))
إذا قاتلتم من قاتلكم فإن القتال قتال دفاع، فلا معنى للإعتداء وأنتم
مرتبطون بالله الذي تقاتلون لأجله فلا يصحّ الإعتداء من أمثالكم ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)) فهم الذي يأمر بالعدل والإحسان، فكيف يحب من إعتدى وبغى.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

191

((وَاقْتُلُوهُمْ))، أي الذين يقاتلونكم ((حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ))، أي وجدتموهم ((وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ))، أي أخرجوكم من مكة كما أخرجوكم منها، فمن قاتلكم قتلتموه ومن أخرجكم من دياركم أخرجتموه جزاءً وِفاقا ((وَالْفِتْنَةُ)) التي أثاروها الكفار بتفتين المسلمين عن دينهم وإلقاء الإرتياب والشك في قلوبهم ليجلبوهم الى حظيرة الكفر بعد أن هداهم الله ((أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ))
فإن القتل يوجب ذهاب الدنيا والفتنة توجب ذهاب الدين، فمن تقاتلوهم لا
يستحقون عليكم أن يهرّجوا بأن المسلمين يشهرون السلاح فإنهم يستحقون القتل
لأنهم بدأوا بالقتال لأنهم فُتنوا، وروي أنها نزلت في مسلم قتل كافراً في
الشهر الحرام فعابوا المؤمنين بذلك، فبيّن سبحانه أن الفتنة التي تصدر من
الكفار أشد من القتل ((وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ))، أي لا تقاتلوا الكافرين أيها المسلمين ((عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ))، أي في الحرم ((حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)) ويبدأوا بالقتال ((فَإِن قَاتَلُوكُمْ)) بدأوكم بالقتال في الحرم ((فَاقْتُلُوهُمْ)) هناك ((كَذَلِكَ)) الذي مرّ من وجوب قتال الكفار حيث وجدوا الىآخر ما ذُكر ((جَزَاء الْكَافِرِينَ)).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

192

((فَإِنِ انتَهَوْاْ)) عن الكفر بأن أسلموا ((فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يغفر سيئاتهم حتى ما ارتكبوها قبل إسلامهم من القتال فإن الإسلام يجبّ ما قبله ((رَّحِيمٌ)) بعباده المؤمنين.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

193

((وَقَاتِلُوهُمْ))، أي الكفار الذين يقاتلونكم لا لأجل القصاص فقط بل ((حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ)) بأن لا يُفتن المسلمون عن دينهم ((وَيَكُونَ الدِّينُ)) والطريقة ((لِلّهِ)) فلا يبقى منهج لسواه بأن ينتصر الحق على الباطل وهذان هما الغاية من إيجاب الدفاع ((فَإِنِ انتَهَواْ)) عن الكفر ((فَلاَ عُدْوَانَ))، أي تعدي بالدفاع والقتال ((إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ))
الباقين على كفرهم، أي فإذا إنتهى المعتدون عن الفتنة والتعرّض لدين الله
والتعرّض للمسلمين بالأذى والقتال فلا قتال معهم لأن القتال لا يكون إلا مع
الظالمين، وسميّ "عدواناً" تشبيهاً كما قال: (فمن إعتدى عليكم فاعتدوا
عليه بمثل ما إعتدى عليكم).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:30 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

194


((الشَّهْرُ الْحَرَامُ)) وهو ذي القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وسميّت هذه الأشهر حراماً لتحريم القتال فيها ((بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ))، أي بمقابل الشهر الحرام فمن إنتهك حُرمة الشهر الحرام بالقتال فيه حرم من المسلم فيه بل يقاتل ((وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ))
كما أن الجروح قصاص فمن إنتهك حرمة إقتصّ منه في نفس الشهر أو المكان الذي
إنتهك حرمته ولذا يُحارب المحارب في الحرم وفي الشهر الحرام ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)) لا أزيد من ذلك وسميّ إعتداء لأنه مثل الإعتداء فالتسمية إنما هي بالمجانسة ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) فلا تتجاوزوا الحدود ولا تبالغوا في القسوة والإنتقام ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) فيأخذ بأيديهم في الدنيا ويسعدهم في الآخرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

195

((وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) فإن الجهاد يحتاج الى الإنفاق المجهّز للجيش وهو من أعظم السُبُل ((وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ))، أي لا تلقوا أنفسكم بأيديكم ((إِلَى التَّهْلُكَةِ)) بترك الإنفاق للجهاد حتى يتسلّط عليكم العدو ((وَأَحْسِنُوَاْ)) في إنفاقكم وجهادكم وسائر أموركم ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

196

ثم رجع السياق الى أحكام الحج الذي ألمح إليه فيما سبق لأن الحج كان في مقام صلح الحديبية وحج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ))، أي إئتوا بها تماماً وكاملاً بإتيان مناسكهما قُربة الى الله تعالى لا لأجل رياء أو سمعة أو نحوهما ((فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ)) بأن منعكم مانع عن الحج بعدما أُحرمتم ((فَـ)) عليكم إذا أردتم التحلّل عن الإحرام أن تقدّموا أو تذبحوا ((مَا اسْتَيْسَرَ))، أي ما أمكنكم ((مِنَ الْهَدْيِ)) الذي قدمتموه الى الله، والهدي هو البقرة أو الإبل أو الغنم ((وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ)) وهو كناية عن التحلّل عن الأجسام، أي لا تحلقوا ((حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)) الذي قرّر في الشريعة من محل الحصى أو مكة أو منى كما فصّل في الفقه ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً)) لا يتمكن من أن لا يحلق ((أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ)) كانقمل رأسه فيتأذى من هوائه فلا يتمكن من عدم الحلق ((فَـ)) عليه إذا حلّق قبل أن يبلغ الهدي محلّه ((فِدْيَةٌ)) يقدّمها بدل حلقه ((مِّن صِيَامٍ)) ثلاثة أيام ((أَوْ صَدَقَةٍ)) لستة مساكين ((أَوْ نُسُكٍ))، أي شاة يذبحها لأجل تعجيله في الحلق ((فَإِذَا أَمِنتُمْ)) من العدو الصاد وكذلك شُفيتم من المرض وزال المانع ((فَمَن تَمَتَّعَ))، أي إستمتع بالطيب والنساء وسائر الملذّات التي يحرًمها الإحرام ((بِـ)) سبب إتيانه ((الْعُمْرَةِ)) فإن العمرة تنتهي سريعاً فتحلّ المحرّمات ((إِلَى الْحَجِّ))، أي تكون تمتعه بالملذات الى أن يُحرم للحج ((فَـ)) عليه ((مَا اسْتَيْسَرَ))، أي ما تمكّن عليه ((مِنَ الْهَدْيِ)) إبل أو بقر أو شاة يجب عليه ذبحها في منى أيام العيد ((فَمَن لَّمْ يَجِدْ)) الهدي ((فَـ)) عليه ((صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي)) أيام ((الْحَجِّ)) من ذي الحجة ((وَسَبْعَةٍ)) أيام ((إِذَا رَجَعْتُمْ)) الى بلادكم ((تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)) تكون بدلاً عن الهدي ((ذَلِكَ)) التمتع الذي يكون عمرته مقدمة على حجة فرض ((لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ))
من كان في أطراف الحرم من كل جانب إثني عشر ميلاً أو نحوه على خلاف، أما
من كان أهله حاضري المسجد الحرام بأن كان محله عند أقل من ذلك ففرصه
القِران أو الإفراد وفي كليهما يقدّم الحج على العمرة، والفرق بينهما أن
القِران يعقد إحرامه بسَوق الهدي دون المفرد ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أحكامه أيها المسلمون ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))
فلا تخالفوا أوامره ونواهيه والحج يشتمل على فرضين "عمرة" هي: الإحرام،
الطواف بالبيت، صلاة الطواف، السعي بين الصفا والمروة، والتقصير، و(حج) هو:
الإحرام، الوقوف بعرفات، الوقوف بالمشعر، الإفاضة الى منى، رمي جمرة
العقبة، نحر أو ذبح، حلق أو تقصير، طواف النساء، صلاة طواف النساء، السعي
بين الصفا والمروة، طواف الزيارة، صلاة طواف الزيارة، المبيت بمنى ليلة
الحادي عشر والثانية عشر، ورمي الجمار الثلاث يومي الحادي عشر والثانية
عشر، وقد أشار الشيخ البهائي الى هذه الأعمال في بيته المشهور:
أطرست للعمرة إجعل نهج أوو أرنحط رسطر مر: لحج


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

197

((الْحَجُّ)) في ((أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ))
أو أشهر الحج أشهر معلومات وهو شوال وذو القعدة وذو الحجة فلا يجوز تأخيره
منها كما كان الجاهلون يفعلون حيث يؤخرون الحج، ونزل فيهم (إنما النسيء
زيادة في الكفر) ((فَمَن فَرَضَ)) على نفسه ((فِيهِنَّ))، أي في هذه الأشهر ((الْحَجَّ فَـ)) ليعلم أنه ((لاَ رَفَثَ)) وهو الجماع ((وَلاَ فُسُوقَ)) وهو السباب والمفاخرة ((وَلاَ جِدَالَ)) قول: (لا والله) و(بلى والله) ((فِي الْحَجِّ))، أي في حال الإحرام ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ)) في الحج وغيره ((يَعْلَمْهُ اللّهُ))
ولعلّ ذكره هنا لكثرة إحتياج الحجاج بعضهم الى بعض في مختلف الشؤون
فأُريدَ التنبيه بأن كل خير يصدر من الإنسان إنما هو بعلم الله سبحانه
فيجازيه على ذلك ((وَتَزَوَّدُواْ)) من الحج زاداً للروح ((فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))
وهو يحصل بكثرة هائلة في الحج حيث التجرّد والكف عن الملذات ومقامات
الشدائد والصعوبات، ويُحتمل أنها نزلت فيمن لم يكن يأخذ الزاد للحج بإدّعاء
أنه ضيف الله ثم ليستعطي في الطريق فأمر بأخذ الزاد فإنه قرين بالتقوى دون
الإستعطاء الذي فيه منقصة وذلة وحُرمة أحياناً ((وَاتَّقُونِ))، أي خافوني في أعمالكم فلا تغفلوا ولا تتركوا واجباً ((يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ))، أي ياأصحاب العقول.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

198

كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج نزلت ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ)) بالإتجار فإنه ليس بمحرّم ((فَإِذَا أَفَضْتُم)) منها كما يندفع الماء نحو الوهاد فإن الحجاج يندفعون كالسيل ((مِّنْ عَرَفَاتٍ)) ((فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)) وهو الموقف الثاني وقته بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من يوم العيد ((وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ))، أي بإزاء هدايته سبحانه إياكم لدينه وما يُسعدكم في الدنيا والآخرة ((وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ))، أي قبل الهدي ((لَمِنَ الضَّآلِّينَ)) عن دينه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:30 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

199


((ثُمَّ أَفِيضُواْ)) من المشعر الى منى ((مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)) من قبلكم إبراهيم (عليه السلام) وذريته ((وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ)) إطلبوا غفرانه وعفوه ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))
هكذا يقتضي نُظم الآية لكن ورد أن قريشاً كانوا لا يقفون بعرفات ولا
يفيضون منه ويقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه فيقفون بالمشعر ويفيضون
منه، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منه كسائر الناس.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

200

((فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ))، أي أدّيتم أعمالك فإنّ المناسك جمع منسك وهو مصدر ميمي بمعنى العمل ((فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا))
فإنّ أهل الجاهلية كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك ويعدّون مفاخر
آبائهم ومآثرهم ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله أن
يذكروه عوض ذكرهم آبائهم، بل يجب أن يذكروه أكثر وأحسن من ذكر آبائهم فهو
المنعم الحقيقي الذي بيده كل شيء ومنه كل خير، وهنا يكون المجال واسعاً
لبيان نموذجين من الناس منهم من يريد الآخرة ومنهم من يريد الدنيا، ولذا
قال تعالى ((فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا))، أي إعطنا من نعيمها ورفاهها وسعادتها ولا يسأل نعيم الآخرة لأنه غير مؤمن بها إذ كان الحج قبل الإسلام عاماً للمعتقِد والمُنكِر ((وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ))، أي نصيب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

201

((وِمِنْهُم))، أي من الناس ((مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا)) من وقى، أي إحفظنا من ((عَذَابَ النَّارِ)) فهو يسأل نعيم الدنيا ونعيم الآخرة ويتعوذ بالله من النار.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

202

((أُولَئِكَ)) يسألون خير الدنيا والآخرة ((لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ)) لأنهم يستحقون ثواب أعمالهم بخلاف الطائفة الأولى فإنّ كفرهم يمنع عن ثوابهم ((وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) فلا يظن الإنسان الآخرة بعيدة فإنه لا تمر الأيام والليالي إلا والشخص دفين في التراب وإن طال عمره في الدنيا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

203

((وَاذْكُرُواْ اللّهَ)) أيها الحجاج ((فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ)) وهي أيام التشريق في منى ((فَمَن تَعَجَّلَ)) النفر الى مكة من منى ((فِي يَوْمَيْنِ)) بأن نفر يوم الثاني عشر ((فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ)) فإنه يجوز النفر بعد زوال الثاني عشر ((وَمَن تَأَخَّرَ)) في النفر فنَفَرَ في الثالث عشر ((فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)) فإنه يجوز كل من الأمرين ((لِمَنِ اتَّقَى)) الصيد في إحرامه وإلا فإن صاد وجب عليه النفر الثاني فلا يجوز أن ينفر في الثاني عشر ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) فيما أمركم ونهاكم ((وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) الحشر هو الجمع والمعنى تُجمعون الى حكم الله وجزائه يوم القيامة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

204

ثم يلتفت السياق الى الإنسان طالِحُهُ وصالِحُهُ، ويبيّن خصائص البشر، ليعطي درساً لمن أراد الصلاح والرشاد فيقول سبحانه ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ)) للباقته وفصاحته وكلامه المعسول فتستحسن كلامه وتصغي الى بيانه ((فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) أما متعلّق بـ(قوله)، أي قوله في شؤون الدنيا معجب، أو متعلق بـ(يعجبك)، أي إن إعجابك إنما هو في الدنيا، والأول أقرب ((وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ))
كما هو شأن المنافقين أبداً فإنهم حيث يرون نفاقهم يظنون أن الناس مطّلعون
على سرائرهم فيؤكّدون بأنهم مخلصون وإنّ ما في قلبهم يطابق ما على لسانهم ((هُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)) الألدّ هو شديد الخصومة، والخصام جمع يعني أنه من أكبر خصمائك في الباطن.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

205

((وَإِذَا تَوَلَّى)) وأدبر وذهب من عندك ((سَعَى فِي الأَرْضِ)) من هنا الى هناك كما هو شأن المشاغِب المُفسِد ((لِيُفْسِدَ فِيِهَا)) بإثارة الفوضىوالإضطراب ((وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ))، أي الزراعة ((وَالنَّسْلَ))،
أي الأولاد والذرّيّة، فإن إثارة الفوضى يوجب خراب الزراعات لإشتغال أهلها
بالكفاح، وفناء النسل إذ الشباب دائماً يُقدمون على الحرب والجلاء ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

206

((وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ)) في عملك فلا تُفسد ((أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ))، أي حملته عزّته وحميّته الجاهلية بأن يأثم لأنه لا يرضخ للحق ولا يعتني به ((فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ))، أي تمكينه جهنم جزاءً له ((وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ))،
أي محل القرار، وهذه الآيات نزلت في المنافقين أو في فرد خاص منهم يُسمّى
"الأخنس بن شريق" كان يُظهر المحبة بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
ويُبطن الفساد والنفاق، ولعل وجه إرتباط هذه الآيات بالحج أن الكلام إنتهى
هناك حول من يفتخر بالآباء إعتزازاً بالنفس وهذا مثلهم في الإعتزاز
والإغترار.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

207

((وَمِنَ النَّاسِ))، أي بعض الناس ((مَن يَشْرِي))، أي يبيع فإنّ كلّاً من البيع والشراء يجيء بمعنى الآخر ((نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ))، أي لأجل طلب رضاه سبحانه ((وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ))
يرئف بهم فيجازيهم لعملهم الحسن، ولعل ذكر الرأفة لأجل أن هذا البيع يحتوي
على أخطاء وأضرار ففيه تنبيه الى أن الله رؤوف يجنّب البائع والأخطار
والأضرار، وهذه الآية نزلت في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه
السلام) حين نام في فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة الهجرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

208

وحين ذكر أن من الناس من هو منافق ناسب الإرشاد العام فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) باللسان ((ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ)) مع الله ورسوله في جميع أموركم ((كَآفَّةً))، أي جميعاً فاستسلموا للدين في جميع شؤونكم ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)) بأن تخالفوا أمر الله سبحانه وتتبعوا أمر الشيطان وما يوحي إليه الهوى ((إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، أي عدو ظاهر لأنه يأمر بالمفاسد التي ترجع الى ذهاب دينكم ودنياكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

209

((فَإِن زَلَلْتُمْ)) تشبيه للذنب بمن يزلّ له قدم ((مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ)) الأدلة الواضحة على الحق ((فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ)) فلا يمتنع عليه العذاب والعقاب بمن زلّ ((حَكِيمٌ)) في فعله ليعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:31 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

210


وهنا يعود السياق الى من يأخذخ العزة فيقول سبحانه ((هَلْ يَنظُرُونَ)) النظر بمعنى الإنتظار، أي هل ينتظر هؤلاء المنافقون ((إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ)) حتى يؤمنوا ويُقلعوا عن نفاقهم وكفرهم ((فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ))
ظُلل جمع ظُلّة وهي ما يُستظل به من الشمس، وسميّ السحاب ظُلّة لأنه
يُستظَل به من الشمس، والغمام هو السحاب، وقد كانت اليهود تزعم أنّ الله
ينزل في ظُلل من الغمام وكذلك ينزل الملائكة معه ولذا قال ((وَالْمَلآئِكَةُ)) عطفاً على "الله" ((وَقُضِيَ الأَمْرُ))، أي يوم يتغير الكون عن وضعه لا يبقى بعد مجال للتكليف فإنما هو يوم القيامة ((وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ))
ويكون ذلك اليوم يوم حساب وعقاب وثواب، لا يوم عمل وشغل، فالآية تشير الى
أساطير أهل الكتاب متهكماً ساخرا،ً ثم يهدّد ويوعد بأن الأمر يقضي فلا مجال
بعد للتكليف.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

211

وحيث أُشير الى أسطورة إسرائيلية، توجّه السياق الى تأنيب بني إسرائيل الذين كانوا يعاندون في إنكارهم للآيات ((سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ))، أي أعطيناهم أدلّة واضحة ومع ذلك عاندوا ولم يؤمنوا ((وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ)) كفراً فلا يؤمن بآياته ((مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) فليهيّء نفسه لعقابه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

212

((زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا))،
أي الحياة القريبة مقابل الحياة البعيدة وهي الآخرة والتي زيّنها لهم هي
مجموعة عوامل بعضها حق وبعضها باطل، فإن الحياة خلقها الله جميلة تزيّن
نفسها كما أن الشيطان والنفس والهوى تزيّن الحياة لتصرف الناس عن الآخرة ((وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ)) حيث يرونهم منصرفين عنها مقبلين الى الآخرة -التي لا يعتقد هؤلاء الكفار بها- ((وَالَّذِينَ اتَّقَواْ)) من المؤمنين ((فَوْقَهُمْ))، أي فوق هؤلاء الكفار منزلة ومقاماً ورُتبة ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) لأنهم عملوا لها فأدركوا خيرها والكفار لم يعملوا فيبقون هناك سائلين ((وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ))
فالرزق في الدنيا ليس بالكفر والتوجّه إليها حتى يحرم أهل الآخرة منها بل
الرزق يصيب الكافر والمؤمن، فالمؤمن منعّم في الدنيا وفوق الكافر في
الآخرة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

213

إن كل حركة إصلاحية لابد وأن تشق صفوف الناس المتصافقة على الفساد وهكذا كان بعث الأنبياء فقد ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ)) لمن آمن وأصلح ((وَمُنذِرِينَ)) لمن كفر وعصى ((وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ))
قيد توضيحي، إذ كل إنزال من الله بالحق وإنما أُكّد لمقابلته لسائر الكتب
التي ترسلها رؤساء الحكومات الى رعاياها فإن منها ما هو باطل ((لِيَحْكُمَ)) ذلك الكتاب ((بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ))
من أمور معاملاتهم وسائر معاشراتهم والإختلاف هنا لا ينافي كون الناس أمة
واحدة إذ وحدة الأمة تجتمع مع هذا النوع من الإختلاف ثم صار نفس الكتاب
محلاً لإختلاف الأمة فيه لكن هذا الإختلاف ليس عن واقع وشك لأن الكتاب واضح
بل عن حسد وبغي وطمع ((وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ))، أي في الكتاب بأن فسّره كلٌّ حسب نظره وهواه ((إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ))، أي الأدلة الواضحة على معاني الكتاب ((مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ))، أي الأدلة الواضحة على معاني الكتاب ((بَغْيًا بَيْنَهُمْ))، أي الإختلاف إنما نشأ من البغي والظلم والحسد التي حصلت بينهم ((فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ)) حقيقة وأرادوا إتباع أحكام الله واقعاً ((لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ))، أي للشيء الذي إختلفت الأمة فيه ((بِإِذْنِهِ))، أي بلطفه بهم حيث هداهم ((وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
أما معناه الإيصال الى المطلوب وهو ليس بواجب بالنسبة الى الجميع وأما
معناه أرائه الطريق، ومعنى "من يشاء" أنه لو لم يشأ لا يهدي أحد إذ الهداية
لا تكون إلا بإرسال الرُسُل، والأول أنسب بالسياق.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

214

ثم يسأل الله المؤمنين الذين وقعوا في متاعب هذا الخلاف حيث يحاربونهم الكفار لأجل أنهم إهتدوا بهدى الله ((أَمْ حَسِبْتُمْ))، أي بل حسبتم وظننتم أيها المسلمون ((أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ)) إعتباطاً وبلا مشقة وحرج ((وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ))، أي مضوا ((مِن قَبْلِكُم))،
أي لم يأتكم بعد إمتحان مثل إمتحان الأمم المؤمنة السالفة الذين ثبتوا
وصبروا تجاه الأحزان والكوارث وإنما قال "مثل" لأنهم صاروا مثلاً للصبر
وتحمّل المكاره ((مَّسَّتْهُمُ))، أي لمستهم ((الْبَأْسَاء)) الفقر ((وَالضَّرَّاء)) المرض والحرج ,اشباههما ((وَزُلْزِلُواْ))، أي حُرّكوا بأنواع المحن والبلايا ((حَتَّى)) وصل الحال الى أن ((يَقُولَ الرَّسُولُ)) لتلك الأمم ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ)) إستعجالاً للنصر الموعود وتمنيّاً للخلاص من الشدائد والمحن، فإستُدرك الأمر وأُجيب سؤالهم بأنه ((أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ))
وهذا جواب طبعي يقوله الرسول والمؤمنون كلما رأوا البلاء والمحن، وفي هذه
الآية تعبير المؤمنين وأنهم إنما يفوزون بسعادة الدنيا والآخرة بعد مثل هذه
الكوارث والمتاعب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

216

ويأتي
هنا دور أسئلة وُجّهت الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أجاب عنها
القرآن الكريم يجمعها الإنقلاع عن الملذات والصبر على الطاعة وبهذا يرتبط
السياق بما قبله حيث كان الكلام في معرض التضحية في سبيل العقيدة والإيمان
وما يأتي نوع من التضحية ((يَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((مَاذَا يُنفِقُونَ)) في سبيل الله من أقسام الأموال ((قُلْ))
ليس لهم الإنفاق فإنه أي شيء كان يُقبل إذا كان المُنفَق عليه أهلاً كما
أنه لا يُقبل إذا كان المنفَق عليه غير أهل، فمعيار الإنفاق ليس ماهيّة
المنفِق وإنما شخص المنفَق عليه فـ ((مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَـ)) اللازم أن يكون ((لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)) أقربائكم ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) وأشباه ذلك مما يُقصد به وجه الله سبحانه ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ))إنفاق أو غيره ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ))
فيجازيكم بالخير خيراً، وروي أنها نزلت في "عمرو بن الجموح" وكان شيخاً
كبيراً كثير المال فقال: يارسول الله بماذا أتصدّق؟ وعلى مَن أتصدّق؟ فأنزل
الله هذه الآية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:31 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

216


ويأتي
هنا دور أسئلة وُجّهت الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أجاب عنها
القرآن الكريم يجمعها الإنقلاع عن الملذات والصبر على الطاعة وبهذا يرتبط
السياق بما قبله حيث كان الكلام في معرض التضحية في سبيل العقيدة والإيمان
وما يأتي نوع من التضحية ((يَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((مَاذَا يُنفِقُونَ)) في سبيل الله من أقسام الأموال ((قُلْ))
ليس لهم الإنفاق فإنه أي شيء كان يُقبل إذا كان المُنفَق عليه أهلاً كما
أنه لا يُقبل إذا كان المنفَق عليه غير أهل، فمعيار الإنفاق ليس ماهيّة
المنفِق وإنما شخص المنفَق عليه فـ ((مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَـ)) اللازم أن يكون ((لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)) أقربائكم ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) وأشباه ذلك مما يُقصد به وجه الله سبحانه ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ))إنفاق أو غيره ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ))
فيجازيكم بالخير خيراً، وروي أنها نزلت في "عمرو بن الجموح" وكان شيخاً
كبيراً كثير المال فقال: يارسول الله بماذا أتصدّق؟ وعلى مَن أتصدّق؟ فأنزل
الله هذه الآية.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

216

ثم رجع السياق الى الآية السابقة التي فيها ذكر التضحية والزلزال ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ)) مع مَن تعدّى عليكم أو على العقيدة الصحيحة أو على الناس ((وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)) تكرهونه ((وَعَسَى)) بمعنى "قد" وما بعده فاعله ((أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)) والقتال من ذلك فإنه يوجب سيادتكم وسعادتكم ((وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ)) وترك القتال كذلك لما فيه من راحة الجسم وعدم إضطراب القلب لكنه شر لما فيه من زوال السيادة والعزة وتسلط الكفار والأجانب ((وَاللّهُ يَعْلَمُ)) ما فيه خيركم وشركم ((وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

217

بعث
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسريّة فإتُّفق إن قاتلت في شهر
رجب وهي تتردد في أن اليوم الذي حاربت فيه من جمادي أو رجب، وشهر رجب من
الأشهر الحرم، ولذا كثر صخب المشركين وأنه كيف يقاتل الرسول (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) في شهر حرام وأتى وفدهم الى المدينة يسألون الرسول (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فنزلت هذه الآية ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ)) بدل شهر، أي يسألونك يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من القتال في الشهر الحرام ((قُلْ قِتَالٌ فِيهِ))، أي في الشهر الحرام ((كَبِيرٌ)) في نفسه لا يجوز ((وَ)) لكن ليس كُبر ذنبه مثل عِظَم ذنب ما تفعلونه أنتم أيها المشركون فـ ((صَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ))، أي المنع عنه لا يُسلم أحد ((وَكُفْرٌ بِهِ))، أي بالله سبحانه ((وَ)) صد عن ((الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) لئلا يحج المسلمون ((وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ))، أي أهل المسجد الحرام ((مِنْهُ)) كما فعل المشركون بالنبي والمسلمين ((أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ)) فكيف تؤاخذون المسلمين بذنب مهما عظم وتنسون ذنوبكم التي هي أعظم منه ((وَالْفِتْنَةُ)) التي أنتم تُقيمون عليها من تفتين المسلمين عن دينهم وإغرائهم بالكفر بعد الإسلام ((أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)) الذي صدر من المسلمين فإن القتل يفسد دنيا المقتول والفتنة تُفسد دين المفتتن وأخراه ((وَلاَ يَزَالُونَ))، أي لا يزال الكفار ((يُقَاتِلُونَكُمْ)) أيها المسلمون ((حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ)) الى الكفر ((إِنِ اسْتَطَاعُواْ)) أن يردّوكم ((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((عَن دِينِهِ)) الى الكفر ((فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ)) في مقابل مَن إرتدّ ورجع حتى مات مؤمناً ((فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)) والحبط هو الإنبطال والإفناء فلا حسنة لهم ولم ينتفعوا بإيمانهم السابق على الكفر ((فِي الدُّنْيَا)) فليس لهم إحترام المسلم وحقوقه ((وَالآخِرَةِ)) فلا يجزى بالجنة والثواب ((وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

218

وهناك ظنّ أناس أن القاتل في رجب إن سَلِم من الإثم لم يكن له أجر لأنه إنتهك حُرمة الشهر الحرام فأنزل الله ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ)) بأن قطعوا ديارهم وأهليهم وخلفوا أموالهم لأجل أن يكونوا مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَجَاهَدُواْ))، أي أوقعوا أنفسهم في الجهد والتعب، وأوضح فرد له المقاتلة ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) لكسب مراضيه ((أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ)) يأملونها في الدنيا والآخرة ((وَاللّهُ غَفُورٌ)) ليغفر من زلّ و ((رَّحِيمٌ))
بعباده المؤمنين فلا ينقص أجورهم وإنما قال "يرجون" لأن الإنسان لا يدري
ما حاله في المستقبل وأنه هل يبقى على الإيمان والصلاح حتى يثأب أم يفتن في
دينه حتى يحبط عمله.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

219

((يَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((عَنِ الْخَمْرِ)) وهي كل مُسكر وأظهر أفراده المسكر المتخذ من العنب ((وَالْمَيْسِرِ)) وهو القمار بجميع أصنافه والسؤال كان عن حكمها ((قُلْ)) يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ))، أي وِزر عظيم لما فيهما من الفساد الكبير ((وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)) فإن الخمر تفيد اللذة والطرب وفي الإتجار بها ثمن وربح والقمار فيه لذة للاعب وربح للفائز ((وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا))
إذ الفساد الذي يسببانه في البدن والعقل والمال أكبر من اللذة والربح الذي
يحصل بسببهما بالإضافة الى العقوبة الأخروية التي تصيب الإنسان من جرائها،
((وَيَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((مَاذَا يُنفِقُونَ)) وهنا جاء الجواب طبق السؤال وأنه "ماذا" لا أنه "لمن" فقال ((قُلِ)) يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((الْعَفْوَ))،
أي الزائد من المال على النفقة فإنّ ما بقدر نفقة النفس والأهل لا يُنفق
تقديماً لواجبي النفقة على غيره وهذا الإنفاق مستحب لما دلّ على حصر الحقوق
الواجبة في أمور معدودة ((كَذَلِكَ))، أي هكذا يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإن كذا تشبيه وإشارة والكاف الملحق بها اللام للخطاب ((يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ)) الأدلة المرتبطة بالتشريعات ((لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ))، أي لكي تتفكروا.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:32 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

220


((فِي)) أمر ((الدُّنْيَا)) ((وَ)) أمر ((الآخِرَةِ))
فتجمعوهما في التفكير ثم ترون جمال الأحكام إذ التفكير في الدنيا فقط يوجب
شلل قسم من الأحكام فلماذا ينفق الإنسان -مثلاً- وهو بحاجة الى المال، كما
إنّ التفكير في الآخرة فقط يوجب شلل قسم آخر من الأحكام فإنها لا يصرف
جميع أمواله لتحصيل أجر الآخرة وهكذا سائر الأحكام فإنها لا يُعرف جمالها
إلاّ إذا إفتكر الإنسان في كلتا الحياتين وعرف المصلحتين ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى))
كيف يعاشرونهم فقد ورد أنه لما نزل (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن) ذهب كل من عنده يتيم ليعزل اليتيم في مأكله ومشربه عن نفسه لئلاّ
يبتلي بماله واشتدّ ذلك عليهم فسألوا عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
فنزلت ((قُلْ)) يارسول الله ((إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)) بأن يصلح الإنسان أموال اليتيم ويعاشره معاشرة المصلحين بدون أجرة وعوض خير من عزلهم وطردهم ((وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ)) بأن تخلطوا أموالهم بأموالكم وتشاركون معهم بالنسبة وحفظ المقدار ((فَـ)) هم ((إِخْوَانُكُمْ)) في الإيمان والأخ يعاشر الأخ بالإصلاح والغبطة ((وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)) فهو عارف بنيّة المخالطين للأيتام وأنهم يريدون لالمخالطة والإفساد وأكل مال اليتيم أو الإصلاح والتحفّظ على اليتيم حتى يبلغ ويرشد ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ))،
أي أوقعكم في العنت والمشقّة بالنسبة الى اليتيم بأن يوجب الإجتناب عن
أموالهم وإعتزال أموالكم عن أموالهم فحيث لم يفعل أنه ذلك رحمة بكم فلا
تأكلوا أموالهم فساداً وطمعاً ((إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ)) فهو يقدر -بعزته- من إعناتكم ((حَكِيمٌ)) لا يفعل إلا الصلاح وما تقتضيه الحكمة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

221

ثم
إنتقل السياق الى فئة من أحكام الأسرة في النكاح والطلاق وشؤونها ولعل
الإرتباط العام بين هذه الآيات والآيات السابقة أنها إنتهت الى حكم اليتيم،
فاللازم بيان العش الذي يتربّى فيه فراخ الإنسان، وأنه كيف يلزم أن يكون
لينشأ الأولاد صالحين أصحاء جسماً وعقلاً وعاطفة ((وَلاَ تَنكِحُواْ)) أيها الرجال المسلمون النساء ((الْمُشْرِكَاتِ)) سواء كُنّ أهل كتاب أم لا فإنّ أهل الكتاب أيضاً مشركون كما قال سبحانه: (تعالى الله عمّا يُشركون) ((حَتَّى يُؤْمِنَّ)) ويدخلن في الإسلام ((وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)) تلك المشركة لجمالها أو مالها أو حسبها أو نسبها ((وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ)) بناتكم أيها المسلمون ((حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ)) تزوّجوه بنتكم ((خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)) ذلك المشرك ((أُوْلَئِكَ)) المشركات والمشركون ((يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)) أما بالتبليغ وأما بحكم دينهم فإنّ جليس الإنسان إذا كان غير متدين لابد وأن يسري الى جليسه ((وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ))، أي غفران الذنوب ((بِإِذْنِهِ)) فالمسلمات والمسلمون حين أخذوا مبادئهم عن الله سبحانه لابد وأن يدعون بلسانهم أو بحكم دينهم الى الجنة ((وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ)) أحكامه ودلائله ((لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))، أي لكي يتذكّرون ويتّعظوا ويرشدوا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

222

((وَيَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((عَنِ الْمَحِيضِ)) الحيض والمحيض بمعنى واحد وأنه هل يجوز مقاربة النساء في حالة الحيض أم لا ((قُلْ)) يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((هُوَ))، أي المحيض ((أَذًى)) قذر نجس أو مشقة ((فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ)) والإعتزال هو الإبتعاد عنهم و((وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ)) بالجماع ((حَتَّىَ يَطْهُرْنَ)) وينظفن عن الدم ((فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)) عن الدم ((فَأْتُوهُنَّ)) جامعوهنّ ((مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ)) بمقاربتهنّ من الفرج الذي هو محل الدم ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ))
الذين يرجعون كثيراً عن ذنوبهم الى الندم والإستغفار بمعنى أنهم كلما
أذنبوا تابوا ورجعوا واستغفروا، ولعلّ ذكر التواب بمناسبة أنّ من زلّ فقارب
في المحيض يقبل الله توبته وإن تكرر منه إذا ندم ندماً حقيقياً وتاب توبة
نصوحاً ((وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) بالماء عن الأقذار الباطنية والظاهرية أو بالإستغفار عن الذنوب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

223

((نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ))، أي مزرعة ومحترث فكما يحرث الحارث البذر في الأرض كذلك يحرث الرجل في زوجته ((فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ)) وزرعكم ((أَنَّى شِئْتُمْ))
"أنّى" أما زمانية بمعنى أي وقت شئتم باستثناء أيام الحيض التي سبق أنها
لا يجوز وسائر ما استثنى من حال الصوم والإحرام وشبههما، وأما مكانية أي
إتيانها في قُبُلِها من خلفها أو قدّامها أو جانبها، وأما بمعنى الكيفية
باركة ونائمة وقائمة، أما أن يُراد السبيلان فبعيد عن سياق الآية ((وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ)) بالولد فإنه يبقى ذخراً لكم، أو قدّموا لأنفسكم بالطاعة حيث ذُكرت أوامر ونواهي ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أوامره ونواهيه ((وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ)) والملاقات هنا بمعنى أنه عليكم حساب الملاقي لملاقيه ((وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)) بأنهم يفوزون بكل كرامة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

224

وناسب
قصة النساء حلف إبن رواحة حين حلف أن لا يدخل على ختنه ولا يكلمه ولا يصلح
بينه وبين إمرأته فكان يقول أني حلفت بهذا فلا يحلّ لي أن أفعله، فنزلت
الآية مما ناسب قصة العائلة والنساء التي سبقت وتأتي، فقال سبحانه ((وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً))، أي معرضاً ((لِّأَيْمَانِكُمْ)) بأن تحلفوا به ((أَن تَبَرُّواْ))، أي لئلا تبرّوا، أي تريدون بالحلف عدم البِر ((وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ))، أي وعدم التقوى وعدم الإصلاح، فإن هذه اليمين فاسدة لا تنعقد ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأيمانكم وأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بأحوالكم ونيّاتكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

225

((لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ)) ولا يعاقبكم ((بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ))
دمع يمين، ويمين اللغو هو ما يجري على عادة الناس من قوله "لا والله"
و"بلى والله" من غير عقد على يمين يقتطع بها مال ولا يظلم بها أحد ((وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ))، أي بحنث يمين نويتم اليمين الحقيقية حين إجرائها ((وَاللّهُ غَفُورٌ)) يغفر الذنب ((حَلِيمٌ))
يحلم عن العصاة لعلهم يتوبوا، وتكرار كلمة غفور في كثير من الآيات لفتح
باب التوبة أمام العصاة الذين هم كثيراً ما يعصون عن شهوة ونزوات وهوى، فإن
الله سبحانه لا يسدّ عليهم باب التوبة وإن تكررت منهم المعاصي والذنوب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:32 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

226


ثم يرجع السياق الى أحكام الأسرة مع مناسبة للحكم مع الحِلف فيقول سبحانه ((لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ)) والإيلاء هو الحِلف على ترك وطئ المرأة على وجه الإضرار بهنّ ((تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ))
مبتدء لقوله "للذين"، أي توقف أربعة أشهر جائز للذين يُؤلون من نسائهم
وذلك لأن الرجل إن لا يطأ زوجته أربعة أشهر وبعد ما تمّ أربعة أشهر خيّره
الحاكم بين الوطي والكارة وبين الطلاق وإن إمتنع عن الأمرين حبسه ((فَإِنْ فَآؤُوا)) ورجعوا الى زوجاتهم بالوطي بعد الأشهر الأربعة ((فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يغفر لهم بهذه الحِلف ((رَّحِيمٌ)) بهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

227

((وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ)) للطلاق ((عَلِيمٌ)) بالضوائر والنيّات.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

228

((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ))، أي يصبرن ((بِأَنفُسِهِنَّ))، أي يحفظنها عن الزواج ونحوه ((ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ))
جمع قُرء وهو من ألفاظ الضد يُطلق على الحيض وعلى الطُهر، والمراد هنا
الطُهر فإذا طُلّقت المرأة في طُهر لم يواقعها فيه الرجل كان هذا الطُهر
وطُهران آخران بينهما حيض موجباً لإنتظار العِدّة فإذا رأت الدم الثالث
إنقضت عدّتها ((وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ))، أي يُخفين ((مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)) من الولد ودم الحيض حتى يُبطِلنَ حقّ الرجعة في الطلاق الرجعي أو يستعجلن العِدّة ((إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) يوم القيامة، فمن آمن بهما لابد وأن تستقيم حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، لأنه يعلم أنّ الله مطّلع عليه وأنه سوف يحاسبه ((وَبُعُولَتُهُنَّ))، أي أزواجهنّ المطلّقات الرجعيات ((أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)) الى أنفسهم ((فِي ذَلِكَ))، أي زمان التربّص ((إِنْ أَرَادُواْ))، أي البعولة بردّهنّ ((إِصْلاَحًا))
لا إضراراً، وذلك أنّ الرجل كان إذا أراد الإضرار بإمرأته طلّقها واحدة
وتركها حتى إذا قرب إنقضاء عدّتها راجعها وتركها مدة ثم طلّقها أخرى وتركها
مدة كما فعل في الأولى ثم راجعها وتركها مدة ثم طلّقها أخرى، وهذا العمل
حرام وإن كان يثبت حكم الرجعة به ((وَلَهُنَّ))، أي حق النساء على أزواجهنّ ((مِثْلُ الَّذِي)) للأزواج ((عَلَيْهِنَّ)) فلكلٍّ على الآخر حقوق تتكافئ ((بِالْمَعْرُوفِ)) من العِشرة وسائر الأمور ((وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ)) زيادة ((دَرَجَةٌ)) فإنّ بيده الطلاق وله عليها الطاعة ((وَاللّهُ عَزِيزٌ)) ينفّذ أوامره ((حَكُيمٌ))
جعل أحكامه على طبق المصلحة والصلاح، ومن المحتمل أن يكون قوله تعالى
"ولهنّ مثل الذي عليهنّ" بيان حال العِدّة، أي إنّ لكل من الزوج والزوجة
حقاً على الآخر في حال العِدّة مع إنّ الرجل له فضيلة على المرأة بأنّ
الإختيار الى الزوج فقط.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

229

((الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ)) فإنّ للرجل أن يطلّق زوجته تطليقتين ((فَـ)) الواجب إذا راجعها بعد التطليقتين ((إِمْسَاكٌ)) وحفظ لها في حبالته ((بِمَعْرُوفٍ)) بالعِشرة الحسنة ((أَوْ تَسْرِيحٌ)) وطلاق ثالث ((بِإِحْسَانٍ)) بإعطائها حقوقها وعدم التعدّي، وفوق ذلك أنه يُحسن إليها جبراً لخاطرها المكسور ((وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ)) أيها الأزواج ((أَن تَأْخُذُواْ)) في حال الطلاق والإستبدال ((مِمَّا))، أي من الذي ((آتَيْتُمُوهُنَّ)) وأعطيتموهنّ من المهور ((شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا))،أي الزوجان ((أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ)) من حقوق الزوجية ((فَإِنْ خِفْتُمْ)) أيها الحكام ((أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ)) من حقوق الزوجية ((فَلاَ جُنَاحَ)) ولا حرج ((عَلَيْهِمَا))، أي على الزوجة في البذل وعلى الزوج في قبول البذل ((فِيمَا))، أي في الذي ((افْتَدَتْ)) الزوجة ((بِهِ)) من المال ((تِلْكَ)) الأحكام المذكورة هي ((حُدُودُ اللّهِ)) وأوامره ونواهيه ((فَلاَ تَعْتَدُوهَا)) ولا تجاوزوها بالمخالفة ((وَمَن يَتَعَدَّ)) منكم ويتجاوز ((حُدُودَ اللّهِ)) ويخالف أوامره و،واهيه ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

230

((فَإِن طَلَّقَهَا)) طلاقاً ثالثاً ((فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ)) الطلاق الثالث فإنها تُحرم عليه ((حَتَّىَ تَنكِحَ)) المرأة المطلّقة ثلاثاً ((زَوْجًا غَيْرَهُ)) ويسمى هذا الزوج محلّلاً ((فَإِن طَلَّقَهَا))، أي طلّق المرأة الزوج الثاني وانقضت عدّتها ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا))، أي على الزوجة والزوج الأول الذي طلّقها ثلاث طلقات ((أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا))، أي الزوجان ((أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ))
في حُسن الصحبة والمعاشرة وإن لم يظنّا صحّ الرجوع لكنه سبب للمعصية
والحاصل أنّ الحكم الوضعي الصِحّة وإن كان الحكم التكليفي الحُرمة كمن يغسل
يده النجسة بالماء المغصوب الذي يوجي طهارة يده لكنه فعل حراماً ((وَتِلْكَ)) المذكورات في باب الطلاق والنكاح ((حُدُودُ اللّهِ)) أوامره ونواهيه ((يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) الأمور فإنهم هم الذين ينتفعون بهذه الأحكام.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

231

((وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ))،
أي قاربن تمام العدّة، وإنما عبّر بهذا التعبير لأن إنقضاء العدّة يعبّر
عنه بإنقضاء الأجل فما يقابله بلوغ الأجل إذا قاربه، إذ البلوغ الدقيق خارج
عن محاورة العُرف ((فَأَمْسِكُوهُنَّ))، أي إحفظوهنّ في حبالتكم بالرجوع إليهنّ في عدّة الرجعة ((بِمَعْرُوفٍ)) الذي يعرفه العقلاء والمتشرّعون من القيام بحقوق الزوجة ((أَوْ سَرِّحُوهُنَّ))، أي إتركوهنّ حتى تنقضي عدتهنّ ((بِمَعْرُوفٍ)) بإعطاء حقوقهنّ كاملة من غير إيذاء لهنّ ((وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ)) بأن ترجعوا إليهنّ ((ضِرَارًا)) بقصد الإضرار بهنّ لتطويل العدّة أو التضييق في النفقة -كما تقدّم- ((لَّتَعْتَدُواْ)) عليهنّ وتظلموهنّ ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ)) الإمساك بقصد الإضرار ((فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)) لأنه أساء بسمعته عند الناس وعرّض نفسه لعذاب الله وسخطه ((وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ)) أحكامه وأوامره ونواهيه ((هُزُوًا)) سخرية بأن تستخفّوا بها ((وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ)) حيث أنعم عليكم بكل نعمة، التي منها نعمة الزوجية التي تسكنون إليها وتقضون مآربكم بسببها ((وَ)) اذكروا ((مَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ)) فشرّفكم بتعليمكم الأحكام وإرشادكم الى ما يصلحكم ويهيّء لكم حياة سعيدة ((وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ))، أي بذلك الكتاب، وهذا أما صفة للكتاب أو جملة مستأنفة ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) غي أوامره ونواهيه ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) فلا يفوته عملكم ونيّتكم فلا تتعرضوا لسخطه وغضبه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:33 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

232


((وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ))، أي إنقضت عدّتهنّ -وذلك بقرينة "أن ينكحن"- ((فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ))، أي لا تمنعوهن ظلماً ((أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ))
الى الزوج السابق أو من تريد الزواج به فعلاً وسميّ زوجاً للأول وربما قيل
في وجه النزول أن معقل بن يسار عضل أخته جملاء أن ترجع الى الزوج الأول
وهو عاصم بن عدي حين طلّقها وخرجت من العدّة ثم أرادا أن يجتمعا بنكاح جديد
فمنعها من ذلك، ولو كان كذلك كان المراد بـ(أزواجهنّ) بالمعنى الأول فإنه
لا يحق لأحد أن يمنع المرأة الثيّبة في الرجوع الى زوجها بنكاح جديد ((إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ)) مما أباحه شرع الإسلام من شروط النكاح وآداب العِشرة ((ذَلِكَ)) المذكور من تحريم العَضل ((يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) فإنّ من المؤمن يجتنب سخط الله ويبتغي رضاه ((ذَلِكُمْ)) الذي ذكرناه في باب الزواج ((أَزْكَى لَكُمْ)) أنمى لكم ((وَأَطْهَرُ)) لنفوسكم فإنّ في الزواج النسل والتحصّن وسير الحياة الى الأمام ((وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) فإتّبعوا أوامره وإنتهوا عن زواجره.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

233

((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)) فإنّ الأم ترضع ولدها سنتين تامتين أربعة وعشرين شهراً ((لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) التي ندب إليها الإسلام ومن العلماء من أوجب ذلك ((وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ))، أي الأب، وإنما عبّر بهذا التعبير إثارة للعاطفة له، فإنّ الأب قد وُلد له الولد فاللازم أن يحنو عليه ((رِزْقُهُنَّ)) الأدام والطعام ((وَكِسْوَتُهُنَّ)) اللباس ((بِالْمَعْرُوفِ))
لدى الشرع والعُرف من اللائق بحالها فإنّ على الأب أن يقوم بهذه الشؤون
مادامت الأم في الرضاع وقد إستفاد أكثر المفسّرين من هذه الجملة كون الكلام
حول الأم المطلَّقة وإلاّ فالرزق والكسوة على الزوج لأجل النكاح لا لأجل
الرضاع ((لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا))
فكلٌّ من الأب والأم يؤدي واجبه في حدود طاقته فلا تتحمّل الأم الرضاع بلا
بدل ولا ينتفع الأب بولده في المستقبل مجاناً، فسعة هذه أن ترضع ببدل،
وسعة ذاك أن يدفع الأجر لما يعود نفعه إليه ((لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا))
بأن تُرضع مجاناً وبلا عوض بإستغلال الأب عاطفة الأم تجاه الولد فلا ينفق
عليها، أو بمعنى أن الوالدة لا يُؤخذ منها الولدليُعطى للأجنبية غيظاً من
الأب عليها فتضرّر بفراق ولدها ((وَلاَ)) يُضارّ ((مَوْلُودٌ لَّهُ))، أي الأب ((بِوَلَدِهِ))
بأن تستغل الأم عاطفة الأب نحو الولد فتكلّفه أكثر من الكسوة والرزق قبال
رضاعها، أو يضرّ الأب بولده بأن يأخذه من الأم ويعطيه للأجنبية، فإن لبن
الأم أوفق بالولد، الأول أقرب الى السياق ((وَعَلَى الْوَارِثِ)) للأب إذا مات الأب ((مِثْلُ ذَلِكَ)) الرزق والكسوة للأم في حال رضاعها للولد، ولا يخفى أن أجر رضاع الصبي مما يرثه الصبي من أبيه لدى موت الأب ((فَإِنْ أَرَادَا))، أي الأب والأم ((فِصَالاً)) للولد عن الرضاع بأن يفطماه قبل الحولين ((عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ))
بأن تشاور الأبوان وتراضيا في فطام الولد قبل العامين وذلك لئلا يتضرر
الصبي إذا إستقلّ أحدهما بالفطام فإنّ الرضا المتعقّب للمشورة لا يكون إلا
إذا كان الإنفصال صلاحاً ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا))، أي على الأبوين في هذا الفطام ((وَإِنْ أَرَدتُّمْ)) أيها الآباء ((أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ)) بأن تستأجروا لهم مرضعات غير أنهاتهم ((فَلاَ جُنَاحَ)) ولا حرج ((عَلَيْكُمْ)) في ذلك ((إِذَا سَلَّمْتُم)) الى المُرضِعات ((مَّآ آتَيْتُم)) ووعدتم لهنّ من الأجر ((بِالْمَعْرُوفِ))،
أي تسليماً بالمعروف بدون نقصان ومطل ومنّ، وهذا شرط تكليفي لا وضعي، كما
هو كثير في القرآن الحكيم، لغاية الإلفات الى لزوم كون الأعمال عن صدق
وإخلاص وتقوى ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أعمالكم التي منها الأحكام السالفة حول الرضاع ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فلا يغيب شيء عنه ولا تخفى عليه خافية فلتكن أعمالكم حسب مراضيه وأوامره.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

234

((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ))، أي الرجال الذين يموتون ((وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا))، أي يخلفون زوجاتهم ((يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ))، أي يحفظن أنفسهنّ عن الزواج، ولعل في قوله إشارة الى أنّ النفس ولو كانت تطمح نحو الزواج لكن الواجب إصطبارها والتحفّظ عليها ((أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)) ففي هذه المدة يجب عليها الحداد بترك الزينة والخطبة ((فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ)) وإنقضت المدة ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها المسلمون ((فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ)) من الزينة أو الخطبة أو النكاح فإنها ترجع الى نفسها والناس مسلّطون على أنفسهم ((بِالْمَعْرُوفِ)) بأن لا تعمل منكراً ينافي الإسلام ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ)) فيطّلع على أعمالكم ولا يفوته شيء من إطاعتكم ومخالفتكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

235

((وَ)) إذا كانت المرأة في العدّة فـ ((لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها الراغبون في الزواج منهنّ ((فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء))
بأن تلمّحوا الى رغبتكم في الزواج منهنّ وتَعرضوا على ذلك تعريضاً وإشارة
من طرف خفي، لا تصريحاً فإنّ ذلك خلاف الجو الذي يحيط بالمرأة المعتدّة من
الربط الباقي بينه وبين زوجه الأول ((أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ)) بأن أضمرتم إرادة زواجهنّ بدون أن تصرّحوا أو تلمّحوا بذلك فإنّ الكناية اللفظية والإضمار القلبي لا جُناح فيهما ((عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ)) أيها الرجال ((سَتَذْكُرُونَهُنَّ)) وهنّ في العِدّة إرادة للزواج بهن ((وَلَكِن)) لا تُصرّحوا بالخِطبة و((لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا)) في الخلوة فتُبدوا رغبتكم في الزواج بهنّ في منأى من الناس ((إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)) لالكناية والتلميح لا بالتصريح وذكر ما يقبح ذكره كما كانت عادة بعض الناس ((وَلاَ تَعْزِمُواْ))، أي لا تقصدوا ((عُقْدَةَ النِّكَاحِ))، أي إجراء الصيغة التي هي كعُقدة تعقد النكاح بين الجانبين، وقد نهى عن العزم على ذلك مبالغة، كقوله (ولا تقربوا مال اليتيم) ((حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ)) الذي كتبناه في باب العِدّة من أربعة أشهر وعشراً ((أَجَلَهُ))، اي أمده، بأن تنقضي العِدّة ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ)) من عزم النكاح فكيف بما تُسرّون به من نكاح المعتدّة سراً ((فَاحْذَرُوهُ)) أن تخالفوه ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يستر عاجلاً فلا يغرّنّكم ستره ((حَلِيمٌ)) فلا يعجل بالعقوبة فلا يسبب ذلك جرأتكم على إنتهاك حراماته.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:34 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

236


وبعد
بيان حكم موت الزوج، يأتي حكم الطلاق، والطلاق إن كان قبل الدخول ولم
يُذكر في العقد مهر فللمرأة المتعة، وإن كان قبل الدخول وذُكر المهر
فللمرأة نصف المهر ((لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها الأزواج ((إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ)) بالدخول ((أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً))
"أو" بمعنى الوار، أي لم يكن شيء من الأمرين لا المس وإلا المهر، ويسمى
المهر فريضة لأنه يجب إذا سمّي، والمعنى أنه يُباح الطلاق قبل المس والفرض،
فلا يتوهم أحد أن النكاح لأجل الوطي فكيف يصح الطلاق قبله ((وَمَتِّعُوهُنَّ))، أي إعطوهنّ المتعة وهي ما تتمتع به المرأة ويوجب تعويضاً يجبر خاطرها الكسير ((عَلَى الْمُوسِعِ))، أي الغني يُقال أوسع الرجل إذا أكثر ماله ((قَدَرُهُ)) من دار أو خادم أو نحوهما ((وَعَلَى الْمُقْتِرِ))، أي الفقير يُقال أقتر الرجل إذا إفتقر ((قَدْرُهُ)) كخاتم أو درهم أو نحوهما ((مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ)) ليس فيه إسراف ولا تقصير ((حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون طاعة الأوامر والإنتهاء عن الزواجر.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

237

((وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)) طلاقاً قبل الدخول ((وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً)) بأن عيّنتم في النكاح المهر ((فَـ)) عليكم أن تدفعوا الى المرأة ((نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)) نصف المهر هذا هو الحكم الواجب ((إَلاَّ أَن يَعْفُونَ))، أي تعفي المرأة عن نصفها فلا تأخذ شيئاً وتهب ما لها الى الزوج ((أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ))
يمكن أن يُراد به الزوج بأن يعفوا الزوج عن نصفه فيعطي للمرأة جميع مهر
المرأة، وروي أن المراد عفو ولي الزوجة فيما كان لها ولي مفروض كالصغيرة أو
موكّل من قِبَلها في الكبيرة ((وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) فإن من يترك حق نفسه تبرعاً أقرب الى التقوى بأن تبقى معصية الله فلا يطلب ما ليس له ((وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)) بأن يتفضّل بعضكم على بعض فيتنازل عن حقوقه لأجل صاحبه ولعل الفرق بين العفو والفضل أن العفو هبة جميع حقوقه والفضل هبة بعضها ((إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فيجازيكم على أعمالكم إن حسناً وإن سيئاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

238

إن
القرآن الحكيم دائماً يلطّف أجواء الأحكام بتلميحالى قدرة إله الكون
وعظمته ورحمته وغفرانه ونحوها ليسمو بالنفس ويربط الحكم بالخالق حتى يكون
أقرب الى التنفيذ، ولما طالت آيات الأحكام وبالأخص ما له جو كابت حزين من
طلاق وموت ونحوهما أتت آيات الصلاة متخلّلة بينها لتشع في النفس الطمأنينة
والهدوء (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) مع مناسبة لهذه الآيات مع الجو العام
لما قبلها وبعدها حيث تعرضت لصلاة الخوف والمطاردة، هذا ما أحتمله أن يكون
سبباً لذكر هذه الآيات هنا متوسطة أحكام الموت والطلاق ((حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ)) كلها ((والصَّلاَةِ الْوُسْطَى))
خاصة وهي صلاة الظهر لأنها تتوسط بين النهار، فإنّ الرسول (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) كان يصلّيها بالهاجرة في مسجد مكشوف فكانت أثقل صلاة عليهم
ولذا لم يكن يحضرها إلا الصف والصفان فقط، كما ورد عن بعض الصحابة ((وَقُومُواْ)) أيها المسلمون ((لِلّهِ قَانِتِينَ))، أي داعين فإنّ القنوت هو الدعاء، ومنه القنوت في الصلاة والمراد أما القنوت في الصلاة أو مطلقاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

239

((فَإنْ خِفْتُمْ)) فلم تتمكنوا من المحافظة على الصلاة بشرائطها وآدابها، حيث إبتليتم بالعدو الذي لا يسمح لكم بالصلاة الكاملة ((فَـ) صلّوا ((رِجَالاً)) جمع راجل أو مشاة ((أَوْ رُكْبَانًا)) جمع راكب، أي على ظهور دوابكم ((فَإِذَا أَمِنتُمْ)) من الخوف ((فَاذْكُرُواْ اللّهَ)) صلاة كاملة ((كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)) من أمور دينكم ودنياكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

240

ثم رجع السياق الى تتمة الأحكام السابقة بعد ما أشعث في النفس الإطمئنان وندى الجو بذكر الصلاة ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا))
"يتوفّون" مجاز بالمشارفة، فإنه كثيراً ما يعبّر عمن شارف أمراً بالداخل
فيه، كما يعكس كثيراً فيعبّر عن الداخل بالمشارف، نحو (ولا تقربوا مال
اليتيم) و(لا تعزموا عقدة النكاح) فالمراد الذين يقاربون الوفاة، ولهم
زوجات فمن الأفضل أن يوصوا ((وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم)) بأن يمتّعهنّ الوصي ((مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ)) فيعطي النفقة والكسوة إليهنّ الى سنة كاملة ((غَيْرَ إِخْرَاجٍ))، أي في حال كونهن غير مخرجات إخراجاً عن بيوت أزواجهنّ ((فَإِنْ خَرَجْنَ)) عن رغبتهنّ ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها الأولياء ((فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ)) بالزواج والزينة بعد إنقضاء عدّة الوفاة -وهي أربعة أشهر وعشرا- فإنّ قبل ذلك لا يكون معروفاً بل منكراً ((وَاللّهُ عَزِيزٌ)) فيحكم بمقتضى عزّته وسلطته ((حَكِيمٌ)) لا يحكم إعتباطاً بل عن مصالح وعلل، وهذه الآية حسب ما ذكرنا لها من المعنى لا تكون منسوخة بآية (أربعة أشهر وعشرا).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

241

((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ)) يمتّعهنّ الأزواج بشيء سواءً كُنّ واجبة النفقة أم لا ((بِالْمَعْرُوفِ)) فإنّ ذلك يسبب رفع الغضاضة ((حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) الذين يتّقون مخالفة أوامر الله سبحانه إيجاباً كانت أو ندباً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

242

((كَذَلِكَ)) الذي بيّن الله لكم الأحكام ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، أي لكي تعقلوا آياته وأحكامه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

243

ومن
جو الأسرة وإمتدادها وإنقطاعها ينتقل السياق الى قصة الحياة والموت التي
تشبه قصة الأسرة في كونها إمتداداً للحياة العائلية وإنقطاعاً لها في قصة
عجيبة هي: أن أهل مدينة من مدائن الشام كانوا سبعين ألف بيت هربوا من
الطاعون فمرّ,ا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها
فأماتهم الله من ساعتهم جميعاً وصاروا رميماً يلوح فمرّ بهم نبي من أنبياء
بني إسرائيل يُقال له "حزقيل" فبكى وإستعبر وقال: "يارب لو شئت لأحييتهم
الساعة كما أمتّهم، فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك،" فأوحى
الله إليه أن يقول الإسم الأعظم، فقاله عليهم فعادوا أحياءاً ينظر بعضهم
الى بعض يسبحون الله ويكبرونه ويهللونه ((أَلَمْ تَرَ))
إستفهام تقريري، أي ألم تعلم فإنّ الروية تأتي بمعنى العلم كقوله (رأيت
الله أكبر كل شيء) وقد يُستفهم بمثل هذا الإستفهام لإيجاد العلم ((إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ)) سبعون ألفاً كما تقدّم ((حَذَرَ الْمَوْتِ)) وفراراً من الطاعون ((فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ)) فأماتهم حيث ظنوا الهرب ((ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)) بدعاء النبي حزقيل ((إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ)) كلهم بخلقهم ورزقهم وتدبير أمورهم ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)) نعمه وفضله عليهم بل يقللون فضله بالعصيان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:34 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

244


((وَ)) إذا علمتم أن الهرب من الموت لا ينفع فـ ((قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) ولا تهربوا خوف الموت ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ)) لأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بنيّاتكم وأعمالكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

245

إن القتال بإعطاء المال والنفس في سبيل الله هدراً وإنما المقاتل والعامل للبِر، يقرض الله بما يذهب منه ثم يرجعه سبحانه إليه فـ ((مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا))، أي أيُّ شخص ذاك الذي يقرض الله وينفق نفسه وماله في سبيله قرضاً حسناً لا لرياء وسمعة ولا بمنّ وإكراه وشائر ما يشين القرض ((فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)) ربما بلغت الملايين، وعماذا تخافون في قرض أموالكم؟ هل من الفقر؟ ((وَاللّهُ يَقْبِضُ)) فيُفقر ((وَيَبْسُطُ)) فيُغني فلا ينفعكم البخل ولا يضرّكم القرض والسخاء، أم تخافون في قرض أنفسكم لله من الموت؟ ((وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) فيعطيكم أفضل مما أخذ منكم، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأحد أولاده: "أعِر الله جمجمتك" .


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

246

وهنا قصة حياة وموت أخرى تناسب القصة السابقة ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألم تعلم -كما تقدم- ((إِلَى الْمَلإِ))، أي الجماعة ((مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى)) النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ)) هو إشموئيل وبالعربية إسماعيل ((ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا))، أي سلطاناً ((نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ))
تحت لوائه حيث أذلّهم الجبابرة وأخرجتهم من بلادهم وقتلتهم وسبيت ذراريهم
ونسائهم، وكان النبي في ذلك الزمان ينظّم أمور الدين والملك ينظّم أمور
الجيش والسلطة ((قَالَ)) النبي ((هَلْ عَسَيْتُمْ))، أي لعلكم ((إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ)) أراد بذلك أخذ العهد عليهم في المقاتلة إن عيّن لهم ملك عليهم ((قَالُواْ))، أي قال الملأ في جواب النبي ((وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ))، أي ليس بإمكاننا أن نترك القتال ((وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا)) أخرجَنا الأعداء من بلادنا ((وَأَبْنَآئِنَا))، أي أخرجنا من أبنائنا حيث قُتل بعضهم وسُبي البعض، فسأل النبي الله عن ذلك، فاستجاب الله دعائه وعيّن لهم ملكاً وكتب عليهم القتال ((فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ)) أدبروا وكرهوا القتال ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) الذين فرّوا من الجهاد بعد طلب منهم وإلحاح.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

247

((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ)) إشموئيل ((إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ)) وعيّن عليكم ((طَالُوتَ مَلِكًا))
وكان من أبناء "إبن يامين" أخي يوسف (عليه السلام) ولم يكن من سبط النبوة
ولا من سبط المملكة، فإنّ النبوة كانت في أولاد "لاوي" إبن يعقوب (عليه
السلام)، والمملكة كانت في أولاد "يهوذا" إبن يعقوب (عليه السلام) ((قَالُوَاْ أَنَّى))، أي كيف ((يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا)) ويُجعل سلطاناً وملكاً لنا ((وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ)) لأنّا من أسباط النبوة والمملكة ((وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)) فهو فقير لا مال له ولا الملك يحتاج الى المال ليدير شؤون السلطة ((قَالَ)) النبي في جوابهم ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ)) والله لا يصطفي إلا من هو الأصلح بحال عباده ((وَزَادَهُ بَسْطَةً))، أي سعة وزيادة ((فِي الْعِلْمِ)) والمملكة تحتاج الى علم الملك ليتمكن به من إدارتها ((وَالْجِسْمِ))
فهو رجل سمين يهابه الناس، شجاع يخافه الأعداء وهذه الأمور هي مقومات
المُلك لا المال، فإنّ العلم والشجاعة والهيبة تأتي بالمال وليس العكس ((وَ)) ليس كونه من "إبن يامين" نقصاً فكما جعل الله المُلك في بيت "يهوذا" سابقاً يجعله في "طالوت" حالاً فإن ((اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء)) وليس إحتكاراً على أحد ((وَاللّهُ وَاسِعٌ)) قدرة وعطاءاً فيهب المُلك لمن يشاء ((عَلِيمٌ)) بمصالح العباد فلا يجعل شيئاً إلا إذا كان صالحاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

248

((وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ)) إشموئيل زيادة في الدلالة على جعل الله "طالوت" ملكاً عليهم ((إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ)) وإنّ الله تعالى جعله ملكاً ((أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ))
وهو تابوت أنزله الله على أم موسى فوضعت موسى فيه حين ألقاه في البحر وكان
في بني إسرائيل يتبركون به فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه
وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى
إستحقوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز
وشرف ما دام التابوت بينهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه
الله عنهم ثم جعل ردّ التابوت عليهم دليلاً على أنه جعل الله طالوت ملكاً ((فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ)) تسكنون إليه وتعلمون أنكم منصورون بسببه ويكون دليلاً على مُلك طالوت ((وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ)) عصا موسى والألواح طست خاص بالأنبياء وأشياء أخر، فإنها وصلت بالإرث الى آل هذين النبييّن المعظّمين وهم جعلوها في التابوت ((تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ)) حملاً واقعياً أو حملاً ظاهراً بأن رأى بنو إسرائيل الملائكة بين السماء والأرض أتت بالتابوت ((إِنَّ فِي ذَلِكَ)) التابوت الذي رجع إليكم بعد فقده ((لآيَةً لَّكُمْ)) على أنّ طالوت ملك ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) مصدّقين، أي إن كنتم مؤمنين قلباً تصدّقون ذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

249

((فَلَمَّا)) رأى بنو إسرائيل التابوت صدّقوا وإنضووا تحت لواء طالوت وتحركوا نحو الجهاد مع أعدائهم ولما ((فَصَلَ)) خرج وانفصل عن المدينة ((طَالُوتُ بِالْجُنُودِ)) الذين كانوا معه ((قَالَ))
طالوت ممتحناً للجنود حتى يتبيّن مقدار صبرهم وثباتهم على المكاره وأنهم
إن جازوا من نهر الماء عطشاً يوثق بهم في الحرب وإن لم يسمعوا ولم يتمكنوا
من الصبر على عطش قليل فهم أحرى بأن لا يصبروا أمام السيوف والرماح ((إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم)) ممتحنكم ((بِنَهَرٍ)) من ماء في طريقكم ((فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي)) ممن يتبعني ولينصرف ((وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ))، أي لم يذق طعم ذلك الماء ((فَإِنَّهُ مِنِّي)) ويتّبعني ((إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً)) واحدة ((بِيَدِهِ)) فشربها فقط لا أكثر من ذلك ((فَشَرِبُواْ مِنْهُ)) من النهر ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ)) الذين أطاعوا أمر طالوت فلم يشربوا إلا غرفة واحدة وهؤلاء الذين أطاعوا هم الذين إتبعوا طالوت الى الحرب أما من عصاه فلم يتبعه ((فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ))، أي جاوز طالوت النهر ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ)) ممن تبعه ولم يشرب الماء إلا غرفة ((قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ)) وهو رئيس الكفار ((وَجُنودِهِ)) لما رأوا من كثرتهم ((قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ))
من أصحاب طالوت، وفي قوله "يظنون" إشارة الى أن الظن بالمعاد كافٍ في
تحفيز الإنسان نحو الجهاد والأعمال الصالحة، وملاقات الله كناية عن القيامة
لأنهم يلاقون جزاء الله ((كَم مِّن فِئَةٍ))، أي جماعة ((قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ))، أي بنصره ((وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) الذين يصبرون على المكاره ويثبتون عند ملاقات الكفار، وبهذا الكلام شجّعوا أنفسهم وأصحابهم لمقابلة جالوت وجنوده.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:35 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

250


((وَلَمَّا بَرَزُواْ))، أي ظهروا في محل الحرب ((لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)) الكثيرة ((قَالُواْ))، أي قال طالوت والمؤمنون ((رَبَّنَا أَفْرِغْ))، أي أصبب ((عَلَيْنَا صَبْرًا)) لنكون صابرين في الحرب ((وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)) حتى لا نفر ((وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) فاستجاب الله سبحانه دعائهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

251

((فَهَزَمُوهُم))، أي هزم طالوت والمؤمنون، جالوت والكافرين ((بِإِذْنِ اللّهِ)) ونصره ((وَقَتَلَ دَاوُدُ)) النبي (عليه السلام) وهو أبو سليمان (عليه السلام) ((جَالُوتَ))
رئيس الكفار فإنّ داود أخذ حصاة ورماها بالمقلاع نحو جالوت فأصابت جبهته
وكانت فيها ياقوتة فانتشرت ووصلت الى دماغه وخرّ ميّتاً وهُزم الكفار ((وَآتَاهُ))، أي أعطى ((اللّهُ)) داود (عليه السلام) ((الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)) فصار نبيّاً وملكاً ((وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء)) من العلوم الدنيوية والأخروية ((وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)) بأن يدفع الكافرين المفسدين بسبب المؤمنين المصلحين ((لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)) لما يوجدون فيها من القتل والحرق والسبي والإفساد ((وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)) فيدفع الفاسد بالصالح لتبقى الأرض عامرة وينمو الزرع والضرع.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

252

((تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ))،
أي تلك التي ذُكرت من إماتة الأحياء دفعة وإحياء الموتى دفعة وتمليك طالوت
ونُصرة المؤمنين على أعدائهم دلالات الله على وجوده وقدرته وعلمه وسائر
صفاته ((نَتْلُوهَا)) نقرأها ((عَلَيْكَ)) يارسول الله ((بِالْحَقِّ))، أي بالصدق فلا كذب فيها وأُنزلت لأجل الصدق لا لأجل الباطل والكذب والغش ((وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)) حيث تخبر بهذه الأخبار عن غيب بدلالة الله لك ووحيه إياها إليك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

253

((تِلْكَ الرُّسُلُ)) الذين أُشير إليهم في قوله: (إنك لمن المرسلين) ((فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فهم وإن إشتركوا في أصل الرسالة إلا أنهم مختلفون في الفضيلة ((مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ))
إياه وهو موسى (عليه السلام) وحيث أن هناك محل سؤال هل يمكن للإنسان أن
يرتقي هذا المرتقى العظيم حتى يكلّمه الله سبحانه ألمحت الآية الى ذلك
قائلة ((وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)) لا درجة واحدة، حتى سببت تلك الرفعة أن يتمكن من مكالمة الله مباشرة ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ))
وإنه لمن تفنن القرآن الحكيم في التعبير حيث لم يصرّح باسم موسى وصرّح
باسم عيسى (عليه السلام) والبيّنات هي الدلالات الواضحات على نبوّته من
إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ((وَأَيَّدْنَاهُ))، أي قوّيناه فإن التأييد بمعنى التقوية ((بِرُوحِ الْقُدُسِ))،
أي روح مقدسة -كما مر سابقاً- فلم يكن إنساناً عادياً ولا خالقاً ورباً
وإنما نبي مؤيّد من عند الله سبحانه، وحيث كان هنا مجال سؤال هو أن
الأنبياء حيث أتوا بالدلالات لم يكن مجال لتشكيك الناس فيهم فكيف تقع
الحروب بين الناس حول الأنبياء إثباتاً أو نفياً أو إثباتاً لنبي دون نبي،
أتى السياق مشيراً الى جواب ذلك ((وَلَوْ شَاء اللّهُ)) بأن ألجأَ الناس واضطرهم على الإنقياد والإهتداء ((مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم))، أي من بعد الرسل، أي بعد مجيء كل واحد منهم ((مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ))، أي جاءت الناس الأدلة الواضحة ((وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ))، أي الناس ((فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ)) بالرسول ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ)) تكريراً للتأكيد وأن المشيئة الإلجائية لم تتعلق حول التشريع وإن تعلّقت حول التكوين ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ))
من إعطاء الإختيار بيد الإنسان ليؤمن من آمن عن إختيار ويكفر من كفر عن
إختيار ليثبت الجزاء والحساب وبم يذكر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
لأن الخطاب موجّه إليه (وإنك لمن المرسلين).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

254

وحيث إن القتال يحتاج الى الإنفاق يزاوج القرآن الحكيم في آياته بين الأمرين كثيراً ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم)) من مختلف أنواع الرزق، ولعل عمومه يشمل مثل التعليم والشفاعة ونحوها فإن العلم والوجاهة من رزق الله سبحانه ((مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ)) حتى يشتري الإنسان نفسه بشيء فيجنّبها من عذاب الله سبحانه ((وَلاَ خُلَّةٌ))، أي صداقة فيراعي الصديق المُذنب لأجل صديقه، أو صداقة بين الله وبين أحد حتى يراعيه ويغفر ذنبه لصداقته ((وَلاَ شَفَاعَةٌ)) كشفاعات الدنيا حيث أن الشفيع ينبعث من نفسه فيشفع للمذنب، فإن هناك لا يشفعون إلا لمن إرتضى ((وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ))
فليس حرمان الكافر في ذلك اليوم لأجل الظلم من قِبَل الله سبحانه بل
الكافر هو الظالم الذي إستحق العقاب بكفره وظلمه نفسه حيث حرمها من نيل
المثوبة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

255

((اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) فالأمور في يوم القيامة كلها بيده لا يُشارك فيما يفعل ولعل هذا هو وجه الإرتباط بين هذه الآية والآية السالفة ((الْحَيُّ)) الذي لا يموت فلا يمكن التخلص منه ((الْقَيُّومُ)) القائم على الأمور يعلّمها جميعاً فلا يمكن الإختفاء منه ((لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ)) وهي النوم الخفيف المسمّى بالنعاس ((وَلاَ نَوْمٌ)) وقدّم الأول تقدّمه في الخارج ((لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) فهو الخالق والمالك الوحيد الذي لا يشاركه أحد، والظرف هنا يتبع المظروف فليست السماوات والأرض خارجتين عن المُلكيّة ((مَن ذَا))، أي أيُّ شخص ((الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ)) يوم القيامة ((إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) إنكاري فإنهم لا يشفعون إلا لمن إرتضى ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))، أي ما يقدّمون من أعمال خير وشر وما يخلفون من بعدهم كبناء مدرسة أو مخمر يبقيان بعده ((وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ))، أي بما يعلمه من الماضي والحاضر والآتي ((إِلاَّ بِمَا شَاء))،
أي بما أراد من إطّلاع الناس عليه فإنّ علم الشخص حتى بالضروريات مما
تتعلق به مشيئة الله سبحانه فإنه هو الذي جعل الإنسان بحيث يعلم الأمور في
الجملة ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ))
الكرسي كناية عن السلطة والمُلكية يُقال كرسي فلان يسع العراق إذا كان
ملكاً عليها، أي إنّ سلطة الله سبحانه تشمل جميع الكون، فإنه لا يخلو من
سماء وأرض ((وَلاَ يَؤُودُهُ))، أي لا يشق عليه تعالى، من آده يأده، إذا أثقله وجهده ((حِفْظُهُمَا))، أي حفظ السماوات والأرض بالتربية والتنمية والإصلاح ((وَهُوَ الْعَلِيُّ))، أي الرفيع مقاماً ((الْعَظِيمُ)) الشأن.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:36 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

256


((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) فإنّ الله لم يُلجأ الخلق الى إعتناق الدين بل جعل فيهم الإختيار والإرادة فإن شاؤوا دانوا وإن لم يشاؤوا لم يدينوا ((قَد تَّبَيَّنَ))، أي وضح ((الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ))، أي الهداية من الضلالة والإيمان من الكفر والحق من الباطل ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ)) وهو كل ما يُعبد من دون الله ((وَيُؤْمِن بِاللّهِ)) وحده، وقدّم نفي الكفر لأن النفي مقدّم على الإثبات كما قدّم في كلمة (لا إله إلا الله) ((فَقَدِ اسْتَمْسَكَ))، أي تمسّك واعتصم وأخذ ((بِالْعُرْوَةِ)) وهي المسكة لمثل الكوز ((الْوُثْقَىَ))، أي الوثيقة التي لا تنفصل فقد شبّه الخير بإناء للسقي أو الطعام له عروة فالإيمان بالله عروة وثقى للخير لأنه ((لاَ انفِصَامَ لَهَا))
ولا إنقطاع بل يدوم الإستفادة من الخير بسبب الإيمان في الدنيا والآخرة
بينما الإيمان بالطاغوت عروة واهية تنفصم إذا فارق الإنسان الحياة الدنيا
ينقطع الخير الذي يناله الإنسان -فرضاً- بسبب الكفر ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بنيّتكم وأعمالكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

257

((اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) يلي أمورهم وينصرهم ويُعينهم ((يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ)) ظلمات الحياة ومشاكلها، من ظلمة العقيدة، وظلمة القول، وظلمة الدنيا كلها ((إِلَى النُّوُرِ)) نور الهداية، ونور الآخرة ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ))،
أي إن جنس الطاغوت يكون أولياء يكون أولياء لهم، فإن الطواغيت من الجن
والإنس يتولّون أمورهم وضلالهم وحيث أن الطاغوت أُريد به الجنس جاز الإتيان
بصيغة الجمع في "أوليائهم" صفة له ((يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ)) الكامن في فطرتهم، ومن نور الدنيا ((إِلَى الظُّلُمَاتِ)) ظلمات الكفر والضلال في الدنيا، وعذاب الله في الآخرة ((أُوْلَئِكَ)) الذين كفروا ((أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد فلا منجي لهم ولا مخلّص.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

258

سبق الحديث عن الإيمان والكفر، فلتناسب المقام قصة حوار حول هذا الموضوع بين إبراهيم (عليه السلام ) ونمرود ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألم تعلم، وقد تقدّم أن هذه العبارة تذكر لإفادة العلم ((إِلَى الَّذِي حَآجَّ)) من المُحاجّة بمعنى المجادلة والمخاصمة ((إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ))، أي في باب رب إبراهيم (عليه السلام) الذي كان يعبده، أو رب الذي حاجّ وإن كان الأول أقرب ((أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ))،
أي حيث أنّ الله أعطى نمرود المُلك والسلطة بطر فأنكر وجود الخالق وجعل
يجادل نبيّه إبراهيم (عليه السلام) حول وجود الله سبحانه فقد قابل الإحسان
بالإساءة ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ))
في جواب نمرود حيث قال له: مَن ربُّك؟، والمراد بالإحياء إحياء الجماد
فإنّ كلّ حي أصله التراب والماء إذ التراب بسبب الماء ينقلب عشباً والعِشب
ينقلب نطفة إنساناً أو حيواناً ((قَالَ)) نمرود ((أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ))
فأخرج نفرين من حبسه وضرب عنق أحدهما وأطلق الآخر وكان هذا مغالطة من
نمرود إلا إنّ إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يلزمه بحجّة لا يتمكن حتى من
المغالطة فيها فـ ((قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ)) هكذا يظهر للأبصار سواءً دارت هي أو دارت الأرض كما يقوله بعض علماء الفلك ((فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)) إن كُنتَ إلهاً خالقاً ((فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ))، أي تحيّر نمرود ولم يحر جواباً ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا أنفسهم بتعاميهم عن الحق فإنه سبحانه لا يلطف لطفه الخاص بمثل هؤلاء وإن أتمّ عليهم الحجة وأراهم الطريق.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

259

((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ))،
أي ألم ترالى الذي مرّ على قرية، والمعنى إن شئت فانظر الى الذي حاجّ وإن
شئت فانظر الى الذي مرّ على قرية وهو عُزير النبي (عليه السلام) أو أرميا ((وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا))، أي ساقطة حيطانها على سقوفها وأهلها موتى والسباع تأكل الجيف ففكر في نفسه ساعة ((قَالَ أَنَّىَ))، أي كيف ((يُحْيِي هَذِهِ)) الأموات ((اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)) وكان ذلك منه تعجباً لا إنكاراً ((فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ)) حتى بلي ونخرت عظامه ((ثُمَّ بَعَثَهُ)) أحياه كما كان ((قَالَ)) الله سبحانه له بإيجاد صوت في الجو ((كَمْ لَبِثْتَ)) في مبيتك ومنامك ((قَالَ)) النبي ((لَبِثْتُ يَوْمًا)) ثم نظر فإذا هو نام صباحاً والآن قبل غروب الشمس فأضرب قائلاً ((أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ)) الله سبحانه ((بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ))
وقد كان معه طعام وشراب وحمار، فكان الطعام والشراب باقيين كما هما وكان
الحمار قد مات وتفرقت عظامه ونخرت دلالة على كمال قدرة الله سبحانه ((فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)) لم تغيّره السنون، والإتيان بلفظ المفرد باعتبار كل واحد منهما ((وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)) كيف مات ونخرت عظامه ((وَلِنَجْعَلَكَ)) أيها الرسول ((آيَةً لِّلنَّاسِ))، أي حُجّة حيث أحييناك بعد مائة عام حتى يعرف الناس أنّ الله قادر على بعث الأموات ((وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ)) لحمارك المتفتتة ((كَيْفَ نُنشِزُهَا))، أي كيف نرفع بعضها الى بعض لنركّب منها الهيكل العظمي للحمار ((ثُمَّ نَكْسُوهَا))، أي نلبس العظام ((لَحْمًا)) حتى يستوي حماراً حيّاً ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ))، أي وضح له إحياء الأموات عياناً ((قَالَ)) النبي ((أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، أي علماً عيانياً وإلا فقد كان يعلم ذلك قبل السؤال.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

260

((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى))
فإنه (عليه السلام) رأى جيفة تمزّقها السباع فيأكل منها سباع البر وسباع
الهواء ودواب البحر فسأل الله إبراهيم فقال: يارب قد علمت أنك تجمعها من
بطون السباع والطير ودواب البر فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك ((قَالَ)) الله سبحانه ((أَوَلَمْ تُؤْمِن)) على نحو إستفهام التقرير، ليقول آمنت، كقوله: "ألستم خير من ركب المطايا" ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((بَلَى)) أنا مؤمن ((وَلَكِن)) أسأل ذلك ((لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي))
ويكون يقيني عين اليقين فإن الإنسان الذي يعلم أن النار -مثلاً- حارة،
يسمى ذلك علم اليقين، فإذا رآها سمّي حق اليقين، فإذا أدخل يده فيها
فاحترقت سمّي عين اليقين، وورد أنه (عليه السلام) علم أنّ الله يتخذ عبداً
له خليلاً إذا سأله إحياء الموتى أحياها فأراد أن يطمئن أنه هو ((قَالَ)) الله سبحانه ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ)) الطاووس والحمام والغراب والديك فاذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ بعضاّ ببعض ((فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ))
من صرته بمعنى قطعته و(إليك) إنما هو من مستلزمات القطع، فإنّ الإنسان إذا
أراد أن يقطع شيئاً قطعاً جيداً ويخلطه لابد وأن يجذبه إليه ولعله كناية
عن القطع الجيد والتخليط البالغ ((ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ)) من عشرة جبال ((مِّنْهُنَّ جُزْءًا)) وإنما ذلك يدل على أن الأجزاء الميتة تجتمع من محلات متباعدة وقت الحشر ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ)) بأن تأخذ بمنقار كل واحد من الطيور الأربعة في يدك وتدعوه باسمك ((يَأْتِينَكَ)) يجتمع الأجزاء من الجبال ((سَعْيًا)) مسرعات ((وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ)) لا يمتنع عليه شيء ((حَكِيمٌ))
فيما يفعل فلا يفعل شيئاً إعتباطاً وعبثاً، ففعل إبراهيم (عليه السلام)
ذلك فتطايرت الأجزاء بعضها الى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى نظم
الى رقبته ورأسه فأطلقها إبراهيم (عليه السلام) فطرن فالتقطن الحب وشربن
الماء ثم دعون لإبراهيم (عليه السلام).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:37 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

261


تقدّم
الكلام في الآيات السابقة عن من يقرض الله قرضاً حسناً، ثم تخلّل الكلام
دليل التوحيد والرسالة والمعاد والآن يرجع السياق الى الإنفاق ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) لا رياءً أو سمعة وشهرة ونحوها ((كَمَثَلِ حَبَّةٍ)) من الحنطة أو الشعير أو نحوهما ((أَنبَتَتْ))، أي أخرجت ((سَبْعَ سَنَابِلَ)) جمع سنبلة وهي مجمع الحبّات ((فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ)) فتكون النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ((وَاللّهُ يُضَاعِفُ))، أي يزيد كل سبعمائة ((لِمَن يَشَاء)) من عباده من المنفقين ((وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) يسع علمه وقدرته يعلم المنفق والإنفاق، وقد مثّل الإنفاق بهذا ليكون أوقع في النفس وأكثر في التأثير والتشويق.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

262

ثم ذكر شرطاً آخر للإنفاق المثمر الموجب للأجر بقوله تعالى ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ))، أي لا يعقبون ((مَا أَنفَقُواُ مَنًّا)) على المعطى له بأن يمنّ عليه في إنفاقه كأن يقول له أني أعطيتك فكُن شاكراً ((وَلاَ أَذًى)) بأن يؤذي المعطى له كأن يقول: إبتليت بفلان الفقير ((لَّهُمْ أَجْرُهُمْ)) وجزاء إنفاقهم ((عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) من العذاب لأن من ينفق هكذا يكون مخلصاً في جميع أعماله أو لا خوف عليهم من فوت الأجر ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) وهو يحتمل الأمرين مثل "لا خوف".


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

263

((قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ)) بأن يرد به السائل نحو: "الله يعطيك" ((وَمَغْفِرَةٌ))، أي تجاوز عن السائل فيما إذا أساء ((خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى)) لأن الصدقة كذلك تجرح قلب السائل دونهما، ولأنها تتبع العقاب، لأن هكذا صدقة محرمة، بخلافهما ((وَاللّهُ غَنِيٌّ)) فلا يحتاج الى صدقاتكم أيها المعطون، وإنما أنتم تحتاجون إليها، فحثّ الله بالإنفاق لكم لا له ((حَلِيمٌ)) عن عقابكم بسبب صدقاتكم التي تتبع الأذى.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

264

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ)) على السائل ((وَالأذَى))
له فإنّ فيها إبطالاً للصدقة من حيث الثواب فلا ثواب لها إبطالاً لها عن
العُرف لأن مثل هذه الصدقة لا تُحسب جميلاً وإنما قبيحاً بشعاً، فإنّ من
يُبطل صدقته بالمنّ والأذى فهو ((كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ)) لأجل أن يراه الناس فيمدحوه ((وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) بأن يكون الداعي له الى التصدّق أمر الله سبحانه أو ثواب الآخرة ((فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا))
الصفوان: الحجر الأملس، والوابل: المطر الشديد الوقع، والصلد من الأرض ما
لا ينبت شيئاً لصلابته، فإنّ الإنسان الكافر كالحجر الصلب الذي لا يُرجى
منه خير، وما يتحفّظ به ظواهره بمنزلة تراب على الحجر يظن الناس أنه محل
قابل للنبت والصدقة التي يرائي بها كالمطر الشديد، فإنه إذا نزل بأرض صالحة
كان مبعث الخير والنبات لكنه إذا نزل على الحجر المغطّى بالتراب إزال
ترابه وأظهر صلادته وعدم قبوله لأي إنبات وعشب، وكذلك الكافر الذي يظن به
الناس بعض الخير إذا أنفق رياءً ظهر على الناس حقيقته المنحرفة فتكون
الصدقة -التي هي بذاتها سبب الخير والرحمة- مُعرّية لحقيقة الكافر البشعة،
ومن ناحية أخرى أنها توجب سخط الله عليه أكثر من ذي بل فتكون مذهبة لما يظن
أنها حسنة له من بعض أعماله الخيرية السابقة ((لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ)) من مكاسبهم السابقة لأن الصدقة برياء ذهب بها كما أن المطر يذهب بالتراب فلا يمكن إرجاعه وجمعه ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) فلا يلطف بهم اللطف الخاص لأنهم أسقطوا أنفسهم عن القابلية لجحودهم بعد أن عرفوا الحق.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

265

((وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ))، أي لأجل طلب رضى الله سبحانه ((وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ))،
أي الأجل تثبيت أعمالهم الحسنة وتركيزها، تثبيتاً ناشئاً من أنفسهم
فأنفسهم هي التي توصي بذلك، لا كالمرائي الذي يحمله على الصدقة رؤية الناس،
فهذه الجملة "من أنفسهم" مقابل جملة (رئاء الناس) في الآية السابقة ((كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ))، أي بستان في مرتفع ((أَصَابَهَا وَابِلٌ)) مطر غزير ((فَآتَتْ))، أي أعطت ((أُكُلَهَا)) وثمرها ((ضِعْفَيْنِ))
فإنّ الإنسان المؤمن كالبستان الواقع في مرتفع حيث أنه يزهو للناس ويكون
أقرب الى الإستفادة من الهواء والشمس والمطر، فإنّ المؤمن أقرب الى الخير
فإذا تصدّق تكون صدقته كالمطر الذي إذا نزل بالبستان يوجب نمو ثمارها
وإزدهار أشجارها ((فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ)) مطر غزير ((فَــ‏)) يكفي لأمارها وأنضارها ((طَلٌّ)) رذاذ من المطر قليل ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فيجازيكم على أعمالكم إن رياءً وإن قُربة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

266

ولما مثّل سبحانه لصدقة كلّ من المؤمن والكافر، مثّل لصدقة المؤمن الذي يمنّ بصدقته فيُبطلها ((أَيَوَدُّ))، أي هل يجب ((أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي تحت أشجارها ((لَهُ فِيهَا))، أي في تلك الجنة ((مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ))، أي الشيخوخة ((وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء)) عاجزون عن كسب المأكل والملبس ((فَأَصَابَهَا))، أي أصاب الجنة ((إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ))
كلا! لا يحب أحد ذلك أنه في أشد أوقات حاجته، فهل يرضى إصابة النار بأثمن
ما يملك؟، إنّ مثل من ينفق عن إيمان وإعتقاد مثل تلك الجنة، فإذا إمتنّ بعد
ذلك أو آذى السائل يكون ذلك ناراً يحرق جنته في أشد أوقات حاجته، فإنّ
الإنسان في أشد الحاجة الى خيره في الآخرة، فإذا إمتنّ بقي صفر اليدين هناك
((كَذَلِكَ))، أي كهذا البيان الذي بيّن أمر الصدقة وغيرها ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ)) بضرب الأمثال والمشوّقات ((لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)) فتستقيموا على الصراط المستقيم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:37 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

267


((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) طيباً واقعياً بكونه حلالاً وظاهرياً بكونه جيداً ((وَمِن)) طيبات ((مَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ))، أي طيب مكسبكم وطيب ثماركم، فلا تنفقوا من الرباء ولا من الماء الآجن ولا من حشف الثمر -مثلاً- ((وَلاَ تَيَمَّمُواْ))، أي لا تقصدوا ((الْخَبِيثَ)) الحرام الرديء ((مِنْهُ تُنفِقُونَ)) للناس ((وَ)) الحال أنكم ((لَسْتُم بِآخِذِيهِ)) فإن أراد أحد إعطائكم من ذلك ما كنتم تأخذونه ((إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ))،
أي تغمضوا عيونكم كراهة له، فإنّ الإنسان إذا إستبشع شيئاً غمض عينه حتى
لا يراه، فكيف تنفقون مثل هذا الشيء الذي إذا أردتم أخذه غمضتم عينكم
إستبشاعاً له ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ)) عن صدقاتكم فلا يأخذ إلا الطيب ولا يقبل إلا الحسن ((حَمِيدٌ))،
أي مستحق للحمد على نعمه ومن حمده أن يعطي الإنسان الشيء الطيب في سبيله،
فإن الإنسان إذا أرادتقدير شخص دفع إليه أحسن ما يتمكن لا أن يدفع إليه
الرديء الخبيث.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

268

((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)) إذا أردتم الإنفاق في سبيل الله ((وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء)) إذا أردتم الإنفاق يقول لكم أنفقوا من الرديء الخبيث، وهو قسم من الفحشاء، أو المراد به الأعمال القبيحة مطلقاً ((وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ)) فإنه يغفر ذنوبكم بسبب الصدقة وسائر المبرّات ((وَفَضْلاً)) فيخلف ما أنفقتموه ((وَاللّهُ وَاسِعٌ)) ليس ضيّق المقدرة حتى لا يتمكن من التعويض ((عَلِيمٌ)) بما تعطون فيُجازيكم بالحسن حُسناً وبالسيّء سيئاً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

269

إن الإنفاق في سبيل الله من الطيب بلا رياء ولا منّ ولا أذى من الحكمة التي هي وضع الأشياء موضعها اللائق به والله سبحانه ((يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء)) ممن اه قابلية بما سبق أن أخذ الشريعة ((وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)) وأيّ خير أعظم من أن يعمر الإنسان دنياه وعقباه بأخذه بأوامر الله سبحانه وانتهاجه المنهاج المستقيم الموجب لسعادة النشأتين ((وَمَا يَذَّكَّرُ))، أي ما يتذكّر ولا يفهم ذلك ((إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)) أصحاب العقول فإنّ صاحب العقل هو الذي يتّبع ما ينفعه ويذر ما يضرّه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

270

((وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ)) قليلة أو كثيرة، أي أية صدقة تصدّقتم بها ((أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ))، أي ما أوجبتموه على أنفسكم لله بسبب النذر ((فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ)) فيُجازيكم عليه ويكون ذلك سبباً للإحسان الى النفس ((وَمَا لِلظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بالشُح ومنع الصدقات الواجبة وحنث النذر والمنّ والأذى والرياء في الصدقة ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرونهم ويخلّصونهم من عقاب الله.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

271

((إِن تُبْدُواْ))، أي تُظهروا ((الصَّدَقَاتِ)) حين إعطائها، بأن تُعطوها جهراً -بقصد القُربة لا قصد الرياء- ((فَنِعِمَّا هِيَ))، أي فنعم الشيء الصدقة الظاهرة فإنها توجب دفع التهمة وإقتداء الناس ((وَإِن تُخْفُوهَا))، أي الصدقات ((وَتُؤْتُوهَا))، أي تُعطوها سراً ((الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)) لأنه أقرب الى القُربة وأبعد من الرياء وأحفظ لصون ماء وجه الآخذ ((وَيُكَفِّرُ))، أي يغفر ((عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ))، أي بعض ذنوبكم بواسطة إعطاء الصدقة فإنّ صدقة السر تُطفئ غضب الرب ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) فيُجازيكم على أعمالكم، فليس التصدّق سراً غائباً عن الله سبحانه بل هو بكل شيء عليم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

272

إمتنع بعض المسلمون عن التصدّق الى غير المسلم فنزلت ((لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)) فإنك لست مُجبوراً بأن تهديهم وإنما عليك الإرشاد والبلاغ ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)) الى الصراط المستقيم، بإرائته الطريق، أو بإيصاله المطلوب ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ)) فإنه يعود نفعه الدنيوي والأخروي إليكم ((وَمَا تُنفِقُونَ))، أي ليس إنفاقكم ((إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ))، أي لأجله سبحانه، وأيّ شيء أحسن من أن يُنفق الإنسان في سبيل خالقه ومنعمه والمتفضّل عليه ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ))، أي يوفّر عليكم جزائه وثوابه ((وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ))
فتُعطون جزاء إنفاقكم كاملاً غير منقوص، فالإنفاق لأنفسكم، وثوابه يعود
عليكم، وهو في سبيل الله وما أجمل أن يُعطي الإنسان شيئاً يعود نفعه إليه
ثم يُثاب به في الآخرة، ويرضى الله سبحانه عنه بذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

273

ولما بيّن سبحانه فضل الصدقة عقبه بأحسن مصارفها بقوله سبحانه ((لِلْفُقَرَاء))، أي أن النفقة لهؤلاء ((الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ))،
أي مُنعوا والذي منعهم هو أنفسهم، لأجل سبيل الله وطاعته، فقد نزلت الآية
في أصحاب الصُفّة الذين تركوا كل شيء لأجل الإسلام وأَحصروا أنفسهم للعبادة
والجهاد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ))، أي ذهاباً فيها وعدم الإستطاعة إختيارية لا إضطرارية ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ))، أي يظنّهم الذي يجهل حالهم وباطن أمرهم ((أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ)) الإمتناع من السؤال فإنّ الناس إذا رأوا تعفّفهم ظنّوهم أغنياء لما عهدوا من سؤال الفقراء ((تَعْرِفُهُم))، أي تعرف أنهم فقراء ((بِسِيمَاهُمْ))، أي من وجوههم وأحوالهم الفقر عليها باد ((لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا))، أي كما هو شأن كثير من الفقراء، بمعنى أنه ليس منهم سؤال فيكون إلحافاً لا أنهم يسألون من غير إلحاف ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ)) كل شيء يُطلق عليه الخير من دار أو عقار أو درهم أو دينار أو غيرها ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) لا يفوته شيء فيُجازيكم جزاءً حسناً.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

274

((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً)) بالليل سرّاً وعلانية وبالنهار سرّاً وعلانية ((فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))
إن الآية وإن كانت عامة إلا أنها نزلت في علي (عليه السلام) حيث كانت له
أربعو دراهم فتصدّق باثنين منها نهاراً وسراً وعلانية وباثنتين ليلاً سراً
وعلانية، وقد تقدم معنى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:38 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

275


وحث
كانت الآيات حول الإنفاق، ناسب السياق ذكر الربا، فإنه عكس الإنفاق إذ هو
إستيلاء على أموال الناس من غير مبرر، بخلاف الإنفاق الذي هو إعطاء ماله
للناس من غير مكسب وتجارة ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)) وأكله كناية عن أخذه وإن لم يتصرف فيه ((لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ))
الرجل الذي مسّه الشيطان فصُرع وتغيّر حاله ودارت عينه وزال توازن جسده
وزبد فمه إذا أراد أن يقوم لبقية ما فيه من الشعور يقوم بعض القيام بكل
إنحراف وتأرجح ثم يسقط على الأرض، وهكذا الإنسان الذي يأكل الربا حتى إعتاد
ذلك يكون أشبه شيء في عملية إنتهاب أموال الناس بمن تخبطه الشيطان الذي
يريد أن يقوم فإنّ تفكيره تفكير منحرف كتفكير المطروح وعينه تنظر بزيغ الى
أموال الناس كعين المصروع وفيه يلهج حول المال بانحراف كفم المصروع وإذا
أراد أن يقوم من كبوته ويترك الربا ويأخذ بالجادة المستقيمة حول المال لا
يلبث أن يسقط في الربا كما إعتاد من أكله ةصار الإبتزاز لمال الناس
مَلَكَتُهُ، وهذا تشبيه رائع مفزع وهكذا يكونون هؤلاء يوم القيامة، فقد روى
الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه
قال: "لما أُسري بي الى السماء رأيت أقواماً يريد
أحدهم أن يقوم ولا يقدر عليه من عِظَم بطنه، فقلتُ: من هؤلاء ياجبرئيل؟،
فقال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من المس،"
وقد ثبت في العلم أن الأرواح الشريرة قد تدخل في الإنسان فتسبب به صرعاً ((ذَلِكَ)) الأكل للربا الذي إعتادوه ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ قَالُواْ)) ليس في أكل الربا بأس فـ (( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)) كلاهما تعامل برضى الطرفين ((وَ)) ليس كذلك فمنطقهم غلط فقد ((أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)) لما فيه من الفوائد ((وَحَرَّمَ الرِّبَا))
لما فيه من المضار، ويكفي أن نلمح الى ضرر واحد هو أن معطي الربا أما
ساقته الضرورة الى الإقتراض كمرض أو نحوه مما أُلجأ للإقتراض برباء فما
أقبح أن يستغل الإنسان أخيه في مثل هذا الموقع مما يجدر به أن يساعده
ويسعفه، وأما إن إقترض للتجارة وهذا لا يخلو من أحد أحوال ثلاثة، الأول: أن
يخسر، الثاني: أن لا يربح ولا يخسر وما أقبح في هاتين الصورتين أن يأخذ
صاحب المال زيادة بينما خسر العامل في الأول ولم يربح في الثاني، الثالث:
أن يربح وقد قرر الإسلام المضاربة والإشتراك في المربح فيما يُجبر المقترض
أن يدفع بمقدار خاص الى المُقرِض بينما قد ربح بمقداره وقد ربح أقل وقد ربح
أكثر ((فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ)) في تركه أخذ الربا ((فَانتَهَىَ)) وتاب ((فَلَهُ مَا سَلَفَ)) فإنّ كل ربا أكله الناس بجهالة وعدم علم بحرمته أو قبل الإسلام لا يُسترد منهم ((وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ)) سبحانه لا الى الناس حتى يقول من أعطاه الربا ردّ عليّ ما أخذت مني، أو أمره في قبول الله توبته إليه سبحانه ((وَمَنْ عَادَ)) الى الربا بعد النهي والإسلام ((فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبد الآبدين إلا أن يدركهم الله برحمته كما قال سبحانه (إنّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

276

((يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا))،
أي يُنقصه ويتلفه ويهلكه فما ظن المرابي أنه سبّب زيادة أمواله يكون سبباً
لهلاكه ونقصانه فإنّ الربا يسبّب غضب الناس وسخطهم على المُرابي مما يثير
حرباً أو نهياً من الناس أو الحكومات لأمواله فيذهب الأصل والفرع ((وَيُرْبِي))، أي يُزيد ويُنمي ((الصَّدَقَاتِ))
فإنه وإن ذهب جزء من المال بالصدقة لكنها تسبّب حب الناس والتفافهم
وتعاونهم مع المتصدّق مما ينجر الى زيادة أمواله، وهذا مع الغض عن المحق
والنماء الخارجين عن الطبيعة مما يشائهما الله سبحانه بلا واسطة عادية ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ)) كثير الكُفر ((أَثِيمٍ))، أي مذنب وفي هذا دلالة على أن آكل الربا كفّار أثيم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

277

((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) بالأصول الإعتقادية ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) بأن أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات ((وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ)) تخصيص بعد التعميم لأهميتهما ((لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) وقد مرّ تفسير عدم الخوف وعدم الحزن.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

278

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا من عقابه ((وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا))
مما كنتم تطلبونه قبل الإسلام، وقد رٌوي عن الإمام الباقر (عليه السلام)
أنه قال: "أن الوليد بن المغيرة كان يُربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا
على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالإسلام حقاً فإنّ المؤمن هو الذي يأتمر بالأوامر وينزجر بالزواجر.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

279

((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ)) ولم تنقادوا الى هذا النهي بل أكلتم الربا بعد النهي ((فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ))،
أي اعملوا القتال مع الله ورسوله، فأكل الربا يكون كمن أعلن الحرب مع
الإله والرسول، وذلك من أفظع الجرائم، وعاقبته خسران الدين والدنيا، وحكم
آكل الربا أنه يؤدّب مرتين ثم يُقتل في الثالثةكما رُوي عن الإمام الصادق
(عليه السلام) ((وَإِن تُبْتُمْ)) ولن تأخذوا الربا ((فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ))
دون الزيادة التي حصلتموها بالربا ولا مفهوم للآية بأنهم إن لم يتوبوا
فليس لهم رأس المال، بل المراد أنّ لكم رأس المال فما تبغون بالزيادة ((لاَ تَظْلِمُونَ)) الناس بأخذ الزيادة منهم ((وَلاَ تُظْلَمُونَ)) بالنقصان من رأس المال.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

280

((وَإِن كَانَ)) فيمن تطلبون منه -ممن ذُكر أنه يرجع رأس المال- ((ذُو عُسْرَةٍ)) بأن كان رأس مالكم الذي تطلبونه عند ذي عُسرة لا يتمكن من أدائه لعُسره وضيقه ((فَـ)) اللازم ((نَظِرَةٌ)) الى إنتظار وتأخير ((إِلَى مَيْسَرَةٍ))، أي الى حال يسار المديون والجملة خبرية معناها الأمر، أي فانظروا الى وقت يساره ((وَأَن تَصَدَّقُواْ)) على المعسر بما عليه من الدَين بأن تجعلوا طلبكم صدقة له ((خَيْرٌ لَّكُمْ)) في الدنيا يجلب المحبة والبركة من الله سبحانه وفي الآخرة بالثواب الجزيل ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي إن كنتم تعلمون الخير من الشر وتميّزون ما ينفعكم مما يضركم لعلمتم أنّ هبة الدَين للمعسِر خير لكم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:38 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

281


((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ)) فلا تأكلوا الربا ولا تؤاخِذوا المعسرين، بل تصدّقوا عليهم، فإنّ إتيان الحرام موجب للعقاب والتصدّق للثواب ((ثُمَّ تُوَفَّى))، أي تُعطى وافياً ((كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ)) من خير أو شر ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ))
شيئاً فلا ينقص من أجورهم شيء كما لا يُزاد في عذابهم أكثر من إستحقاقهم،
ومعنى الرجوع الى الله الرجوع الى حكمه وأمره وقضائه وجزائه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

282

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم))، أي تعاملتم بالدَين ودانَ بعضكم بعضاً في بيع أو غيره ((بِدَيْنٍ)) أما تأكيد وأما لدفع توهّم أن يكون المراد من المداينة المجازات كما قال الشاعر: ولا أنت ديّاني فتُجزيني ((إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى))، أي مدة قد سمّيت في العقد كما لو داينه الى سنة أو باعه نسيئة الى ستة أشهر مثلاً ((فَاكْتُبُوهُ))، أي أكتبوا ذلك الدَين في صك وأنه الى أية مدة لئلا يقع فيه نسيان أو جحود أو خلاف ((وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ)) كتاب الدَين ((كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)) بالحق لا يزيد في المقدار والأجل والوصف ولا يُنقص منها ((وَلاَ يَأْبَ))، أي لا يمتنع ((كَاتِبٌ))، أي شخص كا من المتعاملين أو غيرهما ((أَنْ يَكْتُبَ)) الصك ((كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ)) بأن يبخل فلا يكتب، فالتكليف من الله سبحانه وهو في مقابل أن علّمه تعالى الكتابة والعلم فلا يُثقل أو يُبطئ أو يبخل ((فَلْيَكْتُبْ)) الكاتب ((وَلْيُمْلِلِ)) بمعنى ليملأ فإنّ الإملال والإملاء بمعنى واحد يلقي صيغة الكتابة على الكاتب ((الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ))، أي المديون حتى يقر على نفسه أولاً حتى لا يقول زائداً على الحق ثانياً فإنّ الذي له الحق لو أملى كان معرّضاً لأن يقول الزيادة ((وَلْيَتَّقِ اللّهَ)) الكاتب أو المديون ((رَبَّهُ)) فإنه رب له فكيف يخالف أمره ((وَلاَ يَبْخَسْ))، أي لا يُنقص الكاتب أو المديون ((مِنْهُ))، أي من الحق ((شَيْئًا)) أما نقص الكاتب فواضح وأما نقص المديون كان يجعل الدينار والذي هو مقابل ثوب في مقابل ثوبين ((فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا)) بحيث لم يتمكن من الإملاء ((أَوْ ضَعِيفًا)) لجنون أو كبر أو صغر أو نحوها ((أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ)) لخرس أو عذر آخر مع عدم السفاهة والضعف ((فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ))ن أي ولي مَن عليه الحق ((بِالْعَدْلِ)) بلا إفراط أو تفريط ((وَاسْتَشْهِدُواْ))، أي أطلبوا شهادة ((شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)) على المكتوب لينفع ذلك عند الترافع والمخاصمة لدى التخالف ولعل قيد "من رجالكم" لإخراج الكفار ((فَإِن لَّمْ يَكُونَا))، أي لك يكن الشهيدان ((رَجُلَيْنِ)) لعدم حضورهما أو عدم إرادة المستشهد ((فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)) يشهدون على الكتابة، أو فليشهد رجل وامرأتان ((مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء))
لوثاقتهم أو عدالتهم إذ لا تُقبل شهادة من عداهم لدى المخالفة والتراخ،
وإنما جُعلت المرأتان مكان رجل واحد لأن المرأة لضعف ذاكرتها كما ثبت في
العلم الحديث يتطرق إليها من النسيان ما لا يتطرق الى الرجل، ولذا قال
سبحانه ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا)) من الضلال، أي تخطأ وتشتبه وتنسى ((فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا)) التي لم تضل ((الأُخْرَى))
التي نسيت وضلّت، و"إن" أما بمعنى "لئلا" وتكون جملة "فتذكّر" منقطعة، أي
إن ضلّت تذكّر الثانية الأولى، وأما أصلها "إن" بالكسر صفة لأمرأتان،
والأول أقرب ((وَلاَ يَأْبَ))، أي لا يمتنع ((الشُّهَدَاء)) الذين يُراد إشهادهم للدَين -وسُمّوا شهداء بمجاز المشارفة- ((إِذَا مَا دُعُواْ)) لتحمل الشهادة وهذا أمر إيجابي أو إستحبابي، أو المراد الأعم من التحمل والأداء ((وَلاَ تَسْأَمُوْاْ))، أي لا تضجروا أيها المتداينون ((أَن تَكْتُبُوْهُ))، تكتبوا الدَين أو تكتبوا الحق ((صَغِيرًا)) كان الحق والدَين ((أَو كَبِيرًا)) وهذا تأديب لمن يترك كتابة الصغير لعدم الإهتمام به، فإن كثيراً ما يقع التنازع في الصغير ((إِلَى أَجَلِهِ))،
أي الى أجل الدَين مدته، وفيه تنبيه الى أن الكتابة تبقى الى الأجل فتنفع
هناك، أو المعنى كتابة تتضمن الى الأجل فيعيّن في المكتوب أجل الدَين ((ذَلِكُمْ)) ذلك إشارة الى الكتاب الذي يُكتب في المداينة وكم خطاب الى الذين آمنوا ((أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ))، أي أعدل، بمعنى أقرب الى العدل وإلا فليس في العدل مفاضلة حقيقية ((وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ)) فيه تقوم الشهادة التي تؤمن عن الزيادة والنقصان ((وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ))،
أي أقرب الى عدم الريب في المبلغ والأجل فالله يريده وأنتم لا تشكون،
والشهادة تستقيم بسبب الكتابة والصك وما ذُكر من الكتابة عامة لكل مكان ((إِلاَّ أَن تَكُونَ)) المعاملة -المفهوم من الكلام- ((تِجَارَةً حَاضِرَةً)) معجّلة غير مؤجّلة كغالب التجارات النقدية التي تجري في الأسواق ((تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ)) إدارة يد بيد، ومعنى الإدارة المناقَلة، فينقل هذا ماله الى ذاك وينقل ذاك عنه الى هذا ((فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ)) وحرج ((أَلاَّ تَكْتُبُوهَا)) فلا مانع من عدم كتابة التجارة النقدية إذ الكتابة للوثيقة وهنا لا يحتاج الى الوثيقة ((وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ))
فإنه يُستحب للإنسان الذي يريد المبايعة أن يأخذ الشاهد فإن المعاملة
كثيراً ما يقع من نزاع وخصام فإذا كان هناك شهادة يقلّ وطئ النزاع والآية
وإن كانت عامة لفظاً لكن لا يعد أن لا يُراد بها الإطلاق ومن المعاملات
الجزئية اليومية لعدم تعارف الإشهاد منذ زمان الرسول (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) ((وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ))
بأن يكلّف الكاتب الكتابة ويكلّف الشاهد الشهادة في حال يكون حرجاً عليهما
وضرراً، كما تعارف الآن عند الحكومات المنحرفة فإنه يحضر الشاهد ويعنت
ويُضار فإن مضارتها زهادة للناس عن الكتابة والشهادة ((وَإِن تَفْعَلُواْ)) المضارة بها ((فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ))، أي خروج عن أمر الله سبحانه لسببكم أيها المضارون ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) فيما أمركم ونهاكم ((وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ)) مصالحكم فاتبعوه ((وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))
وأنتم لا تعلمون وما أجدر بالجاهل أن يتّبع العالِم، عن علي بن إبراهيم أن
في سورة البقرة خمسمائة حُكم وفي هذه الآية الكريمة وحدها خمسة عشر حكماً
والآية كما تقرر في العلم الحديث من أعجب الآيات في باب المعاملة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:39 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

283


((وَإِن كُنتُمْ)) أيها المتداينون المتابعون ((عَلَى سَفَرٍ))، أي مسافرين والتعبير بلفظ "على" لركوب المسافر غالباً ((وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا)) يكتب الدَين والمعاملة ((فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ)) تقوم مقام الصك ورهان جمع رهن، وهو إسم للوثيقة ولذا جائت الصفة بالتأنيث والقبض شرط في صحة الرهن، ولذا وصفه بالقبض ((فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم)) وهو صاحب الحق ((بَعْضًا)) وهو من عليه الحق بأن وثق به وأنه يؤدي الدَين بدون صك ولا رهن فأعطاه الدَين مجرداً عن اللأمرين ((فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ))، أي المديون ((أَمَانَتَهُ)) فلا ينكر ولا يمطل، كفاءً لما رآه أهلاً ((وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ)) فإن الله شهيد ويجازي فإن أنكر أو مطل أو بخس كان معرّضاً نفسه لهقوبة الله سبحانه ((وَلاَ تَكْتُمُواْ)) أيها الشهود ((الشَّهَادَةَ)) التي تحملتموها ((وَمَن يَكْتُمْهَا))، أي يخفي الشهادة فلا يحضر لأدائها أو يؤديها على خلاف الواقع ((فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)) فقد عزم القلب على الكتمان وإطاعته الجوارح واللسان ولأن الكتمان أنسب الى القلب لكونه في محل مكتوم ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ)) من إخفاء الشهادة وإبدائها ((عَلِيمٌ)) فلا تفعلوا ما يوجب عقابه وسخطه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

284

((لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) فما تعطونه من الأملاك ليست لكم إلا مجازاً وإنما هي ملك له سبحانه فاعملوا فيها حسب ما أمركم ولا تخالفوا أمر المالك الحقيقي ((وَإِن تُبْدُواْ))، أي تُظهروا ((مَا فِي أَنفُسِكُمْ)) بما تعلمونه ويخفى على غيركم ((أَوْ تُخْفُوهُ)) فتكتموه ((يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ))
فإنّ جميع الأعمال والأقوال والأفكار تحت المحاسبة، أو إنّ الإبداء
والإخفاء لما في النفس محسوب عليهما، وهذا العموم للتناسق مع إبداء الشهادة
وكتمانها ((فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)) حسب ما تقتضيه الحكمة البالغة فإنّ الغفران والشفاعة ليسا إعتباطاً وإنما ينصبان على المحل القابل ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
من المغفرة والعقاب ولا يخفى أن العذاب على ما في النفس لا ينافي ما دلّ
على عدم العقاب، على العزم على المعصية لاختلاف المعاصي واختلاف أنواع
العقاب فإنه لا شبهة في أنّ من يعزم على المعاصي وإن لم يفعلها أبعد عن قرب
الحلال ممن لا يعزم إطلاقاً، وهذا البُعد هو نوع من العذاب أو يجمع بنحو
ذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

285

وهنا
يرجع السياق الى ذكر التوحيد والنبوة والشرائع جملة في لباس أنها لا تكلّف
الناس فوق الطاقة وسؤال المغفرة والعفو لتكون فذلكة للسورة ((آمَنَ الرَّسُولُ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ)) فهو أول مؤمن بما أُنزل إليه وليس كرؤساء الأديان المفتعلة والملوك والحكام الذين لا يشملهم القانون ((وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ))، أي كلّ واحد منهم ((آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ))
فليس المؤمن أن يقتنع بجانب واحد من جوانب الإسلام كما هو كثير في تابعي
الأحزاب والمبادئ حيث أن ذا النشاط المتفايض منهم يقتنع منه بجانب واحد وإن
ترك سائر الجوانب فإن لسان حال المؤمنين ((لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ))
فلسنا كاليهود الذين لا يعترفون بالمسيح ونبي الإسلام ولا كالنصارى الذين
لا يعترفون بنبي الإسلام، فلا تكون كمن يؤمن ببعض ويكفر ببعض ((وَقَالُواْ سَمِعْنَا)) آيات الله وأحكامه ((وَأَطَعْنَا)) أوامره ونواهيه لا كاليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا يقولون ((غُفْرَانَكَ))، أي نطلب مغفرتك ((رَبَّنَا)) نعلم أنّ ((وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) فاغفر لنا حتى نكون في ذلك اليوم سعداء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

286

إن الأحكام التي سلفت في السورة وفي غيرها ليست مما لا يُطاق فإنه ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا))
فإن أوامره ونواهيه مستطاعة للمكلَّف وليس في الدين من حرج، فلا يظن أحد
أن الإيمان السابق ذكره في (والمؤمنون كلٌّ آمن بالله) يوجب مشقة وعنتاً
وإرهاقاً ((لَهَا))، أي للنفس ((مَا كَسَبَتْ)) من الحسنات فالجزاء الحسن يجزى به من أحسن ((وَعَلَيْهَا))، أي على النفس ضرر ((مَا اكْتَسَبَتْ))
من الآثام والسيئات ولعل في مجيء الكسب من بابين "كسب" و"اكتسب" إفادة أنّ
الطاعة طبيعية والمعصية تؤتي بالتكليف إذ للفظة الإكتساب ظلالاً يفيد
التعب والغضب بخلاف الكسب وتؤيده قاعدة "زيادة المبني تدل على زيادة
المعنى" وهناك يتوجه المؤمنون الى الله داعين سائلين ((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) لا نسيان وإنما تصح المؤاخذة فيهما لغلبة كون مقدماتهما إختيارية وما ينتهي الى الإختيار يكون بالإختيار ((رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))، أي ثقلاً فإن بعض التكاليف قد توجب ظروفها ثقلاً وعنتاً فالمؤمن يسأل أن يجنّبه الله سبحانه مثل هذا الثقل ((كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا))
فإنهم بلجاجتهم استحقوا تحميل الثقل كما تقدّم في قصة بقرة بني إسرائيل
وكما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات ما أُحلّت
لهم) ((رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ)) وإن كان مقدوراً لنا فإنّ عدم الطاقة ليس بمعنى عدم القدرة حتى يُقال أنّ الله لا يكلّف غير المقدور فما وجه هذا الدعاء؟ ((وَاعْفُ عَنَّا)) ذنوبنا ((وَاغْفِرْ لَنَا)) خطايانا، أي إسترها ولا تبدها ((وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا)) سيدنا والأولى بالتصرف فينا ((فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) حتى نغلب عليهم في الحكم كما نغلب عليهم في الحجّة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:41 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

3


((نَزَّلَ عَلَيْكَ)) يارسول الله ((الْكِتَابَ ))، أي القرآن ((بِالْحَقِّ )) لا بالباطل فإن الإنزال قد يكون بالباطل وقد يكون بالحق ((مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ )) على موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ)) على عيسى (عليه السلام).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

4

((مِن قَبْلُ )) إنزال القرآن عليك، وكل هذه الكتب ((هُدًى لِّلنَّاسِ )) فإنها تهديهم من الظلمات إلى النور ومن الباطل إلى الحق ومن الضلال إلى الرشاد ((وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ )) الفارق بين الحق والباطل وهو أعم من الكتب السابقة وسائر ما أُنزل على أنبياء الله ورُسُله ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ )) بحجج الله ودلالاته ((لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ )) في الدنيا بالفوضى والهرج والمرج والمشاكل كما قال تعالى (ومَن أعرضَ عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكا) وفي الآخرة بالعقاب ((وَاللّهُ عَزِيزٌ )) له العزّة والقدرة بأن يفعل ما يشاء ((ذُو انتِقَامٍ)) ينتقم ممن حادّه وعصاه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

5

((إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء)) فلا يظن عاصٍ أنه يخفى على الله سبحانه، فإنه يعلم كل شيء في الكون حتى وساوس وهواجس الصدور.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

6

((هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ ))، أي يُعطيكم الصورة في بطون أمهاتكم ((كَيْفَ يَشَاء )) من رجل وإمرأة وجميل وقبيح وقصير وطويل وغيرها، فكيف يخفى عليه شيء وهو يفعل مثل هذا الفعل الدقيق في ذلك المحل المظلم ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )) فهو وحده إله الكون وخالقه ((الْعَزِيزُ)) في سلطانه ((الْحَكِيمُ)) فما يفعل شيئاً عبثاً بل يفعل ما يفعل بالحكمة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

7

((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ )) يارسول الله ((الْكِتَابَ ))، أي القرآن ((مِنْهُ ))، أي قسم من الكتاب ((آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ )) غير مشتبهات فالمفاد منها واضحة لا يخفى على أهل اللسان كقوله سبحانه (قل هو الله أحد) ((هُنَّ ))، أي تلك الآيات المحكمات ((أُمُّ الْكِتَابِ ))، أي أصله الذي يرجع إليه لدى الشك والخصام والجدال ((وَأُخَرُ ))، أي آيات أُخر ((مُتَشَابِهَاتٌ ))
والمتسابه هو الذي يحتمل وجهين أو وجوهاً مما يسبب عدم إدراك الناس كلهم
لها من تشابه، وإنما يُؤتى به أما إمتحاناً يُعرف المؤمن من المنافق أو
لتقريب المطلب إلى أذهان الناس الذين لا يدركون الحقائق ككثير من آيات
الصفات ونحوها كقوله سبحانه (إلى ربها ناظرة) حيث أُريد تفهيم أن المؤمنين
ينظرون إلى رحمة الله، أو كقوله (ثم استوى إلى السماء) أو لأن المطلب دقيق
لا يتحمله بعض العقول كآيات الجن والشيطان مما لا يتحملها عقل من أَلِفَ
المادة فيشتبه الأمر عليه أو لأنه جيءَ به لاعتبار كلامي فاشتبه الأمر نحو
(نسوا الله فنسيهم) أو غير ذلك، والمتشابه مما لابد منه في الكلام الراقي
كما لا يخفى بأدنى تأمّل ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ))، أي ميل عن الحق وانحراف أما جهلاً أو عناداً ((فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ))
إتباعاً على خلاف المراد منه ويوجّهون المتشابه حسب أهوائهم ومشتهياتهم
كما يقول القائل بالتجسّم من (إلى ربها ناظرة) وبالجبر من (ومن يُضلِل الله
فما له من هاد) وبمعصية الأنبياء من (وعصى آدم ربّه فغوى) ويكون الإسلام
خاصاً بالعرب من (وإنه لذِكر لك ولقومك) وهكذا ((ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ))، أي لأجل تفتين الناس وإضلالهم ((وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ))، أي لأجل أن يكون له مجال في تأويل الكلام على غير المراد منه ليطابق هواه ومشتهاه ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ))
التأويل هو ما يؤول وينتهي إليه الكلام فمثلاً ظاهر (إلى ربها ناظرة) أنهم
ينظرون إلى الله لكن هذه الجملة تُؤوّل إلى معنى أنهم ينظرون إلى رحمة
الله ولُطفه وثوابه، كما يُقال في العرف "أني أنظر إلى العقل وهو يسيّر
الإنسان" أنه لا يريد النظر بالعين وإنما عرفان ذلك ((إِلاَّ اللّهُ )) فهو سبحانه يعلم المراد من كلامه ((وَالرَّاسِخُونَ ))، أي الثابتون ((فِي الْعِلْمِ ))
الذين لهم إطّلاع على المعلومات وبأساليب الكلام وبما يدلّ عليه العقل
والشرع، وهذا ليس ببدع فإن القوانين المدنية لا يعرفها إلا من درس وأتقن
أساليب الكالم العربي لا يعرفها إلا من أتقن الأدب والبلاغة وهكذا، إن
الراسخين يعلمون تأويل المتشابه في حال كونهم ((يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ))، أي بالمتشابه كما آمنّا بالمحكم ((كُلٌّ )) من المحكم والمتشابه ((مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ))
فإذا لم يظهر المعنى في بادئ النظر لا ينكرون ولا يقولون بالتناقض، فإنهم
جمعوا بين فضيلتي العلم بالتأويل والإذعان بصحة المتشابه بخلاف الجهّال
فإنهم يعترضون على المتشابه أولاً ويفسرون حسب أهوائهم ثانياً، وهكذا نجد
الآن في العُرف العالم الورع يجمع بين الفضيلتين والجاهل الذي يشتمل على
الرذيلتين ((وَمَا يَذَّكَّرُ ))، أي يتذكّر ويردّ المتشابه إلى المحكم وإلى ما دلّ من العقل والنقل ((إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ))،
أي أصحاب العقول الحصيفة، ثم أنه ورد في الأحاديث أن المراد بالراسخين
النبي والأئمة (عليهم السلام) ولا يخفى أنهم من أجلّ مصاديق الراسخين وذلك
هو المراد لا الإنحصار.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

8

إن الراسخين في العلم يلتجأون إلى الله سبحانه قائلين ((رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا ))،
أي لا تُمِلها عن الحق وإنما نسب الزيغ إليه سبحانه لأنه هو الذي هيّءَ
الأسباب ليمتحن عباده فترْك الإنسان وعدم اللُطف به حتى يقع فريسة الشيطان
من صنع الله سبحانه كما يُقال "أن الملك أفسد الرعيّة" لا يُراد أنه
أفسدهم وإنما يُراد تركهم حتى يفسدوا، ولا يخفى الفرق بينه سبحانه وبين
الملك لرعيته فإن الله حيث خلق الدنيا للإختبار لابد وأن يهيّء الوسيلتين
ليُظهِر المُطيع من العاصي كما قال (كلاًّ نمد هؤلاء وهؤلاء) بخلاف الملك
فإنه لا يحق له أن يفسد الرعيّة حتى بتركهم وما يشاؤون فإنه يأمر بالصلاح
والإصلاح كما إن الله تعالى يسبل النعم على الجنات ولا يعاقبهم عقوبة ظاهرة
في الدنيا وليس ذلك يجوز للملوك فإنه يجب إيقاف الجاني عند حدّه وإجراء
العقاب عليه ثم أن الإنسان مهما كان من الرسوخ في العلم فإنه معرّض للزلّة
كما زلّ "بلعم" قال سبحانه (كمثل الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه
الشيطان فكان من الغاوين) ولذا يدعو الراسخون ربهم سبحانه أن لا يقطع عنهم
لُطفه الخاص ولا يتركهم ليلعب بهم الشيطان كما يشاء إذ ((بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا )) إلى دينك ((وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ ))، أي من عندك ((رَحْمَةً )) ولُطفاً نثبت بها على دينك وطاعتك ((إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)) الكثير الهبة لمن تشاء بما تشاء.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:41 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

9


((رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ )) تجمعهم ((لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ )) هو يوم القيامة الذي لاشك فيه عند ذوي العقول وإن شكّ فيه أُناس لا يصيب لهم من العلم والمعرفة وقد تقدّم وجهه في أول سورة البقرة ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ))،
أي الوعد الذي وعده أنبيائه والبشر بيوم القيامة، فلا تزغ قلوبنا حتى نكون
ذلك اليوم من المطرودين أو هذا إظهار من الراسخين بالإعتراف بالبعث وأنهم
جمعوا بين فضيلتي الإعتراف بالمبدء والمعاد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

10

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) من الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون المتشابه وغيرهم من سائر الكفار ((لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ )) كي يُعطوها فينجو من عذاب الله سبحانه كما تنفع الفدية في الدنيا ((وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ ))، أي من عذاب الله وسخطه ((شَيْئًا )) فلا يتمكن أولادهم أن يقفوا ليمنعوا عنهم العذاب ((وَأُولَئِكَ )) الكفار ((هُمْ وَقُودُ )) الوقود الحطب وكل ما يوقد به النار ((النَّارِ)) يوم القيامة تتّقد النار بأجسامهم كما تتّقد النار بالحطب والنفط ونحوها في النار.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

11

((كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ )) الدأب العادة، أي عادة هؤلاء الكفار في التكذيب بك وبما أُنزل إليك كعادة آل فرعون الذين كذّبوا الرُسُل ((وَ)) كعادة ((الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ )) من سائر الكفار الذين كانوا يكفرون بآيات الله ويكذّبون أنبيائه ((كَذَّبُواْ )) جميعاً ((بِآيَاتِنَا ))، أي بدلائلنا الدالة على التوحيد وسائر الأصول ((فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ ))، أي بسبب عصيانهم ومعاصيهم، ومعنى الأخذ العقاب، أي عاقبهم كقوله (وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة) ((وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) فليس عقابه كعقاب سائر الناس، وإنما (نار أحاطت بهم سرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

12

((قُل )) يارسول الله ((لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ ))، أي بعد قليل يكونون مهزومين أما في الدنيا بغلبة الإسلام، كما صار كما أخبر حيث إن الإسلام غلبهم وأخذ بلادهم ((وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ))
يوم القيامة، وأما في الآخرة بمعنى أنكم بعد قليل تُهزمون أمام أمر الله
سبحانه يقبضكم ملك الموت الذي وُكّل بكم، وبعد ذلك تُحشرون إلى جهنم يوم
القيامة ((وَبِئْسَ الْمِهَادُ))، أي بئس ما مُهّد لكم أو ما مهّدتم لأنفسكم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

13

ولما
بيّن سبحانه أن الكفار سيُغلبون بيّن لذلك شاهداً محسوساً في قصة بدر حيث
كان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً والكفار ألف رجل ولم يكن للمسلمين
من العتاد إلا شيئاً ضئيلاً بينما كان الكفار بأكمل السلاح ومع ذلك فقد غلب
المسلمون عليهم بنصر الله سبحانه ((قَدْ كَانَ لَكُمْ )) أيها المسلمون أو أيها الكفار ((آيَةٌ ))، أي علامة على صدق الرسول وأن الله ينصره ويهزم الكفار ((فِي فِئَتَيْنِ ))، أي جماعتين : جماعة المسلمين وجماعة الكفار ((الْتَقَتَا )) من الملاقات إلى إجتمعتا ببدر ((فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) وهم المسلمون ((وَ)) فئة ((أُخْرَى كَافِرَةٌ )) وهم المشركون الذين أتوا من مكة ((يَرَوْنَهُم ))، أي يرى المسلمون الكفار ((مِّثْلَيْهِمْ))، أي ضعف أنفسهم ((رَأْيَ الْعَيْنِ ))
فلم يكن ذلك خيالاً وإنما واقعاً فإن الكفار في الواقع كانوا أكثر، ومع
ذلك فقد غلب المسلمون، ولعل النكتة في ذِكر ذلك بيان أن المسلمين غلبوا مع
أنهم كانوا يعلمون بزيادة الكفار عليهم وإن ذلك يدلّ أن الله نصرهم وإلا
فإن الجيش إذا عَلِمَ أن العدو أكثر منه وَهَنَ في عضده ويسبّب ذلك إنهزامه
في أكثر الأحيان، وفي الآية أقوال أُخر مذكورة في التفسيرات ((وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء ))، اي يقوّي بنصره فلا يضرّهم قلة عددهم وعُددهم ((إِنَّ فِي ذَلِكَ )) المذكور وهو غَلَبة المسلمين على المشركين مع إن الكفار كانوا ثلاثة أضعافهم ((لَعِبْرَةً ))، أي إعتبار هو بمعنى الآية وإنما سميت الآية عِبرة لأنها تعبر بالإنسان من الجهل والغفلة إلى العلم والتذكّر ((لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ))، أي أصحاب العقول، وليس المراد بالبصر النظر بالعين وإنما النظر بالقلب كما يُقال "فلان بصير بالأمور" أي يعرفها ويدركها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

14

وهنا
يتسائل الإنسان ماذا صرف الكفار عن الحق وهم يرونه, ويأتي الجواب أن الذي
صرفهم هو جمال الدنيا ومالها كما قال الإمام (عليه السلام) : (لكنهم حليت
الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها) ((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ))،
أي أن حب الإنسان للمشتهيات والملذات سبّب لهم أن تتزيّن الدنيا في نفوسهم
فيطلبون اللذائذ ولو في المحرّمات، ولم يذكر الفاعل لأنه ليس بمقصود وقد
تقرر في علم البلاغة أن مقتضاه أن لا يذكر الفاعل أو المفعول حيث لم يكن
مقصوداً ((مِنَ النِّسَاء )) بيان "الشهوات" ((وَالْبَنِينَ )) فإن حب الأولاد يسبّب إطاعتهم والتحفّظ عليهم ولو بذهاب الدين ((وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ ))
القناطير جمع "قنطار" وهو ملاء مسك ثور ذهباً، وإنما سمي قنطاراً لأنه
يكفي للحياة فكأنه قنطرة يعبر بها مدة الحياة, والمقنطرة بمعنى المجتمعة
المكدّسة كقولهم "دراهم مدرهمة ودنانير مدنرة" ((مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ )) فإن الإنسان بحبه للأموال يعصي الله في جمعه وفي عدم إعطاء حقوقه ((وَالْخَيْلِ )) عطف على النساء, والخيل الأفراس ((الْمُسَوَّمَةِ )) من سوّم الخيل إلى علمها ولا تُعلّم إلا الجيد الحسن منها ((وَالأَنْعَامِ )) جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم ((وَالْحَرْثِ ))، أي الزرع فإن هذه كلها مُحبّبة للناس، لكن ((ذَلِكَ )) كله ((مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، أي ما يستمتع به في الدنيا ولا تنفع الآخرة إلا إذا بذلت في سبيل الله -كلٌّ حسب بذله- ((وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ))
المآب المرجع، أي أن المرجع الحسن فس الآخرة منوط بالله سبحانه فاللازم أن
يتزهّد الإنسان في الملذات ولا يتناول المحرّم منها رجاء ثواب الله ونعيمه
المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال، فلا تسبّب هذه المشتهيات عدول
الإنسان عن الحق إلى الباطل وعن الرشاد إلى الضلال.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:42 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

15


((قُلْ )) يارسول الله للناس الذين زُيّن لهم حُبّ الشهوات ((أَؤُنَبِّئُكُم ))، أي هل تريدون أن أخبركم ((بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ ))، أي بأحسن من هذه الشهوات، و"كُم" خطاب للناس ((لِلَّذِينَ اتَّقَوْا)) المحرّمات وعملوا حسب أوامر الله سبحانه ((عِندَ رَبِّهِمْ )) في الآخرة ((جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت أشجارها ونخيلها وقصورها ((خَالِدِينَ فِيهَا )) فإنهم يسكنون الجنة أبد الآبدين لا زوال لهم ولا تحويل ((وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ))، أي نساء طاهرة من الأقذار الظاهرية كالحيض والوساخة والأقذار الباطنية كسوء الخُلُق والحقد والعداوة ((وَ)) أكبر من كل ذلك ((رِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ ))
فإن الله راضٍ عنهم ومتى شَعَرَ الإنسان برضى الله سبحانه منه تنعّم بأفضل
نعمة نفسية كما لو عَلِمَ فرد من الرعية أن الملك يحبه ويرضى عنه ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) خبير بأفعالهم وأعمالهم فيجازيهم حسب ما يفعلون.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

16

ثم وصف سبحانه المتقين الذين سبق ذكرهم بقوله (للذين اتقوا) فالمتقون هم ((الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ))، أي صدّقنا بك وبرسلك وبما أمرت ووعدت ((فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ))، أي تجاوز عما صدرت منّا من الخطايا ((وَقِنَا ))، أي إحفظنا من "وقى" و"يقي" بمعنى حفظ ((عَذَابَ النَّارِ)) حتى لا نكون من أهلها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

17

((الصَّابِرِينَ )) صفة أخرى للمتقين فأولئك هم الصابرون في المصائب وعند الطاعة ولدى المعصية ((وَالصَّادِقِينَ )) في نيّاتهم وأقوالهم وأفعالهم ((وَالْقَانِتِينَ )) من القنوت بمعنى الإطاعة والخضوع ((وَالْمُنفِقِينَ )) لأموالهم في سبيل الله سبحانه ((وَالْمُسْتَغْفِرِينَ )) الذين يطلبون غفران ذنوبهم ((بِالأَسْحَارِ)) جمع "سَحَر" وهو ما يقرب من طلوع الفجر آخر الليل.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

18

ويناسب السياق هنا الإشارة إلى صفات الباري عزّ إسمه حيث تقدّم ذِكر من التقوى وأوصاف المتقين الذين يعملون لله سبحانه ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ))
وشهادة الله لفظية وواقعية فإن الشهادة إظهار المطلب باللسان وقد أظهر
الله سبحانه وحدته وسائر صفاته بما هو أقوى وأثبت وأولى من اللفظ، وهو خلق
المصنوعات التي تشهد جميعها بصفاته كما قال الشاعر "وفي كلّ شيء له آية
تدل على أنه واحد" وإنما تشهد المصنوعات على الوحدة لأنه لو كان فيهما آلهة
إلا الله لَفَسَدَتا فعدم الفساد دليل الوحدة -كما تقدّم في علم الكلام- ((وَالْمَلاَئِكَةُ )) شهدوا بالوحدانية شهادة لفظية وحقيقية ((وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ )) أصحاب العلم الذين يدركون، لأا كل من يدّعي العلم، فإنه من ينظر إلى الكون نظر عام معتبر لابد له من الإذعان بالوحدانية ((قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ))،
أي في حال كونه سبحانه قائماً بالعدل، فإن القسط بمعنى العدل، ومعنى قيامه
سبحانه بالعدل أنه يفعل ما يفعل بالعدل، فخلقه وتقديره وتشريعه كلّ
بالعدل، ومعنى العدل الإستواء مقابل الظلم الذي هو الإعوجاج والإنحراف،
فمثلاً جعل الشمس في السماء عدل لأنها تنير وتُشرق وتقيم المجموعة الشمسية
بينما عدمها إنحراف وظلم، وكذلك تقدير هذا غنياً وذاك فقيراً وهذا رئيساً
وذاك مرئوساً بالعدل، وما يُشاهد في ذلك من الإنحراف فإنه ليس من التقدير
وإنما من سوء إختيار الناس، وكذلك تشريع الصلاة واجبة والخمر محرّمة
بالعدل، يُقال أن رجلاً سأل كسرى عن سبب عدله قال : لعدة أسباب منها أني
رأيت في الصحراء يوماً كلباً كسر رجل غزال فما لبث أن رماه إنسان بحجر فكسر
رجله فلم تمضِ على ذلك لحظات إلا بالفرس عثر فانكسرت رجله، وهناك علمت أن
الظلم عاقبته وخيمة ... ، والإنسان إذ لم يجهل أكثر الأشياء فهو كمن يعترض
على أدوية وصفها الطبيب وهو لا يعرف من الطب شيئاً ، ولفظة "قائماً" فيه
إيمائة لطيفة فإن القائم يشاهد ما لا يشاهده القاعد إذ هو مسيطر مشرف ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ))
تكرار للتأكيد فإن العالم قبل الإسلام كان مرتطماً في أوحال الشرك حتى جاء
الإسلام أظهر التوحيد وجدّد ما محى من سنن الأنبياء وإرشادهم حول المبدء
تعالى ((الْعَزِيزُ)) في سلطانه ((الْحَكِيمُ)) الذي يفعل كل شيء عن حكمة وعلم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

19

وبعد ما تقرّر التوحيد والعدل التي دور الدين الذي أرسله الله سبحانه إلى العباد ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ))
والدين هي الطريقة التي تؤمّن السعادة للبشر دنيا وآخرة، أنه عند الله
الإسلام، وإن كان عند غيره اليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها، فإنّ
الله سبحانه لم يرسل إلا الإسلام والإسلام هو دين الأنبياء جميعاً فإنه
عبارة عن تسليم منهج الأعمال إلى الله الذي خلق الكون وهو أعلم بالنظام
المساوي له الذي إن تبعه البشر عاش سعيداً ومات حميداً، وقد ذكرنا سابقاً
أن الإختلاف بين الأديان السماوية الواقعية في شرائط ومزايا لا في الجواهر
والأصول ((وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ))، أي ليس إختلاف أهل الكتاب بعضهم مع بعض وجيعهم مع المسلمين ((إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ )) فعرفوا الصحيح من السقيم والحق من الباطل وإنما إختلفوا ((بَغْيًا ))، أي حسداً ((بَيْنَهُمْ ))
فلم يقبل اليهود أن يرضخوا لعيسى (عليه السلام) حسداً، ولم يقبل النصارى
أن يؤمنوا بنبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حسداً، كما قال سبحانه
(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) ((وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ )) فلم يؤمن بها فلا يظن أنه ربح وتهنّأ بدنيا باقية بل خسر وذهبت دنياه وآخرته ((فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ))
يحاسب الكفار في الدنيا بأنواع من البلايا والمصائب كما قال (من أعرض عن
ذِكري فإنّ له معيشةً ضنكا) وفي الآخرة بما إقترفوه من الكفر والآثام،
والآخرة قريبة جداً فإن "من فاته اليوم سهم لم يفته غداً" قال الشاعر "ألا
إنما الدنيا كمنزل راكب أناخ عشيّاً وهو في الصبح راحل".


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

20

((فَإنْ حَآجُّوكَ )) يارسول الله وجادلوك في أمر التوحيد بعد وضوح الحجّة ((فَقُلْ )) لهم ((أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ ))
فأنا لا أعبد إلا الله سبحانه لا أتخذ له شريكاً، وإسلام الوجه كناية عن
الإسلام المطلق إذ تسليم الوجه إلى نحو يدل على تسليم القلب وسائر الجوارح ((وَمَنِ اتَّبَعَنِ))، أي الذين إتّبعوني هم أيضاً أسلموا وجوههم لله فقط دون غيره ((وَقُل )) يارسول الله ((لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أُعطوا الكتاب السماوي من اليهود والنصارى والمجوس ((وَ)) لـ ((الأُمِّيِّينَ )) من المشركين الذين لا كتاب لهم، وُسموا أمّيّين أما لجهلهم نسبة إلى الأم وأما لأنهم من أهل مكة -أم القرى- ((أَأَسْلَمْتُمْ ))، أي هل أسلمتم وجوهكم لله وحده -بلا جدال ونقاش معهم بعد ما تمّت عليهم الحجّة- ((فَإِنْ أَسْلَمُواْ )) وتشرّفوا بدين الإسلام ((فَقَدِ اهْتَدَواْ)) إلى الحق وإلى طريق مستقيم ((وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ )) أن تبلغهم الإسلام وليس عليك إجبارهم حتى لا يتولّوا وحتى لا يُعرِضوا ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) لا يفوته شيء من أعمالهم فهو يجازيهم بكفرهم وميثاقهم كما يجزيهم على إيمانهم وإطاعتهم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:43 pm


فسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

21


ثم
بيّن سبحانه أن أهل الكتاب كفروا بالله قديماً وقتلوا الأنبياء تسلية
للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يضيق صدره بتكذيبهم ولجاجتهم ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ )) فلا يقبلونها بعد وضوحها وعلمهم بها ((وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ )) فإن قتل النبي مطلقاً ليس بحق وإنما يأتي القيد إفادة لأنه لا حُجّة لهم في قتل الأنبياء حتى أنه ليس هناك حق مدّعى أيضاً ((وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل ((مِنَ النَّاسِ )) فإنّ أهل الظلم والباطل الذين تتمثّل فيهم القوة غالباً يقتلون من ينهاهم عن ذلك ويأمر بالقسط والعدل ((فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))
وكلمة البشارة إستهزاء أو بعلاقة إستعمال الضد في الضد كتسمية الزنجي
بالكافور والأعمى بالبصير، أو للمقابلة نحو (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم) فإنّ المؤمن يُبشّر بالثواب والكافر يُبشّر بالعقاب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

22

((أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) الخيرية فإن لكل إنسان أعمال خيرية وإن كان كافراً، ومعنى حبط العمل بطلانه وعدم إفادته ((فِي الدُّنْيَا )) فإن كفرهم سبّب هدر دمهم فعملهم الخير لم ينفعهم في حقن دمهم أو أعمال الخير التي تدفع البلايا والآفات لا تنفع مع الكفر والإنحراف ((وَالآخِرَةِ )) فلا تفيدهم أعمالهم الحسنة ثواباً كما قال سبحانه (وقَدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا) ((وَمَا لَهُم ))، أي ليس لهم ((مِّن نَّاصِرِينَ)) ينصرونهم من عذاب الله وسخطه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

23

((أَلَمْ تَرَ )) يارسول الله، ومعناه إفادة العلم بهذا الإستفهام ((إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ ))أُعطوا ((نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ))، أي بعضاً منه لأنهم بتحريفهم الكتاب قد فقدوا بعضه كما قال سبحانه (نسوا حظاً مما ذُكّروا به) ((يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ))
يدعوهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى كتاب الله ليجعل حكماً
بينهم وأن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حق أم لا فقد كان في التوراة
والإنجيل صفاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولذا كان يدعوهم إلى تحكيم
كتابهم في هذا الأمر لكنهم بم يكونوا يقبلون ((ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ))، أي يُعرض عن تحكيم الكتاب وإنما قال "فريق" لأن بعضهم دخل في الإسلام بعد ما تمت له الدلالة والإرشاد كعبد الله بن سلام وغيره ((وَهُم مُّعْرِضُونَ))
عن الحق وعن كتابهم، وفي بعض الأحاديث أن الآية نزلت في مسألة زنا وقع بين
يهودي ويهودية وكان حكمهما الرجم في التوراة ورجعوا إلى الرسول (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) لعله يحكم بغير ذلك فحكم الرسول بينهم بما فيالتوراة
فكرهوا ذلك.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

24

((ذَلِكَ )) الإعراض عن كتابهم وعن أوامر الله سبحانه ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ )) آمنوا العقوبة بما لفّقوه من الكذب حيث ((قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ ))، أي نار جهنم على فرض كفرنا وعصياننا ((إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ )) سبعة أيام أو أربعين يوماً، وهذه المدة قليلة فلا ينبغي ترك الشهوات والرئاسة لأجلها ((وَغَرَّهُمْ ))، أي خدعهم ((فِي )) باب ((دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ))، اي الذي إفتروه ونسبوه إلى الدين من أن النار أيام عديدة فقط خدعهم وغر|هم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

25

((فَكَيْفَ )) حالهم إذا إنكشف غرورهم ((إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ )) القيامة الذي ((لاَّ رَيْبَ فِيهِ ))، أي ليس محل إرتياب وشك ((وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ))، أي يُعطى كل إنسان جزائه وافياً غير منقوص ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) بل يجزون على حسب أعمالهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

26

وهنا
يتوجه السياق إلى كون المُلك لله فليس لأهل الكتاب أن يحسدوا الرسول
والمسلمين فيما أوتوا من حول وطول وعزة ومُلك وفي بعض الأحاديث أن الآية
نزلت بعدما بُشّر الرسول والمسلمين بأنهم يفتحون مُلك فارس والروم فاستهزأ
الكفار بذلك وقالوا أنّى يمون لمثل هؤلاء أن يسيطروا على تلك الدولتين
العظيمتين ((قُلِ )) يارسول الله ((اللَّهُمَّ ))، أي ياالله، والميم بدل عن حرف النداء ((مَالِكَ الْمُلْكِ )) مالك منصوب على أنه مناد مضاف، أي يامالك المُلك فكل شيء لك وحدك لا شريك وملك من عداك إنما هو مجازي إعتباري ((تُؤْتِي ))، أي تُعطي ((الْمُلْكَ مَن تَشَاء )) أن تعطيه ((وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء )) أن تنزع عنه من غير فرق بين أن يكون المُلك سلطاناً أو مُلكاً لشيء كالدار والعقار ((وَتُعِزُّ مَن تَشَاء )) أن تعزّه عزّة ظاهرية أو باطنية بالإيمان والطاعة ((وَتُذِلُّ مَن تَشَاء )) أن تذلّه ((بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فتقدر على الإعطاء والمنع وأن تعزّه وتذلّه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

27

((تُولِجُ ))، أي تُدخل ((اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ )) فيأخذ الليل مكان النهار، فيما ينقص اليوم ويزيد الليل، أو فيما إذا جاء الليل وذهب النهار، وهو كناية إذ ليس الإدخال حقيقة ((وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ )) بأحد المعنيين السابقين ((وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ )) كما يخرج النبات الحي من الحبّ الميت والأرض الميتة، أو يُخرج الجنين الحي من الأم الميتة كما قد تموت الأم ويخرج الولد منها حياً ((وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ))
كما يخرج الحب الميت من النبات الحي والبيضة الميتة من الدجاجة والولد
الميت من المرأة الحية إذا مات الجنين في بطنها، وفي التأويل إخراج المؤمن
من الكافر والكافر من المؤمن ((وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء )) من عبادك وخلقك ((بِغَيْرِ حِسَابٍ))، أي بغير تقتير كما يُقال "فلان ينفق بغير حساب" أو بلا حساب من المنفق عليه وإن كل شيء عنده تعالى بحساب.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

28

وحيث ثبت أن المُلك بيد الله والعزّة والذلّة منه فـ ((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء )) بأن يصادق المؤمن الكافر بزعم أن ينفعه لأن بيد الكافر الملك أو أنه يسبّب عزّته وشوكته ((مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ ))، أي من دون أن يتخذ المؤمنين أولياء بل اللازم أن يتخذ المؤمن المؤمن ولياً ويتخذ الكافر عدواً ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ )) الإتخاذ للكافر ولياً ((فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ))، أي ليس ذا قدر عند الله سبحانه ((إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً )) ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ))، أي يخوّفكم الله من نفسه فإنّ من يتّخذ الكافر ولياً يشمله عقاب الله سبحانه ((وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ))، أي المرجع فمن عصاه يجازيه بالنار والعذاب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:44 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

29


((قُلْ )) يارسول الله للمسلمين ((إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ ))، أي نواياكم وما في قلوبكم، كما إتخذتم الكافر ولياً في قلبكم مما لم يعلم به الناس ((أَوْ تُبْدُوهُ ))، أي تظهروه ((يَعْلَمْهُ اللّهُ )) فإنه العالم بالنوايا وما في الصدور ((وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ )) فهو العالم بكل شيء فكيف لا يعلم ما في صدوركم ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
فهو العالم بالنوايا والقادر على العقاب فمن الجدير بالمسلم أن لا يتّخذ
الكافر ولياً أو المؤمن عدواً حتى في قلبه إذ يعلمه الله ويقدر على عقابه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

30

إذكروا أيها الناس ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ))،
أي تجد كل أعماله الخيرية كما قال سبحانه (ووجدوا ما عملوا حاضرا) ومعنى
حضور العمل حضور حساباتها وثوابها وعقابها أو تجسّم الأعمال -كما ذهب إلى
ذلك بعض- ((وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ ))، أي تجد أعماله السيئة حاضرة ((تَوَدُّ )) تلك النفس العاصية ((لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا ))، أي بين النفس ((وَبَيْنَهُ))، أي بين ما عملت من سوء ((أَمَدًا بَعِيدًا ))، أي مكاناً بعيداً تشبيه بالأمر المحسوس فكما أن المتباعدين لا يتلاقيان فعلاً كذلك لو كان العمل السيء بعيداً عن عامله ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ)) حتى تخافوا من عقابه فتتّقوه (( وَاللّهُ رَؤُوفُ )) ذو رأفة ورحمة ((بِالْعِبَادِ)) ومن رأفته يحذّركم عن المعاصي حتى لا يأخذكم وبالها وعاقبتها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

31

((قُلْ )) يارسول الله ((إِن كُنتُمْ )) أيها المسلمون، أو ياأهل الكتاب ((تُحِبُّونَ اللّهَ )) حقيقة وتصدّقون في مقالتكم هذه ((فَاتَّبِعُونِي )) فيما آمر وأنهي ((يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )) فإنّ الله لا يحب إلا من تَبِعَ رسوله في أوامره ونواهيه وإلا مجرد دعوى حب الله بلا شاهد وحقيقة لا يكفي في حب الله تعالى للمدّعي ((وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) فإنّ مَن أحسن واتّبع الرسول يغفر ذنبه ويمحي سيّئته ((وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) بعباده.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

32

((قُلْ )) يارسول الله ((أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ ))
وإطاعة الله سبحانه هي إطاعة الرسول، لكن ذكر ذلك تعظيماً للأمر وإردافاً
لإطاعة الرسول بذلك كما قال (فإنّ لله خُمُسه وللرسول) مع إن خُمس الله
إنما هو للرسول، ويحتمل أن يكون ذِكر الله والرسول لإفادة وحدة الجهة أي
إنّ الله والرسول لهما إطاعة واحدة فهو من قبيل "أطِع العلماء" لا من قبيل
"أطِع العالِم" أو "أطِع أباك" ((فإِن تَوَلَّوْاْ )) وأعرضوا فلم يطيعوا ((فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)) الذين يُعرضون عن أوامر الله وأوامر رسوله، ومعنى "لا يحبهم" أنه يُبغضهم لا النفي للحب فقط المجامع لعدم البغض.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

33

وحيث
أن الكلام حول وحدة الدين وأنه هو الإسلام والتعريض بالكفار وأخيراً إنتهى
المطاف إلى ميزان حب الله سبحانه ناسب السياق ذكر بعض الأفراد الذين
إختارهم الله سبحانه أليسوا هم جميعاً قادة دين واحد المنتهى إلى المسلمين
فمن اللازم أن يعرفوهم ويقدّروهم، فقال سبحانه ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ))، أي إختار لرسالته ووحيه وجعلهم أنبياء مرشدين ((آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ )) الأنبياء الذين من نسله إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ((وَآلَ عِمْرَانَ )) موسى وهارون (عليهما السلام) ((عَلَى الْعَالَمِينَ))
وإنما خصّص هؤلاء الأنبياء لكون آدم أبو البشر ونوح وآل عمران بما فيهم
إبراهيم -فإنه يُقال آل فلان للأعم منه ومن آله- وآل عمران الذين فيهم
الأنبياء أولوا العزم هم مدار الرسالات العالمية.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

34

حال كون نوح وآل إبراهيم وآل عمران ((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ))
في أداء الرسالة ومناصرة الدين وإرشاد الناس، فإنّ من خرج عن دين آبائه
ليس منهم كما قال سبحانه (إنه ليس من أهلك) بخلاف من اتّبع آبائه ((وَاللّهُ سَمِيعٌ )) لما تقوله الذرّيّة ((عَلِيمٌ))
بضمائرهم وأعمالهم ولذا فضّلهم على من سواهم أن هؤلاء الأنبياء كلهم ذووا
خصائص واحدة موروثة من جدهم آدم (عليه السلام) مما تؤهلهم لحمل الرسالة
الواحدة التي هي الإسلام.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

35

وفي
هذا الجو يأتي ذكر والدة عيسى (عليهما السلام) وأنها كيف كانت طاهرة زكية
بحيث أُهِّلت لإيداع النبي العظيم عندها، إذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ )) وهي "حنّة" جدة عيسى (عليه السلام) من الأم ((رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ))
وذلك حين حملت لم تكن تعلم أنها أنثى فنذرت أن تجعل ما في بطنها لخدمة
المسجد، ومعنى المرّر الفارغ من الأعمال الدنيوية الصارف جميع أوقاته في
خدمة بيت الله سبحانه، وهكذا كان قلب أم مريم عامراً بالإيمان بالله جاعلة
أعزّ شيء لديها لله وفي خدمة عباد الله ((فَتَقَبَّلْ مِنِّي)) نذري (( إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ )) لدعائي ((الْعَلِيمُ)) بما في ضميري من صدق وإخلاص.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

36

((فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ))، أي وضعت إمرأة عمران جنينها خاب ظنها ورأت أنها أنثى فـ ((قَالَتْ )) في يأس وتبتّل ((رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى )) والأنثى لا تصلح للخدمة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ )) فإنّ الله كان يعلم ذلك منذ كانت جنيناً في بطنها بينما هي لم تعلم إلا بعد الوضع ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ))
فالذكر يأتي منه الخدمة ولابأس بحشره في مكان العبادة في المسجد بخلاف
الأنثى إذ لا تلائم الرجال ولا تلائم عادتها النسائية المسجد، ثم قالت ((وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ))، أي جعلت إسمها "مريم" وهي في لغتهم بمعنى العابدة ((وِإِنِّي أُعِيذُهَا ))، أي أجعلها في حفظك وحراستك ((بِكَ وَ)) أُعيذها ((ذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، أي المرجوم باللعن والمطرود عن الخير.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

37

((فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا ))، أي تقبّل الله سبحانه مريم مع أنوثتها ((بِقَبُولٍ حَسَنٍ )) حيث قدّر لها السعادة وأن يجعل منها عيسى المسيح (عليه السلام) ((وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ))، أي جعل نشؤها نشئاً حسناً بالفضيلة والأخلاق والعفة والطهارة ((وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ))،
أي جعل الله سبحانه كفيلها زكريا وكان زوج خالة مريم وهو من أنبياء الله
سبحانه فإنّ أم مريم ذهبت بها إلى المسجد وسلّمتها إلى الأحبار فتنازعوا في
كفالتها حتى اقترعوا عليها وخرجت القرعة باسم زكريا فكانت مريم تخدم في
صِغرها المسجد حتى إذا بلغت مبلغ النساء إنفصلت عنهم في غرفة خاصة بها بنى
لها زكريا في وسط المسجد عالية لا يمكن الوصول إليها إلا بسلّم وكان يأتي
بحوائجها كل يوم وكان من غريب أمرها أنه ((كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ )) وهي غرفتها، وسمّي محراباً لأنه محل محاربة النفس والشيطان ((وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً )) فاكهة في غير حينها ((قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا))، أي من أين لكِ هذا الرزق ((قَالَتْ )) مريم ((هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ )) أرسله إليّ الله تعالى من الجنة كرامة لي ((إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ))، أي بغير تقتير أو محاسبة من المرزوق.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:44 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

38


((هُنَالِكَ )) الذي رأى زكريا إكرام الله سبحانه لمريم نحو خرق العادة من إرسال الفاكهة إليها ((دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ))، أي من عندك ((ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ))، أي نسلاً صالحاً ((إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)) وكان زكريا مأيوساً من الأولاد حيث كبر وشاخ وكانت إمرأته عاقراً لكن طلب ودعا مريداً على وجه الإعجاز وخرق العادة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

39

((فَنَادَتْهُ ))، أي فنادت زكريا ((الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ))
أما المراد المحراب أو نفس المسجد، وسمي محراباً لأنه محل محاربة الشيطان
والنفس حيث يريدان صرف الإنسان إلى الدنيا والمسجد يصرفه إلى الآخرة ((أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى )) سمّاه سبحانه بهذا الإسم قبل الولادة في حال كونه ((مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ ))
والمراد بالكلمة عيسى (عليه السلام)، أي أن يحيى يصدّق نبوّة عيسى، وأنما
سمّي عيسى (عليه السلام) كلمة الله لأنه كان بإلقاء الله إياها إلى مريم،
كما تُلقى الكلمة من الفم ((وَسَيِّدًا ))، أي ذو سيادة وشرافة ((وَحَصُورًا ))
يحصر نفسه عن الملذّات، أو عن النساء خاصة بمعنى أنه (عليه السلام) كان
زاهداً، وكون حصور مدحاً ليحيى (عليه السلام) لأسباب خاصة لا ينافي إستحباب
الزواج في الشرائع ((وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)) الذين يُصلحون ولا يكن فيهم فساد كما هو شأن جميع الأنبياء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

40

فاستفسر زكريا (عليه السلام) عن كيفية حصول الولد هل يرزقه وهما على ما هما عليه من الحالة أم تتبدّل حالتهما ((قَالَ )) زكريا في جواب الملائكة سائلاً عن الله سبحانه ((رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ))، أي كيف يكون لي ولد ((وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ))، أي الشيخوخة ((وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ )) ليس لها قابلية الولادة ((قَالَ )) المَلَك في جوابه ((كَذَلِكَ ))، أي كالحال الذي أنتما عليه من الكِبر والعقر ((اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)) فإنه قادر على كل شيء.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

41

((قَالَ )) زكريا (عليه السلام) ((رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً ))،
أي علامة أُعرف بها وقت الحمل لأزيد شكراً وسروراً أو علامة أعرف بها
إستجابة دعائي ليطمئن قلبي وأجده محسوساً ملموساً بعدما وجدته سماعاً
بالبشارة ((قَالَ )) المَلَك، أو الله سبحانه يخلق الصوت في الفضاء ((آيَتُكَ ))، اي الدليل على ذلك ((أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ))، أي لا تقدر على التكلم معهم كلما توجّهت إليهم بالكلام يُعقد لسانك ((ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا )) بالإشارة باليد والرأس ((وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا )) فإن سانك لا ينعقد عن الذكر والتسبيح لله سبحانه ((وَسَبِّحْ ))، أي نزِّه الباري تعالى ((بِالْعَشِيِّ )) آخر النهار ((وَالإِبْكَارِ)) أول النهار، من أبكر فهو إسم مفرد لا جمع.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

42

ثم رجع السياق إلى بقية قصة مريم (عليه السلام) حيث كانت قصة زكريا (عليه السلام) توسط في الموضوع لمناسبة ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ)) إختاركِ لعبادته وإطاعته وأن تكوني وعاءً لنبيّه ((وَطَهَّرَكِ )) من الآثام والذنوب والأدناس والعادات النسائية ((وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ))
وكرّر الإصطفاء تأكيداً ومقدّمة لذكر نساء العالمين فليس الإختيار لها من
جملة مختارات وإنما هي مختارة على سائر نساء زمانها وعوالمها لا كل
العالمين فإن فاطمة (عليه السلام) هي المختارة المطلقة على جميع النساء،
وقد تقدّم أن مثل هذه العبارة تُقال مُراداً بها العوالم لا كل العوالم كما
يُقال أن الدولة الفلانية أقوى جميع الدول يُراد الدول المعاصرة لها لا كل
دولة في العالم أتت أو تأتي.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

43

((يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي )) القنوت الخضوع والإخلاص في العبادة ((لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ))، اي في جملة الذين يركعون لله سبحانه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

44

((ذَلِكَ )) الذي تقدّم من قصص مريم وزكريا ويحيى ((مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ ))، أي الأخبار الغائبة عن الحواس فإنّ كل شيء غاب عن الحواس يسمى غيباً ((نُوحِيهِ إِلَيكَ ))،
أي نُلقيه عليك ليدلّ على أنك من المرسلين فإن الإخبار عما لم يحضره
الإنسان ولم يعلمه من طريق التاريخ يدلّ على كونه يالإعجاز وخارق العادة ((وَمَا كُنتَ )) يارسول الله ((لَدَيْهِمْ ))، أي عند الأحبار والمعاصرين لمريم (عليها السلام) ((إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ )) التي بها كانوا يكتبون التوراة ((أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ))
فإن زوجة عمران لما أتت بمريم إلى المسجد إختلفت الأحبار في من يكفلها
لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم فقال لهم زكريا : أنا أحق بها لأنّ
خالتها عندي فقالت له الأحبار أنها لو تُركي لأحقّ الناس بها لتُركت لأمها
التي ولدتها ولكن نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه فانطلقوا وهم تسعة
وعشرون رجلاً إلى نهر جارٍ فألقوا أقامهم في الماء فأبرز قلم زكريا وارتفع
فوق الماء ورسبت أقلامهم ولذا أخذها زكريا ((وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)) في شأنها وأن أيّهم يكفلها.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

45

واذكر يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ )) مخاطبة لمريم (عليه السلام) ((يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ))، أي بولد هو كلمة الله تُلقى عليك ويخرج منك بصورة عيسى المسيح (عليه السلام) ((اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) قيل سمّي مسيحاً لأنه كان يمسح الأرض ويسير فيها، وذكر في الكلام أمه دحضاً لمن يفترس قائلاً أنه إبن الله، في حال كونه ((وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))، أي ذا جاه وقدر وشرف ((وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)) لله تعالى قرب شرف وجاه لا زمان ومكان.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

46

((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ))، أي في حال كونه صغيراً قبل أوان تكلّم الأطفال، والمهد هو الموضع الذي يوضع فيه الطفل ويُهزّ من خشب أو حديد أو ثوب أو نحوها ((وَكَهْلاً ))، أي يكلمهم كهلاً بالوحي، والكهل ما بين الشاب والشيخ، أو يُراد الإخبار عن بقائه إلى ذلك الوقت ((وَمِنَ الصَّالِحِينَ)) الذين فيهم الصلاح دون الفساد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:45 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

47


((قَالَتْ )) مريم لما سمعت هذا النبأ المدهش ((رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ))، كيف يمكن أن ألِد ولداً ((وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ))، أي لم يقترب منّي على نحو النكاح فإنها كانت دون زوج ((قَالَ)) المَلَك في جواب مريم ((كَذَلِكِ ))، أي هكذا بدون المس الزوج ((اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء )) فإنه ليس بخارج عن قدرة الله سبحانه ((إِذَا قَضَى أَمْرًا )) أراد خلقه وتكوينه ((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ : كُن)) قولاً أو إرادة بدون تلفّظ ((فَيَكُونُ)) في الخارج، فإنّ الله يوجِد الأشياء بصرف الإرادة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

48

((وَيُعَلِّمُهُ ))، أي يعلّم الله سبحانه ((الْكِتَابَ ))، أي الكتابة أو مطلق الكتاب المنزل من السماء ((وَالْحِكْمَةَ )) حتى يكون حكيماً يعرف مواضع الأشياء أو المراد بالحكمة علم الشرائع من الحلال والحرام وسائر الأحكام ((وَالتَّوْرَاةَ )) وهو كتاب موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ)) وهو الكتاب الذي أُنزل على المسيح بنفسه، وقد ذكروا أن معنى التوراة : التعليم والبشارة، ومعنى الإنجيل : البشارة والتعليم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

49

((وَ)) نجعله ((رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ))
لإرشادهم من الضلالة إلى الحق، وهنا إنتقل السياق إلى كلام عيسى (عليه
السلام) الذي كان يتكلم به بعد النبوة، فكان يقول لبني إسرائيل ((أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ))، أي بمعجزة وعلامة تدل على صدق دعواتي للنبوة وأني رسول إليكم ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم ))، أي أصنع لأجلكم ((مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ))، أي على سورة الطائر ((فَأَنفُخُ فِيهِ ))، أي في الطائر المصنوع من الطين ((فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ )) وإرادته وقدرته، فصنع صورة خفاش من الطين ونفخ فيه فطار ((وَأُبْرِىءُ ))، أي أُشفي ((الأكْمَهَ )) الذي وُلد أعمى أو مطلق الأعمى ((والأَبْرَصَ )) الذي أُصيب بمرض البرص وهو الوضح ((وَأُحْيِي الْمَوْتَى)) كل ذلك ((بِإِذْنِ اللّهِ )) فكان يقف على القبر ويقول للميت : قم بإذن الله، فيقوم ينفض عن جسمه الغبار كأنه لم يمت أصلاً ((وَأُنَبِّئُكُم ))، أي أُخبركم ((بِمَا تَأْكُلُونَ )) إخباراً عن الغيب ((وَمَا تَدَّخِرُونَ )) من الإدّخار ((فِي بُيُوتِكُمْ )) فكان يقول للشخص تغذّيت بكذا أو حفظت لليل كذا ((إِنَّ فِي ذَلِكَ )) الذي ذكرت من المعجزات ((لآيَةً )) معجزة دالة على صدقه ((لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالله وإنما يقيّد بالإيمان لأن من لا يؤمن بالله سبحانه لا يمكن أن يفرّق بين المعجزة والسحر.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

50

((وَ)) ذلك في حال كونه ((مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ ))، أي ما تقدّم عليّ وأُنزل قبلي ((مِنَ التَّوْرَاةِ)) فإنه من أسباب لزوم تصديقي حيث لا أُبطل كتاب بني إسرائيل ((وَلِأُحِلَّ لَكُم )) يابني إسرائيل ((بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )) في شريعة موسى (عليه السلام) وهذا التحليل إنما كان لإنقضاء ظرف التحريم ((وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ))،
أي بحجة تشهد بصدقي وأني من قِبَل الله سبحانه، وهي أما إجمال لما فُصّل
في الآية السابقة جمعاً لأعماله (عليه السلام) في الأمور الثلاثة : التصديق
والتحليل والإعجاز، وأما يُراد به آية أخرى لم تُذكر في القرآن ((فَاتَّقُواْ اللّهَ )) وصدِّقوا برسالتي ((وَأَطِيعُونِ)) فيما أمركم به وأنهاكم عنه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

51

((إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )) فلست أنا إبناً له، قال ذلك رداً على النصارى الذين إتخذوه إلهاً ((فَاعْبُدُوهُ )) وحده ولا تعبدوا من دونه الشركاء كما عبدت اليهود عزيراً وعبدت النصارى المسيح ((هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)) لا إعوجاج له ولا إنحراف بخلاف سائر الطرائق التي هي طرق معوجّة منحرفة زائغة.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

52

وبعد هذه الحجج لم يزدد بني إسرائيل إلا عناداً وإستكباراً ((فَلَمَّا أَحَسَّ )) من الحس، أي وجد ((عِيسَى )) (عليه السلام) ((مِنْهُمُ الْكُفْرَ )) وأنه لم تنفعهم الحجة والدليل ((قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ )) الذين ينصرون ديني للوصول إلى ثواب الله تعالى إذ المسلم يقطع طريق الوصول إلى الله لينتهي إلى ثوابه ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ )) هو جمع حواري من الحور بمعنى شدة البياض وسمّي خاصة الإنسان بالحواري لنقاء قلبه وصفاء باطنه ((نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ )) الذين ننصر دينه ونتابعك على ما أنت عليه ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه شرك ((وَاشْهَدْ )) ياعيسى ((بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) في أدياننا.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

53

ثم توجّهوا إلى الله سبحانه داعين قائلين ((رَبَّنَا ))، أي ياربنا ((آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ )) على رسولك عيسى (عليه السلام) ((وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ )) فيما أمَرَ ونهى ((فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ))
الذين يشهدون على الأمم كما قال سبحانه (لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا) فالرُسُل شهداء على أصحابهم وهم شهداء على سائر الناس.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

54

ذلك كان قول أنصار عيسى والمؤمنين به أما الكفار الذين جحدوه وأنكروه فلم يؤمنوا ((وَمَكَرُواْ )) لعيسى (عليه السلام) بأن يقتلوه ((وَمَكَرَ اللّهُ ))
بإنقاذه منهم وقتل كبيرهم عوضه، والمكر لغة بمعنى تطلب العلاج لأمر ما
والغالب يُستعمل في الشر، ولعل نسبة المكر هنا إلى الله سبحانه للمقابلة
نحو قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) مع أن الله سبحانه ليس له
نفس ((وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ))
لأنه أعرف بطرق العلاج، وفي بعض التفاسير أنه لما أراد مَلِك بني إسرائيل
قتل عيسى (عليه السلام) دخل خوخته وفيها كوّة فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى
السماء وقال الملِك لرجل خبيث من الكفار أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة
فألقى الله عليه شبه عيسى (عليه السلام) فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في
البيت فقتلوه بظن أنه عيسى وكان قتله على نحو الصلب وكلما صاح أنه ليس
بعيسى لم يُفد.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

55

واذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ اللّهُ )) أو ذاك إذ قال، أو ومكر الله إذ قال ((يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ))،
أي آخذك وافياً فإن معنى توفّاه أخذه وافياً ويُقال : توفى الله فلان حين
يأخذ روحه وافية من الوفاء وهو في أخذ الروح والجسد أقرب إلى الحقيقة من
أخذ الروح فقط فإنه بعلاقة الكل والجزء، أي أخذك ((وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ))
فإنه (عليه السلام) رُفع إلى السماء الرابعة كما في بعض الأحاديث، وقد
يُظن أذ ذلك ينافي ما اشتُهر في العلم الحديث من عدم سماوات ذات حجوم لكنه
ظن غير تام إذ السماء حتى لو كان يُراد بها المدار -كما هو معناه لغة- تكون
هناك سماوات وللتوضيح راجع "الهيئة والإسلام" تأليف العلامة الشهرستاني ((وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ))
فإنهم أرجاس أنجاس فكما أن الجسم المحاط بالنجاسة إذا غُسل يطهر عنها كذلك
إن الإنسان الطيب في أُناس كفرة عصاة إذا خرج من بينهم كان تطهيراً له في
المعنى عن لوثهم وكفرهم ((وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ )) من النصارى ((فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك من اليهود ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) وهذا من معاجز القرآن الحكيم فإنّ النصارى دائماً فوق اليهود إلى يومنا هذا وسيكونون كذلك إلى يوم القيامة ((ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ )) جميعاً أنت وأصحابك والكفار، وذلك يوم القيامة ((فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) من التوحيد والشرك ومن كونك نبيّاً وسائر الأصول والفروع التي كنتَ تنادي بها وتبشّر من أجلها وكانت اليهود يكفرون بها.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
ابن البارون
عضو مميز

عضو مميز
ابن البارون


تقريب القران الى الذهان Get-6-10
تقريب القران الى الذهان Get-7-10
عدد المشاركات : 1123
نقاط : 1231
تاريخ التسجيل : 05/04/2011
العمــــــــــر : 34
الموقع : lموقعي مــنتديأت الرفعهّ

تقريب القران الى الذهان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تقريب القران الى الذهان   تقريب القران الى الذهان Emptyالجمعة أبريل 15, 2011 5:46 pm


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

56


((فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك وبما جئتَ به ((فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا ))
بضرب الذلة والمسكنة عليهم وأنهم دائماً تحت حكم أصحابك وأنه لا تقوم لهم
دولة إلا بحبل من الله وبحبل من الناس وأنهم مكروهون منفورون أبد الآبدين ((وَالآخِرَةِ )) بإدخالهم ناراً أحاطت بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل ((وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) ينصرونهم من بأس الله وعذابه.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

57

((وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) بك وبما بشّرتَ به ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ )) مما أمرناهم به واجتنبوا عن المحرّمات، فإنه لا يُقال يعمل فلان الصالحات إلا إذا إجتنب الآثام إلى جنب إتيانه بالواجبات ((فَيُوَفِّيهِمْ ))، أي يعطيهم الله ((أُجُورَهُمْ )) كاملة غير منقوصة فإن الوفاء إعطاء المطلوب كاملاً ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا بالكفر أو بعدم العمل الصالح.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

58

((ذَلِكَ )) ابمذكور هنا من إخبار زكريا وعيسى ويحيى ومريم (عليهم السلام) ((نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ))، أي نقرأه عليك بسبب الوحي ((مِنَ الآيَاتِ ))، أي من جملة الآيات والحجج الدالة على صدقك وأنك نبي يوحى إليه ((وَ)) من ((الذِّكْرِ )) إلى القرآن ((الْحَكِيمِ)) المحكم الذي لا يتطرق إليه بطلان أو زيغ.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

59

وهنا تتهيّأ النفوس لإدراك حقيقة عيسى هل كان بشراً وكيف وُلد من غير أب فقال سبحانه ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ )) فليس ولادة عيسى من غير أب عجيباً وبدعاً ولا يدل ذلك على أنه رب فآدم أعجب منه أليس الله سبحانه ((خَلَقَهُ ))، أي خلق آدم ((مِن تُرَابٍ )) صنعه وجسّده ((ثِمَّ قَالَ لَهُ : كُن )) إنساناً حياً ((فَيَكُونُ))
كما قال، ومقتضى القاعدة أن يُقال "فكان" إلا إن هذه الجملة أخذت صِبغة
المثالية نحو "الصيف ضيّعت اللبن"، ولذا يُؤتى بها على لفظها وقد تقدّم أن
كلمة "كن" تعبّر عن الإرادة الأزلية لا أن في اللفظ خصوصية.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

60

((الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ )) يارسول الله، أي إن قصة عيسى هكذا أو خلقه كذلك حق من ربك ((فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ))،
أي من الشاكين فإنّ "إمترى" بمعنى شكّ والخطاب وإن كان للرسول لكنه عام
لكل أحد، ومن المعلوم أن توجيه الخطاب لا يلازم إحتمال وجود الصفة، وإنما
أكّد البيان بجملة "فلا تكن" لكثرة الشك والتشكيك لدى الناس في مختلف شؤون
عيسى (عليه السلام) .


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

61

((فَمَنْ حَآجَّكَ )) وجادلك يارسول الله ((فِيهِ ))،
أي في عيسى قائلاً أنه ليس بشراً وإنما هو رب إنفصل عن الرب ونزلت الآية
في وفد نجران من المسيحيين الذين جائوا للمجادلة مع الرسول (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) ولم تنفعهم الحجة والدليل فقرر الطرفان أن يخرجوا إلى الصحراء
ليدعو كل من الطرفين على الكاذب فخرج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
يوم الموعد مع علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فلما رأتهم
النصارى أحجموا وقال كبيرهم أني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يُزيل جبلاً
من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى
يوم القيامة وقال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : "والذي نفسي بيده
لو لاعنوني لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم ناراً ولما حال
الحول على النصارى حتى يهلكوا ((مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ )) حول قصة عيسى (عليه السلام) ((فَقُلْ )) لهم يارسول الله ((تَعَالَوْاْ ))، أي هلمّوا إلى حجة أخرى ليست محل نقاش وجدال ((نَدْعُ ))، أي يدعو كل طائفة منّا ((أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا ))، أي بمنزلة أنفسنا ((وأَنفُسَكُمْ ))، أي من هو بمنزلة أنفسكم، والمراد دعوة كل طرف خواصّه ومن يقترب إليه من الأبناء والنساء ومن هو بمنزلة نفسه ((ثُمَّ نَبْتَهِلْ ))
الإبتهال طلب اللعنة من الله سبحانه، أي ندعو كل طائفة على الآخر قائلين :
لُعن الكاذب، وقد يُستعمل الإبتهال بمعنى مطلق الدعاء خيراً كان أو شراً ((فَنَجْعَل )) في إبتهالنا ((لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ))
وقد أجمع المفسرون أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يخرج معه إلا
إبنيه الحسن والحسين وبنته فاطمة وإبن عمه علياً (عليهم الصلاة والسلام).


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

62

((إِنَّ هَذَا )) الذي أوحينا إليك في أمر عيسى وغيره ((لَهُوَ الْقَصَصُ )) جمع قصة ((الْحَقُّ )) الذي لا كذب فيه ولا زيغ ((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ )) فليس عيسى إلهاً كما يزعم النصارى ((وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ )) في سلطانه ((الْحَكِيمُ)) في أفعاله فلا يتخذ البشر إبناً له كما يقول اليهود والنصارى.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

63

((فَإِن تَوَلَّوْاْ )) وأعرضوا مصرّين على عقائدهم الفاسدة ((فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ)) الذين يُفسدون عقائد الناس وأعمالهم فإنهم لا يفوتونه سبحانه بل هم بعلمه وسيجازيهم بأعمالهم وأفعالهم.


تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

64

وحيث إنتهى السياق من قصص عيسى (عليه السلام) تناول الحديث حول أهل الكتاب وإنحرافاتهم للعلاقة الوثيقة بين الموضوعين فقال سبحانه ((قُلْ )) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ)) والمراد بهم اليهود والنصارى ((تَعَالَوْاْ ))، أي هلمّوا نجتمع جميعاً ((إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ))، أي إلى كلام عدل لا ميل له ونحن جميعاً نعترف به ولا ندع ما سوى ذلك ما لم يدل عليه دليل ((أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ )) فإن العبادة لا تجوز إلا له إذ هو الذي خلق الكون ((وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا )) من إنسان أو حيوان أو جماد كما يصفه المشركون ((وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً ))، أي بعض البشر ((أَرْبَابًا )) وآلهة ((مِّن دُونِ اللّهِ ))
كاتخاذ النصارى المسيح إلهاً أو المراد إتخاذ الأحبار والرهبان آلهة في
الإطاعة فيما خالف الله سبحانه كما قال (إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباَ)
((فَإِن تَوَلَّوْاْ ))، أي أعرضوا عن ذلك ((فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) لله وحده نتّبع طريقه ولا نبتغي غير الإسلام ديناً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrfeh.mam9.com/
 
تقريب القران الى الذهان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 4انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3, 4  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» القران الكريم
» تفسير نور الثقلين في القران
» صفات مدحها القران
» سين وجيم في القران الكريم
» الاعجاز العلمي في القران الكريم ( مركز الكذب في المخ )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دردشه ومنتديات الرفعة :: المنتدى الاسلامي :: ₪₪ الاعجاز العلمي في القران الكريم ₪₪-
انتقل الى: