بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني وأخواتي الكرام
من مشاهداتي للطريقة التي تُكتب فيها الخاطرة في منتدانا
سواءاً المبتدعة أو المنقولة
وللإفادة لكم ولتسمو كتاباتنا في هذا الصرح العظيم
أحببتُ أن أعرض لكم بعض مزايا هذا الفن العظيم وهو مما قرأت وأطلعت
ومما كان لي فيه من خبرة متواضعة
و أبدأ بقول الإستاذ الأديب علي الطنطاوي في مقدمة كتاب
" صيد الخاطر" للكاتب " ابن الجوزي":
(( إنَّ الخواطر لا تفتأ تمرُّ على الذهن كأنّها الطيور التي تجوز
سماء الحقل ، تراها لحظةً ثمَّ تفتقدها ، فكأنك ما رأيتها ،
فإذا أنت اصطدتها و قيّدتها ملكتها أبداً ..
و لو أنَّ كلَّ عالم بل لو أنَّ كلَّ متعلّم قيّد ما يمر بذهنه من الخواطر
لكان من ذلك ثروة له و للناس: يعود هو بعد سنين إلى ما كتب
فيرى فيها تاريخ تفكيره و يجد فيه ما افتقد من نفسه
و الإنسان أبداً في تبدّل ، يذهب منه شخص و يُولد شخص،
و حينما تقرأ وأنت( شيخ) خواطرك التي سجّلتها وأنت( شاب)
تجد شيئاً غريباً عنك ، كأنَّك ما كنت أنت صاحبه
و كأنَّه خطر على بال غيرك، ثمَّ إنه إن كان عالماً أو مفكِّراً
كان من هذه الخواطر كتاب علمٍ و فنٍ و أدب))
و لعلَّ ابن الجوزي الذي سمى كتابه " صيد الخاطر "
و الامام ابن دقيق العيد الذي سمى كتابه " قنص السوانح "
صوراً لنا بإيجاز بليغ كُنه الخاطرة
و عليه فالخاطرة لمحة ذهنية عارضة أو طارئة تحتاج من الكاتب
إلى الذكاء و قوّة الملاحظة و يقظة الحس و دقّة التعبير
لأنه يتناول أشياء عادية يقدّمها في أسلوب فني جميل يلفت إليها نظر القارئ
في قوّة فيعطي معها الدلالات الكبيرة حتى يرى القارئ فيها رؤى جديدة
و من هنا تأتي أهميتها.
و هي ليست فكرة تُعرض من كل الوجوه بل هي مجرد لمحة
و ليست كالمقالة مجالاً للأخذ و الرد، و لا تحتاج إلى الأسانيد و الحُجج القويّة
لإثبات صدقها فهي فكرة لا تحتمل الاتفاق أو الاختلاف
و ليس للخاطرة مجالات محدودة لأنها سبحات فكريّة في الكون
و مصائر المخلوقات و لا تخضع في عرضها لتقليد خاص
و لا تتوقف بالضرورة على حدود مرسومة في تناول فكرتها.
و ليس للخاطرة قالبٌ فنيٌّ جاهزٌ تُصبُّ فيه ، بل إنَّ لكل كاتبٍ منهجه الخاص
في العرض ، لكنَّ الأمور التي يُتفق عليها عدم تقييد الخاطرة
بالوزن الذي يؤذي انسيابية الخاطرة و يبدو كأشواكٍ تُزرع
في طريق القارئ إلا إذا جاء بعض ذلك مصادفةً و بشكل عفوي .
و تعتمد الخاطرة في تكوينها على التكثيف و الدقة في إصابة المعنى
و إنَّ الإطالة و تكرار الألفاظ و المعاني و التفاصيل التي
لا تخدم المسار العام للخاطرة يؤدي إلى بلبلة القارئ و صعوبة رؤيته للهدف الذي أراد الكاتب إصابته.
إلا إذا كان طول الخاطرة سببه طرح أفكارٍ جديدة غير مكررة و غير مملة و كان الطول يخدم الموضوع فعلاً
و لا يتمُّ التأثير إلا به.
و من أهم كتّاب الخاطرة د. أحمد أمين " فيض الخاطر" – جبران خليل جبران-
ميخائيل نعيمة – صدقي اسماعيل – فارس زرزور –
عبد البر عيون السود و كثيرون غيرهم
و بعض نثر أبو حيان التوحيدي و ابن الجوزي يمكن أن يمثّل خواطر
رفيعة المستوى فكرةً و شكلاً .
وتعتبر الخاطرة فن أدبي كغيرها من الفنون الأدبية متشابهة
مع القصة والرسالة في مضمونها والأسلوب الناجح لكتابتها بشكل جيد
متقارب إلى حد كبيرمع أساليب القصة والرسالة والقصيدة النثرية....
وما يميّز الخاطرة بأنها غيرمحددة دائماً برنم أو وزن موسيقي معين أو قافية
شلاّل الشعور الدافئ , وفن التعبيرالأدبي هو موهبة وملكه من عند الله
ولكن لا يمنع أن ننوه ببعض النقاط التي سوف تعين على
معرفة أسلوب الخاطرة الناجحة :
1- الوضوح في الأسلوب :
من شروط النجاح فيجب أن يكون الأسلوب واضحاً ومصدر هذا هو
عقلية الكاتب بشرط أن لايكون الوضوح تاما لأنه يسلب الإثارة والدهشة
والتفاعل مع الخاطرة والوضوح يكون في اختيار الكلمات المؤدّية
للغرض بحيث تكون دقيقة
2-العقدة والمغزى :
عندما تحوي الخاطرة هدف معين وتكون ذات معنى يكون هذا
داعياً أكبر لكي تحوي الخاطرة في عمقها أحداث متسلسلة وروح حركية
تحركها الحروف وتجعل القارئ ينشدّ لقراءتها ويعيش أجواءها
وهذا يحقق أسلوب التشويق وجذب الانتباه المطلوب تواجده في كل خاطرة
3-_ طريقة السرد :
فمثلا نستخدم ضمير المتكلم عندمانريد البوح والاعتراف
ونستخدم أسلوب ضمير الغائب عندما نريد أن نتحدث عن هموم الغير
ونشعر بأحاسيسهم فلكل سرد مزايا معينة
4-إحياء المواقف :
فعندما تحوي الخاطرة موقف معين يجب على الكاتب أن يجعل في ذهنه
تحويل هذا الموقف عبر مرآة الحروف إلى مشهد يجعلنا نشاهده بأعيننا
وذلك باستخدام الوصف الدقيق الموجز 5-فصل الخاطرة :
بحيث يجعلها كاتبها مقسمة ومتسلسلة إلى مقدمة يمهّد لها
وعرض يطرق فيه محوره الرئيسي
وخاتمة مؤثرة تحوي لب وخلاصة شعوره المتدفق 6-التناسق :
بحيث تكون الخاطرة مرتبةالأفكار
وتسير في خط معين لا تحيد عنه
ويتم إزالة الكلمات الزائدة التي لا تضيف شيئاً للخاطرة 7-_ الخيال والتصاوير والتشبيهات المجازية:
تجعل للخاطرة رونق ونكهة محببّة ومستساغة ..
فمثلا نجعل القمر يبتسم
والزهور تتكلم
والنسيم يتراقص
وهكذا 8_ العنوان:
ويجب أن يكون معبّراً عن الفكرة الرئيسية ويفضّل أن يكون
مجرّد إيحاء أو عاكس لثوب الخاطرة ولا بأس أن يكون مقتبس من سياق الخاطرة
على أن يكون هذا العنوان قوي التعبير وعميق المعنى
ومؤثّر في النفوس حتى يجذب الإنتباه
أخيراً أتمنى أن أكون قد أفدتكم كما أتمنى أن تحاولوا قدر الإمكان
التقيّد في هذهِ الأمور حتّى نرى خواطركم وقد تحوّلت من شكلها
التقليدي إلى شكلها الإبداعي
وهذهِ تحيّة خالصة ومخلصة من أخوكم